من كتاب الزهد لهناد بن السري بن مصعب
حكمــــــة
وعن شقيق رحمه الله قال:
دخل معاوية على خاله أبي هاشم بن عتبة يعوده فبكى، فقال له معاوية: ما يبكيك يا خال أوجع يشئزك أو حرص على الدنيا ؟ فقال: ويحك لا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا: " يا أبا هشام إنها لعلها تدرك أموالا يؤتاها أقوام وإنما يكفيك من جميع المال خادم ومركب في سبيل الله " . وإني أراني قد جمعت.
حكمــــــة
دخل سعد بن أبي وقاص على سلمان يعوده فبكى سلمان، فقال له سعد: ما يبكيك يا أبا عبد الله ؟ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض، وترد عليه الحوض. قال: فقال سلمان: أما إني ما أبكي جزعا من الموت ولا حرصا على الدنيا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا، فقال: " ليكن بلغة أحدكم مثل زاد الراكب "، وحولي هذه الأساود قال: وإنما حوله إجانة أو جفنة أو مطهرة قال: فقال له سعد: يا أبا عبد الله اعهد إلينا بعهد نأخذ به بعدك، فقال: يا سعد اذكر الله عند همك إذا هممت، وعند حكمك إذا حكمت، وعند يدك إذا قسمت.
حكمــــــة
عن الحسن البصري رحمه الله قال:
قال عامر بن عبد الله بن عبد القيس رحمه الله :
" وجدت العيش في أربع خصال: النساء والطعام واللباس والنوم، فدعوت الله فأعانني، فوالله ما أبالي إلى امرأة نظرت أو إلى جدار، وما أبالي بما واريت عورتي بصوف أو غيره، والطعام والنوم فإنهما غلباني إلا أن أنال منهما وايم الله، لأضرن بهما جهدي ". قال: فكان الحسن يقول: فأضر بهما والله جهده.
حكمــــــة
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
" يأتي على الناس زمان يكون القتب والحبل أحب إلى أحدكم من هذه الدار " ــــ وأومأ إلى دار كثير بن الصلت.
وكثير بن الصلت رضي الله عنه هو شاعر مُخضرم أسلم وصَدُقَ في إسلامه، وعُرف بشعره الجيد الذي يمزج بين فصاحة الجاهلية وروح الإسلام، ولكنه لم يكن من رواة الحديث المشهورين.
حكمــــــة
عن مسروق بن الأجدع رحمه الله قال:
خرج علينا عمر ذات يوم وعليه حلة قطن، فنظر إليه الناس نظرا شديدا، فقال:
لا شيء مما يرى تبقى بشاشته... إلا الإله ويودي المال والولد.
وما الدنيا في الآخرة إلا كنفجة أرنب.
"إلا كنفجة أرنب": النفجة هي الوثبة السريعة والقصيرة، أو مقدار قليل جدًا من الشيء. وبعض التفاسير تذكر أنها بمعنى "موت الأرنب" أي شيء زائل وفانٍ بسرعة.
حكمــــــة
عن الحسن البصري رحمه الله قال:
" ما مال إلى أم دفر، يعني الدنيا، أحد قط إلا نسي العهد، أصحاب نبي فما سواهم ".
الشرح :
مال: انحرف، توجه، اهتم بشدة.
أم دفر: كنية للدنيا. و"الدفر" في اللغة يعني النتن والفساد والشيء القبيح. وقد كُنِّيَت الدنيا بذلك لما فيها من فتن وشهوات تزين للناس وهي في حقيقتها زائلة وفانية وقد تجر إلى المفاسد. وقيل أيضًا لأنها تدفر أهلها أي تدفنهم.
العهد: يشمل أنواعًا متعددة من العهود والمواثيق:
العهد مع الله: وهو الإيمان به، وطاعته، والوفاء بأوامره ونواهيه.
العهد مع النبي صلى الله عليه وسلم: وهو اتباعه، والاقتداء به، ونصرة سنته.
العهود بين الناس: كالعقود، والوعود، وحقوق الأخوة، والمسؤوليات الاجتماعية.
إلا نسي العهد: أي أن الانشغال بالدنيا وحبها يؤدي حتمًا إلى نسيان هذه العهود والتفريط فيها. فالقلب إذا امتلأ بحب الدنيا، ضاق عن حب الله وحقوقه وحقوق الناس.
