الزهد الكبير للبيهقى 2
ما بالنا نشكو فقرنا إلى مثلنا ، ولا نطلب كشفه من ربنا ، ثكلته أمه أن عبدا أحب عبدا للدنيا ، وليس عنده ما في خزائن مولاه
« كفى به ذنبا أن الله يزهدنا في الدنيا ونحن نرغب فيها فزاهدكم راغب وعابدكم مقصر وعالمكم جاهل »
« إن الدنيا بحر عميق ، هلك فيه عالم وخلق كثير ، فاجعل سفينتك فيه الإيمان بالله ، واجعل حشوها تقوى الله وطاعته ، واجعل شراعها الدين ، به تجري توكلا على الله ، لعلك تنجو ولعلك لا تنجو »
« ومن لم تبك عليه الدنيا لم تضحك الآخرة إليه ، والإنسان في خلقه أحسن منه من جديد غيره ، والهالك حقا من ضل في آخر سفره وقد قارب المنزل »
إن كنت تصدقت بما مضى من عمرك على الدنيا وهو الأكثر فتصدق بما بقي من عمرك على الآخرة وهو الأقل
« كل الدنيا فضول إلا خمس خصال : خبز يشبعه ، وماء يرويه ، وثوب يستره ، وبيت يكنه ، وعلم يستعمله »
« ينبغي أن يترك المريد الدنيا مرتين : مرة بنضارتها ، ونعيمها ، وألوان مطاعمها ، ومشاربها ، وجميع ما فيها ، ثم إذا عرف بترك الدنيا ويبجل ويكرم بها ، فينبغي أن يستتر إذ ذاك حاله بالإقبال على أهلها لئلا يكون تركه للدنيا ذنبا هو أعظم من الإقبال على الدنيا وطلبها ، أو فتنة أعظم منها »
الدنيا بأجمعها لا تستوي غم ساعة فكيف بغم طول عمرك فيها وقطع إخوانك بسببها مع قليل نصيبك منها
« إذا ابتدأت في أمرين لا تدري أيهما الصواب فانظر أيهما أقرب إلى هواك فخالفه ؛ فإن كثرة الصواب في خلاف الهوى »
« أشد الجهاد جهاد الهوى ، من منع نفسه هواها فقد استراح من الدنيا وبلائها ، وكان محفوظا معافى من أذاها »
« أقرب ، شيء إلى مقت الله قال : رؤية النفس وأحوالها ، وأشد من ذلك مطالعة الأعواض على أفعالها »
« من رأى عيبا من نفسه ولم يجد في قلبه وجعا حتى يتجرد منه أخاف أن تكون رؤيته لعيبه لا تزيده إلا عجبا وإصرارا »
« أحسن الأشياء خمسة : البكاء على الذنوب ، وإصلاح العيوب ، وطاعة علام الغيوب ، وجلاء الرين من القلوب ، وأن لا يكون لكل ما يهوى ركوبا »
« الشهوة ثلاثة : شهوة في الأكل ، وشهوة في الكلام ، وشهوة في النظر ، فاحفظ الأكل بالثفة ، واللسان بالصدق ، والنظر بالعبرة »
« أحب الإسلام ، وأهله وأحب الفقراء ، وأحب الغريب من كل قلبك ، وادخل في غموم الدنيا واخرج منها بالصبر ولا تيأس من رجل أن يكون على خير فيرجع إلى شر فيموت بشر ، ولا تيأس من رجل يكون على شر فيرجع إلى خير فيموت بخير ، وليردك عن الناس ما تعرف من نفسك »
« ابدأ بنفسك فجاهدها ، وابدأ بنفسك فاغزها ، فإنك إن قتلت فارا بعثك الله فارا ، وإن قتلت صابرا محتسبا بعثك الله صابرا محتسبا »
« إن الدنيا تقول : أنا المركب المقوم ، وأنا البيت ذو الأفاعي ، أنا حية الوادي ، أنا الذي أهين من أكرمني وأكرم من أهانني وأؤمن من توكل »
من خاف الموت أدرك الفوت ، ومن لم يقبح نفسه عن الشهوات أسرعت به التبعات ، والجنة والنار أمامك
« الزهد في الدنيا الزهد في النفس ، ومعناه في شهواتها ومحبوبها كله إذا كان يشغل عن الله عز وجل وراحاتها »
« إن مطعم ابن آدم قد ضرب للدنيا مثلا ، فانظر ما يخرج من ابن آدم ، وإن قزحه وملحه قد علم إلى ما يصير »
« إن الله يحب ثلاثا ويبغض ثلاثا ، فأما ما يحب ؛ فقلة الكلام ، وقلة النوم ، وقلة الأكل ، وأما ما يبغض ؛ فكثرة الكلام ، وكثرة الأكل ، وكثرة النوم »
حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة ؛ فإنه من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة ، عاد مرجعه إلى الرضاء والغبطة ، ومن ألهته حياته وشغله مهواه عاد مرجعه إلى الندامة والحسرة ، فتذكر ما توعظ به لكي تنتهي عما تنهى عنه
« إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء ، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح ، وخذ من صحتك قبل سقمك ، ومن حياتك قبل موتك ، يا عبد الله ، لا تدري ما اسمك غدا »
« من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل ، ومن أطلق بصره طال أسفه ، ومن أطلق أمله ساء عمله ، ومن أطلق لسانه قتل نفسه »
« ويل لمن كانت الدنيا أمله ، والخطايا عمله ، عظيم بطشه ، قليل فطنته ، عالم بأمر دنياه ، جاهل بأمر آخرته »
الدنيا ثلاثة أيام : « أما أمس فقد ذهب بما فيه ، وأما غدا فلعلك أن لا تدركه ، فاليوم لك فاعمل فيه »
« تفكروا واعملوا من قبل أن تندموا ، ولا تغتروا بالدنيا ، فإن صحيحها يسقم ، وجديدها يبلى ، ونعيمها يفنى ، وشبابها يهرم »
« من لم يترك الدنيا اختيارا تتركه الدنيا اضطرارا ، ومن لم تزل عنه نعمته في حياته زال عنه نعمته بعد وفاته »
« المغبوط من الناس من ترك الدنيا قبل أن تتركه ، وبنى قبره قبل أن يدخله ، وأرضى ربه قبل أن يرضاه »
« لن ينال الرجل درجة الصالحين حتى يجوز ست عقبات ، أوله : يغلق باب الرحمة ، ويفتح باب الشدة ، والثاني : يغلق باب العز ويفتح باب الذل ، والثالث : يغلق باب الراحة ويفتح باب الجهد ، والرابع : يغلق باب النوم ويفتح باب السهر ، والخامس : يغلق باب الغنى ويفتح باب الفقر ، والسادس : يغلق باب الأمل ويفتح باب الاستعداد للموت »
« مثل المؤمن مثل الولد في الرحم لا يحب الخروج ، فإذا خرج لم يحب أن يدخل ، وكذلك المؤمن إذا خرج من الدنيا فعاين ثواب الله لم يحب أن يرجع إلى الدنيا »
« عباد الرحمن يقال لأحدنا : تحب أن تموت ؟ فيقول : لا ، فيقال : لم ؟ فيقول : حتى أعمل ، فيقال له : اعمل ، فيقول : سوف ، فلا يحب أن يموت ولا يحب أن يعمل ، وأحب شيء إليه أن يؤخر عمل الله عز وجل ولا يحب أن يؤخر عنه عرض دنياه »
« عجبت ممن يحزن على نقصان ماله ولا يحزن من فناء عمره ، وعجبت من الدنيا مولية عنه والآخرة مقبلة إليه يشتغل بالمدبرة ، ويعرض عن المقبلة »
« ابن آدم طأ الأرض بقدمك فإنها عن قليل تكون قبرك ، ابن آدم إنما أنت أيام ، فكلما ذهب يوم ذهب بعضك ، ابن آدم إنك لم تزل في هدم عمرك منذ يوم ولدتك أمك »
« ابن آدم إنك بين مطيتين يوضعانك ، الليل إلى النهار ، والنهار إلى الليل حتى يسلمانك إلى الآخرة ، فمن أعظم منك يا ابن آدم خطرا »
« من كانت الدنيا أكبر همه طال غدا في القيامة غمه ، ومن خاف الوعيد لها من الدنيا عما يريد ، ومن خاف ما بين يديه ضاق ذرعه بما في يديه ، إن كنت يا أبا معاوية تريد لنفسك الجزيل فلا تنم الليل ولا تقل ، قدم صالح الأعمال ودع عنك كثرة الأشغال ، بادر بادر قبل نزول ما تحاذر قال : ثم جعل يبكي »
« قبل أن تسقم ، فتضنى وتهرم ، فتفنى ، ثم تموت ، فتنسى ، ثم تقبر ، فتبلى ، ثم تبعث ، فتحيى ، ثم تحضر ، فتدعى ، ثم توقف ، فتجزى بما قدمت وأمضيت وأذهبت فأفنيت من موبقات سيئاتك ، ومتلفات شهواتك ، فالآن الآن وأنتم سالمون »
« من خاف الوعيد قصر عليه البعيد ، ومن طال أمله قصر عمله ، وكل ما هو آت قريب ، واعلم يا داود أن كل شيء يشغلك عن ربك فهو مشئوم ، واعلم يا داود إن أهل الدنيا جميعا من أهل القبور إنما يندمون على ما يخلفون ويفرحون بما يقدمون ، فبما عليه أهل القبور يندمون عليه أهل الدنيا يقتتلون وفيه يتنافسون وعليه عند القضاء يختصمون ، ثم نظر إلي ، فقال : لو علمت أنك خلفي لم أنطق بحرف »
« أيها الناس ، إنكم لم تخلقوا للفناء وإنما خلقتم للبقاء ، وإنما تنقلون من دار إلى دار كما نقلتم من الأصلاب إلى الأرحام ، ومن الأرحام إلى الدنيا ومن الدنيا إلى القبور ، ومن القبور إلى الموقف ومن الموقف إلى جنة أو نار »
« كفى بالله محبا ، وبالقرآن مؤنسا ، وبالموت واعظا ، وكفى بخشية الله علما ، والاغترار بالله جهلا »
