فوائد من شرح الأربعين النووية للشيخ ابن عثيمين
حديث شريف
فإن الحافظ النووي رحمه الله من أصحاب الشافعي المعتبرة أقوالهم، ومن أشد الشافعية حرصاً على التأليف،فقد ألف في فنون شتى، في الحديث وعلومه، وألف في علم اللغة كتاب (تهذيب الأسماء واللغات) وهو في الحقيقة من أعلم الناس، والظاهر والله أعلم أنه من أخلص الناس في التأليف، لأن تأليفاته رحمه الله انتشرت في العالم الإسلامي، فلا تكاد تجد مسجداً إلا ويقرأ فيه كتاب (رياض الصالحين)، وكتبه مشهورة مبثوثة في العالم مما يدل على صحة نيته، فإن قبول الناس للمؤلفات من الأدلة على إخلاص النية.
وهو رحمه الله مجتهد، والمجتهد يخطئ ويصيب، وقد أخطأ في مسائل الأسماء والصفات، فكان يؤول فيها لكنه لا ينكرها، فمثلاً: (استوى على العرش) يقول أهل التأويل معناها: استولى على العرش، لكن لا ينكرون: (استوى) لأنهم لو أنكروا الاستواء تكذيباً لكفروا، فهم يصدقون به، ولكن يحرفونه.
ومثل هذه المسائل التي وقع منه رحمه الله خطأ في تأويل بعض نصوص الصفات إنه لمغمور بما له من فضائل ومنافع جمة،ولا نظن أن ما وقع منه إلا صادر عن اجتهاد وتأويل سائغ ولو في رأيه ـوأرجو أن يكون من الخطأ المغفور، وأن يكون ما قدمه من الخير والنفع من السعي المشكور، وأن يصدق عليه قول الله تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات).
ولقد ضل قوم من الخلف الخالفين الذين أخذوا يسبونه سباً عظيماً حتى بلغني أن بعضهم قال: يجب أن يحرق شرح النووي على صحيح مسلم، نسأل الله العافية.
فالنووي نشهد له فيما نعلم من حاله بالصلاح، وأنه مجتهد، وأن كل مجتهد يصيب ويخطئ، إن أخطأ فله أجر واحد، وإن أصاب فله أجران.
وقد ألف مؤلفات كثيرة من أحسنها هذا الكتاب:
(الأربعون النووية)، وهي ليست أربعين، بل هي اثنان وأربعون، لكن العرب يحذفون الكسر في الأعداد فيقولون: أربعون. وإن زاد واحداً أو اثنين، أو نقص واحداً أو اثنين.
وهذه الأربعون ينبغي لطالب العلم أن يحفظها، لأنها منتخبة من أحاديث عديدة، وفي أبواب متفرقة بخلاف غيرها من المؤلفات.
عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها،أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه).
حديث شريف
في قوله صلى الله عليه وسلم (ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) من البلاغة:
إخفاء نية من هاجر للدنيا، لقوله: (فهجرته إلى ما هاجر إليه) ولم يقل: إلى دنيا يصيبها..
والفائدة البلاغية في ذلك هي:
تحقير ما هاجر إليه هذا الرجل، أي ليس أهلاً لأن يذكر، بل يكنى عنه بقوله: إلى ما هاجر إليه.
حديث شريف
مســـألة:
بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم هل يمكن أن نهاجر إليه عليه الصلاة والسلام؟
أما شخصه صلى الله عليه وسلم فلا، و لذلك لا يُهاجر إلى المدينة من أجل شخص الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه تحت الثرى، وأما الهجرة إلى سنته وشرعه صلى الله عليه وسلم فهذا مما جاء الحث عليه وذلك مثل: الذهاب إلى بلد لنصرة شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم والذود عنها. فالهجرة إلى الله في كل وقت وحين، والهجرة إلى رسول الله لشخصه وشريعته حال حياته، وبعد مماته إلى شريعته فقط.
نظير هذا قوله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) إلى الله دائماً، وإلى الرسول نفسه في حياته، وإلى سنته بعد وفاته. فمن ذهب من بلد إلى بلد ليتعلم الحديث، فهذا هجرته إلى الله ورسوله، ومن هاجر من بلد إلى بلد لامرأة يتزوجها، بأن خطبها وقالت لا أتزوجك إلا إذا حضرت إلى بلدي فهجرته إلى ما هاجر إليه.
حديث شريف
قرن الرسول صلى الله عليه وسلم مع الله تعالى بالواو حيث قال: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله) ولم يقل: ثم رسوله، مع أن رجلاً قال للرسول صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت، فقال: (بل ما شاء الله وحده) فما الفرق؟
الجـــواب:
أما ما يتعلق بالشريعة: فيعبر عنه بالواو، لأن ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من الشرع كالذي صدر من الله تعالى كما قال تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله).
وأما الأمور الكونية: فلا يجوز أن يقرن مع الله أحد بالواو أبداً، لأن كل شيء تحت إرادة الله تعالى ومشيئته.
فإذا قال قائل: هل ينزل المطر غداً؟
فقيل: الله ورسوله أعلم، فهذا خطأ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس عنده علم بهذا.
وإذا قال: هل هذا حرام أم حلال؟..
فقيل في الجواب: الله ورسوله أعلم، فهذا صحيح، لأن حكم الرسول صلى الله عليه وسلم في الأمور الشرعية حكم الله تعالى كما قال عز وجل: (من يطع الرسول فقد أطاع الله).
حديث شريف
هل الهجرة واجبة أم مستحبة؟
الجـــواب:
فيه تفصيل، إذا كان الإنسان يستطيع أن يظهر دينه وأن يعلنه ولا يجد من يمنعه من ذلك، فالهجرة هنا مستحبة. وإن كان لا يستطيع فالهجرة واجبة وهذا هو الضابط للمستحب والواجب.
وهذا يكون في البلاد الكافرة، أما في البلاد الفاسقة وهي التي تعلن الفسق وتظهره فإنا نقول: إن خاف الإنسان على نفسه من أن ينزلق فيما انزلق فيه أهل البلد فهنا الهجرة واجبة، وإن لم يخف فتكون غير واجبة، بل نقول إن كان في بقائه إصلاح، فبقاؤه واجب لحاجة البلد إليه في الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والغريب أن بعضهم يهاجر من بلد الإسلام إلى بلد الكفر. وإذا هاجر أهل الإصلاح من بلد الإسلام، من الذي يبقى ينكر على أهل الفساد؟ وربما تنحدر البلاد أكثر بسبب قلة أهل الإصلاح وكثرة أهل الفساد والفسق. لكن إذا بقي ودعا إلى الله بحسب الحال فسوف يصلح غيره، وغيره يصلح غيره حتى يكون هؤلاء على أيديهم صلاح البلد، وإذا صلح عامة الناس فإن الغالب أن من بيده الحكم سيصلح، ولو عن طريق الضغط.
