من أقوال أ. وجدان العلي
حكمــــــة
" يا فاطمةُ بنتَ محمد! سليني من مالي ما شئتِ، لا أُغني عنكِ من الله شيئًا ".
سيدي رسول الله ﷺ
نسبتك صورةً أو معنًى إلى شيخ، والمكاثرة باسمه، أو صورته، لن تغني عنك من الله شيئًا.
وإن نسبة المرء إلى مُعظَّمٍ توجب عند البصير الذي يعلم موقفه بين يدي الله، زيادةَ رعاية وحسنَ خُلق وأدبًا في اللفظ وبُعدًا عن الأسواء ظاهرًا وباطنًا،.
ويا أخي! إن العلم لا يقاس بفصاحة اللسان ولا طوله، ولا بالتحريش بين عباد الله، والتنابز بالألقاب، والخوض في أعراض حملة العلم لخطأ أو ضلالة حتى!
وإنما العلم الخشية، إنما العلم الخشية.
ومن حاقَقَ نفسه وعرفها، وعرف ستر الله عليه ومنته، خشي والله أن يمسَّ أحدًا بسوء، وارتجف قلبه قبل اللفظة والكلمة، ونأى بعيدًا عن الخوض في أوحال القيل والقال!
" ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلًّا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم "
حكمــــــة
الستر خُلقٌ شريفٌ نادر، ومن أدق صوره وأخفاها=سترُ العبد عملَه الصالحَ الذي وفقه الله إليه؛ والصبر عن بثه في الناس..فترى الواحدَ يمن فيستكثر، ويذكر العمل وُفِّق إليه أمام العالمين في غير ضرورة! وفي تعرية العمل وبثه في الناس بلا ضرورة شرعية=تعريضه لآفات الرياء والسمعة، وتلك مصيبةٌ عظيمة..
وهنالك ستر شريفٌ لا يقوم به إلا الأفذاذ ذوو المروءة، وهو ستر عيب من خالفك أنتَ، وحبْسُ اللسان عن تناول خُلقه، وهتك ستره، وكشف أمره؛ فإن في الناس صنفًا يحسب أن مفتاح استباحة أعراض الناس =مجرد مخالفتهم له، أو لمُعَظَّم عنده، ومن نظر أحوال الناس في الطلاق أو الشقاق شابت نواصي قلبه.
وبعضهم يطغى فيُطلق لسانه بالفِرى والطعنِ لا يطْرف له جفن، وما استكثر المسكين إلا من حظه من ردغة الخبال يطْعَمُها في الآخرةِ!
قال سيدي صلى الله عليه وسلم: " ومن قال في مؤمن ما ليسَ فيه، أسكنهُ اللهُ ردْغَةَ الخَبَال حتى يَخرُجَ مِمَّا قال "..
وردغة الخبال عصارة أهل النار..
والخُلقان (المن والأذى) فاشيان في هذه الجدران الزرقاء فشوًّا دالًّا على تآكل معالم الإنسان فينا، ونسيان مشهد الآخرة.
حكمــــــة
قال لشيخه: أريد أن أكون مشهورًا!
فقال له:
الشهرة! ذلك المرض العضال الذي يستعمر قلب صاحبه، فيضيق فيه مساحات الحرية؛ حتى يعبد نفسه، أو يعبد الناس!
الشهرة! بقعة الظلام التي تحاصر الإنسان فتجعله يلهث ويلهث ويلهث..ثم يصطدم في نهاية سرابه أنه فقد كل النور الذي يحتضنه الخافتون الذين تحرروا من عبودية الأنا!
الشهرة! صنم الضجر الذي يقيم في صدر صاحبه فيجعله دومًا في سخطٍ لا يرضى!
وسكت قليلًا..ثم استأنف قائلًا:
وشهرة أيامكم يا بنيَّ كذب فارغ يستكثر ليملأ فراغه من كثرة المشاركات والمشاهدات والإعجابات!
حكمــــــة
هذه هذه!