« إن هذا الموت فضح الدنيا ولم يدع لذي لب فرحا ، يا لها من موعظة لو وافقت من القلوب حياة »
« أي عبد أعظم حالا من عبد يأتيه ملك الموت وحده ويدخل قبره وحده ويوقف بين يدي الله وحده ومع ذلك ذنوب كثيرة ونعم من الله كثيرة »
« الدنيا دار أشغال ، والآخرة دار أهوال ، ولا يزال العبد بين الأشغال والأهوال حتى يستقر به القرار ، إما إلى جنة وإما إلى نار »
« أبكي لبعد سفري وقلة زادي ، وأني أصبحت في صعود مهبطة ، على جنة أو نار فلا أدري إلى أيتهما يسلك بي »
« إخواني ، عليكم بالمبادرة ، والجد والاجتهاد وسارعوا ، وسابقوا ، فإن نعلا فقدت أختها سريعة اللحاق بها »
« يا أخي أما علمت أن الموت أمامك لا تدري متى يأتيك صباحا أو مساء ليلا أو نهارا ، ثم القبر وهول المطلع ومنكر و نكير ، وبعد ذلك القيامة يوم يحشر فيه المبطلون »
« لا ينبغي أن يشغلنا أمل الاستقامة من وجل القيامة والوجل من القيامة أولى بنا من أمل الاستقامة »
« الموت كسوف قمر الحياة ، وخسوف شمسها ، وهو ليوم الحياة مساء ، والمحسن والمسيء فيها سواء ، وهو منتهى راحة قوم ومبتدأ عذابهم ، والموت بين الدنيا والآخرة جسر عليه بكل أحد معبر عليه ، والموت وإن كان للحياة الفانية آخرا فهو للحياة الباقية أولا وصدرا »
أوحش ما يكون ابن آدم في ثلاثة مواطن : في يوم ولد فيخرج إلى دار هم ، وليلة يبيت مع الموتى فيجاور جيرانا لم ير مثلهم ، ويوم يبعث فيشهد مشهدا لم ير مثله قط
« إنما يحب البقاء من كان عمره له غنما ، وزيادة في عمله ، فأما من غبن عمره واستزله هواه ، فلا خير له في طول الحياة »
« يا خاضب الشيب بالحناء تستره سل المليك له سترا من النار لن يرحل الشيب عن دار أقام بها حتى يرحل عنها صاحب الدار »
« إن يسار النفس أفضل من يسار المال ، فمن لم يرزق غنى ، فلا يحرم تقوى ، فرب شبعان في النعم غرثان من الدين والكرم ، وإن المؤمن على خير حتى ترحب به الأرض وتستبشر به السماء ، ولن يساء إليه في بطنها وقد أحسن على ظهرها ، وإن الموت ليتقحم على الشيخ كتقحم الشيب على الشباب ، فمن عرف الدنيا لم يفرح فيها برخاء ، ولم يجزع فيها على بلوى »
« ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ، ولكن الخير أن يكثر عملك ، وأن يعظم حلمك ، وأن تبادر في عبادة ربك ، ولا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين : رجل أذنب ذنوبا فهو يتدارك ذنوبه بالتوبة ، أو يسارع في دار الآخرة ولا يقل التقوى ، وكيف يقل ما يتقبل »
« أثقل الأعمال في الميزان أثقلها على الأبدان ، ومن وفى العمل وفي له الأجر ، ومن لم يعمل رحل من الدنيا إلى الآخرة بلا قليل ولا كثير »
« من آثر الله آثره الله ، فرحم الله عبدا استعان بنعمته على طاعته ، ولم يستعن بنعمته على معصيته ، فإنه لا يأتي على صاحب الحسنة ساعة إلا وهو مزاد صنفا من النعيم لا يكون يعرفه ، ولا يأتي على صاحب العذاب ساعة إلا وهو مستنكر لشيء من العذاب لا يكون يعرفه »
« العبودية في أربع خصال : الوفاء بالعهود ، والحفظ للحدود ، والرضا بالموجود ، والصبر عن المفقود »
« من ألزم نفسه آداب السنة نور الله قلبه بنور المعرفة ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم في أوامره وأفعاله وأخلاقه والتأدب بآدابه قولا وفعلا وعزما وعقدا ونية »
« مدار العبودية على ستة أشياء : التعظيم ، والحياء ، والخوف ، والرجاء ، والمحبة ، والهيبة ، فمن ذكر التعظيم يهيج الإخلاص ، ومن ذكر الحياء يكون العبد على خطرات قلبه حافظا ، ومن ذكر الخوف يتوب العبد من الذنوب ، ومن ذكر الرجاء يتسارع إلى الطاعات ، ومن ذكر المحبة تصفو له الأعمال ، ومن ذكر الهيبة يدع التملك والاختيار »