ولكن الذي يفسد هذا للأسف الصالحون أنفسهم، فتجد هؤلاء الصالحين يتحزبون ويتفرقون وتختلف كلمتهم من أجل الخلاف في مسألة من مسائل الدين التي يغتفر فيها الخلاف، هذا هو الواقع،لاسيما في البلاد التي لم يثبت فيها الإسلام تماماً، فربما يتعادون ويتباغضون ويتناحرون من أجل مسألة رفع اليدين في الصلاة، وأقرأ عليكم قصة وقعت لي شخصياً في منى، في يوم من الأيام أتى لي مدير التوعية بطائفتين من إفريقيا تكفر إحداهما الأخرى، على ماذا؟ ! قال: إحداهما تقول: السنة في القيام أن يضع المصلي يديه على صدره، والأخرى تقول السنة أن يطلق اليدين، وهذه المسألة فرعية سهلة ليست من الأصول، قالوا: لا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من رغب عن سنتي فليس مني) وهذا كفر تبرأ منه الرسول صلى الله عليه وسلم، فبناء على هذا الفهم الفاسد كفرت إحداهما الأخرى.
فالمهم:
أن بعض أهل الإصلاح في البلاد التي ليست مما قوي فيها الإسلام يبدع ويفسق بعضهم بعضاً، ولو أنهم اتفقوا وإذا اختلفوا اتسعت صدورهم لما يسوغ في الاختلاف، وكانوا يداً واحدة لصلحت الأمة، ولكن إذا رأت الأمة أن أهل الإصلاح والاستقامة بينهم هذا الحقد والخلاف في مسائل الدين، فستضرب صفحاً عنهم وعما عندهم من خير وهدى، بل يمكن أن يحدث ركوس ونكوس وهذا ما حدث والعياذ بالله.
فترى الشاب يدخل في الاستقامة على أن الدين خير وهدى وانشراح صدر وقلب مطمئن ثم يرى ما يرى من المستقيمين من خلاف حاد وشحناء وبغضاء فيترك الاستقامة لأنه ما وجد ما يطلبه، والحاصل أن الهجرة من بلاد الكفر ليست كالهجرة من بلاد الفسق، فيقال للإنسان: اصبر واحتسب ولاسيما إن كنت مصلحاً، بل قد يقال: إن الهجرة في حقك حرام
حديث شريف
أخطأ بعض المؤرخين الذين قالوا: إن هناك رسولاً أو أكثر قبل نوح عليه السلام، فليس قبل نوح رسول بدليل قول الله تعالى: (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده) وقال الله عز وجل: (ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب) أي في ذريتهم خاصة.
ومن السنة ما جاء في حديث الشفاعة أن الناس يأتون نوح فيقولون له: (أنت أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض) فعقيدتنا أن أو الرسل نوح عليه السلام، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم.
حديث شريف
وقع في قصة الصحابي الجليل ثابت بن قيس رضي الله عنه مسألة غريبة:
مر به أحد الجنود وهو ميت وعلى ثابت رضي الله عنه درع جيد، فأخذ الجندي الدرع منه ثم ذهب به إلى رحله وجعل عليه برمة ـ البرمة قدر من الخزف ـ وفي الليل رأى أحد أصحاب ثابت ثابتاً رضي الله عنه في المنام وأخبره الخبر وقال له: مر بي رجل من الجند وأخذ درعي ووضعه تحت برمة في طرف العسكر وحوله فرس تستن، أي رافعة إحدى قوائمها.
فلما أصبح الرجل الذي رأى هذه الرؤيا أخبر بها القائد خالد بن الوليد رضي الله عنه فأرسله إلى المكان، ولما أرسله إلى المكان وجد الأمر كما قال ثابت ـفسبحان الله العظيم ـ ما الذي أعلم ثابتاً وهو ميت، لكن الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، فأخذ الدرع.
كما أن ثابتاً رضي الله عنه أوصى بوصية بعد موته، وأُبلغت أبا بكر رضي الله عنه فنفذ الوصية، قالوا: و لا يوجد أحد نفذت وصيته التي أوصى بها بعد موته إلا ثابت بن قيس رضي الله عنه، لكن يشكل على هذا كيف نعتبر الرؤيا في تنفيذ الوصية؟..
والجـــواب:
أنه إذا دلت القرائن على صدق الرؤيا نُفذت الوصية ولا حرج.
ولقد حدثني رجل أثق به يقول: إنه مات أبوه وكان قد استأجر البيت الذي تركه بعد موته لمدة كذا سنة، فلما مات أتى أهل البيت الذين يملكون رقبة البيت وقالوا للورثة: اخرجوا عن البيت، البيت بيتنا، فقالوا: لن نخرج،بين مورثنا وبينكم عقد لم ينته بعد، فقالوا: بل انتهى العقد، ففزع الورثة من هذه الدعوى وضاقت بهم الأرض، يقول: فلما كان ذات ليلة رأيت في المنام أن أبي أطل علينا من فرجة المجلس وقال لهم: العقد في أول صفحة من الدفتر لكنه لاصق في جلدة الدفتر، فلما أصبح وفتح أول صفحة وجد العقد.
سبحان الله، فالله تعالى قد يخبر بعض الموتى ببعض ما يحصل على أهله، لكن هذه مسائل ليست لكل أحد.
حديث شريف
من مسائل الأسماء والصفات التي حصل فيها خلاف معنى حديث: (أن الله خلق آدم على صورته) وضجوا وارتفعت أصواتهم وكثرت مناقشاتهم، كيف خلق آدم على صورته؟
فحرفه قوم تحريفاً مشيناً مستكرهاً، وقالوا: معنى الحديث: خلق الله آدم على صورته أي على صورة آدم ـ الله المستعان ـ هل يمكن لأفصح البشر وأنصح البشر أن يريد بالضمير ضمير المخلوق، بمعنى خلق آدم على صورته أي صورة آدم؟ لا يمكن هذا، لأن كل مخلوق فقد خلق على صورته، وحينئذ لا فضل لآدم على غيره، فهذا هراء لا معنى له، أتدرون لم قالوا هذا التأويل المستكره المشين؟..
قالوا: لأنك لو قلت إنها صورة الرب عز وجل لمثلت الله بخلقه، لأن صورة الشيء مطابقة له، وهذا تمثيل.
وجوابنا على هذا أن نقول: لو أعطيت النصوص حقها لقلت خلق الله آدم على صورة الله، لكن ليس كمثل الله شيء.
فإن قال قائل: اضربوا لنا مثلاً نقتنع به، أن الشيء يكون على صورة الشيء وليس مماثلاً له؟
فالجـــواب أن نقـــول:
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أول زُمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أضوء كوكب في السماء).
فهل أنت تعتقد أن هؤلاء الذين يدخلون الجنة على صورة القمر من كل وجهه أو تعتقد أنهم على صورة البشر لكن في الوضاءة والحسن والجمال واستدارة الوجه وما أشبه ذلك على صورة القمر، لا من كل وجه، فإن قلت بالأول فمقتضاه أنهم دخلوا وليس لهم أعين وليس لهم أفواه، وإن قلت بالثاني: زال الإشكال وثبت أنه لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً له من كل وجه.
فالمهم أن باب الصفات باب عظيم،وخطره جسيم، ولا يمكن أن ينفك الإنسان من الورطات و الهلكات التي يقع فيها إلا باتباع السلف الصالح، أثبت ما أثبته الله تعالى لنفسه وانف ما نفي الله عن نفسه، فتستريح.