1/وِرْدُ الحياة: بالنظر في المصحف تلاوة وتفكرًا، يهديان القلب إلى كوثر الحب، فلا يأوي إلا إلى الملأ الأعلى!
2/الأذكار الموظفة لا سيما أذكار الصباح والمساء؛ فهي حَبُّ السماء الذي لا تحليق لطير الفردوس إلا بالتقاطه!
3/ركعتا الاستخارة؛ فإنهما شعار الفقراء، والدليلان الهاديان في درب العمر، الموصلان إلى فرحة المعية وسكينة الرضا وبركتها!
4/ الضراعة؛ فإنها خزانة الخير التي لا تنفد في السراء والضراء أبدًا!
حكمــــــة
في محفل الصحراء، ومحراب الأفق، بعيدًا عن صلصلة الصخب وضجيج الصفيح والمعدن والأحجار، ناداني حبيبي أن تعال فصلِّ.. كنتُ أحسب أن الصلاة ستكون هنالك على البساط الذي كنا نجلس عليه، أشرب لبن الإبل لأول مرة في حياتي، ونطعم التمر..
لا لا، سنصلي هنا، على الرمل..استجبتُ على تردد خفي، ووقفت للصلاة،..الله أكبر..فحضرتني السكينة، وسقطت عني كل الرسوم والنعوت والأسماء، ولم يبق شيء أعاينه سوى نعت الفقر!
" فقيرٌ " يُطعم جبهتَه الرملَ، فيجد هنالك معنى الذِّلَّة لله، وشرف السجود له سبحانه وبحمده، فوالله ثم والله إن حبات الرمل على جبهة الساجد حينها لأبهى وأجمل وأنْفَسُ من ذهب الدنيا ونضارها!
كأني علمتُ حينها لم كره الفقهاء مسح الجبهة في الصلاة: إنهم يستبقون عليك سيماء الفقر، وتاج الذلة لله تعالى!
حكمــــــة
(يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمتُه؛ فاستطعموني أطعمكم).
هو تعالى من يُقيتُ الأبدان والأرواح والقلوب والبصائر، ويُطعِمها طعامًا يُغنيها به عن السِّوَى، ويرويها ريًّا لا احتياجَ بعدَه..
اللهم إنا نستطعمك فأطْعِمنا، ونستسقيك فاسْقِنا، ونسْتَكسوك فاكْسُنا، فلا نظمأ ولا نجوع ولا نعرَى وأنت ربنا الكريم الجميل، الودود الرحيم.
حكمــــــة
تربية هذا الدين الإلهي المجيد أصحابَه كانت على نهجٍ رفيع من السمو، حتى إنه ليجعل الإحسان إلى من تتيقن عداوته=من أجلِّ القربات عند الله تعالى.
ففي المسند وغيره أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الصدقاتِ أفضل؟
قال: على ذي الرحم " الكاشِح ".
وهذا النهج يجعل العبد مترفعًا عن الدنايا ومخبآت السوء، فإذا جالسته أو كلمته فكأنك من صفاء نفسه في مجلس من مجالس السماء، والمحب لا يرضى لنفسه بغير المعالي، ونعوذ بالرحمن الرحيم من التكالب على الحطام.
حكمــــــة
من جماله سبحانه إلباسُ " الأمر " محابَّ النفس، وكسوة " النهي " بما تبغضه وتنفر عنه الفِطَر السليمة، مع أن مقتضى الألوهية خضوع العبد وذلته لسطوة الأمر والنهي، لكنه سبحانه يتودد إلى عباده وهو الغني عنهم، ويلطف بهم، ويسوقهم إلى الطاعة سوقًا رحيمًا كله الودُّ والجمال، ويصرفهم عن المعاصي بتقبيحها وتقبيح ثمارها وعواقبها في نفوسهم!
فالحمد لله أن ربنا الله تعالى لا شريك له الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد.
