من أقوال أ. وجدان العلي
حكمــــــة
تذاكُرُ نِعَمِه تبارك اسمه، من أبواب النور التي يغفل كثير من الناس عنها، وهي من موجبات حبه، المُدنيات من كرمه؛ فإنه يسوق من فضله إلى القلب الذي يطالع كرمه ويتفكر في نعمه ما لا يسوقه إلى القلب الغافل عنها، " لئن شكرتم لأزيدنكم ".
وقد كان الصالحون يتلاقون فيتذاكرون النِّعَم، ويعددونها، كما يتذاكرون الباب من العلم؛ فتشرق النفس بأنوار فضله السابق، وتتشوق إلى فضله المرتقب، سبحانه وبحمده.
حكمــــــة
كان يُقال عن الإمام القدوة العارف أحمد بن عاصم الأنطاكيِّ رحمه الله ورضي عنه: " جاسوس القلوب " ؛ لأنه كان بصيرًا بأحوالها وعللها، يعظ فيقع كلامه على أدواء النفوس فتُشفَى!
تذكرت ذلك اللقب العُلْويَّ في حديثٍ إلى الروح عن صانعي بهجة الحياة، فقلت: هم الأحباب المتلصصون على مرادات أحبابهم، يسرعون إليها في خفة السُّرَّاق ليحققوها لهم، فلا ينتظرون من أحبابهم طلبًا أو أمرًا!
قد كفوهم مؤنة الطلب وكلفة التصريح!
فيهم سر الأمومة تبصر في عين الصغير وصمته وهمهماته كل أوراقه المخفية وحاجاته المستترة!
وما طابت الحياة بغير هؤلاء المتلصصين النبلاء!
حكمــــــة
" إن إبراهيم كان أمةً قانتًا لله حنيفًا ولم يكُ من المشركين (شاكرًا لأنعمه) اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم "..
مذاكرة النعم وشكرها شأن المحب الذي اجتباه ربه!
ومتى جال القلب في مشاهدات النعم =ارتقى إلى آفاق من حب الله تعالى لا نهاية لها..فكان ذِكْرُه ذكر العارف المحب، ودعاؤه دعاء الطامع الموقن: أليس قد شاهد النعم وعايَن الكرم، فما له لا يطمع في إحسان من غمرته نعمه، وأحاطت به شواهد جوده؟!
وما تسلل يأس إلى قلبٍ وقحط إلا قلب ضريرٍ حجبته غفلاته عن مطالعة النعم.
حكمــــــة
الخفقة المعَلَّقة في الصدر، اختلاجة العين، الروعة التي تفجأ القلب وتدهشه، تعارف الأرواح وملامسة النفس للنفس بلا تاريخ سابق، ولا معرفة متقدمة، مطالعة الحرف وهو يُولَد من فم الصمت حيًّا دافئًا وسيم القسمات بـ: أنا..أحبك!
كل هذا الغيب الذي يسكننا ونلمسه بأنامل قلوبنا= آيةٌ شاهقةٌ على أن لهذه الأرواح ربًّا يدبر الأمر من فوق سبع سموات!
حكمــــــة
" كلا بل تحبون العاجلة..وتذرون الآخرة " !
كم في قوله تعالى " تذرون " من إعجازٍ لم تزل شواهده متناثرةً في دنيا الناس!
و " تذرون " فيها ما فيها من تركٍ وإعراضٍ ومفارقةٍ ونسيانٍ، واستخفافٍ، وغفلةٍ تطمس بصر القلب فتجعله بائسًا يبحث لاهثًا عن صحة موقفه بين يدي الناس، ولو بالزور والإفك، وينسى موقفه هنالك في الآخرة بين يدي الملك!
حكمــــــة
نِعَم الربِّ على عباده مضاعفةٌ أضعافًا كثيرةً، فما من نعمة إلا وفي طياتها نِعَمٌ:
فالعبد مثلًا ينفق عليه ربه، ثم يمنُّ عليه بالنفقةِ على غيره، فيُشْكَرُ ويُثْنَى عليه، ويُنشر له في الناس الثناء الحسن..وكل ذلك من ربه الجميل، أعطاه النعمة، ووفقه للبر، وأجرى ألسنة الناس عليه بالخير!
فما أعظم منَّةَ ربِّ العالمين! وما أجملَ إحسانَه وفضلَه!