حديث شريف
يقول بعض الناس: الله تعالى له أصابع، ويقول المحرفون: ليس له أصابع، والمراد بقوله: (إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن) كمال السيطرة والتدبير، سبحان الله، أأنتم أعلم أم رسول الله؟ نفوا الأصابع لظنهم أن إثباتها يستلزم التمثيل، فمثلوا أولاً وعطلوا ثانياً، فجمعوا بين التمثيل والتعطيل.
وجاء آخرون فقالوا: قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن، وأمسك المسواك بين أصابعه وقال: بين أصبعين من أصابع الرحمن. (قطع الله هاتين الأصبعين) فهل يحل هذا؟
الجـــواب: لا يحـــل.
أولاً: هل تعلم أن أصابع الله تعالى خمسة: إبهام وسبابة ووسطى وبنصر وخنصر؟ لا تعلم.
ثانياً: هل تعلم أن كون القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، بين الإبهام والسبابة، أو بين الإبهام والوسطى، أو بين الإبهام والبنصر، أم بين الإبهام والخنصر؟ كيف تقول على الله ما لا تعلم أم على الله يفترون، فمثل هذا يستحق أن يؤدب لأنه قال على الله ما لا يعلم.
فقالوا: أليس النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (وكان الله سميعاً بصيراً) وضع إبهامه وسبابته على العين والأذن؟..
نقول: بلى، لكن أنت لست رسولاً حتى تفعل هذا، ثم المقصود من وضع الرسول صلى الله عليه وسلم أصبعيه تحقيق السمع والبصر فقط.
وأكرر أن باب الصفات باب عظيم، احذر أن تزل، فتحت رجلك هوة، والأمر صعب جداً.
احذروا باب الصفات أن تخوضوا في شيء لم يتكلم فيه السلف الصالح.
يقول بعض العلماء: من لم يسعه ما وسع الصحابة والتابعين فلا وسع الله عليه.
حديث شريف
جبريل وميكائيل وإسرافيل هؤلاء الثلاثة كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكرهم عندما يستفتح صلاة الليل فيقول:
(اللهم رب جبرائيل و ميكائيل و إسرافيل)
والحـكـمـة مـن هـــذا:
أن كل واحد منهم موكل بحياة: فجبريل موكل بالوحي وهو حياة القلوب كما قال: (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا)، وميكائيل موكل بالقطر والنبات وهو حياة الأرض، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور وهو حياة الناس الحياة الأبدية.
والمناسبة ظاهرة، لأنك إذا قمت من النوم فقد بعثت من موت، كما قال تعالى: (وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه)،
وقال عز وجل: (الله الذي يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويُرسل الأخرى إلى أجل مسمى).
إذا كان القيام من الليل بعثاً وهؤلاء الملائكة الثلاثة الكرام كلهم موكلون بحياة، صارت المناسبة واضحة.
حديث شريف
أول الرسل نوح عليه السلام، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، واعلم بأنك ستجد في بعض كتب التاريخ أن إدريس عليه الصلاة والسلام كان قبل نوح عليه السلام، وأن هناك بعضاً آخرين مثل شيث، كل هذا كذب وليس بصحيح.
فإدريس بعد نوح قطعاً، وقد قال بعض العلماء: إن إدريس من الرسل في بني إسرائيل، لأنه دائما يذكر في سياق قصصهم، لكن نعلم علم اليقين أنه ليس قبل نوح، والدليل قول الله تعالى: (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده)، وقال الله: (ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة) فأرسلهم الله وهم القمة، وجعل في ذريتهما النبوة والكتاب، فمن زعم أن إدريس قبل نوح فقد كذّب القرءان وعليه أن يتوب إلى الله من هذا الاعتقاد.
حديث شريف
الإيمان إذا ذكر وحده دخل فيه الإسلام، قال الله تعالى: (وبشر المؤمنين) بعد أن ذكر (تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم).
أما إذا ذكرا جميعاً فيفترقان، فيفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة من أقوال اللسان وعمل الجوارح، والإيمان بالأعمال الباطنة من اعتقادات القلوب وأعمالها.
ويدل على التفريق قول الله عز وجل: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم).
فإن قال قائل: في قولنا إذا اجتمعا افتراقا إشكال، وهو قول الله تعالى في قوم لوط: (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين). فعبر بالإسلام عن الإيمان؟
فالجـــواب:
أن هذا الفهم خطأ وأن قوله: (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين) يخص المؤمنين وقوله: (فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) يعم كل من كان في بيت لوط،وفي بيت لوط من ليس بمؤمن، وهي امرأته التي خانته وأظهرت أنها معه وليست كذلك، فالبيت بيت مسلمين، لأن المرأة لم تظهر العداوة والفرقة، لكن الناجي هم المؤمنون خاصة، ولهذا قال:: (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين). وهم ما عدا هذه المرأة، أما البيت فهو بيت مسلم.
حديث شريف
احتج المشركون بالقدر على شركهم كما قال الله عنهم: (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء).
والجـــواب:
قال الله تعالى: (كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا) فلم تقبل منهم هذه الحجة، لأن الله تعالى جعل ذلك تكذيباً وجعل له عقوبة: (حتى ذاقوا بأسنا).
فإن قال قائل: إن لدينا حديثاً أقر فيه النبي صلى الله عليه وسلم الاحتجاج بالقدر، وهو أن آدم وموسى تحاجا ـ تخاصما ـ فقال موسى لآدم: أنت أبونا خيبتنا، أخرجتنا ونفسك من الجنة ـ لأن خروج آدم من الجنة من أجل أنه أكل من الشجرة التي نُهي عن الأكل منها ـ فقال له آدم: أتلومني على شيء قد كتبه الله على قبل أن يخلقني، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حج آدم موسى) مرتين أو ثلاثاً وفي لفظ (فحجه آدم) يعني غلبه في الحجة.
هذا يتمسك به من يحتج بالقدر على فعل المعاصي.
ولكن كيف المخرج من هذا الحديث الذي في الصحيحين؟
أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية بجواب، وأجاب تلميذه ابن القيم رحمهم الله:
شيخ الإسلام رحمه الله قال:
إن آدم عليه الصلاة والسلام فعل الذنب، وصار ذنبه سبباً لخروجه من الجنة، لكنه تاب من الذنب، وبعد توبته اجتباه الله وتاب عليه وهداه، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، ومن المحال أن موسى عليه الصلاة والسلام وهو أحد أولي العزم من الرسل يلوم أباه على شيء تاب منه ثم اجتباه الله بعد، وتاب عليه وهداه، وإنما اللوم على المصيبة التي حصلت بفعله، وهي إخراج الناس ونفسه من الجنة، فإن سبب هذا الإخراج هو معصية آدم، على أن آدم عليه السلام لاشك أنه لم يفعل هذا ليخرج من الجنة حتى يلام، فكيف يلومه موسى عليه السلام؟
وهذا وجه ظاهر في أن موسى عليه السلام لم يرد لوم آدم على فعل المعصية، إنما على المصيبة التي هي من قدر الله، وحينئذ يتبين أنه لا حجة في الحديث لمن يستدل على فعل المعاصي، إذ أنه احتج على المصيبة وهي الإخراج من الجنة، ولهذا قال: أخرجتنا ونفسك من الجنة ولم يقل: عصيت ربك، فهنا كلام موسى مع أبيه آدم على المصيبة التي حصلت، وهي الإخراج من الجنة، وإن كان السبب فعل آدم. وقال: اللوم على المصائب وعلى المعائب إن استمر الإنسان فيها.
