فوائد من شرح الأربعين النووية للشيخ ابن عثيمين
فوائد من شرح الأربعين النووية للشيخ ابن عثيمين
هل الهجرة واجبة أم مستحبة؟
الجـــواب:
فيه تفصيل، إذا كان الإنسان يستطيع أن يظهر دينه وأن يعلنه ولا يجد من يمنعه من ذلك، فالهجرة هنا مستحبة. وإن كان لا يستطيع فالهجرة واجبة وهذا هو الضابط للمستحب والواجب.
وهذا يكون في البلاد الكافرة، أما في البلاد الفاسقة وهي التي تعلن الفسق وتظهره فإنا نقول: إن خاف الإنسان على نفسه من أن ينزلق فيما انزلق فيه أهل البلد فهنا الهجرة واجبة، وإن لم يخف فتكون غير واجبة، بل نقول إن كان في بقائه إصلاح، فبقاؤه واجب لحاجة البلد إليه في الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والغريب أن بعضهم يهاجر من بلد الإسلام إلى بلد الكفر. وإذا هاجر أهل الإصلاح من بلد الإسلام، من الذي يبقى ينكر على أهل الفساد؟ وربما تنحدر البلاد أكثر بسبب قلة أهل الإصلاح وكثرة أهل الفساد والفسق. لكن إذا بقي ودعا إلى الله بحسب الحال فسوف يصلح غيره، وغيره يصلح غيره حتى يكون هؤلاء على أيديهم صلاح البلد، وإذا صلح عامة الناس فإن الغالب أن من بيده الحكم سيصلح، ولو عن طريق الضغط.
ولكن الذي يفسد هذا للأسف الصالحون أنفسهم، فتجد هؤلاء الصالحين يتحزبون ويتفرقون وتختلف كلمتهم من أجل الخلاف في مسألة من مسائل الدين التي يغتفر فيها الخلاف، هذا هو الواقع،لاسيما في البلاد التي لم يثبت فيها الإسلام تماماً، فربما يتعادون ويتباغضون ويتناحرون من أجل مسألة رفع اليدين في الصلاة، وأقرأ عليكم قصة وقعت لي شخصياً في منى، في يوم من الأيام أتى لي مدير التوعية بطائفتين من إفريقيا تكفر إحداهما الأخرى، على ماذا؟ ! قال: إحداهما تقول: السنة في القيام أن يضع المصلي يديه على صدره، والأخرى تقول السنة أن يطلق اليدين، وهذه المسألة فرعية سهلة ليست من الأصول، قالوا: لا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من رغب عن سنتي فليس مني) وهذا كفر تبرأ منه الرسول صلى الله عليه وسلم، فبناء على هذا الفهم الفاسد كفرت إحداهما الأخرى.
فالمهم:
أن بعض أهل الإصلاح في البلاد التي ليست مما قوي فيها الإسلام يبدع ويفسق بعضهم بعضاً، ولو أنهم اتفقوا وإذا اختلفوا اتسعت صدورهم لما يسوغ في الاختلاف، وكانوا يداً واحدة لصلحت الأمة، ولكن إذا رأت الأمة أن أهل الإصلاح والاستقامة بينهم هذا الحقد والخلاف في مسائل الدين، فستضرب صفحاً عنهم وعما عندهم من خير وهدى، بل يمكن أن يحدث ركوس ونكوس وهذا ما حدث والعياذ بالله.
فترى الشاب يدخل في الاستقامة على أن الدين خير وهدى وانشراح صدر وقلب مطمئن ثم يرى ما يرى من المستقيمين من خلاف حاد وشحناء وبغضاء فيترك الاستقامة لأنه ما وجد ما يطلبه، والحاصل أن الهجرة من بلاد الكفر ليست كالهجرة من بلاد الفسق، فيقال للإنسان: اصبر واحتسب ولاسيما إن كنت مصلحاً، بل قد يقال: إن الهجرة في حقك حرام