حكمــــــة
كلما أويت إلى مكتبةٍ، وجلست بين الكتب، وملأت أنفي برائحة الأوراق=عادت إلى قلبي نضرته، وشملتني سكينةٌ سابغةٌ، كأن أرواحنا كلما أطالت الجلوس في سراب " المعدن " صدئتْ، فإذا عادت إلى جذورها وتباعدت عن صلصلة السوشيال ميديا وزعيقها والكلام الذي لا ينتهي، والحروف التي لا تنتهي، والشكوى التي لا تنتهي، والأخبار التي لا تنتهي=عندما تفر من هذا كله تعود إلينا ملامحنا، نكون أكثر هدوءًا، وأصفى فِكرًا، وأندى روحًا..
هي هي السكينة نفسها التي كنت أشم رائحتها في مساجد القاهرة العتيقة، عندما يحملني الشوق إلى الغورية فأجلس في مسجد " المؤيد شيخ "، وأتحسس من جديدٍ معالم روحي..
لقد كان لي أستاذ يقول لي عندما كنت أجلس معه على أرض الحديقة وأنا صغيرٌ: يا بنيَّ! نحن خُلقنا من التراب، ولن تجد راحةً في قلبك إلا عندما تجلس على التراب، فأنت تتصل بأصلك..
قاعدة الجمال في ترك التكلف، والهروب من الصنعة، والنزوع إلى الفطرة الأولى، ورحم الله أبا الطيب، إذ يقول:
أفدي ظِباءَ فلاةٍ ما عرفنَ بها
مضغَ الكلام ولا صبغَ الحواجيبِ!
/
حُسْن الحضارةِ مجلوبٌ بتطريةٍ
وفي البداوة حسنٌ غير مجلوبِ!
وتلك حياة خاليةٌ من الأصباغ، لا يعرفها من لا يستطيع العيش إلا من وراء كاميرا وهاتف، إذا طَعِم أو شَرِب أو فرح أو حزن؛ فإن قبلة قلبه هاتفه، حتى إذا انطفأ هاتفه أو انقطع عنه النت=اختنق فلا يدري ماذا يفعل!
حكمــــــة
" ما رأيت أحدا ارتفع مثل مالك، ليس له كثير صلاة ولا صيام، إلا أن تكون له سريرة ".
تلك الكلمة الكبيرة من الإمام أبي عبدالرحمن عبدالله ابن المبارك رحمه الله تشغلني كثيرا في مواقف كثيرة من الحياة..ففيها ما فيها من الإشارة إلى خبيئة العبد وإخلاصه ورفع الله عبدَه بما لا يعلمه الناس من سرائر الخير ومضمرات الإحسان..
لكن لفت نظري أمس وأنا أتأمل هذه الكلمة أنَّ أبا عبدالرحمن لم ينفس على أخيه مالك مكانته، بل أبان عنها، ونوه بها، واحتج لها بأعظم ما يكون في إنسان: وهو اعتقاد أنَّ له سرًّا مع الله تعالى.
فلقد يصحب الإنسان إنسانًا فينفس عليه حب الناس له، ويستكثر عليه إقبالهم عليه، ويجد في نفسه قلقًا متسائلًا لا يستطيع له دفعًا: لماذا لماذا؟! لقد صحبته فما وجدت له كثير صلاة ولا صيام..! وهو يقول ذلك لا بحثًا عن العلة التي ارتفع بها صاحبه، بل عن العلة التي يسقطه بها ولو في نفسه، ولربما طغى به البغي فاختلق له وعنه ما يسقطه..
وهذا كله ترجمان الحسد الخفي الذي يتسلل إلى نفس صاحبه مستترا بـ " النصيحة "، و " النقد العلمي "، والحب في الله والبغض في الله!
رضي الله عن تلك القلوب التي سلمت من الأحقاد والضغائن، ولم تستتر بما آتاها الله من العلم لتقدح وتجرح وتنفث الضغن ملتويًا يفوح برائحة الحسد التي لا تخطئها بصيرة صادق مع نفسه.
حكمــــــة
قال الإمام شيخ الإسلام أبو عبد الله سفيان الثوري رضوان الله عليه: ما عالجتُ شيئًا أشدَّ عليَّ من نيتي..