وأما تلميذه ابن القيم رحمه الله فأجاب بجواب آخر قال:
إن اللوم على فعل المعصية بعد التوبة منها غلط،وإن احتجاج الإنسان بالقدر بعد التوبة من المعصية صحيح. فلو أن إنساناً شرب الخمر، فجعلت تلومه وهو قد تاب توبة صحيحة وقال هذا أمر مقدر علي وإلا لست من أهل شرب الخمر، وتجد عنده من الحزن والندم على المعصية شيئاً عظيماً، فهذا يقول ابن القيم: لا بأس به.
أما الاحتجاج بالقدر الممنوع فهو:
أن يحتج بالقدر ليستمر على معصيته، كما فعل المشركون، أما إنسان يحتج بالقدر لدفع اللوم عنه مع أن اللوم قد اندفع بتوبته فهذا لا بأس به.
وهذا الجواب جواب واضح يتصوره الإنسان بقرب، وإن كان كلام شيخ الإسلام أسد وأصوب، لكن لا مانع بأن يُجاب بما أجاب به العلامة ابن القيم.
حديث شريف
الأجل لا يتقدم لحظة ولا يتأخر، فإذا تم الأجل انتهت الحياة، وأذكر لكم قصة وقعت في عنيزة: مر دباب أي دراجة نارية بتقاطع، وإذا بسيارة تريد أن تقطع، فوقف صاحب الدباب ينتظر عبور السيارة، والسيارة وقفت تنتظر عبور الدباب، ثم انطلقا جميعاً فصُدم الدباب ومات الراكب الرديف الذي وراء السائق، فتأمل الآن وقف هذه الدقيقة من أجل استكمال الأجل (سبحان الله).
قال الله تعالى: (ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها).
حديث شريف
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) أي حتى يقرب أجله تماماً. وليس المعنى حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع في مرتبة العمل، لأن عمله الذي عمله ليس عملاً صالحاً كما جاء في الحديث: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار) لأنه أشكل على بعض الناس: كيف يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يبقى بينه وبينها إلا ذراع ثم يسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها.
فنقول: عمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، ولم يتقدم ولم يسبق، ولكن حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أي يدنو أجله، أي أنه قريب من الموت.
(فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار) فيدع العمل الأول الذي كان يعمله، وذلك لوجود دسيسة في قلبه والعياذ بالله هوت به إلى هاوية.
أقول هذا لئلا يُظن بالله ظن السوء: فو الله ما من أحد يقبل على الله بصدق وإخلاص، ويعمل بعمل أهل الجنة إلا لم يخذله الله أبداً
( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).
اتفق العلماء أن العبادة لا تصح إلا إذا جمعت أمرين
أولهما: الإخلاص.
الثاني: المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.
وليُعلم أن المتابعة لا تتحقق إلا إذا كان العمل موافقاً للشريعة في أمور ستة: سببه، وجنسه، وقدره، وكيفيته، وزمانه، ومكانه
فإذا لم يوافق الشريعة في هذه الأمور الستة فهو باطل مردود، لأنه إحداث في دين الله ما ليس منه.
أولاً: أن يكون العمل موافقاً للشريعة في سببه: وذلك بأن يفعل الإنسان عبادة لسبب لم يجعله الله تعالى سبباً.
مثل: أن يصلي ركعتين كلما دخل بيته ويتخذها سنة، فهذا مردود، مع أن الصلاة أصلها مشروع، لكن لما قرنها بسبب لم يكن سبباً شرعياً صارت مردودة.
( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )
مثـــال آخـــر:
لو أن أحداً أحدث عيداً لانتصار المسلمين في بدر، فإنه يرد عليه، لأنه ربطه بسبب لم يجعله الله ورسوله سبباً.
ثانياً: أن يكون العمل موافقاً للشريعة في الجنس: فلو تعبد لله بعبادة لم يشرع جنسها فهي غير مقبولة.
مثـــال ذلـــك: لو أن أحداً ضحى بفرس، فإن ذلك مردود عليه ولا يقبل منه، لأنه مخالف للشريعة في الجنس، إذ أن الأضاحي إنما تكون من بهيمة الأنعام وهي: الإبل، والبقر، والغنم.
أما لو ذبح فرساً ليتصدق بلحمها فهذا جائز، لأنه لم يتقرب إلى الله بذبحه أضحية وإنما ذبحه ليتصدق بلحمه.
( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )
ثالثاً: أن يكون العمل موافقاً للشريعة في القدر: فلو تعبد شخص لله عز وجل بقدر زائد على الشريعة لم يقبل منه.
ومثـــال ذلـــك: رجل توضأ أربع مرات أي غسل كل عضو أربع مرات، فالرابعة لا تقبل، لأنها زائدة على ما جاءت به الشريعة، بل قد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً وقال: (من زاد على ذلك فقد أساء وتعدى وظلم).
( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )
رابعاً: أن يكون العمل موافقاً للشريعة في الكيفية: فلو عمل شخص عملاً يتعبد به لله وخالف الشريعة في كيفيته، لم يقبل منه، وعمله مردود عليه.
ومثـــاله: لو أن رجلاً صلى وسجد قبل أن يركع، فصلاته باطلة مردودة لأنها لم توافق الشريعة في الكيفية.
وكذلك لو توضأ مُنكساً بأن بدأ بالرجل ثم الرأس ثم اليد ثم الوجه فوضوؤه باطل، لأنه مخالف للشريعة في الكيفية.
( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )
سادساً: أن يكون العمل موافقاً للشريعة في المكان: فلو أن أحداً اعتكف في غير المساجد بأن يكون قد اعتكف في المدرسة أو في البيت، فإن اعتكافه لا يصح لأنه لم يوافق الشرع في مكان الاعتكاف، فالاعتكاف محله المساجد.
فانتبه لهذه الأصول الستة وطبق عليها كل ما يرد عليك.
حديث شريف
عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلو ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى).
(أُمرت) بالبناء لما لم يسم فاعله، لأن الفاعل معلوم وهو الله عز وجل، وإبهام المعلوم سائغ لغة واستعمالاً سواء: في الأمور الكونية أو في الأمور الشرعية.
في الأمور الكونية: قال الله عز وجل: (وخُلق الإنسان ضعيفاً) والخالق هو الله تبارك وتعالى.
وفي الأمور الشرعية: كهذا الحديث: (أُمرت أن أقاتل الناس) وكقوله صلى الله عليه وسلم: (أُمرنا أن نسجد على سبعة أعظم).
قلت: مراد الشيخ رحمه الله والله أعلم، أنه يتأدب مع الله فلا يقال مبني للمجهول كما هو شائع بل يقال: بالبناء لما لم يسم فاعله.
حديث شريف
الإنسان إذا لم يقدر على فعل الواجب كله فليفعل ما استطاع.