حكمــــــة
يهتز القلب فرحًا وبكاءً، ليد تتسلل بالخير إلى فقيرٍ من الناس، أو لمعروفٍ في شدة، أو مشهد نُبْلٍ في بادية الجفاء البشري! وينسى ذا المعروف الذي لا ينفد عطاؤه، ولا ينقطع بِرُّه مُذْ كان الإنسان في قبضة العدم، إلى أن ترتحل عنه أنفاس الحياة!
" قليلًا ما تشكرون " !
سبحانك! لا نُحصي ثناءً عليك! أنتٓ كما أثنيتٓ على نفسِك!
حكمــــــة
يُعرض كثيرٌ من الناس عن جرد المطولات، ولو أنهم صابروا أنفسهم لوجدوا في ذلك خيرًا عظيمًا.
وأخبرك عن أخيك: ما استمتعت مثلًا بكتابٍ مجموعٍ في السيرة مثل كتاب سبل الهدى والرشاد، الذي احتشد له مؤلفه احتشادًا جليلًا، جمع فيه الشاردة والواردة، فجاء كتابًا حافلًا بالخير، ثريًّا بالفوائد.
وأنا منذ عرفت شيئًا أنأى عن المختصرات في العلم، لاسيما كتب المعاصرين، وأحب لطالب العلم أن يستكثر من مجالسة الكبار في كتبهم، ويعيد النظر ويسأل ويبحث، وسيجد لهذا ثمراتٍ عظيمةً في قلبه وعقله ونفسه.
حكمــــــة
من نفائس الاعتذار=قولُ العبد في " سيد الاستغفار ": خلقتني وأنا عبدك!
فإن في أطوائها إشارةً إلى ما جُبِل عليه الإنسان من الخطأ والسهو والتقصير، وأن الموفق هو الذي لا يصبر على ذنبٍ يقع منه، حتى يتلقاه بأسف المعتذر، الذي يدخل إلى ربه من بوابة الفقر قائلًا بلسان حاله: أنت ربي، وأنت الأعلم بضعفي ونقائص نفسي، فامنن عليَّ بمغفرةٍ تسددني وتنهض بها نفسي من عتمة الذنب إلى فلق التوبة الوضيء!
حكمــــــة
وفي التوبة مشهد الفرح الرباني الذي لو أيقن به قلب الشارد لنفض عنه غبار غفلته، ليكتب اسمه في ديوان من يفرح بهم رب العالمين!
وهذا مشهد تنكسر عنده الحروف وتبلى الكلمات!
فما أشد حرمانَ من انقطع عن هذا النور، فتثاقل متهاونًا، وجلس على رصيف الوحشة مظلم القلب! " ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون " !
وقد أبصر العارف هذا الجمال، فلم يزل قلبه يلهج مستغفرًا تائبًا، كأنما يجعل قلبه مترددًا على النهل من هذا الكوثر المضيء! أن أكون أنا! نسل الطين وحفنة التراب=أحدَ مَن يفرح بهم أغنى الأغنياء عن عبادة الخلق سبحانه!
حكمــــــة
وفي ضراعة العبد ولهجه بمأثور ما صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله " اللهم إني أسألك من كل خير سألك عبدك ورسولك صلى الله عليه وسلم! وأعوذ بك من شر ما استعاذ منه عبدك ورسولك صلى الله عليه وسلم " = خفقاتُ حبٍّ تنطق بالإيمان بهذا النبي، واتباعه، والتسليم له، وقفو أثره، والسير على دربه الشريف! فهو يقول: لا أسأل إلا ما سأل سيدي، ولا أستعيذ إلا مما استعاذ منه سيدي! لا آمن التأمين إلا على دعائه، ولا أسكن إلا إلى ضراعته!
وإنها لرجفة حب تتفرج لها حجب الغيب بالنور والفرحة والكرم!
اللهم لك الحمد على عبدك وخليلك صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
حكمــــــة
أدر طرفك في تراجم الكبار من الصحابة ومن تبعهم، وانظر ما كانوا يتناشدونه من شعر وأدب وطرف الأخبار، دون نكير..ثم مِل إلى أهل زماننا، وانظر بعضَ من تلبس بالنسك الأعجمي يريد أن يذبح الفطرة والحياة بعجمة قلبه وفهمه وسلوكه.
واعلم أن ما ضاقت به نفسك مما اتسعت له نفوسهم=لا يكون هديًا صالحًا، ولا سبيلًا وسطًا.
وما نتناقله أن الخير في اتباع من سلف=يشمل الاعتقاد والسلوك والتصور والحياة!
