من أقوال أ. وجدان العلي
حكمــــــة
ساعات رمضان متطايرة،شهِد بهذا الكلُّ، ومن لطف الكريم بعباده قِصر الزمن وعظم الأجر، فلا أعلم ما الذي يُجلس بعضنا في ظلال كسله، وكلها لحظات عجلى سرعان ما تزول؟
ما هذه بحال فقير طامع، ولا خائفٍ خاشع.
وما أعلم بابًا هو أرجى من كسرة القلب المسكين،يراه أكرم الأكرمين ذليلا فارغًا من مطالعة العمل، وجلًا من نظر ربه، حييًا من تقصيره!
اللهم عفوا! اللهم رحمةً اللهم كرمًا! اللهم فضلًا! اللهم عافيةً! اللهم حبًّا!
حكمــــــة
هنا بابٌ أرجو أن تُنعِم النظر فيه:
غلبة الغفلة وتتابع الأتربة على القلب تجعل ساعات الإقبال والحضور عند بعضنا علامةَ ليلة القدر، فيركن إلى حضور قلبه العابر، وخشوعه المرتحل، وينسى أنّ من رُحِم فأصابها لم يكن ليكسل بعدها، أو يركن إلى عمله أبدًا!
بل يظل متطلبًا ساعيًا فقيرًا حاسر القلب متلهفًا على بركات القبول ونفحات العتق!
والإنسان على نفسه بصيرةٌ والله المستعان!
حكمــــــة
" ومن قال في مؤمنٍ ما ليس فيه أسكنه الله ردغةَ الخبال حتى يخرج مما قال، وليس بخارج " !
أصدق الخلق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم!
وفي هذا الحديث مُستراح الحزانى من وقع معاول السوء غيبةً ونميمةً وخوضًا في السرائر والضمائر بالفِرى والبهتان!
والحمد لله رب العالمين
وردغة الخبال: صديد أهل النار.
حكمــــــة
تنمو ثمار النصح والتوجيه في الطفل وتنضج عبر الأيام بمشاهدها وأحداثها الصغيرة، وليس من الحكمة العجلة في ارتقاب هذه الثمار؛ فعلَ الذين يحسبون التوجيه صوتًا عاليًا وعصًا غليظةً، وعباراتٍ يكررونها على سمع الطفل ليل نهار!
إن نظرةً مفعمة بالحب أو بالعتاب، وعناقًا فياضًا بالحنان=كل ذلك نقشٌ لا يبلى في ألواح صدر الطفل، وما أثَّر في حياة إنسانٍ مثلُ حب رحيم، وحزمٍ عاقلٍ حنون!
حكمــــــة
الذي تواترت به مسالك العارفين والصالحين: أن سرد الختمات والأوراد بلا نظرٍ في معاني كلام الله، وتدبرٍ في مقاصده=لا يوقد في القلب قناديل النور التي تهديه في سيره إلى الله رب العالمين، وترقى بروحه إلى سدرة المنتهى.
وللسلف في ذلك كلام وفير، وشاهد الحال المعاين لا يُدفَع!
فما ارتفع أحد في معارج الإيمان بمثل تدبر القرآن!
حكمــــــة
(1) [الأنبياء:101-103]
كم نهضت هذه الآيات بقلوبٍ ظمئت للسعادة، فجردتها للسير وأعانتها على ملازمة القرب ومفارقة سعير الذنوب!
{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ* لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ *لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} (1)
حكمــــــة
وكان بعض مشايخنا يفسر أثر: " اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا "، فيقول:
أي اجعل أمر الدنيا على سبيل التراخي والتمهل، كأنك تعيش أبدًا، فلا ينشغل به قلبك..
وبادر بكل ما يتعلق بأمر الآخرة كأنك تموت غدًا.
وكما ترى، فهذا تفسير أهل العرفان، لا من رضي بالدون وجعل الدنيا همه من أمثالي!
حكمــــــة
هَزْمَةُ جبريلَ أنبتت في عطش الصحراء زمزم! فكيف بكلام رب العالمين!
ألا إنك إن جالسته انهمرت غيوث نوره في بيداء صدرك تورق الريَّ والهداية والحياة!
يقول ربنا: " ولو أن قرآنًا سُيِّرتْ به الجبال أو قُطعت به الأرض أو كُلِّم به الموتى "..وحُذف الجواب، يعني: لكان هذا القرآن!
*هزمة جبريل يعني: ضربة قدمه التي فاضت بها زمزم!