ولهـذا مثـــال: يجب على الإنسان أن يصلي الفريضة قائماً، فإن لم يستطع صلى جالساً.
وهنـــا ســؤال:
لو كان يستطيع أن يصلي قائماً لكنه لا يستطيع أن يكمل القيام إلى الركوع، بمعنى: أن يبقى قائماً دقيقة أو دقيقتين ثم يتعب ويجلس، فهل نقول: اجلس وإذا قارب الركوع قم، أو نقول: ابدأ الصلاة قائماً وإذا تعبت اجلس؟
الجـــواب:
هذا فيه تردد عندي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين أخذه اللحم كان يصلي في الليل جالساً فإذا بقي عليه آيات قام وقرأ ثم ركع. وهذا يدل على أنك تقدم القعود أولاً ثم إذا قاربت الركوع فقم.
لكن يرد على هذا أن النفل يجوز أن يصلي الإنسان فيه قاعداً، فإذا قارب الركوع قام.
والفريضة الأصل فيها أن يصلي قائماً، فنقول: ابدأها قائماً ثم إذا تعبت فاجلس، لأنك ربما تعتقد أنك لا تستطيع القيام كله، ثم تقدر عليه، فنقول: ابدأ الآن بما تقدر عليه وهو القيام، ثم إذا عجزت فاجلس، وهذا أقرب.
لكني أرى عمل الناس الآن في المساجد بالنسبة للشيوخ والمرضى، يصلي جالساً فإذا قارب الركوع قام، ولا أنكر عليهم لأني ليس عندي جزم أو نص بأنه يبدأ أولاً بالقيام ثم إذا تعب جلس، لكن مقتضى القواعد أنه يبدأ قائماً فإذا تعب جلس.
حديث شريف
الخيانة لا يوصف الله بها، لأنها نقص بكل حال، فلا يوصف الله تعالى بالخيانة ويدل لهذا قول الله تعالى: (وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم) ولم يقل: فقد خانوا الله من قبل فخانهم، لأن الخيانة خدعة في مقام الأمان، وهي صفة ذم مطلقاً، وبهذا عُرف أن قول (خان الله من يخون) قول منكر فاحش يجب النهي عنه وهو وصف ذم لا يوصف الله به.
حديث شريف
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: (الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء، يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغُذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك).
يستفـــاد من هـــذا:
استبعاد إجابة آكل الحرام لو عمل من أسباب الإجابة ما عمل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر... وقال بعد ذلك: (أنى يستجاب لذلك) وهذا استفهام استبعاد.
لكن هل هذا يعني أنه يستحيل أن يجاب؟
الجـــواب:
لا، لأن الإنسان قد يستبعد شيئاً ولكن يقع، والنبي صلى الله عليه وسلم استبعد هذا تنفيراً عن أكل الحرام.
حديث شريف
رفع اليدين في الدعاء من أسباب الإجابة.
ويكون الرفع بأن ترفع يديك تضم بعضهما إلى بعض على حذاء الثُندؤتين أي أعلى الصدر، ودعاء الابتهال ترفع أكثر من هذا، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستسقاء رفع يديه كثيراً حتى ظن الظان أن ظهورهما نحو السماء منشدة الرفع، وكلما بالغت في الابتهال فبالغ في الرفع.
حديث شريف
هل رفع اليدين مشروع في كل دعاء؟
الجـــواب: هذا على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما ورد فيه الرفع ومثاله: إذا دعا الخطيب باستسقاء أو استصحاء فإنه يرفع يديه والمأمومون كذلك، لما رواه البخاري في حديث أنس: (في قصة الأعرابي الذي طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة أن يستسقي فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ورفع الناس أيديهم معه يدعون).
ومما جاء في السنة رفع اليدين في قنوت النوازل والوتر وكذلك رفع اليدين على الصفا وعلى المروة وفي عرفة وما أشبه ذلك فالأمر فيها واضح.
القسم الثاني: ما ورد فيه عدم الرفع ومثاله: كالدعاء حال خطبة الجمعة فيغير الاستسقاء و الاستصحاء، فلو دعا الخطيب للمؤمنين والمؤمنات أو لنصر المجاهدين في خطبة الجمعة فإنه لا يرفع يديه، ولو رفعهما لأنكر عليه، ففي صحيح مسلم عن عمارة بن رؤيبة أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعاً يديه فقال: (قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد أن يقول بيده هكذا وأشار بإصبعه المسبحة) وكذلك رفع اليدين في دعاء الصلاة كالدعاء بين السجدتين، والدعاء بعد التشهد الأخير، وما أشبه ذلك، هذا أمره ظاهر
القسم الثالث: ما لم يرد فيه شيء أي ما لم يرد فيه الرفع ولا عدمه: فالأصل الرفع لأنه من آداب الدعاء وأسباب الإجابة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً).
لكن هناك أحوال قد يرجح فيها عدم الرفع وإن لم يرد كالدعاء بين الخطبتين مثلاً، فرفع اليدين في هذه الحال محل نظر، فمن رفع على أن الأصل الدعاء رفع اليدين فلا ينكر عليه، ومن لم يرفع بناء على أن هذا ظاهر عمل الصحابة فلا ينكر عليه، فالأمر في هذا إن شاء الله واسع.
حديث شريف
إذا قتل الإنسان شخصاً مكافئاً له في الدين والحرية والرق قتل به.
وعلى قولنا: في الدين وهو أهم شيء، لا يقتل المسلم بالكافر، لأن المسلم أعلى من الكافر، ويقتل الكافر بالمسلم لأنه دونه.
وهل يشترط أن لا يكون القاتل من أصول المقتول، أو لا يشترط؟
الجـــواب:
قال بعض أهل العلم إنه يشترط أن لا يكون القاتل من أصول المقتول والأصول هم: الأب والأم والجد والجدة و ما أشبه ذلك، وقالوا: لا يقتل والد بولده واستدلوا بحديث: (لا يُقتل الوالد بولده) وبتعليل قالوا: لأن الوالد هو الأصل في وجود الولد فلا يليق أن يكون الولد سبباً في إعدامه.
وقال بعض أهل العلم: هذا ليس بشرط، وأنه يقتل الوالد بالولد إذا علمنا قتله عمداً، واستدلوا بعموم الحديث: (النفس بالنفس) وعموم قوله تعالى: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) وأجابوا عن أدلة الآخرين فقالوا: الحديث ضعيف، ولا يمكن أن يقاوم النصوص المحكمة الدالة على قتل النفس بالنفس.
وأما التعليل فالتعليل عليل، وجه ذلك: أن الوالد إذا قتل الولد ثم قُتل به فليس الولد هو السبب في إعدامه، بل السبب في إعدامه فعل الوالد القاتل، فهو الذي جنى على نفسه، وهذا القول هو الراجح لقوة دليله بالعمومات التي ذكرناها، ولأن هذا من أشد قطيعة الرحم، فكيف نعامل هذا القاطع الظالم المعتدي بالرفق واللين،ونقول: لا قصاص عليه.
حديث شريف
ذكر الله في قصة داود مع الخصمين قول داود عليه الصلاة والسلام:
(قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب * فغفرنا ذلك).
