من أقوال أ. وجدان العلي
حكمــــــة
" وليست السماء بأعظمَ حُرمةً من المؤمن، وحراسة اللهِ تعالى له أتمُّ من حراسة السماء.
والسماءُ مُتَعَبَّد الملائكة ومُسْتَقَرُّ الوحي وفيها أنوار الطاعات، وقلب المؤمن مُسْتَقَرُّ التوحيد والمحبة والمعرفة والإيمان، وفيه أنوارها، فهو حقيقٌ أن يُحرس ويُحفظ من كيد العدو فلا ينال منه شيئًا ".
أبو عبد الله ابن قيم الجوزية رضي الله عنه
حكمــــــة
اللغة شهود محدود بما يطيقه الحس، والروح غيب فسيح متراحب لا يتناهى المعنى فيه، وهذا سر من أسرار البيان: أن الرجلين يسمعان الكلمة الواحدة، وأحدهما ينفذ منها إلى غيب مستور، ويسري بروحه في ظلال الكلمة فلا ينتهي الأمر حتى يصل إلى معاينة المعنى ماثلا أمام عينيه، فيقطع فيما يراه غيره ظنا، ويستبد به اليقين فيقسم فيما يقف الآخر بين يديه متلددا حائرا!
ولقد يحسب المرء مسألة من مسائل العلم هينة صغيرة، لا تستعجم على البيان، وإنها لكبيرة متوالدة متنامية في نفسٍ أخرى نفذت من وراء الحرف، واقتعدت الكلمة، ولقفت المعنى ساخنا حيًّا، حتى إذا ما أرادت البيان عنه أسرها اللفظ، وحاصرتها قيود اللغة، وآصار العلائق والوشائج بين الكلمات، فيبقى الأمر متكلما في الروح بمعانيه، لا يؤازره لسان ببيان ولا حرف بتعبير!
وهذا الذوق آية من آيات الله، في تلقي العلم وصيد معانيه الهاربة.
حكمــــــة
رحم الله عباده فجعل تعلقهم واستغاثتهم وسجودهم وخفقات الدمع وأنفاس النجوى حقا خالصا له وحده سبحانه وبحمده، ومتى انهدم في القلب هذا الركن فلا عمارة له أبدًا!
وكل عارفٍ بالله، متضلع من نور حبه، مستأنس بمعيته وكلاءته؛ لا يبث نشيج الاستغاثة، ولواعج الفقر والمسكنة إلا لسيده سبحانه وبحمده!
قد نعم بنور " إياك " فكان مريدًا لربه مرادًا منه سبحانه وتعالى " أولئك الذين أردتُّ، غرستُ كرامتهم بيدي " !
وذاق ولاية " فبي يسمع وبي يبصر " !
اللهم عرفانًا منيرًا بصفاء نورك، خالصًا من شوب الخضوع لغيرك، فنعم المولى أنتَ، ونعمَ النصيرُ!
حكمــــــة
من تفرس في معالم الكون وطاف في أروقة النفس ودروب الحياة؛ طالعَ من شواهد منن الله تعالى عليه ما لا يملك أمامه سوى حمد العاجز وشكر المفتقر الذي يعلم أنه لولا فضل الله عليه ورحمته لهلك!
وإن لله تعالى الحكمة البالغةَ في ابتداء كتابه المجيد بالحمد!
فالحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم..
سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزِنةَ عرشه ومِدادَ كلماته.
حكمــــــة
كلما دوَّى في صدره صوت المَلَكِ في ملكوت الضراعة: " ولك بمثل " = استدار في فلك أسماء من يحبهم فلم يغادر منهم أحدًا!
ما أجملها من رحلةٍ سماويةٍ يتحسس فيها القلب حال الذين سكنوا فيه، ولو لم يلقهم إلا مرةً واحدة!
مثل هذا لا ينتظر أن يقال له: ادع لي!
إنه ليحب أخاه، ويحب سماع صوت المَلَك الآتي من الملأ الأعلى!
حكمــــــة
للهدية من حبيبٍ أثرها النافذ في أحناء النفس، كأنها بوابة القلب للإطلالة على موسم الطفولة الأول بفرحه المتجدد، وفراشاته المضيئة الملونةِ في شِعاب الروح=واستبقاءٌ لكلمة الحب نقيةً من أثَرَةِ النفس، صافيةً من شوائب الدنيا الفانية=ورسالةٌ تنطق عن صاحبها: أحبك، وكل ما أريده أن تكون سعيدًا!
ويظل عمل هذه الهدية في النفس متناميًا بخفقات الحب والامتنان التي لا تنتهي إلا بآخر خفقة في الصدر.
كثيرًا ما أقف بين يدي تلك اللوحة الإنسانية المعلقةِ على جدار الوجود؛ لأنفذ منها إلى مشهد الإحسان الإلهي، وتلمُّسِ تجلِّيَاتِ اسمه تعالى: " الأول "، متدبرًا في كرمه السابق قبل البدء، وإحسانه الموصول إلى العباد كُلِّهِم، وهو يعلم خَبْءَ نفوسِهِم قبل خلقهم، ويُطْعِمُ عبدَه ويَغذوه بنعمه، يستوي في ذلك أجحد الناس لربه، وأعبدهم له!