هذا يقوله سيدنا سفيان ومعه العلم والإيمان والورع والجلالة، وفي أيامنا معنا الفيس والكاميرا والهاتف، ونأمن على نياتنا!
اللهم لا حول ولا قوة إلا بك ارحمنا فلا يجيرنا من شر أنفسنا إلا أنت!
حكمــــــة
ومن طرق الولاية =إنعام النظر في الوحي الذي به قوام حياة المرء، لاسيما ما شرع الله تبارك اسمه لنا تكرارَه، والمداومة عليه، وأرشدنا نبينا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إلى فضله وعظيم ثوابه=كالفاتحة، وآية الكرسي، والمعوذات " وهي تشمل سورة الصمد على الصحيح كما حققه أبو الفضل ابن حجر رضي الله عنه " وخواتيم البقرة.
فإن مطالعة العبد لأنوار هذه الآيات، وتدبره في مقاصدها، والإصغاء إلى معانيها، والاستشراف للأجزية العظيمة التي صحت في فضلها=يعرج به إلى سماوات رحبةٍ من العرفان الذي يغذو القلب بحلاوة الإيمان ونوره وبشاشته، ويدهشه بخفقات السكينة وأنس المعية، فيبصر لم تعلقت تلك الفضائل الجليلة بهذه الآيات المباركات من كلام رب العالمين سبحانه وبحمده.
فافهم هذا الباب واحرص عليه؛ فإن فيه حياتك وفرحة قلبك ونعيم روحك، وإن فيه مقامات الإيمان ومنازله العليا، وإن فيه حفظك من كل سوء، وصيانتك من كل شر، وإن فيه سعادة الدنيا وفلاح الآخرة، فلله الحمد رب العالمين.
حكمــــــة
لا تعجل ببذل قلبك، أو إلباس شخصٍ ثياب الأخوة والصداقة..
أكثر الناس لا يطيق حمل هذه النعوت، فإذا مضيت عنه تحسب أنك من لسانه آمنٌ=سعى حثيثًا في تمزيق أديمك، وجعل أذنه متكأً لكل فمٍ، وقلبه مأوًى لكل ظن..والسعيد من عامل الله في خلقه، ورجا رضاه وحده!
وقد كان العارف الرباني إبراهيم بن أدهم ينشد قائلا:
ارضَ بالله صاحبا
ودعِ الناس جانبا!
ومصانعة وجهٍ واحدٍ تكفيك كل الوجوه، كما قال العارفون بالله وبالناس.
حكمــــــة
الروح إذا سكنت إلى إلْفِها جعلت البيت مراحًا للسكينة، وموئلًا للرحمة، وليس هذا بمعجزة اندثرت، بل ما زال في الناس رجالا ونساء الخير..
فلقد ذكر أبو عبدالله أحمد بن حنبلٍ رضي الله عنه أنه أقام مع زوجه أم صالح ثلاثين عامًا فما اختلف معها في كلمة!
وذكر الرافعي رحمه الله بقاءه أكثر من خمس وعشرين عامًا مع زوجه لم يختلف إلا مرةً واحدة كان هو المخطئ فيها!
وذكرت لي أم فهرٍ رحمها الله لما سألتها: هل تذكرين خلافا بينك وبين الأستاذ محمود، فقالت لي: ممكن مرة..لكن شيء عابر..
وهؤلاء ليسوا بمعصومين وليسوا بصحابةٍ، فلم قحلت النفوس إذن؟!
لخلوها من دين يهدي وروح تبصر، وانغماسها في المادة وأثقالها، فشقيت وشقي بها العالم!
حكمــــــة
اللهم لا تجعلْ إحسانك إليَّ بحسب ثنائي عليك، ولا رأفتك بي على قدر تضرعي إليك؛ فتسلبَني كريم ما خوَّلتني، وتنزعَ عني جميلَ ما عوَّدْتني، وتحرمَني موهبتَك أنْ تُفيضَها عليَّ، وتمنعني رحمتك أن تُنزلها إليَّ!