وقد زعم اليهود أن لداود عليه الصلاة والسلام جندياً له امرأة جميلة، وأرادها داود، ولكي يتوصل إليها أمر هذا الجندي أن يذهب في الغزو من أجل أن يقتل فيأخذ داود زوجته.
وهذا لا شك أنه منكر، ولا يقع من عامة الناس فكيف يقع من نبي؟ !
لكنهم افتروا على الله كذباً وعلى رسله كذباً.
فإن قال قائل:
ما وجه قوله تعالى: (وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب)
فالجـــواب: أن الذي حصل من داود فيه شيء من المخالفات، منها:
أولاً: أنه انحبس في محرابه عن الحكم بين الناس، وكان الله تعالى قد جعله خليفة يحكم بين الناس، ولكنه آثر العبادة القاصرة على الحكم بين الناس.
ثانياً: أغلق الباب مما اضطر الخصوم إلى أن يتسوروا الجدران، وربما يسقطون ويحصل في هذا ضرر.
ثالثاً: أنه عليه الصلاة والسلام حكم للخصم قبل أن يأخذ حجة الخصم الآخر فقال: (لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه) وهذا لا يجوز، أي: لا يجوز للحاكم أن يحكم بقول أحد الخصمين حتى يسمع كلام الخصم الآخر، فعلم داود أن الله تعالى اختبره بهذه القصة فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب.
حديث شريف
الصبر ثلاثة أنواع: صبر عن معصية الله، وصبر على طاعة الله، وصبر على أقدار الله.
فأي أنواع الصبر الثلاثة أفضل؟
نقـــول:
أما من حيث هو صبر:
فالأفضل الصبر على الطاعة، لأن الطاعة فيها حبس النفس، وإتعاب البدن.
ثم الصبر عن المعصية، لأن فيه كف النفس عن المعصية ثم الصبر على الأقدار، لأن الأقدار لا حيلة لك فيها، فإما أن تصبر صبر الكرام، وإما أن تسلو سلو البهائم وتنسى المصيبة، هذا من حيث الصبر.
أما من حيث الصابر:
فأحياناً تكون معاناة الصبر عن المعصية أشد من معاناة الصبر على الطاعة.
فلو أن رجلاً هيئ له شرب الخمر مثلاً، بل ودعي إلى ذلك وهو يشتهيه، ويجد معاناة من عدم الشرب، فهو أشد عليه من أن يصلي ركعتين لا شك.
كذلك لو كان شاباً ودعته امرأة إلى نفسها، وهي جميلة والمكان خال،والشروط متوفرة فأبى، فهذا فيه صعوبة أصعب مما لو صلى عشرين ركعة، فهنا قد نقول: ثواب الصبر عن المعصية هنا أعظم من ثواب الصبر على الطاعة لما يجده هذا الإنسان من المعاناة. فيؤجر بحسب ما حصل له من المشقة.
حديث شريف
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء).
ولم يقل الصبر نور، والصلاة قال: إنها نور. وذلك لأن الضياء فيه حرارة كما قال الله تبارك وتعالى: (جعل الشمس ضياء) ففيه حرارة، والصبر فيه حرارة ومرارة، لأنه شاق على الإنسان ولهذا جعل الصلاة نوراً وجعل الصبر ضياءً لما يلابسه من المشقة والمعاناة.
حديث شريف
أود أن أذكر نفسي وإياكم بمسألة مهمة وهي:
كلنا يتوضأ إذا أراد الصلاة، لكن أكثر الأحيان يريد الإنسان أن يقوم بشرط العبادة فقط، وهذا لا بأس به، ويحصل به المقصود، لكن هناك شيء أعلى وأتم:
أولاً: إذا أردت أن تتوضأ استشعر أنك ممتثل لأمر الله في قوله: (يا أيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) حتى يتحقق لك معنى العبادة.
ثانياً: إذا توضأت استشعر أنك متبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قال: (من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين) حينئذ يكون الإخلاص والمتابعة.
ثالثاً: احتسب الأجر على الله عز وجل بهذا الوضوء، لأن هذا الوضوء يكفر الخطايا، فتخرج خطايا اليد مع آخر قطرة من قطرات الماء بعد غسل اليد،وهكذا بقية أعضاء الوضوء.
هذه المعاني الثلاثة العظيمة الجليلة أكثر الأحيان نغفل عنها، كذلك إذا أردت أن تصلي وقمت للصلاة استشعر أمر الله بقوله: (وأقيموا الصلاة) ثم استشعر أنك تابع لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) ثم احتسب الأجر، لأن هذه الصلاة كفارة لما بينها وبين الصلاة الأخرى، وهلم جرا.
يفوتنا هذا كثيراً ولذلك تجدنا ـ نسأل الله أن يعاملنا بعفوه ـ لا نصطبغ بآثار العبادة كما ينبغي وإلا فنحن نشهد بالله أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولكن من من الناس إذا صلى تغير فكره ونهته صلاته عن الفحشاء والمنكر؟ ! اللهم إلا قليل، لأن المعاني المقصودة مفقودة.
حديث شريف
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال: (يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم).
إن قــال قائــل:
هنا إشكال وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن كل مولود يولد على الفطرة وهنا يقول: كلكم ضال؟..
فالجـــواب:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل مولود يولد على الفطرة) لكن قال: (أبواه يهودانه أو يمجسانه) وهنا يخاطب المكلفين الذين قد تكون تغيرت فطرتهم إلى ما كان عليه آباؤهم، فهم ضلال حتى يهديهم الله عز وجل.
حديث شريف
من المعلوم أن كل بدعة ضلالة.
لكن إن قــال قـــائــل:
ماذا تقولون في قول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد وخرج ليلة من الليالي فوجد الناس يصلون بإمام واحد فقال: (نعمت البدعة هذه) فسماها بدعة؟
أجاب بعض العلماء:
بأن المراد بالبدعة اللغوية لا الشرعية، ولكن هذا الجواب لا يستقيم،
كيف البدعة اللغوية وهي صلاة؟..
والصــــواب:
أنها بدعة نسبية بالنسبة لهجران هذا القيام بإمام واحد وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أول من سن القيام بإمام واحد أعني التراويح فقد صلى بأصحابه ثلاث ليال في رمضان ثم تخلف خشية أن تفرض وتُركت وأصبح الناس يأتون المسجد يصلي الرجل وحده، والرجلان جميعاً والثلاثة أوزاعاً، فرأى عمر بثاقب سياسته أن يردهم إلى السنة الأولى وهي الاجتماع على إمام واحد فجمعهم على إمام واحد فجمعهم على تميم الداري وأُبي بن كعب وأمرهما أن يصليا بالناس إحدى عشرة ركعة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة.
فيكون قوله: (نعمت البدعة) يعني البدعة النسبية، أي بالنسبة إلى أنها هجرت في آخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه وفي أول خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإلا فنحن نؤمن بأن كل بدعة ضلالة
وأضرب مثلاً بحافظين معتمدين موثوقين بين المسلمين وهما : النووي وابن حجر رحمهما الله تعالى .