"أصحاب نبي فما سواهم":
أصحاب نبي: حتى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم خير القرون وأكثر الناس ورعًا وتقوى، إذا مالت قلوبهم إلى الدنيا وانشغلوا بها، فإن ذلك سيؤثر على وفائهم بالعهود.
فما سواهم: فكيف بمن هو دونهم في الإيمان والتقوى؟ سيكون تأثير الدنيا عليهم أشد، ونسيانهم للعهود أسرع وأكبر.
حكمــــــة
عن سالم بن أبي الجعد قال: قال عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم: " اعملوا لله ولا تعملوا لبطونكم، وانظروا إلى هذه الطير تغدو وتروح ولا تزرع ولا تحصد، الله يرزقها وإياكم، فإن قلتم: نحن أعظم بطونا من هذه الطير، فانظروا إلى هذه الأباقر من الوحش تغدو وتروح ولا تزرع ولا تحصد، الله يرزقها وإياكم، اتقوا فضول الدنيا ؛ فإن فضول الدنيا عند الله رجز ".
حكمــــــة
عن سالم بن أبي الجعد مرسلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن من أمتي من لو أتى باب أحدكم يسأل دينارا لم يعطه إياه، ولو سأله درهما لم يعطه إياه، ولو سأله فلسا لم يعطه إياه، ولو سأل الله الجنة لأعطاها إياه، ولو سأله الدنيا لم يعطها إياه، وما يمنعها إياه لهوانه عليه ذو طمرين لا يؤبه له، ولكن لو أقسم على الله لأبره ".
وللحديث شواهد يتقوى بها
حكمــــــة
عن أبي ذر رضي الله عنه قال:
كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرة المدينة عشاء ونحن ننظر إلى أحد، فقال: " يا أبا ذر "، فقلت: لبيك يا رسول الله قال: " ما أحب أن أحدا ذاك عندي ذهبا أمسى ثالثة، عندي منه دينار إلا دينارا أرصده لدين إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا " قال: فحثا بين يديه وعن يمينه وعن شماله قال: ثم مشينا، فقال: " يا أبا ذر " فقلت: لبيك يا رسول الله، فقال: " إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال: هكذا وهكذا " قال: فحثى بين يديه وعن يمينه وعن شماله.
حكمــــــة
عن أبي ذر رضي الله عنه قال:
جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة، فلما رآني مقبلا قال :
" هم الأخسرون ورب الكعبة " قال: فقلت: ما لي لعلي أنزل في شيء. قال: قلت: من هم فداك أبي وأمي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الأكثرون أموالا إلا من قال هكذا وهكذا " قال: فحثا بين يديه وعن يمينه وعن شماله، ثم قال: " والذي نفسي بيده، لا يموت رجل فيدع إبلا ولا بقرا لم يؤد زكاتها، إلا جاءته يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه، تطؤه بأخفافها، وتنطحه بقرونها، كلما نفذت أخراها عادت عليه أولاها، حتى يقضى بين الناس ".
حكمــــــة
عن أم ذرة رحمها الله وكانت تغشى عائشة رضي الله عنها قالت:
بعث إليها ابن الزبير بمال في غرارتين. قالت: أراه ثمانين ومائة ألف، فدعت بطبق وهي يومئذ صائمة، فجعلت تقسمه بين الناس، فأمست وما عندها من ذلك درهم، فلما أمست قالت: " يا جارية هلمي فطري، فجاءتها بخبز وزيت، فقالت لها أم ذرة: أما استطعت مما قسمت اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحما نفطر عليه ؟ قالت: " لا تعنفيني لو كنت ذكرتيني لفعلت ".
حكمــــــة
عن عبد الله بن الربيعة رحمه الله قال:
كنت جالسا مع عتبة بن فرقد، ومعضد العجلي، وعمرو بن عتبة رضي الله عنهم ،
فقال عتبة بن فرقد:
يا عبد الله ابن الربيعة ألا تعينني على ابن أخيك تعينني على ما أنا فيه، من عملي ؟
قال: فقال عبد الله: يا عمرو، أطع أباك. قال: فنظر عمرو إلى معضد العجلي، فقال له معضد: لا تطعهم واسجد واقترب، فقال عمرو: " يا أبه إنما أنا رجل أعمل فكاك رقبتي، فدعني أعمل في فكاك رقبتي " فبكى عتبة، ثم قال: يا بني، إني أحبك حبين: حبا لله، وحب الوالد ولده. قال: فقال عمرو: " يا أبة، إنك قد أتيتني بمال بلغ سبعين ألفا، فإن كنت سائلي عنه فهو هذا فخذه وإلا فدعني فأمضيه " قال: يا بني، فأمضه. قال: فأمضاه حتى ما بقي عنه درهم.