فأعي تلك السجدة الضارعة لأعلمِ الخلق به وأشدهم له خشية صلى الله عليه وسلم وهو ساجدٌ ضارعٌ يناجي رب العالمين:.. لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك!
وأَعلمُ أن عمر الإنسان كله في كلمتين اثنتين، يقولهما العارف بنعمة ربه عليه، مُطْرِقًا، حافِيَ القلب: " أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي " !
حكمــــــة
سائغٌ عند أهل العلم بالحديث تمشية ما خفَّ ضعفه، وتساهلوا في رواية هذا الصنف من الأحاديث، مع أمن مخالفة ما صحَّ، والدخول تحت أصل عامٍّ، وتبيان ضعف تلك الرواية، على كلام كثيرٍ لأهل العلم في هذا الباب.
وهذا الأصل يصلح أن يكون متكأ للإنسان في معاملته الناس في بابة الإعذار؛ إذ الغالب على كثير من الناس إهمال ضبط باب الخلق، وترك العناية بالمكارم؛ فيفشو فيهم نواقض الخُلق الحسن، ويرتضي الكثير الإخلاد إلى الأرض، لا يبالي على أي حال هو.
ومتى أطلق الإنسان بصره، وأقام ميزان النقد فلن يصفو له كبير أحد، وإنما يستفتح على نفسه باب هم وتعبٍ وشيءٍ من الأذى كبير، على ما قال الشاعر:
من راقب الناس مات همًّا
وفاز باللذة الجسورُ!
وخيرٌ منه حديث نبينا ﷺ: " الناس كإبلٍ مائة لا تكاد تجد فيها راحلة ".
فلا بأس من تمشية الأعذار الواهية وقبول الضعيف منها، كرمًا وبسطًا لمعنى العفو والصفح الذي أمرنا به الرحمن الرحيم.
ثم إن الإنسان إذا استقام له ذلك النظر ارتفع فصار كريم النفس فاعتذر هو لنفسه عن غيره بما يعلم هو ضعفه، وقبض لسانه وفكره عن الناس، فصدق فيه قول النبي ﷺ عن أهل الجنة " كل هين لين قريب سهل "..
وتلك السهولة التي يؤازرها اللين لا يسلم معها تنقيب وتدقيق، ولم وهلا! بل هو مرور الكرام وقد سلمت نفوسهم وسلم منهم الناس جميعًا.
" وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يُلَقَّاها إلا ذو حظٍّ عظيم ".
حكمــــــة
الأثرة ليست هي التي تحضر في منفعة المال والمادة وحسب، ولكن هنالك من يذبحون غيرهم ذبحًا لأنهم أصيبوا بداء الأثرة:
ذلك الزوج الذي يعلم بغض زوجته له، ويصر على أن يكون مهيمنا عليها، وتلك الزوجة التي تعلم إدبار زوجها عنها، وتنافر روحيهما، وهي تصر على أن تستبد به لتدعه حطاما مركوما!
ذلك الصديق الذي يجعل من أخيه أداة لنيل مآربه، لا يبالي بمشاعره ولا يتفقد حاله، إنما تبرق صورته عنده يوم تلوح له حاجة إليه، بينما هو مهجور في دعائه منسي في صلته!
أبجدية مطموسة!
ذلك الأب الذي يهدم عمر ابنته بقيد الزواج ممن لا تريد، وتلك الفتاة التي تستقيل من مشاعرها لدنيا لاحت لها، وهي لا تدري أنها ستكون لوحة جدارية معلقة، تلك الأنا التي تحضر في التلقي والتعلم والتعامل بانتصار الكل لنفسه لا للحق، وحشد كل أدوات النصرة ولو بالباطل والوهم والكذب!
وصنوف كثار لا تنتهي!
الأثرة شقاء الروح وقتل النفس بسكين بارد! والله المستعان
حكمــــــة
اجعل القرآن معيار يومك وقِوام حياتك؛ على قدر زيادتك منه تلاوةً وتدبرًا وسماعًا وإقبالا يكون حظك من الحياة والنور والهداية.
فأنت تعلم أنك تكون بالي النفس ثقيل الروح منطفئا، ثم يكرمك ربنا الجميل، فتجلس تاليًا، أو تصغي مستمعًا، فتنهال عليك بركات الحياة، وتلبس روحك حدائق ذات بهجة.
ثم لا تنكر عزة الكتاب وجلاله إذ تُعرض ساهيا منشغلا، فيتأخر عنك مدد الخشوع والراحة عند العودة؛ ليقال لك بشاهد منك: أدِم الإقبال علينا نرفع لك الحُجُب وندنيك من نفحات حبنا، ونغمرك بنور من لدنا!
شواهد ما فيك تقول لك: لا حياة بغير كلام الله!
حكمــــــة
“فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحًا قريبًا“!
لم تزل قلوب الصحابة رضي الله عنهم مُسرجةً بالنور بعد هذا المدح العلوي من رب العرش العظيم!
ولا أعلم شرفًا بعد النبيين والمرسلين يقارب هذا الشرف أو يدانيه.
وتلك والله هي الغاية الكبرى! أن يعلم ما في قلبك فيرضاه، وينعم عليك بالسكينة والفتح ومدد البركات والعطايا!
وهنا وجل العمر كله ورجاء العمر كله !