فالنووي: لا نشك أن الرجل ناصح، وأن له قدم صدق في الإسلام، ويدل لذلك قبول مؤلفاته حتى إنك لا تجد مسجداً من مساجد المسلمين إلا ويقرأ فيه كتاب (رياض الصالحين) وهذا يدل على القبول، ولكنه أخطأ في تأويل آيات الصفات حيث سلك فيها مسلك المؤولة، فهل نقول: إن الرجل مبتدع؟..
نقـــول: قوله بدعة لكن هو غير مبتدع، لأنه في الحقيقة متأول، و المتأول إذا أخطأ مع اجتهاده فله أجر، فكيف نصفه بأنه مبتدع وننفر الناس منه،والقول غير القائل، فقد يقول الإنسان كلمة الكفر ولا يكفر.
أرأيتم الرجل الذي أضل راحلته حتى أيس منها، واضطجع تحت شجرة ينتظر الموت، فإذا بالناقة على رأسه، فأخذ بها وقال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، وهذه الكلمة كلمة كفر لكن هو لم يكفر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أخطأ من شدة الفرح).
وهل يصح أن ننسب هذين الرجلين وأمثالهما إلى الأشاعرة ، ونقول : هما من الأشاعرة ؟
الجواب:
لا، لأن الأشاعرة لهم مذهب مستقل له كيان في الأسماء والصفات والإيمان وأحوال الآخرة.
وما أحسن ما كتبه أخونا سفر الحوالي عما علم من مذهبهم، لأن أكثر الناس لا يفهم عنهم إلا أنهم مخالفون للسلف في باب الأسماء والصفات، ولكن لهم خلافات كثيرة.
فإذا قال قائل بمسألة من مسائل الصفات بما يوافق مذهبهم فلا نقول: إنه أشعري.
أرأيتم لو أن إنساناً من الحنابلة اختار قولاً للشافعية فهل نقول إنه شافعي ؟
الجواب:
لا نقول إنه شافعي.
فانتبهوا لهذه المسائل الدقيقة، ولا تتسرعوا، ولا تتهاونوا باغتياب العلماء السابقين واللاحقين، لأن غيبة العالم ليست قدحاً في شخصه فقط، بلفي شخصه وما يحمله من الشريعة، لأنه إذا ساء ظن الناس فيه فإنهم لن يقبلوا ما يقول من شريعة الله، وتكون المصيبة على الشريعة أكثر.
حديث شريف
هنا إشكال وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لن يدخل أحد الجنة بعمله) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: (ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته).
فكيف يُجمع بين هذا الحديث وبين النصوص الأخرى الدالة على أن الإنسان يدخل الجنة بعمله؟
أجاب العلماء، فقهاء الإسلام، أطباء القلوب والأبدان، ممن علمهم الله ذلك فقالوا:
الباء لها معنيان: تارة تكون للسببية، وتارة تكون للعوض.
فإذا قلت: بعت عليك هذا الكتاب بدرهم، فهذه للعوض.
وإذا قلت: أكرمتك بإكرامك إياي، فهذه السببية.
فالمنفي هو باء العوض، والمثبت باء السببية.
فقـالـوا: معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحد الجنة بعمله) أي على أن ذلك معاوضة، لأنه لو أراد الله عز وجل أن يعاوض العباد بأعمالهم ويجازيهم لكانت نعمة واحدة تقضي على كل ما عمل
حديث شريف
مسألة:
كثير من الإخوة إذا أراد أن يقرأ قال: قال الله أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إنا أنزلنه في ليلة القدر). وهذا تخليط، لأنه إذا قال: قال الله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أدخل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم في مقول القول، وهذا غلط، وإذا كان ولابد أن تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فقلها قبل، أي قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى.
فما قصد به الاستدلال فإنه لا يتعوذ فيه بخلاف ما قصد فيه التلاوة، والآية ظاهرة: (فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله).
حديث شريف
ما هو الحسد؟
قال بعض أهل العلم: الحسد: تمني زوال نعمة الله على الغير، سواء كانت النعمة مالاً أو جاهاً أو علماً أو غير ذلك.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية الحسد: كراهة ما أنعم الله به على الغير وإن لم يتمن الزوال.
ومن المعلوم أن من لازم الكراهة أن يتمنى الزوال، لكن كلام الشيخ أدق، فمجرد ما تكره أن الله أنعم على هذا الرجل بنعمة فأنت حاسد
حديث شريف
يوم القيامة هو الذي تقوم فيه الساعة، وسمي بذلك لثلاثة أمور:
الأول: أن الناس يقومون فيه من قبورهم لله، قال الله تعالى: (يوم يقوم الناس لرب العالمين).
الثاني: أنه تقام فيه الأشهاد، كما قال تعالى: (إنا لننصر رسُلنا والذين ءامنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد).
الثالث: أنه يقام فيه العدل، لقول الله تعالى: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً).
حديث شريف
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه). يعني أنك إذا أعنت أخاك كان الله في عونك كما كنت تعين أخاك.
ويرويه بعض العوام: (مادام العبد في عون أخيه) وهذا غلط، لأنك إذا قلت: (مادام العبد في عون أخيه) صار عون الله لا يتحقق إلا عند دوام عون الأخ، ولم يُفهم منه أن عون الله للعبد كعونه لأخيه، فإذا قال: (مادام العبد في عون أخيه) عُلم أن عون الله كعون الإنسان لأخيه.
وما دام هذا اللفظ (ما كان العبد في عون أخيه) هو اللفظ النبوي فلا يعدل عنه
حديث شريف
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة). ففي هذا الحديث الحث على الستر على المسلم، ولكن دلت النصوص أن هذا مقيد بما إذا كان الستر خيراً، والستر ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يكون خيراً ومثاله:
رأيت رجلاً صاحب خلق ودين وهيئة ـ أي صاحب سمعة حسنة ـ فرأيته في خطأ وتعلم أن هذا الرجل قد أتى الخطأ قضاءً وقدراً وأنه نادم، فمثل هذا ستره محمود، وستره خير.
القسم الثاني: إذا كان الستر شراً ومثاله:
كالرجل إذا وجدته على معصية، أو على عدوان على الناس وإذا سترته لم يزد إلا شراً وطغياناً، فهنا ستره مذموم ويجب أن يكشف أمره لمن يقوم بتأديبه،إن كانت زوجة فترفع إلى زوجها، وإن كان ولداً فيرفع إلى أبيه، وإن كان مدرساً يرفع إلى مدير المدرسة، وهلم جرا.
القسم الثالث: أن لا تعلم هل ستره خير أم كشفه هو الخير: فالأصل أن الستر خير، ولهذا يذكر في الأثر (لأن أخطئ في العفو أحب إلي من أن أخطئ في العقوبة).
فعلى هذا نقـول:
إذا ترددت هل الستر خير أم بيان أمره خير، فالستر أولى، ولكن في هذه الحال تتبع أمره، لا تهمله، لأنه ربما يتبين بعد ذلك أن هذا الرجل ليس أهلاً للستر
حديث شريف
المضاف إلى الله عز وجل على أقسام:
القسم الأول: إما صفة من صفات الله عز وجل كقدرة الله وعزة الله وحكمة الله وما أشبه ذلك.