حكمــــــة
عن كعب الاحبار رضي الله عنه قال:
" ما من صباح إلا وملكان يناديان: اللهم، أعط منفقا خلفا، وأعط ممسكا تلفا، وملكان يناديان: يا باغي الخير هلم، ويا باغي الشر أقصر، وملكان يناديان: سبحان الملك القدوس، وملكان موكلان بالصور ينتظران متى يؤمران فينفخان ".
صحيح وقد روي بأسانيد جيدة في عدة مصادر. وهو من الموقوفات التي لها حكم المرفوع لما فيها من الإخبار عن أمور غيبية لا تُدرك بالعقل المجرد، وغالبًا ما تُروى عن أهل الكتاب الذين أسلموا وتلقوها عن مصادرهم الصحيحة.
حكمــــــة
عن سرية الربيع بن خثيم رحمه الله قالت:
كان الربيع بن خثيم رحمه الله تعجبه الحلوى، فيقول:
" اصنعوا لنا طعاما فيصنع له طعام كثير فيدعو فروخ وفلانا فيطعمهم الربيع بيده ويسقيهم ويشرب هو فضل شرابهم، فيقال: ما يدريان هذان ما تطعمهما، فيقول: " لكن الله عز وجل يدري ".
وفروخ: اسم لرجل فقير كان الربيع بن خثيم يتصدق عليه ويطعمه.
وسرية: جارية أو امرأة كانت تخدم الربيع بن خثيم وهي التي نقلت هذه القصة.
حكمــــــة
عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال:
" في المال ثلاثة شركاء: القدر لا يستأمرك أن يذهب بخيرها أو شرها من هلاك أو موت، والوارث ينتظر أن تضع رأسك ثم يستاقها وأنت ذميم، وأنت الثالث فإن استطعت أن لا تكون أعجز الثلاثة فلا تكونن فإن الله تبارك وتعالى يقول: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإن هذا الجمل مما كنت أحب من مالي فأحببت أن أقدمه لنفسي ".
حكمــــــة
عن أبي ذر رضي الله عنه قال:
قِلْنَا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة فرأى راعيا معه غنم له، فقال: " يا راعي الغنم، أمعك لبن تسقينا " ؟ قال: نعم. قال: " فلعلك إنما تسقينا من مهانتنا ؟ " قال: لا، ولكنها جعلت لذلك فسقاهم، ثم أدبر بغنمه فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم بصره حتى ربت أنه أوحي إليه، ثم قال: " نعم المال لمن أدى حقه " قال: قلت: يا رسول الله أوفيها حق ؟ قال: " نعم، من أعطاه دخل الجنة، ومن منعه دخل النار ". قال: قلت: يا رسول الله، وما حقها ؟ قال: " في نسلها ورسلها ".
وهو في المسند للإمام أحمد عرقم 21323 بتحقيق شعيب الأرناؤوط). قال شعيب الأرناؤوط: "إسناده حسن".
(قِلْنَا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة) من القيلولة بكسر القاف وسكون اللام.
(فلعلك إنما تسقينا من مهانتنا) ؟: استفهام استنكاري من النبي صلى الله عليه وسلم، أي: هل تظن أننا نستحق أقل من غيرنا فتسقينا من فضل اللبن الذي لا تحتاجه؟ أو هل تستصغرنا فتسقينا ما تبقى بعد شربك وشرب غنمك؟
"نسلها" أي نتاجها وزيادتها (مثل أولاد الأنعام أو أرباح التجارة)، و "رسلها" أي إعارتها وإرسالها في قضاء حوائج الناس وفي سبيل الله. وقيل أيضًا "رسلها" أي إخراجها وإرسالها للفقراء والمحتاجين.
حكمــــــة
عن حبيب بن أبي ثابت رحمه الله قال:
جاء أعرابي إلى أبي هريرة رضي الله عنه فقال: إن لي إبلا،
فقال أبو هريرة رضي الله عنه :
" احمل على نجيبها، وانحر سمينها، واحلب يوم عطنها وادخل الجنة بسلام ".
و"النَّجِيبُ" هو البعير الكريم الأصيل الجيد.