حكمــــــة
أبان ربنا المجيد ﷻ شرف تلاوة القرآن بيانًا جليلًا فقال تعالى: " وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عملٍ إلا كنا عليكم شهودًا إذ تفيضون فيه " !.
فانظر كيف خصَّ تلاوة القرآن بالذكر دون سائر الأعمال؟ لأنها أهم شئونه ﷺ، وينبغي أن تكون تلاوة القرآن والنهل من بركات نوره أهمَّ شئوننا، فالله المستعان.
حكمــــــة
نتشبث لضعفنا عن مطالعة كرمه بـ“ فأقبلت امرأته في صَرَّةٍ فصكَّتْ وجها وقالت: عجوزٌ عقيم”؟!
ومن أشرق في قلبه اليقين هرول إلى ظلال أجنحة الملائكة مرددا معهم“ قالوا كذلكِ قال ربك إنه هو الحكيم العليم”!
وتمتد سهام الأسئلة الجافة من صحراء العُسرة: أنَّى..أنَّى؟!
فيهمي مطر الرحمة يبل ظمأ القلوب: “هو عليَّ هيِّن”!
حكمــــــة
من مأثور أخلاق العلامة النبيل البارع الوفي أبي محمد محمود محمد الطناحي رحمه الله=أنه لما نهض بإعادة تحقيق طبقات الشافعية الكبرى، كان المرض قد أقعد صاحبه الدكتور المحقق عبد الفتاح الحلو رحمه الله، وحجبه عن العمل معه، فنهض به وحده، وكان تحقيقًا آخر ناسخًا لتحقيقه السابق في بدء شبابه، ومع هذا أبى عليه خلقه وما طُبِع عليه من نبل وشرف معدن، إلا أن يُبقيَ اسم صاحبه وأخيه عبد الفتاح الحلو في الطبعة الجديدة!
هكذا كانوا! فانظر ما صار إليه حال من تصطخب ألقابهم بين أيديهم وعن أيمانهم وشمائلهم من بخس الناس أشياءهم والهرولة سراعًا إلى طمس آثارهم ومحو فضائلهم!
حكمــــــة
وفي ترجمة الإمام أبي الحسين ابن سمعون البغدادي الواعظ في تاريخ الإسلام للذهبي:
قال البرقاني: قلت له يوما-يعني لأبي الحسين ابن سمعون-: تدعو الناس إلى الزهد وتلبس أحسن الثياب، وتأكل أطيب الطعام، فكيف هذا؟
فقال: كُلُّ ما يصلحك لله فافعله، إذا صلَحَ حالك مع الله.اهـ
وهذا يفتح لك بابًا من سياسة النفس، وهي سياسة المشارطة، أن تكفيها في غير طغيان، شرطَ أن تطيعك في نهيها عن العصيان، فإن وفتْ وصلح لك حالها فافعل.
حكمــــــة
ضوءان:
-دخل الصِّديق سيدنا رضي الله عنه على أم أبيها فاطمة عليها السلام في مرضها قبل موتها، وجعل يترضاها، وقال: والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ورسوله، ومرضاتكم أهل البيت.
قال: ثم ترضاها حتى رضيت!
" مرسل صحيح ".
-عن الحسين عليه السلام، قال:
صعدت المنبر إلى عمر رضي الله عنه، فقلت: انزل عن منبر أبي، واذهب إلى منبر أبيك.
فقال: إن أبي لم يكن له منبر!
فأقعدني معه، فلما نزل، قال: أي بُنَيَّ! من علمك هذا؟
قلت: ما علمنيه أحد.
قال: أي بني!
وهل أنبتَ على رءوسنا الشَّعَرَ إلا الله ثم أنتم؟!
ووضع يده على رأسه، وقال: أي بُنَيَّ! لو جعلتَ تأتينا وتغشانا
إسناده صحيح.
اللهم ارض عن ساداتنا أبي بكر وعمر وآل بيت نبينا ﷺ
حكمــــــة
كل بُعْدٍ عن القرآن هلاكٌ تتآكل فيه النفس ولا يبقى فيها إلا أشلاء الحيرة وأثقال الاختناق!
" وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون " !
وكل بصيرٍ في حاجةٍ إلى تفقد مصابيح صدره في عواصف الفتن أن لا تنطفئ، ولا يُبقي صدرك منيرًا مثل كلام رب العالمين يصب فيك الهدى والشفاء والسكينة صبًّا.
حكمــــــة
قال لي وهو يقف من وراء غمام بكائه:
أقول لك شيئًا؟! لقد خلقني ضعيفًا فقيرًا مجبولا على الحاجة، عاريًا من العصمة، فلست أملك غير سؤاله، وإن امتلأت حقيبة نفسي من الآثام والمعاصي، فوالله إني لأكرهها، وأتوب منها، ولكني لا غنى بي طرفة عين عن كرمه، وما ردني على قبح ما بي أبدا!
ولا أدري كيف يذوق الحياة من لا يعرف ربَّه ويسأله ويسجد له ويتوب إليه؟!
ثم سكت وما سكتت عينه!
حكمــــــة
نفحةُ إخبات:
اجتمع الفضيل والثوري، فتذاكرا فرقَّ سفيان وبكى، ثم قال: أرجو أن يكون هذا المجلس علينا رحمةً وبركة.