حكمــــــة
لو أن إنسانًا يغدو عليك ويروح بكل ما تحب من هدايا وتحف وما به فرحة قلبك وسعادة روحك؛ لكان حبه جاريًا منك مجرى الدم والنَّفَس!
فسبحان من له المثل الأعلى، يصلنا بنعمه ويحوطنا بفضله كل طرفة عين، ويشرع لنا في الغداة والعشي أذكارًا ميسورةً تُدخل النفس في نور المعية وبركات الولاية!
فلله الحمد وحده أولا وآخرًا ظاهرًا وباطنًا.
حكمــــــة
حبيبي! سِر في ظلال اليقين ومعية الذكر، والطَّمَعِ الغامر في ربك الكريم..
حبيبي! لو أن كل هذه المخلوقات اصطفتْ فنادى كلٌّ بحاجته، لما نقَص ذلك من مُلك سيِّدِك الذي مَنَّ عليك بالإسلامِ له، وجعلَ سبيلَك للوصول إلى خزائن الجود التي لا تنفد: هَمْهَمَة ضراعة، ولو كانت خافتةً غير مسموعة، أو خفيةً لا تُرى، أو صامتةً لا تتكلم..إنها خَفْقَةُ قلب وكرم رب، فلا تيأس حبيبي، ولا تجلس في ظلال العجز قانطًا..إن ربك الجميل الكريم!
حكمــــــة
صاحبي يعتقد أن الشيطان سيتركه صافي البال مشرق اليقين في كرم ربه ورحمته، ناظرًا إلى الحياة كلها نظرة العبد اللائذ بربه، المفتقر إليه!
ويظن أنه سيخلص إليه نور البشارة وأضواء الفرح بهدايا الرب ومننه على عباده=بعيدًا عن نفث إبليس وأدخنته التي تكدر مشكاة قلبه!
يا صاحبي! هذا عمل الشيطان الذي لن يغادره قط نسجًا للباطل وإثارة لهمومك وأحزانك ومخاوفك!
فأين هو عملك في إهمال نفثه والإعراض عن ظلمات وسوسته إعراض الأنفة عن الوقوع في ذل الوهم، والحياء من أن يرى الله تعالى قلبك مُعرضًا عن صدق كرمه إلى أضغاث أحلام أكذب الخلق وأشدهم له عداءً!
حكمــــــة
اللغة شهود محدود بما يطيقه الحس، والروح غيب فسيح متراحب لا يتناهى المعنى فيه، وهذا سر من أسرار البيان: أن الرجلين يسمعان الكلمة الواحدة، وأحدهما ينفذ منها إلى غيب مستور، ويسري بروحه في ظلال الكلمة فلا ينتهي الأمر حتى يصل إلى معاينة المعنى ماثلا أمام عينيه، فيقطع فيما يراه غيره ظنا، ويستبد به اليقين فيقسم فيما يقف الآخر بين يديه متلددا حائرا!
ولقد يحسب المرء مسألة من مسائل العلم هينة صغيرة، لا تستعجم على البيان، وإنها لكبيرة متوالدة متنامية في نفسٍ أخرى نفذت من وراء الحرف، واقتعدت الكلمة، ولقفت المعنى ساخنا حيًّا، حتى إذا ما أرادت البيان عنه أسرها اللفظ، وحاصرتها قيود اللغة، وآصار العلائق والوشائج بين الكلمات، فيبقى الأمر متكلما في الروح بمعانيه، لا يؤازره لسان ببيان ولا حرف بتعبير!
وهذا الذوق آية من آيات الله، في تلقي العلم وصيد معانيه الهاربة.
حكمــــــة
سبحان الله! تأمل قوله تعالى: " ولو رُدُّوا لعادوا لما نُهُوا عنه وإنهم لكاذبون " !
بعد كل هذا الهول الهائل الذي تتلظى فيه النار وتشيب النواصي ويتناهى الفزع وما شئت من هول=تظل هنالك نفوسٌ مردت على الضلال وتلبست بحمأته، حتى لو عادت من بعد هذا كله لعادت لما كانت عليه عصيانًا ومقارفة للفجور!
هل تستوعب هذا؟!
اللهم عفوك وعافيتك!
حكمــــــة
" الكسل " ! تلك المفردة المُقْعَدة!
وهو معنًى يمتد ليشمل شأن الجسد والقلب والروح والضمير.
فقد يكسل القلب عن الطهارة، ويقعد عن العفو، ويتثاقل عن التدبر والتحليق في فلك السمو..
وتكسل الروح عن تلقي النور، والخلوص من أثقال الطين شهوةً محرمةً، وحقدًا خانقًا، ورضًا بالسِّفال قولا وفعلًا وسلوكًا!