من نفيس كلام ابن المستوفي في صدر كتابه " النظام في شرح شعر المتنبي وأبي تمام "، وهو في أحد عشر مجلدًا نادرة.
حكمــــــة
صلاة الله ربنا سبحانه وبحمده على عبده تخرجه من غمرة الظلمات إلى فضاء النور:
" هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور ".
فقد ربح الخيرَ كلَّه وهُدِي إلى الاستقامة بأنوارها مَن صلى على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل صلاة منه بعشرٍ من رب العالمين سبحانه وبحمده، وأي نورٍ وبركةٍ وجمالٍ فوق هذا؟!
حكمــــــة
بعض الناس يكون وجوده في الحياة وجودَ الذنب، يُتاب منه، ويُعقد العزم على عدم العودة إليه؛ فتلك عافية القلب وسلامة الصدر.
ومنهم من يكون كالطاعة المُتَقَبَّلة، تجد حلاوتها في قلبك، وتحب الاستكثار منها..
وأعظم الطاعاتِ طاعاتُ الخفاء، وكذلك تجد أعظم الصداقات وأوثقها في الأخفياء الذين لم يشغلهم بهرج الدنيا عن القيام بحقيقة المحبة لك.
حكمــــــة
أقصر الطرق إلى حاجتك: أن تشكو إلى الله تعالى حالك وما بك، متعرضا لكرمه وعفوه وإحسانه..اشك كل ما يكون بك، واعرض حالك عليه، وقل بي كذا وكذا، وأرجو كذا وكذا..
ولا يغب عنك مشهد نداءات زكريا وأيوب ويونس وهمهمات الحزن اليعقوبية وهواجس الخوف الموسوية!
وما أجمل أن تصحب هذا كله بالثناء عليه والاستغفار من ذنبك ومعاينة الفقر التام له سبحانه، مع اليقين التام في قدرته على كل شيء، ومحبته سماع الشكوى منك، وأن أمرك كله عليه هينٌ سبحانه وبحمده.
حكمــــــة
ما تخلّف فقيرٌ محتاجٌ مسكين عريقٌ في ضرورته=عن موعده مع من لا يرد فقيرًا أو يخذل مسكينًا!
فكيف بأفقر الفقراء وأعرقهم فاقةً، مع رب العالمين وأكرم الأكرمين؟!
ولذلك كانت ديمومة الإقبال على أذكار الصباح والمساء=دليلًا حيًّا على صدقك في فقرك.
وحاشا لمن يرى عبده بين يدي الليل والنهار فقيرًا مسكينًا= أن يرده أبدا، كيف وهو الذي أعانه، أفيحرمه؟! كلا والله!
حكمــــــة
من الأشياء التي وجدت بركتها في قلبي سكينةً وراحةً: التماس الأعذار للناس، في غير حرام، وحمل أمورهم على أوسع العذر وأرفقه، ولأن أخطئ في الإعذار أحبُّ إلي من أن أخطئ بإساءة الظن.
وشتان شتان بين فرحة القلب بتحقق العذر وصدقه، والمرارة التي يجدها الإنسان في حلقه عندما يسيء الظن فيكون الأمر على خلاف ما اعتقد.
حكمــــــة
من جليل ما نبه عليه الإمام العلامة بدر الدين العيني رحمه الله ورضي عنه في شرحه حديث شكوى الفقراء للنبي ﷺ " ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلا والنعيم المقيم "..الحديث.
قال الإمام في إشارة إلى أدب رفيع:
ومن فوائد الحديث المذكور: أن العالم إذا سُئِل عن مسألة يقع فيها الخلاف أن يُجيب بما يلحق به المفضولُ درجة الفاضل، ولا يجيب بنفس الفاضل، لئلا يقع الخلاف.
ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم أجاب بقوله: (ألا أدلكم على أمر تساوونهم فيه) وعدل عن قوله: نعم هم أفضل منكم بذلك. اهـ
وفي هذا ما فيه من رُقِيٍّ ورحمة، ودفع لمادة الحسد، وسلامة الصدور، وهذا خُلق مفتقد في الأسر وكم من والدٍ يزرع الحسد بين أبنائه وهو لا يدري، وكم من رجل حطم قلب زوجته بنسيان هذا الخلق، وكم وكم!
حكمــــــة
كان يُقال عن الإمام القدوة العارف أحمد بن عاصم الأنطاكيِّ رحمه الله ورضي عنه: " جاسوس القلوب " ؛ لأنه كان بصيرًا بأحوالها وعللها، يعظ فيقع كلامه على أدواء النفوس فتُشفَى!
تذكرت ذلك اللقب العُلْويَّ في حديثٍ إلى الروح عن صانعي بهجة الحياة، فقلت: هم الأحباب المتلصصون على مرادات أحبابهم، يسرعون إليها في خفة السُّرَّاق ليحققوها لهم، فلا ينتظرون من أحبابهم طلبًا أو أمرًا!
قد كفوهم مؤنة الطلب وكلفة التصريح!
فيهم سر الأمومة تبصر في عين الصغير وصمته وهمهماته كل أوراقه المخفية وحاجاته المستترة!
وما طابت الحياة بغير هؤلاء المتلصصين النبلاء!
حكمــــــة
نِعَم الربِّ على عباده مضاعفةٌ أضعافًا كثيرةً، فما من نعمة إلا وفي طياتها نِعَمٌ:
فالعبد مثلًا ينفق عليه ربه، ثم يمنُّ عليه بالنفقةِ على غيره، فيُشْكَرُ ويُثْنَى عليه، ويُنشر له في الناس الثناء الحسن..وكل ذلك من ربه الجميل، أعطاه النعمة، ووفقه للبر، وأجرى ألسنة الناس عليه بالخير!
فما أعظم منَّةَ ربِّ العالمين! وما أجملَ إحسانَه وفضلَه!
حكمــــــة
الناس في الحزن طبقات وطاقات..أحيانًا نستجلب النسيان والضحك لنحفظ الإنسان الذي فينا من الحطم والانكسار..
ومساحة الحزن لا تقاس بالحديث عنه أو الحديث معه..
إنما تقاس " بصدق " الرغبة في سعادة من نحب، والفرح " الحقيقي " لفرحه..
الحزن حيةٌ عمياءُ تتحس فرائسَها، فمن وجدته هشًّا عضته فربما هدمت عمره..
ومن علم من نفسه هذا فليسعَ للاستكثار من مساحة الفرح والأمل واليقين والبعد عن بواعث الحزن التي لا تعبر به كما تعبر بالآخرين..
ولنا في سيدنا الصديق رضي الله عنه أسوة..ما شُطِر قلبٌ حزنًا على النبي صلى الله عليه وسلم مثله!
وهو هو الذي كان يحمل بعدها الحسن رضي الله عنه ضاحكًا ملاعبًا يقول: بأبي شبيهٌ بالنبي ليس " شبيهٌ " بعلي..
واللهم عفوًا وعافيةً وسعةً ورحمةً..
حكمــــــة
ما اجتمعت هذه الألفاظ الثلاثة " العفو والصفح والمغفرة " أمرًا، في كتاب الله المجيد إلا في موضع واحد يختص بالأبناء والزوجات.
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِنَّ مِن أَزواجِكُم وَأَولادِكُم عَدُوًّا لَكُم فَاحذَروهُم وَإِن تَعفوا وَتَصفَحوا وَتَغفِروا فَإِنَّ اللَّهَ غَفورٌ رَحيمٌ﴾.
وفي هذا بيان كاشف عن حاجة البيوت لكي تكون مأوى للبركة والود والرحمة إلى هذه الثلاثية " العفو والصفح والمغفرة "..وأن مقياس القوامة والرجولة حقا على قدر تحقق هذه الخصال الثلاث في القيِّم على البيت، صفحا وعفوا ومغفرة مع أهله وولده..