فقال له الفضيل: لكني يا أبا عبد الله، أخاف أن لا يكون أضرَّ علينا منه، ألستَ تخلَّصتَ إلى أحسن حديثك، وتخلَّصتُ أنا إلى أحسن حديثي، فتزينتَ لي، وتزينتُ لك؟
فبكى سفيان، وقال: أحييتني، أحياك الله.
/
وعن ابن المبارك، قال: إذا نظرتُ إلى الفضيل جدَّد لي الحزن، ومقتُّ نفسي، ثم بكى!
/
وقال الفضيل:
أخذتُ بيد سفيانَ بنِ عيينة في هذا الوادي، فقلت: إن كنتَ تظن أنه بقي على وجه الأرض شرٌّ مني ومنك، فبئس ما تظن!
وكل هذا في السير في ترجمة الفضيل رضي الله عنه..فإن أحببت فاقرأها.
حكمــــــة
وإن من أقبح الناس غفلةً=مٓن يُكرمه الله تبارك وتعالى، فيظل مفتشًا في حقيبة أعماله عن ذلك العمل الذي " استحق " به نيلٓ الكرم، ناسيًا أن توفيقه للعمل، وقبوله منه على ما فيه من كدر=محضُ منته تبارك اسمه..
وإنك لتبصرهم في النعيم الخالد يقولون بلسان الصدق: " الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله "..فالحمد لله وحده لا شريك له.
حكمــــــة
" بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم "..قال صلى الله عليه وسلم: " ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات فيضره شيء "
/
يجري هذا الذكر على لسان العبد الفقير وهو يشهد قيومية الرب وقهره وعزه وسلطانه على خلقه، وتدبيره لهذا العالم كله، وعلمه المحيط به= وأن كل شيء تحت سلطانه وقهره وفي قبضته= وأنه القدوس السلام الذي لا يضر مع اسمه شيء قط في الأرض بكل ما فيها من جن وإنس وجماد وحيوان وما نرى وما لا نرى=ولا في السماء بكل ما يكون فيها، ومن الأقضية والأقدار التي تتنزل منها=موقنًا بسمع الله تبارك اسمه، وإحاطة علمه بخلقه جميعا.
فانظر بعض ثمار هذا الذكر المبارك، وانظر نفعَه في حياطة العبد وحفظِه من البلاء كلِّه صغيره وكبيره، مع يُسر لفظه وسهولة القيام به، واحمد الله تعالى على هذه الشريعة المباركة السمحة، وصلِّ على معلِّم الناس الخيرَ، الذي ما كسِل ولا توانى عن إبلاغنا كلَّ خير، وتحذيرنا من كل شر، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
حكمــــــة
ربنا الرحيم الودود!
ولقد يكون تأخّرُ الإجابة سدًّا عظيمًا بين يدي بلاءٍ شديدٍ كان سيهدم بنيانَك لو لم يكرمك الله بدعائه، فإن الدعاء قد يصرف الله به من السوء عن العبد؛ ما لا يعلمه إلا الله.
ويجلس العبد المسكين ليس يدري لطف ربه وإحسانه إليه، ويقول: لم يُستجب لي!
ولقد يكون في تأخير الإجابة تذليلُ القلب، وإلانتُه؛ فينعم الله على عبده نعمتين:
نعمة القلب الذي أذلّته الحاجة لربّه فصار ربّانيًّا، ونعمة قضاء تلك الحاجة.
وقد يكون تأخير الإجابة تأديبًا للنفس وكسرًا لرعونتها، واختبارًا من الرّبّ لصدق المقبل عليه، والذي إنما أتى ليقضي حاجته ثم يعرض عنه!
وقد يكون تأخير الإجابة هو عينُ الخير الذي لو تعجّل للعبد؛ لحاقَ به من الضنك والضرّ ما يجعل حياته ألمًا عاجلًا وسعيرًا مختنقًا! فيقول بعد ذلك: ليت ربّي ما أجابني!
وقد يكون تأخير الإجابة ليبعث الله في قلبك بصرَ التفتيش في أعمالك ومالِك وشأنِك كلِّه؛ فتصلح الخلل، وتستشفي من العلل الخفية التي كان التأخير بسببها.
وقد يكون تأخير الإجابة ليُطعم قلبَك حلاوةَ مناجاته وجمالَ الإقبال عليه، فلو تعجّل قضاء حاجتك؛ لبقي قلبُك حيث هو في غفلته وجفائه!
ولقد يؤخّر الإجابةَ لتعظم النعمة بها؛ فينطق القلب بالشكر والثناء على الله، فلو كانت معجّلةً؛ لما أحسّ العبدُ شرفَ النعمة!
وقد وقد وقد..!
والأصل: أن ربّك كريمٌ جميل، قريبٌ مجيب، وأنّك عبدُه!
فأحسِن به الظنَّ ولا تغادرْ بابَ الذِلّةِ بين يديه ضارعًا مُخبِتًا مستغفرًا.
حكمــــــة
قال سيدنا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: " وما أحدٌ أحبَّ إليه المدح من الله ".وهذا الثناء الذي ينطلق به لسان العبد، لا يدع القلب إلا مغمورًا بالنور، محفوفًا بالرحمات والبركات والمنن التي لا يلحقها وصفٌ.