فإذا لهج لسانك بالاستعاذة من الكسل، فانثر بين يديك تلك المعاني وأخواتها؛ فإن مدد الرب الكريم لا ينتهي أبدا.
حكمــــــة
النفس الإنسانية وجودٌ مُسَيَّجٌ بأشواك التعقيد والغموض والإبهام، غائرة الجذور في عوالم الرماد وحقول العتمة الموحشة!
وكل محاولةٍ لترميم شقوقها وتزكيتها، ونزع معطف الرماد والغموض والإبهام عنها-بعيدًا عن الوحي=هي إيغالٌ في بيداء التيه والحيرة والقلق! ولو كان إمامَ الركب أكبرُ عقلٍ فلسفي !
والمعضلة المختنقة: أنَّ كثيرًا من الناس مولعٌ بالانصراف عن الوحي، والانشغال بميراث الضعف والقصور والعجز البشري، ثم هو يشكو، أو يضيق بالشكوى فيُجَنُّ، أو يقذف بنفسه في تابوت العدم منتحرًا!
حكمــــــة
للمدح سلطانٌ خَفِيٌّ على القلب الذي يُصغِي إليه ويستشرف مظانَّه، ولا يزال به حتى يجعل من صدر صاحبه تنُّورًا يفور بالعجب والرياء! وينقلب المدح من " تذكير بنعمة الله "، إلى عبءٍ يشبه بلطجيَّ الحارة الذي لا يدع عملًا يمر، حتى يفرضَ عليه " إتاوته " من التطلع إلى أعين الناس، والنظر في أصداء ألسنتهم، أو يذبحه بسكين الشرك الخفيّ، فلا يعمل إلا للناس، ولا يغضب إلا للناس، ولا يرضى إلا للناس!
وفي كل ما مر بي من مواقف=لا أنسى موقفًا حضرته للشيخ المسدد المبارك عبد العزيز الطريفي، وقد أثنى عليه بعض الناس ثناءً بالغًا بين يدي كلمةٍ له، فحمد اللهَ الشيخُ، وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أما التوقف على ما يُعْرَفُ بُطْلانه بَدَاهةً " يعني مبالغات الذي مدحه " = فمضيعة للوقت، ثم استأنف الحديث كأنْ لم يكن هنالك شيء!
فمن عاين حقيقة نفسه، وعلم طبائع البشر= لم يلتفت إلى مدائح الناس، وإنما يجعل الثناء إن حلَّ به=موطنًا للشكر، ونافذةً يطالع منها جميل ستر الله عليه " وما بكم من نعمةٍ فمن الله ".
حكمــــــة
الناظر في خفيات الأعمال وجذور صلاحها=يعلم باليقين أن من أهمل لسانه، ولم يتفقَّد مواطنَ كَلمِه=تآكل قلبه وصدئت نفسه ولا بد!
ونعوذ بالله من فمٍ قد اتخذه الشيطانُ خزانةَ حطبٍ تتسعر على صاحبها لظًى يوم تُبلى السرائر!
وما أجمل هذا الذي يتهادى من فمه النور ذِكرًا، فيدنو الملك فيضع فاه إلى فيه!
ولقد يقول الكلمة يقولها غيره=فتقع في القلوب غيثًا وضيئًا حديث العهد بربه!
حكمــــــة
جلس في رماد همه المعتم، فقال له: ألست تقرأ قول ربك " لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا " ؟!
قال: بلى!
قال: ولا أوسعٓ منه كرمًا وجودًا وغنًى وعطاءً وعفوًا وتفريجًا للكرب، أفيأمر مَن وَسَّع عليهم بالنفقة، ولا يجود بفضله وعطائه؟!
فتناثر من حوله ضوء اليقين والفرح!
سبحان الكريم الجميل الواسع الرحيم!
حكمــــــة
لابد من إسكات عالم الصفيح، وثرثرته الزرقاء التي ملأت مساحات البياض في أرواحنا بالضجيج، والنفوس الملونة، ومساءات الحرف المصنوع وصباحات الخزف المستعار، وجداريات الكذب الشارد في بيداء السراب!
لابد لهذا الرأس العاكف على هاتفه، المصلوب على جدار الصخب=من سجدةٍ تقيم حياته، وخلوةٍ مترفةٍ بالصمت الذي يشعرنا بآدميتنا الهاربة!
حكمــــــة
حمله همُّه إلى ربه، فجلس على بساط الضراعة يدعو، ومد يديه ليقول: اللهم..