القسم الثاني: عين قائمة بنفسها مثل: ناقة الله، مساجد الله، بيت الله، فهذا يكون مخلوقاً من مخلوقات الله لكن أضافه الله إلى نفسه تشريفاً وتعظيماً.
القسم الثالث: أن يكون وصفاً في عين أخرى قائمة بنفسها مثل: روح الله كما قال الله عز وجل: (فنفخنا فيها من روحنا)، وقال في آدم: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي) فهنا ليس المراد روح الله نفسه، بل المراد من الأرواح التي خلقها، لكن أضافها إلى نفسه تشريفاً وتعظيماً.
حديث شريف
من هم بالحسنة فلم يعملها على وجوه:
الوجه الأول:
أن يسعى بأسبابها ولكن لم يدركها، فهذا يكتب له الأجر كاملاً، لقول الله تعالى: (ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله).
الوجه الثاني:
أن يهم بالحسنة ويعزم عليها ولكن يتركها لحسنة أفضل منها، فهذا يثاب ثواب الحسنة العليا التي هي أكمل، ويثاب على همه الأول للحسنة الدنيا..
ودليل ذلك أن رجلاً أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة، وقال يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس فقال صلى الله عليه وسلم: (صل ها هنا) فكرر عليه، فقال له صلى الله عليه وسلم: (شأنك إذاً) فهذا انتقل من أدنى إلى أعلى.
الوجه الثالث:
أن يتركها تكاسلاً، مثل أن ينوي أن يصلي ركعتي الضحى فقرع عليه الباب أحد أصحابه وقال له: هيا بنا نتمشى، فترك الصلاة وذهب معه يتمشى، فهذا يثاب على الهم الأول والعزم الأول، ولكن لا يثاب على الفعل لأنه لم يفعله بدون عذر وبدون انتقال إلى ما هو أفضل.
حديث شريف
الهم بالسيئة له أحوال:
الحال الأولى:
أن يهم بالسيئة أي يعزم عليها بقلبه، وليس مجرد حديث النفس، ثم يراجع نفسه فيتركها لله، فهذا هو الذي يؤجر، فتكتب له حسنة كاملة، لأنه تركها لله ولم يعمل حتى يكتب عليه سيئة.
الحال الثانية:
أن يهم بالسيئة ويعزم عليها لكن يعجز عنها بدون أن يسعى بأسبابها: كالرجل الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لو أن لي مثل مال فلان فأعمل فيه مثل عمله) وكان فلان يسرف على نفسه في تصريف ماله، فهذا يكتب عليه سيئة، لكن ليس كعامل السيئة، بل يكتب وزر نيته، كما جاء في الحديث بلفظه: (فهو بنيته فهما في الوزر سواء).
الحال الثالثة:
أن يهم بالسيئة ويسعى في الحصول عليها ولكن يعجز، فهذا يكتب عليه وزر السيئة كاملاً، دليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار) قال يارسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ ـ أي لماذا يكون في النار ـ قال: (لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه) فكتب عليه عقوبة القاتل.
ومثاله: لو أن إنساناً تهيأ ليسرق وأتى بالسلم ليتسلق، ولكن عجز، فهذا يكتب عليه وزر السارق، لأنه هم بالسيئة وسعى بأسبابها ولكن عجز.
الحال الرابعة:
أن يهم الإنسان بالسيئة ثم يعزف عنها لا لله ولا للعجز، فهذا لا له ولا عليه، وهذا يقع كثيراً، يهم الإنسان بالسيئة ثم تطيب نفسه ويعزف عنها،فهذا لا يثاب لأنه لم يتركها لله، ولا يعاقب لأنه لم يفعل ما يوجب العقوبة.
حديث شريف
قال رسول الله صبى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن هم بحسنة فلم يعمله اكتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة) رواه البخاري ومسلم.
قال النووي رحمه الله:
(فانظر يا أخي وفقنا الله وإياك إلى عظيم لطف الله تعالى، وتأمل هذه الألفاظ.
وقوله: (عنده) إشارة إلى الاعتناء بها.
وقوله: (كاملة) للتأكيد وشدة الاعتناء بها.
وقال في السيئة التي هم بها ثم تركها (كتبها الله عنده حسنة كاملة) فأكدها بكاملة وإن عملها كتبها سيئة واحدة، فأكد تقليلها بواحدة، ولم يؤكدها بكاملة، فلله الحمد والمنة، سبحانه لا نحصى ثناءً عليه، وبالله التوفيق).
هذا تعليق طيب من المؤلف ــ رحمه الله ــ.
حديث شريف
مضاعفة ثواب الحسنات تكون بأمور، منها:
الأول: الزمان، مثاله: قول النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأول من ذي الحجة: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر) قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله، قال: (ولا الجهاد في سبيل).
هذا عظم ثواب العمل بالزمن، ومن ذلك قوله تعالى: (ليلة القدر خير من ألف شهر).
الثاني: باعتبار المكان، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام).
الثالث: باعتبار العمل، فقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه) فالعمل الواجب أفضل من التطوع.
الرابع: باعتبار العامل، قال النبي صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد وقد وقع بينه وبين عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنهم ما وقع: (لا تسبوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه).
قلـــت:
في النسخة المطبوعة ورد الحديث بلفظ (ما بلغ مد أحدكم ولا نصيفه) والصواب ما أثبته. (فهد).
الخامس: يتفاضل العمل بالإخلاص، فلدينا ثلاثة رجال: رجل نوى بالعمل امتثال أمر الله جل وعلا والتقرب إليه، وآخر نوى بالعمل أنه يؤدي واجباً، وقد يكون كالعادة، والثالث نوى شيئاً من الرياء أو شيئاً من الدنيا.
فالأكمل فيهم: الأول، ولهذا ينبغي لنا ونحن نقوم بالعبادة أن نستحضر أمر الله بها، ثم نستحضر متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيها، حتى يتحقق لنا الإخلاص والمتابعة.
وهناك وجوه أخرى في المفاضلة تظهر للمتأمل ومتدبر الأدلة.
حديث شريف
النووي رحمه الله في هذا الكتاب يتساهل كثيراً، فيورد أحاديث ضعيفة وربما يحسنها هو لأنه من الحفاظ، وابن رجب رحمه الله في كتابه: (جامع العلوم والحكم) يتعقبه كثيراً، ولذلك يحسن منا أن نعلق على المتن ببيان درجة الحديث، لكن الغالب أن ما يذكره من الأحاديث الضعيفة في هذا الكتاب له شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن.
حديث شريف
عن أبي محمد عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به). حديث حسن صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح.
قول الإمام النووي رحمه الله: (حديث حسن صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح)، تعقب ابن رجب رحمه الله هذا التصحيح من المؤلف وقال: الحديث لا يصح، ولذلك يحسن تتبع شرح ابن رجب رحمه الله ونقل تعقيبه على الأحاديث لأن ابن رجب رحمه الله حافظ من حفاظ الحديث، وهو إذا أعل الأحاديث التي ذكرها النووي رحمه الله يبين وجه العلة.
لكن معنى الحديث بقطع النظر عن إسناده صحيح، وأن الإنسان يجب أن يكون هواه تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.