وهذا مقامٌ له شرفٌ وهيبةٌ وجلال: فهذا عبدٌ عاين منةَ رب العالمين عليه فانطلق لسانه بالثناء إقرارًا بفضل ربه عليه وإحسانه إليه=وهذا عبدٌ لا يلتفت إلى عمله، ولا يبصر منه شيئًا، فلا يرى وسيلةً إلى ربه إلا الثناءَ عليه=وهذا عبدٌ قد جهِده الكرب وأحاطت به الهموم، ولا يرى ربُّه منه إلا حُسْنَ الثناء عليه=وهذا عبدٌ قد بسط الحبُّ سلطانه على قلبه فهو مشغولٌ بحبيبه لا يلتفت عنه ولا يبصر لنفسه حاجةً إلا أن يثني عليه=وهذا عبدٌ أبصر جلال أسماء ربه وصفاته، وباشرَ قلبَهُ أنوارُها، فامَّحت من قلبه أسئلتُه وحاجاتُه ورغائبه، وليس إلا الثناء على ربه وسيده وفاطره ورازقه ومُقيتِه وراحمه، الذي لم يزل يعفو عنه، ويستره، ويعافيه، ويكلؤه، ويعينه، ويسدده، ويهديه، ويبسط له من الحب في قلوب الخلق، والرزق الذي تقوم به حياته، يصرف عنه السوء، ويقضي له حاجاته، ويُحسن إليه مع إساءته وتقصيره، ويجيبه في ضرائه وشدته، ويشكره على القليل، ويحجب عن الخلق سوءاته ومثالبه، ويحوجه إليه ليمنَّ عليه، ويضطره إليه ليلوذ به..
فيردد الفقير ما قاله أعلم الخلق به: سبحانك لا أحصي ثناءً عليك، أنتَ كما أثنيتَ على نفسك!
فمن قام بقلبه مثل هذه المشاهد العلوية= ارتفعت عنه أدخنة المحن، وتكشفت عنه سحب الهم، وقام يرفل في سعادةٍ تضحك وتهرول في أودية الروح هرولة الطفل في حقول النور..
ولذلك كانت أدعية الكرب ناطقةً بالثناء على الرب تبارك اسمه وتعالى جَدُّه: لا إله إلا الله العظيم الحليم..لا إله إلا الله ربُّ العرش العظيم..لا إله إلا الله ربُّ السموات وربُّ الأرض رب العرش الكريم.
الله الله ربي لا أشرك به شيئا..
لا إله إلا أنت سبحانك! إني كنتُ من الظالمين!
وإنها لأبجدية حبٍّ، تسبق بالضراعة سبقًا بعيدًا، وتحمل أنفاسها صاعدةً بها إلى العرش، عائدةً بالإجابة من ربٍّ شكور، كريم، كتب على نفسه الرحمةَ مِنَّةً منه وفضلا!
حكمــــــة
آسَف كثيرًا على الذين يحملون كلام أ.د يوسف زيدان على محمل الجد! يا مولانا الرجل حقا من بواعث البهجة واللطف في حياتنا الثقافية!
رجلٌ في يده وعقله مثل قبض الريح من أبجديات الثقافة، ثم يعتقد نفسه محور التجديد والريادة الثقافية في عالمنا المعاصر!
فتراه يأتي بالمدهشات المضحكات كنفيه نسبة الرسم العثماني إلى سيدنا عثمان رضي الله عنه، بل إلى خطاط تركي أعجمي!
ويردد من مثل هذا الصنف البديع الفريد من التجديد في اللغة والدين والفكر والتصوف ما يصعب تتبعه وإيراده كله، و يجعل التعامل العلمي معه ذبحًا لمعنى العقل في الناس!
وقد ضلَّ قومٌ بأصنامهم
وأما بزِقِّ رياحٍ..فلا!
وصدق أبو الطيب رحمه الله! الأمر كله " زقُّ رياح "، لكن الناس كسالى لا يقرءون
حكمــــــة
تذاكُرُ نِعَمِه تبارك اسمه، من أبواب النور التي يغفل كثير من الناس عنها، وهي من موجبات حبه، المُدنيات من كرمه؛ فإنه يسوق من فضله إلى القلب الذي يطالع كرمه ويتفكر في نعمه= من رحماته وبركاته وجميل كرمه ما لا يقيده بيان، و " لئن شكرتم لأزيدنكم ".
وقد كان الصالحون يتلاقون فيتذاكرون النِّعَم، ويعددونها، كما يتذاكرون الباب من العلم؛ فتشرق النفس بأنوار فضله السابق، وتتشوق إلى بركات فضله المرتقب، سبحانه وبحمده.
حكمــــــة
كلمتان من كلام السلف رضي الله عنهم أنظر إليهما مستحييا خزيان القلب والنفس والضمير!
الأولى: يقول أبو علي الفضيل بن عياض رضي الله عنه:
وددتُ أنه شاع في الناس أني متُّ؛ حتى لا أُذْكَر!
والثانية كلمة سيدنا أبي عبدالله الشافعي رضي الله عنه، عن علمه:
وددتُ لو أنَّ الخلقَ تعلموه ولا يُنسَب إليَّ منه شيء!
أستغفر الله وأتوب إليه!