فتذكر فضل سيده صلى الله عليه وسلم، وجميل نعمة رب العالمين به، وسمو قدره، ورفيع منزلته الشريفة عند ربه=فنحَّى عنه نفسَه وحاجاتها جنبًا، وطفِق يصلي ويُسَلِّم على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم!
فما أكرمَ مِنّةَ ربه عليه؛ إذْ جاد عليه بهذا الذكر، ومَنَّ عليه بتلك النفحات التي يكفيه الله بها همَّه ويغفر بها ذنبَه!
اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه،عددَ خلقِك ورضا نفسِك وزِنةَ عرشك، ومِدادَ كلماتِك.
حكمــــــة
نحن بارعون في اصطياد الظنون الهاربة وتعليقها على ناصية القلب هاديًا ودليلا! نتقن بتفردٍ إهدار علاقاتنا وذبح أوردتها بسكين الجفاء والصدود! بالإهمال المتثائب الذي يسكن زوايا سلوكنا! صباحاتنا رماديةٌ تغرق فيها شمسنا المنطفئة!
لم نوقد يومًا قنديل حب.. كل علاقتنا بالورود مزهرية منسية في زاوية ما من غرفنا المغلقة، حتى إذا مللنا أوراقها البالية= حملناها بلا تردد إلى سلة المهملات؛ لنمارس من جديد طقسنا الخشبي وادعاءاتنا العريضة أننا آدميون، يحسن الواحد منهم أن يردد: إني أحبك في الله!
حكمــــــة
من عجائب رحمته تبارك ربنا!
يعاتب النبي صلى الله عليه وسلم في اتخاذه الأسرى ببدر، فيقول رب العالمين:﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال: ٦٧]
ثم تلتفت الآيات إلى هؤلاء المُوثَقين في أصفادهم، فيقول ربنا الرحيم للنبي صلى الله عليه وسلم في شأن من عاتبه لاتخاذهم أسرى:﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنفال: ٧٠]
وهنا تسّاقط عوالم الإبانة عن رحمته تبارك اسمه، ويتجلى لك معنى قوله صلى الله عليه وسلم: " لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش:إن رحمتي غلبت غضبي " !
اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت!
حكمــــــة
ما عمرت سكينةٌ صدرًا، ولا تهادت في أودية الروح خفقات الحب=بمثل " مذاكرة النعم " !
وقد كان السلف يتذاكرون النعم كما يتذاكرون الباب من العلم.
وكثير من الناس لا يعد النعمةَ إلا ما كان حادثًا، وينسى ما لا يُحصَى من النعم المصاحبة!
ولو تفكر الواحد منا فقط في غشية النوم وحدها؛ كيف نام وكيف حُـفِظ، وكيف نهض من غيبة الوفاة إلى فلق الحياة، وما في أثناء ذلك من نعمٍ لا تنتهي في هذه النعمة وحدها!
فكيف بما فوق ذلك من نعم الرب الكريم؟! سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك!
حكمــــــة
كأنما يتحسس لسانه الطويل ويغمسه في تنور قلبه المتوقد بغسلين الحقد غمسةً، ويخافته قائلًا: ما حملتُك في فمي إلا لتسبقني إلى أعراض الناس وتتسور نياتهم وغيب أعمالهم، ثلبًا وذمًا، وإن سبقوك علمًا وقبولًا وثناءً بين الناس!
حفظك الله لي يامِعول القدح والفضيلة المنتكسة!
" وهل يكبُّ الناس على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم " !
وما أكثرَ الحطّابين وما أعظم حصادهم!
حكمــــــة
من طالع سورة هود، وجد تتابع الرسل على دعوة أقوامهم إلى التوبة والاستغفار، كأن لا غاية للرسالات إلا هذا!
وهذا الأصل محبوسٌ في يابسة الغفلة عند كثيرٍ من الناس، بينما لا نجاةَ ولا فرج يتوهج بفرحة الكرم، ولا أسرعَ سبقًا إلى اليسر والخلوص من محنة العسر، ولا أشد إدناءً من رحمة الله وحصول معيته وبركته في النفس والأهل والمال والعمر والحياة=من التوبة والاستغفار!
وهو لائحٌ لك بشواهده، متغلغل في عصب العبادات، بين يديها، وفيها، وبعدها، وفي أوراد الليل والنهار، وفي خلوات الأسحار، وفي ضراعات النبيين والصديقين..