ويوم عطنها هو اليوم الذي ترد فيه الإبل الماء وتشرب وتستريح في مبركها. والمراد هنا: احلبها في وقت حاجتك وحاجة أهلك، ولا تبخل بلبنها.
حكمــــــة
عن سعد الطائي رحمه الله قال: أخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" ليس من مؤمن يكسو مؤمنا عاريا إلا كساه الله من خضر الجنة، وليس من مؤمن يطعم مؤمنا جائعا إلا أطعمه الله من ثمار الجنة، وليس من مؤمن يسقي مؤمنا على ظمأ إلا سقاه الله من الرحيق المختوم ".
وهو في المسند للإمام أحمد (رقم 16688) قال شعيب الأرناؤوط: "إسناده حسن".
حكمــــــة
عن أنس) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن العبد إذا كان همه الدنيا وسدمه، أفشى الله عليه ضيعته، وجعل فقره بين عينيه، ولم يصبح إلا فقيرا، ولم يمس إلا فقيرا، إن العبد إذا كانت الآخرة همه وسدمه جمع الله له ضيعته، وجعل غناه في قلبه، ولا يصبح إلا غنيا، ولا يمسي إلا غنيا ".
حسنه الشيخ الألباني بشواهده
همه الدنيا وسدمه: "الهم" هو ما يشغل القلب ويستحوذ على التفكير. "السدم" قيل هو الحزن الدائم، وقيل هو الهم اللازم الذي لا يفارقه. والمعنى: إذا كان اهتمام العبد وغاية سعيه هو الدنيا وملذاتها.
أفشى الله عليه ضيعته: "أفشى" أي نشر وبدد وفرق. "الضيعة" هنا بمعنى شأنه وأمره وعمله وما يسعى فيه. والمعنى: فرق الله عليه شأنه وشتت أمره وأعماله فلم ينتظم له شيء. وقيل: ضيع عليه رزقه فلم يحصل له المقصود منه.
حكمــــــة
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
" من أراد الآخرة أضر بالدنيا، ومن أراد الدنيا أضر بالآخرة، يا قوم! فأضروا بالفاني للباقي، إنكم في زمان كثير علماؤه، قليل خطباؤه، كثير معطوه، قليل سؤاله، الصلوات فيه طويلة، والخطبة فيه قصيرة، وإن من ورائكم زمانا كثير خطباؤه، قليل علماؤه، كثير سؤاله، قليل معطوه، الصلاة فيه قصيرة، والخطبة فيه طويلة، فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطب، إن من البيان سحرا ".
حكمــــــة
عن الأعمش أن رجلا أعطاه مالا يخرج به إلى ماه يشتري به زعفرانا، قال: فذكرت ذلك لإبراهيم فقال: " ما كانوا يطلبون الدنيا هذا الطلب ".
ومعناه :
"يطلبون الدنيا هذا الطلب": يشير إلى النوع من السعي وراء الدنيا الذي ذكره الأعمش، وهو أن يعطي الرجل مالًا ليخرج به إلى مكان بعيد ("ماه") ليشتري سلعة دنيوية ذات قيمة ("زعفرانا") بهدف التجارة والربح.
حكمــــــة
عن حبيب بن أبي ثابت رحمه الله عن بعض أصحابه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
قدم عليه ناس من أهل العراق فيهم جرير بن عبد الله، فأتاهم بجفنة قد صنعت بخبز وزيت، فقال لهم عمر: خذوا (فأخذوا) أخذا ضعيفا، فقال لهم عمر: " قد أرى ما تقرمون، فأيش تريدون (أ) حلوا أو حامضا، أو حارا أو باردا، ثم قذفا في البطون. !! ".
حكمــــــة
عن مصعب بن سعد رحمه الله قال:
قالت حفصة لأبيها رضي الله عنهما :
" إن الله قد أوسع الرزق، فلو أكلت طعاما أطيب من طعامك، ولبست لباسا ألين من لباسك ؟ ! فقال: أنا أخاصمك (إلى نفسك)، ألم يكن من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا ؟ يقول مرارا - قال: فبكت - قد أخبرتك والله لأشاركنهما في عيشهما الشديد، لعلي أصيب عيشهما الرخي ".