حكمــــــة
أما لو أنك شهدتَ جمالَه، فنعمتَ برؤية فضله عليك في جميع أمرك، فنادى كل ما فيك مردِّدًا قوله سبحانه وبحمده " ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدًا "..فرأيت جمال ستره عليك وأنت أنت، تعلم خبء نفسك، وأثقال الذنوب في حقيبة سفرك إليه، وهو يجمع عليك قلب من لا يعرفك، ويُنطِق بالمحبة من لم يرك، ويبسط كفَّ قصيٍّ بعيد بالدعاء لك!
أما لو أنك شهدت جماله؛ إذ يُقيتك، ويغذوك، ويطعم قلبك وروحك وبدنك وباطنك وظاهرك، ويحشد من حولك صنوف َبره وإحسانه وكرمه، وأنت أنت! تعلم خَبْء نفسك، وأثقال الذنوب في حقيبة سفرك إليه! فلم يقطع عنك مع ديمومة الذنب فضله، وما حجب عنك مع قبيح الفعل منك إحسانه!
أما لو أنك شهدت جماله فعاينت تودده إليك بالضائقة تنضج قلبك، وتحيي موات الضراعة في روحك، وتزيل الحجب التي بينك وبين انهمار غيث التوبة يغسلك كلك، وأنت تحصي بضبط مدهش، وذاكرة حادة كالبرق، كل مواطن السوء التي التحقت بها، ومنازل الغفلة التي أويت إليها، فتتنفس بالندم مستغفرًا تائبًا ذليلةً نفسك بالتوبة، فتتطاير عنك خلائق السوء وتتباعد عن خصال السوء وأفعال السوء، فيكرمك وأنت أنت، ويفرح بتوبتك، ويدنيك منه، ويؤويك إليه، ويجعلك أنت أنت، من أصفيائه الذين ينعم عليهم بمحبته " إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين " !
أما لو أنك شاهدت جماله إذ..وإذ..وإذ، حيث يفنى العمر ويفنى العالم ولا ينتهي جماله، ولا تُحصَى نعمه؛ لفرحت أنك عبده، وأنه ربك، ولنطقت قائلا:
" قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) الأنعام.
حكمــــــة
فقدنا شطرًا عظيمًا من معنى الإنسان فينا، واستعمرتنا مدائن المعدن المصغرة، وحوصرت مشاعرنا بالأسلاك والبلاستيك، وصار كثير من مجال التعبير فينا إليكترونيا!
فتقلصت مساحة الشغف، وضمرت ذواكرنا؛ فهي سريعة النسيان، سريعة التغير، وصرنا معها سريعي النسيان، سريعي التغير!
قلوبنا كخيام البدو، سريعة التنقل والارتحال!
يحتاج الإنسان فينا أن يجلس إلى ذاته قليلا؛ لعله يستعيد شغفه الهارب، ومشاعره الحقيقية!
حكمــــــة
بعض الناس يكون وجوده في الحياة وجودَ الذنب، يُتاب منه، ويُعقد العزم على عدم العودة إليه؛ فتلك عافية القلب وسلامة الصدر.
ومنهم من يكون كالطاعة المُتَقَبَّلة، تجد حلاوتها في قلبك، وتحب الاستكثار منها..وأعظم الطاعة طاعة الخفاء، وكذلك ستجد أعظم الصداقات وأوثقها في الأخفياء الذين لم يشغلهم بهرج الدنيا عن القيام بحقيقة المحبة لك.
حكمــــــة
السرائر، وما كان مطويًّا مخبوءًا في أودية النفس، يجلوها رب العالمين لعباده بنور الهداية من لدنه، فيبصرون في وجوه الناس وكلماتهم ما لا يبصره غيرهم.
حتى إذا أذن الله تعالى جعل هذه السرائر معلنةً للناس، باديةً في القول والفعل والعمل، فتقع البغضاء " العامة " للشخص من الناس، وكل الذي كان: أن " سره " صار " علانية "، وأن " الزينة اللفظية " كانت كلماتٍ ثلجية، خرجت إلى شمس العلانية فذابت.
وكان الصالحون يقولون " كانوا..فبانوا " !
أي كان لهم شأن وقُربى، فأُبعِدوا عياذًا بالله!
وإنَّ في إبليس لعبرة! كان في محل رفيف الملائكة، ثم صار إلى ما صار إليه، ولقد كان أخبر الله ﷻ عنه فقال: " إني أعلم ما لا تعلمون "
قال مجاهد: (علم من إبليس " كِتمانَه الكِبْرَ " أن لا يسجد لآدم).
بينما كان عليه سيماء العبادة، كان في قلبه نار الكبر، وكم من نارٍ حسبها الناس نورا!
ياحي يا قيوم برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين!
حكمــــــة
امتحان القلب بحسن الإغضاء وعافية العفو، ومقابلة السيئة بالحسنة=لا يظفر بالنجح فيه إلا ذو حظٍّ عظيم من الذلة لله تعالى ورجاء ما عنده، ثم بمعرفة أحوال الخلق ومسكنتهم في باب الخُلق خاصة..
ولذلك كان يقول من فقه هذه الجِبلَّة، كأبي علي الفضيل بن عياض رضي الله عنه: مَن عرَف الخَلق استراح..وإنها لراحةٌ للنفس أن لا تطالب معدمًا مفلسًا بالزكاة، وهذا بابٌ نافعٌ في إعذار الخلق، والرفق بهم..