ومن خلف الحجب يتهادى إليك صوته صلى الله عليه وسلم رحيمًا نديًّا يهدي أمته إلى منازل الهدى ومعارج النور وهو يقول: " والله إني لأستغفر الله وأتوب في اليوم أكثر من سبعين مرة " ! وهو هو صلى الله عليه وسلم!
فكيف بالمذنب المحاصر بالألم، المغموس في الهم والحزن؟!
اركض بقلبك! " هذا مغتسل باردٌ وشراب " !
حكمــــــة
يهتز القلب فرحًا وبكاءً، ليد تتسلل بالخير إلى فقيرٍ من الناس، أو لمعروفٍ في شدة، أو مشهد نُبْلٍ في بادية الجفاء البشري! وينسى ذا المعروف الذي لا ينفد عطاؤه، ولا ينقطع بِرُّه مُذْ كان الإنسان في قبضة العدم، إلى أن ترتحل عنه أنفاس الحياة!
" قليلًا ما تشكرون " !
سبحانك! لا نُحصي ثناءً عليك! أنتٓ كما أثنيتٓ على نفسِك!
حكمــــــة
مجلس الإملاء الأعظم!
مجلس المساكين يرقمون في ألواح الليل والنهار حاجاتهم، وقد نُكِّست رءوسهم خوفًا وطمعًا، حياءً وذلًّا، يرقبون مدد الإحسان ونفحات اللطف والعافية، وخيام السكينة منصوبة حواليهم بزجل النجوى والذِّكر الخافت يُملونه على رفقة الملائكة بُكرةً وأصيلا في كتاب " أذكار الصباح والمساء ".
تلك واللهِ هي الأسرار التي أجلستهم على سُرُرِ الجنة في الدنيا والآخرة!
حكمــــــة
" وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ "
" يا عبادي! كلكم ضالٌّ إلا من هديتُه! فاستهدوني أهدِكُم ".
رب العالمين سبحانه
/
كلنا على شفا ضلالة، إلا أن يتفضل رب العالمين بالهداية!
فلمَ الكبرُ واحتقار الناس، والنظر إليهم من شرفات الوهم المنتفخ؟!
حكمــــــة
في الناس ميلٌ إلى ترك الإعذار، وشرَّةٌ غالبةٌ في حمل الأمور على مضائق سوء الظن.
ويتعب التعبَ الناصبَ ويصلى الشقاء الصَّيْخودَ من يعمل للناس ويتلمس مراضيهم.
والسعيد من فرغت نفسه من الاستشراف إلى المخلوقين، وتعلق بالذي ترادفت نعمه وتتابعت عطاياه بجميل إحسانه على قبيح أفعالنا!
ورضي الله عن سيدنا الولي أبي حازم سلمة بن دينار؛ ما أجمل كلامه:
" ولمصانعةُ وجهٍ واحدٍ=أيسَرُ من مصانعة الوجوه كلِّها، إنك إذا صانعتَه-يعني رب العالمين سبحانه- مالت الوجوه كلها إليك، وإذا استفسدت بينك وبينه شنِئتْك الوجوه كلها " !
وصدق وبر والله!
حكمــــــة
وفي الضراعة سرٌّ جليلٌ: وذلك أن القدر والدعاء يلتقيان فيعتلجان، وتلك المغالبة والمدافعة بين القدر والدعاء=تدلُّك على حاجة الضراعة إلى من يؤازرها؛ لتدفع القدر بالقدر، ولا زادَ أعظمُ من الثناء على الله؛ فليس يثقل مع اسم الله تعالى شيء، فيكون الظفر لموكب الضراعة على موكب القدر، بقدر الله تعالى وفضله، كلما كان موكب الضراعة مثقلًا بالثناء على الله تبارك اسمه.
وانظر من بعد ذلك إلى أدعية الكرب، وقد كادت تخلص كلها للثناء على الله تعالى، توحيدًا وتنزيها وتعظيما!
لا إله إلا أنت سبحانك! إني كنت من الظالمين!
حكمــــــة
ولما رأى تراكم الصخور على بوابة الغار=أبصر في وجوهها ذنوبه وآثامه، فجثا مستغفرًا فارغًا من نفسه، وأطرق تائبًا بين يدي ربٍّ حييٍّ كريم ستير، يحب العفو، والظن به تعالى أن يغفر ويجود ويعفو!
فتهاوت الصخور، وأقبل من بوابة الليل وفدُ الرحمات والنور!
فاللهم اغفر وارحم واعفُ، فما ثم إلا فضلك ورحمتك!