حكمــــــة
عن الحسن البصري رحمه الله قال:
قالوا لعمر - رضي الله عنه -: " لو اتخذت طعاما هو أطيب من طعامك هذا، فقد وسع الله على المسلمين،
فقال: (أتعلموني بالعيش)، والله لو شئت لاتخذت كراكر وأسنمة، وصلاء وصنابا، وثربا، ولكن أقواما تعجلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا ".
قال هناد: والصناب يعني الخردل، وثربا يعني الرقاق، وليس هو في السماع.
حكمــــــة
ثنا عتبة بن فرقد رحمه الله قال:
" قدمت على عمر (رضي الله عنه) بسلال خبيص عظام ما ألوان أحسن وأجيد، فقال: ما هذه ؟ فقلت: طعام أتيتك به ؛ لأنك رجل تقضي من حاجات الناس أول النهار، فأحببت إذا رجعت أن ترجع إلى طعام فتصيب منه فقواك، فكشف عن سلة منها، فقال: عزمت عليك يا عتبة! إذا رجعت إلا رزقت كل رجل من المسلمين مثل السلة، فقلت: والذي يصلحك يا أمير المؤمنين، لو أنفقت مال قيس كلها ما وسع ذلك. قال: فلا حاجة لي فيه، ثم [ص: 365] دعا بقصعة من ثريد، خبزا خشنا، ولحما غليظا، وهو يأكل معي أكلا شهيا، فجعلت أهوي إلى البضعة البيضاء أحسبها سناما فإذا هي عصبة، والبضعة من اللحم أمضغها فلا أسيغها، فإذا هو غفل عني جعلتها بين الخوان والقصعة، ثم دعا بعس من نبيذ قد كاد يكون خلا، فقال: اشرب، فأخذته، وما أكاد أن أسيغه، ثم أخذه فشرب، ثم قال: أتسمع يا عتبة! إنا ننحر كل يوم جزورا، فأما ودكها وأطيابها فلمن حضرنا من آفاق المسلمين، وأما عنقها فلآل عمر، يأكل هذا اللحم الغليظ، ويشرب هذا النبيذ الشديد يقطعه في بطوننا أن يؤذينا ".
حكمــــــة
عن أبي عثمان النهدي رحمه الله قال:
" لما قدم عتبة بن فرقد أذربيجان أتي بخبيص، فلما أكله وجد شيئا حلوا طيبا، فقال: والله، لو صنعت لأمير المؤمنين من هذا، فأمر فجعل له سفطين عظيمين، ثم حملهما على بعير مع رجلين، فسرح بهما إلى عمر، فلما قدما عليه فتحهما، فقال: أي شيء هذا ؟ قالوا: خبيص، فذاقه فإذا هو شيء حلو، فقال للرسول: أكل المسلمين شبع من هذا في رحله ؟ ! قال: لا، قال: (أما لا)، فارددهما، ثم كتب إليه: أما بعد، فإنه ليس من كد أبيك، ولا من كد أمك ؛ أشبع المسلمين مما تشبع منه في رحلك ".
حكمــــــة
عن سعيد بن مسروق رحمه الله :
عن الربيع بن خثيم رحمه الله أنه لبس قميصا سنبلانيا ؛ قال: أراه ثمن ثلاثة دراهم أو أربعة، فإذا مد كمه بلغ أظفاره، وإذا أرسله بلغ ساعده، فإذا رأى بياض القميص قال: " أي عبيد! تواضع لربك، [ثم قال: أي لحيمة! أي دمية] كيف تصنعان إذا سيرت الجبال ودكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا ، وجيء يومئذ بجهنم ".
والقماش السنبلاني كان نوعًا خشنًا أو رخيص الثمن من الكتان.
"[ثم قال: أي لحيمة! أي دمية]": هذان النداءان أيضًا موجهان لنفسه على سبيل التوبيخ والتذكير بحقيقتها الضعيفة والمصير المحتوم. "اللحيمة" تشير إلى قطعة اللحم الضعيفة، و "الدمية" تشير إلى الشيء المصنوع الذي لا يملك حولًا ولا قوة. كان يذكر نفسه بضعفها وفنائها.
حكمــــــة
عن أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي رحمه الله عن إبراهيم النخعي رحمه الله قال:
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
" كل نفقة ينفقها العبد فإنه يؤجر عليها، غير نفقة البناء، إلا بناء مسجد يراد به وجه الله .
قال أبو جمرة : فقلت لإبراهيم أرأيت إن كان بناء كفافا ؟ فقال: إذا كان كفافا، فلا أجر ولا وزر ".