وما أطيب حياةَ من سلم منه الناس، وسلم قلبه لهم " وما يُلَقَّاها إلا الذين صبروا وما يُلَقَّاها إلا ذو حظٍّ عظيم " !
حكمــــــة
نحن بارعون في اصطياد الظنون الهاربة وتعليقها على ناصية القلب هاديًا ودليلا! نتقن بتفردٍ إهدار علاقاتنا وذبح أوردتها بسكين الجفاء والصدود! بالإهمال المتثائب الذي يسكن زوايا سلوكنا! صباحاتنا رماديةٌ تغرق فيها شمسنا المنطفئة!
لم نوقد يومًا قنديل حب.. كل علاقتنا بالورود مزهريةٌ منسيةٌ في زاوية ما من غرفنا المغلقة، حتى إذا مللنا أوراقها البالية= حملناها بلا تردد إلى سلة المهملات؛ لنمارس من جديد طقسنا الخشبي وادعاءاتنا العريضة أننا آدميون، يحسن الواحد منهم أن يردد كلمة الحب بكل ما في قلبه من برود!
حكمــــــة
" أنا عند ظن عبدي بي
وأنا معه إذا ذكرني
فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي!
وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم!
وإن تقرب إليَّ بشبر تقربت إليه ذراعًا
وإن تقرب إليَّ ذراعا تقربت إليه باعًا!
وإن أتاني يمشي أتيته هرولة "
هذا بيان ربنا الودود في الحديث الإلهي، وهذا جمال تودده مع استغنائه، وجلال كرمه وعطائه، وهو الغني عنك غنًى تامًّا وأنت الفقير إليه فقرًا تامًّا!
وهذا الحديث أكبر من الدنيا وما فيها؛ فمن ذا الذي يتقرب، ويمشي، ويهرول لينال بركات المعية وأنس الحب وجمال الإقبال؟!
حكمــــــة
“وجئنا ببضاعةٍ مُزجاةٍ فأوفِ لنا الكيلَ وتصدَّق علينا”!
لمّا طالعوا فقرهم نطقوا بقدرهم فقالوا: وجئنا ببضاعة مُزْجاة- أي رديئة!
ولما شاهدوا قدر يوسف سألوا على قدره فقالوا: أوف لنا الكيل!
ويقال، قالوا: كِلْنا كَيْلًا يليق بفضلك لا بفقرنا، وبكرمك لا بِعُدْمنا!
ثم تركوا هذا اللسان وقالوا: «وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا»: نزلوا أوضعَ منزل، كأنهم قالوا: إن لم نستوجب معاملة البيع والشراء فقد استحققنا بذلَ العطاء، على وجه المكافأة والجزاء اهـ
الأستاذ أبو القاسم القشيري رضوان الله عليه!
اللهم كِلْنا كَيْلا يليق بفضلك لا بفقرنا، وبكرمك لا بعُدْمنا، أنت الكريم الجميل!
حكمــــــة
ليس التنفس بالسخرية، واتخاذ السب والشتم سبيلًا موصلًا إلى الله رب العالمين.
ولقد كان أحد أعظم كتب النقد في العصر الحديث كتاب العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني " التنكيل "، وما ذكر الشيخ العلامة محمد زاهد الكوثري رحمه الله بمثلبة، وما اتخذ عرضه متكأً للطعن واللعن، وقد كان المجال فسيحًا للنفس لتقضم وتفري، ولكن العلم الحق يحجب صاحبه عن الاعتداء والبغي.
حكمــــــة
وأما أنت يا مولانا فتتكئ على وسادة الجفاء، لا تذوق ما ذاق القوم، ولم تنغمس في تيار مكابداتهم ومواجيدهم، فأنكرت بالقلم القاحل، والقلب المقفل= أحوالهم وأذواقهم، وكان همك وسَدَمك التبديع والتضليل والرمي بالفواقر، ثم أنت بعدُ تنتسب نسبة الزور إلى أبي العباس ابن تيمية وأبي عبدالله ابن قيم الجوزية!
ولا والله ما كان أحدٌ في المتأخرين أعذر للقوم، وأفسح صدرًا لحمل كلامهم على أحسن المحامل من أبي العباس وأبي عبدالله رضي الله عنهما، وما ذاك إلا لأنهما نطقا عن وجد، وحررا العلم بقلم الذوق الصحيح والحال الراسخة.
ولقد كان يرد الحال العظيم على شيخ الإسلام فيقطعه عن الناس ويخرجه من بين البيوت فليس إلا قلبه والخلوة في الفضاء الفسيح!
وكان ذلك حال أبي عبدالله رضي الله عنه، فقد ذكر شيخ الإسلام ابن رجب وهو تلميذه حال شيخه فقال:
وَكَانَ رحمه الله ذا عبادة وتهجد، وطول صلاة إِلى الغاية القصوى، وتأله ولهج بالذكر، وشفف بالمحبة، والإِنابة والاستغفار، والافتقار إِلَى الَلَّه، والانكسار لَهُ، والاطِّراح بَيْنَ يديه عَلَى عتبة عبوديته، لم أشاهد مثله فِي ذَلِكَ!
