فوائد من شرح الأربعين النووية للشيخ ابن عثيمين
فوائد من شرح الأربعين النووية للشيخ ابن عثيمين
احتج المشركون بالقدر على شركهم كما قال الله عنهم: (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء).
والجـــواب:
قال الله تعالى: (كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا) فلم تقبل منهم هذه الحجة، لأن الله تعالى جعل ذلك تكذيباً وجعل له عقوبة: (حتى ذاقوا بأسنا).
فإن قال قائل: إن لدينا حديثاً أقر فيه النبي صلى الله عليه وسلم الاحتجاج بالقدر، وهو أن آدم وموسى تحاجا ـ تخاصما ـ فقال موسى لآدم: أنت أبونا خيبتنا، أخرجتنا ونفسك من الجنة ـ لأن خروج آدم من الجنة من أجل أنه أكل من الشجرة التي نُهي عن الأكل منها ـ فقال له آدم: أتلومني على شيء قد كتبه الله على قبل أن يخلقني، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حج آدم موسى) مرتين أو ثلاثاً وفي لفظ (فحجه آدم) يعني غلبه في الحجة.
هذا يتمسك به من يحتج بالقدر على فعل المعاصي.
ولكن كيف المخرج من هذا الحديث الذي في الصحيحين؟
أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية بجواب، وأجاب تلميذه ابن القيم رحمهم الله:
شيخ الإسلام رحمه الله قال:
إن آدم عليه الصلاة والسلام فعل الذنب، وصار ذنبه سبباً لخروجه من الجنة، لكنه تاب من الذنب، وبعد توبته اجتباه الله وتاب عليه وهداه، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، ومن المحال أن موسى عليه الصلاة والسلام وهو أحد أولي العزم من الرسل يلوم أباه على شيء تاب منه ثم اجتباه الله بعد، وتاب عليه وهداه، وإنما اللوم على المصيبة التي حصلت بفعله، وهي إخراج الناس ونفسه من الجنة، فإن سبب هذا الإخراج هو معصية آدم، على أن آدم عليه السلام لاشك أنه لم يفعل هذا ليخرج من الجنة حتى يلام، فكيف يلومه موسى عليه السلام؟
وهذا وجه ظاهر في أن موسى عليه السلام لم يرد لوم آدم على فعل المعصية، إنما على المصيبة التي هي من قدر الله، وحينئذ يتبين أنه لا حجة في الحديث لمن يستدل على فعل المعاصي، إذ أنه احتج على المصيبة وهي الإخراج من الجنة، ولهذا قال: أخرجتنا ونفسك من الجنة ولم يقل: عصيت ربك، فهنا كلام موسى مع أبيه آدم على المصيبة التي حصلت، وهي الإخراج من الجنة، وإن كان السبب فعل آدم. وقال: اللوم على المصائب وعلى المعائب إن استمر الإنسان فيها.
وأما تلميذه ابن القيم رحمه الله فأجاب بجواب آخر قال:
إن اللوم على فعل المعصية بعد التوبة منها غلط،وإن احتجاج الإنسان بالقدر بعد التوبة من المعصية صحيح. فلو أن إنساناً شرب الخمر، فجعلت تلومه وهو قد تاب توبة صحيحة وقال هذا أمر مقدر علي وإلا لست من أهل شرب الخمر، وتجد عنده من الحزن والندم على المعصية شيئاً عظيماً، فهذا يقول ابن القيم: لا بأس به.
أما الاحتجاج بالقدر الممنوع فهو:
أن يحتج بالقدر ليستمر على معصيته، كما فعل المشركون، أما إنسان يحتج بالقدر لدفع اللوم عنه مع أن اللوم قد اندفع بتوبته فهذا لا بأس به.
وهذا الجواب جواب واضح يتصوره الإنسان بقرب، وإن كان كلام شيخ الإسلام أسد وأصوب، لكن لا مانع بأن يُجاب بما أجاب به العلامة ابن القيم.