وكم من بيوتٍ هربت منها السكينة وتناثرت فيها الوحشة، وغاضت البركة فلا تكاد تبصر لها أثرًا؛ لأنها قامت على القسوة والعنف والجفاء..
حكمــــــة
قال رسول الله ﷺ: " إذا رأى أحدُكم رؤيا يُحبُّها، فإنما هيَ من اللهِ، فليحمدِ اللهَ عليها وليحدثْ بها، وإذا رأى غيرَ ذلك مما يكرهُ، فإنما هي من الشيطانِ، فليستعذْ من شرِّها، [ولا يذكرْها لأحدٍ]، فإنها لا تضرُّه "
متفق عليه
وهذا أصلٌ مغفولٌ عنه في ترك نفثات السوء وتهاويل الشر التي يقذف بها الشيطان في نفس الإنسان فينشغل به ويرهب شرها ويتحدث مرتجفًا بها..
وما أكثر من استخفه الشيطان فتلاعب به وأوقعه في حبائل الوهم فأضر نفسه وآذاها بل وهدم بيته من أجل رؤيا!
حكمــــــة
" قال الله عز وجل في الحديث الإلهي: " المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء "
منزلة عُظمَى يتقاصر دونها كدُّ المجتهد في التماس أسبابها، فكيف بالذي رضي من أخوته بالحرف المقيد بالكسل والتثاؤب والدعاوى العريضة؟! أو بالذي اختطفته الدنيا وبسطت على قلبه وعقله ولسانه ويومه أشغالها وأثقالها، فلا يذكر أخاه بالدعاء لا أقول بالسؤال وتفقد الحال؟!
السجود موحشٌ من أسماء من ملأنا أفواهنا بدعاوى أخوتهم، والأكف أوهن من حمل حاجاتهم إلى العرش؛ فإنما تستقي من القلوب قوتها، والقلوب موصدةٌ وعليها صدأ الأقفال!
هذا خُلق واحد من ثمار الحب! واحدٌ فقط!
لم يعد يفرحني كثيرًا ذلك الإرجاء في المشاعر، ولم أعد أهتم كثيرًا بالكتابة عن هذا الأخدود العظيم بين النفوس..وصرت أخاف أكثر من تشرب قلبي النفاق والكذب؛ فكل من طالع حال السلف في إخائهم خاف على نفسه المقت، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين!
حكمــــــة
تلك النفوس العلوية!
جاء سيدنا ﷺ إلى بيت ابنته فاطمة عليها السلام، فقال لها: أين ابن عمك؟
فقالت: " كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يقِل عندي "
!
فخرج النبي ﷺ فوجده نائما في المسجد فجعل يوقظه ويقول: قم أبا التراب! قم أبا التراب!
يمازحه!
فهذه فاطمة رضي الله عنها لم تفشِ سر زوجها لأعظم الخلق، وأحقهم بإفشاء السر إليه!
وهو بعدُ أبوها وأحب الناس إليها ﷺ !
وقد جاء فسأل وليست هي من ذهب فاشتكى!
بل طوت ما كان بينها وبين زوجها، وأبقته حيث هو بينهما وحدهما!
ولم يسألها أرحم الخلق ﷺ عن قصة الأمر، ولا ماذا كان بينهما، ولا استقصى!
وما فاتح سيدنا عليا رضي الله عنه في شأن الأمر، ولم يذهب إليه يحمل وجها مغضبًا ونفسًا مغضبة!
بل مازحه ولاطفه وما قال له عما كان بينه وبين ابنته فاطمة شيء!
/
تكبر في عيني جدا تلك المرأة المباركة التي إذا خالفت زوجها أو كان بينهما شيء= سترت ما بينهما ولم تحدث به أحدًا!
وما وجدتُ امرأة لديها نهمة كشف خبايا زوجها وسرد صغير التفاصيل وكبيرها بدعوى الشكاية منه إلا نكرتها نفسي، وسقطت من عيني، وجعلت هذا دلالةً على خسة معدنها وقباحة سريرتها.
وإنما تُقام البيوت بالتراحم والتغافر!