ولا رأيت أوسع منه علما، ولا أعرف بمعاني الْقُرْآن والسنة وحقائق الإيمان منه.. وَكَانَ فِي مدة حبسه مشتغلا بتلاوة القراَن بالتدبر والتفكر، ففتح عَلَيْهِ من ذَلِكَ خير كثير، وحصل لَهُ جانب عظيم من الأذواق والمواجيد الصحيحة، وتسلط بسبب ذَلِكَ عَلَى الْكَلام فِي علوم أهل المعارف، والدخول فِي غوامضهم، وتصانيفه ممتلئة بِذَلِكَ، وحج مرات كثيرة، وجاور بمكة. وَكَانَ أهل مَكَّة يذكرون عَنْهُ من شدة العبادة، وكثرة الطواف أمرا يتعجب منه اهـ
ويقول عنه صاحبه ابن كثير رحمه الله كلمة عظيمة كبيرة: " ولا أعلم في هذا العالم في زماننا من هو أكثر عبادةً منه " !
كان هذا حاله، لذلك أحسن الدخول والفهم والبيان تصويبا وتخطئة، لا بالنفس البارد والكبد الغليظ، المستتر خلف نسبةٍ هو أبعد الناس منها!
حكمــــــة
" كان ﷺ أشد حياءً من العذراء في خدرها "..حديث مهجورٌ عند كثير من الرجال، كأن الحياء خُلقٌ متعلق بالمرأة وحدها!
ويقول سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما، في تفسير قوله تعالى: " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ":
(الرفث، الجماعُ، ولكن الله كريم يَكني)
ولكنَّ الله كريمٌ يكني!
ولكنَّ الله كريمٌ يَكني!
فلا تنس هذا الأصل والاعتصام بنوره ولو كثرت أدخنة الألفاظ العارية والأخلاق المتآكلة!
حكمــــــة
تصلي وتسلم عليه ﷺ فيحمل الملَكُ اسمك إليه ويرد عليك سيدنا السلام!
وليس يصبر المحب والله عن بعث الصلاة والسلام عليه؛ ليشرف بذكر اسمه بين يديه وعلى لسانه!
" مَا مِن أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلا رَدَّ اللهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيهِ السَّلَامَ ".
" أكثروا الصلاةَ عليَّ؛ فإن الله وكَّل بي ملكا عند قبري، فإذا صلى عليَّ رجلٌ من أمتي قال لي ذلك المَلَكُ: يا محمدُ! إن فلان بن فلانٍ صلى عليك الساعة " !
اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد ﷺ وعلى آله وصحبه أجمعين!
حكمــــــة
بينما تجلس ذاويًا ذابلًا تحدق في وجه المرض والمشاعر تغدو وتروح في أودية النفس، فيتسلل إليك طيفٌ يمسح عنك العنت، ويصب في قلبك هدأة غامرةً، وسكينةً مبتسمة، فتعلم أن هنالك من يجلس ويجتهد في كتابة اسمك في صحائف الدعاء والضراعة!
ذلك الطيف الأبيض، يهدهد روحك المغتربة، ويقول لك: لست وحدك! فاطمئن!
حكمــــــة
سأله: أترى فراشة الضوء التي تنثر العطر بقلبك؟!
أتشم رحيق المسافات وأنت مقبلٌ على روحك، ساعٍ إليها؟!
هل وشت بحبك النسائم التي تغزلها بأهدابك لتقدمها هديةً إليها؟!
فأجابه:
كيف يخبئ الإنسان قلبه عن روحه، أو يواري روحه عن قلبه؟! والخفق واحد والصدر واحد والمشاعر واحدة؟!
إن سر الحب الأكبر وحدانيته! وهذا الذي يجعله سرا عاريا عند من تحبه مهما خبأته! لأنه يسكنك ويبصرك ويتنفسك!
حكمــــــة
خير ما تلزمه في سرك وعلانيتك أن تكون ذليلا لله، فارًّا إليه من مطالعة نفسك وعملك وحولك وقوتك، فتكون عبدًا يرى الخير كله بيد الله، والفضل كله لله، وأنه لو وُكِل إلى نفسه طرفة عين لهلك، فترحم الناس وتحب لهم الخير وتشفق عليهم.
واعلم أن أكذب الناس عبدٌ مستكبرٌ، معجب بعمله، ولو فقه المسكين لامتلأت نفسه بقول الله تعالى: " ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا "، فيعلم أن الفضل لله، يستر ويحلم ويعفو ويغفر، ويمد عبده بأسباب النعم والتوبة والهداية، فليس منا والله شيء، والفضل كله لله وحده..وحده لا شريك له!
حكمــــــة
وإنك لتعجب العجبَ كلَّه، وتخاف الخوف كلَّه من أناس يهدمون دينهم بألسنة السوء؛ ليدفعوا عن دينهم-زعموا- السوء!
ولكن هكذا صار الأمر في أزمنة السوء: ينقلب السبُّ دينًا والطعنُ قربةً، والغيبة والبهتانُ عملًا يرجو صاحبُه عليه الثواب!
" قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون " ؟!
ونعوذ بالله من سكنى ردغة الخبال وساكنيها؛ فقد قال ﷺ: من قال في مؤمنٍ ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال، وليس بخارجٍ!
وردغة الخبال عصارة أهل النار.