حكمــــــة
ومن الأعمال الصالحة التي بها سَبْق العبدِ، وارتفاع قلبه=تخليةُ السر من الأثقال التي تقعد به عن السير إلى الله، كخطرات العجب ونزغات الرياء، وثرثرة الغيبة والنميمة، وعثرات اللغو والاستطالة باللسان خوضًا وسبًّا وهتكًا لأستار الناس!
فكم من صائمٍ جفَّ حلقه من الظمأ، وما ارتوى قلبه من النور! والله المستعان
حكمــــــة
الوحي مأوى النفوس والقلوب والأرواح، والنفس كالعود الرطب الذي لا حياة له إلا في محضن الوحي بنوره وظلاله ونعيمه، ومتى تباعدت فأطلَّت على العالم بعيدًا عن ظلاله وأنواره=يبست، وقحِل كل ما فيها، وأولُ ذلك الصدر!
وما نعيم الإنسان أو سعيره إلا بما يكون في صدره!
"..أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونورَ صدري وجِلاءَ حُزني " !
حكمــــــة
قال لي وهو يقف من وراء غمام بكائه:
أقول لك شيئًا؟! لقد خلقني ضعيفًا فقيرًا مجبولا على الحاجة، عاريًا من العصمة، فلست أملك غير سؤاله، وإن امتلأت حقيبة نفسي من الآثام والمعاصي، فوالله إني لأكرهها، وأتوب منها، ولكني لا غنى بي طرفة عين عن كرمه، وما ردني على قبح ما بي أبدا!
ولا أدري كيف يذوق الحياة من لا يعرف ربَّه ويسأله ويسجد له ويتوب إليه؟!
ثم سكت وما سكتت عينه!
حكمــــــة
إنه الحدث الأكبر في تاريخ البشرية..نزل الروح الأمين من الملأ الأعلى، يحمل كلام رب العالمين الذي خلق فسوى وقدر فهدى، فتلقى أطهر القلوب صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ذلك النور، وبلغه قلوب أصحابه، يبعث هامد الأرواح من أجداث الغفلة الموحشة بحيرتها وضلالها وسعيرها المتلهب بالقلق=إلى فلق الهدايا يطل على القلوب ويتهادى أمامها ينهج لها سبيل الفلاح ساميًا مضيئًا ألِقًا، =وتتحدر من آفاقه سُرُج الهداية بيقينها المطمئن وصراطِها المفعم بالسكينة.
فاهتدى واللهِ ونَعِمَ بالسكينة من أقبل على القرآن يغسل في نوره نفسَه المعتمة!
فما لَهُ الإنسان! يُعْرِضُ عن كلام ربه، ثم يجلس يشكو ضِيقًا وقَلَقًا وحَيْرَةً وثِقَلًا للطاعة، وتعثرًا في المعصية؟!
ومتى ينهض ابن التراب وهو بعيدٌ عن أنوار الوحي؟!
وهل ينضر هذا الترابي إلا بهذا النور الإلهي؟!
وهل يعي هذا الترابي معنى أن يُشَرِّفَهُ ربه بأن يُطيقَ لسانُه النُّطْقَ بالكلام الذي تكلم به ربُّ العالمين؟!
وهل يعي هذا الترابي معنى أن يشهد قلبُه هذا النورَ ويعاينَ معانيَه، فلا يبقى فيه موضعُ مرضٍ إلا وبسطتْ عليه العافية رداءها؟!
هل تدري كيف صار إليك هذا المحفوظُ بين يديك؟!
وهل علمت كم تَعِبَ وحَزِنَ وجاهد وصابر ورابط النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليؤدي أمانة الوحي الذي تلقاه الكثيرون الآن بالهجر والإعراض؟!
وهل أدركت الآن لماذا ثقُلَ على الكثيرين هجرُ الذنب ولو كان صغيرًا، وامتثال الأمر ولو كان يسيرا؟!
وهل أدركت سرَ تهاوي الأخلاق في أخاديد الفرقة والنزاع؟!
إن محنتنا كلها إنما هي من هَجِيرِ هَجْرِه!
وفلاحنا كله في تلقيه تلقيَ الظامئِ المحبِّ الذي يوقن اليقين كُلَّه أنه بدونه ميت، وبغيره هالك= فلا يزال يرتوي، ويتضلع منه، فيُنَقَّى ويُرَقَّى، إلى أن يسمَعَها من ربه في جنات الخلد: اقرأ وارقَ كما كنت تقرأ في الدنيا!
اللهم قلبًا تحبه وترضى عنه!