فوائد من بستان من الفوائد العلمية والحكم الوعظية للشيخ صالح بن عبدالله الرشيد 1- 36
حكمــــــة
وكان إبراهيم بن أدهم رحمه الله يقول:
اذكر ما أنت صائر إليه حق ذكره، وتفكر فيما مضى من عمرك هل تثق به وترجو النجاة من عذاب ربك، فإنك إذا كنت كذلك شغلت قلبك بالاهتمام بطريق النجاة عن طريق اللاهين الآمنين المطمئنين الذين أتبعوا أنفسهم هواها فأوقعتهم على طريق هلكاتهم - لا جرم سوف يعلمون، وسوف يتأسفون، وسوف يندمون: ﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴾ [الشعراء: 227]،
الفائدة الثانية
عن علي بن المنذر قال :
سمعت الحسن بن صالح بن حي يقول :
لما احتضر أخي علي بن صالح رفع بصره، ثم قال : مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، ثم خرجت نفسه رحمه الله .
وكان يقول على قوله تعالى ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾ [الحاقة: 24]، قال: بلغنا أنه الصيام، أو سمعنا أنه الصيام. اه
الصدق مع النفس
وقال أحمد بن عاصم الأنطاكي - رحمه الله -:
استح من قبولك من نفسك ، ودعواها الصدق ، وقد افتضحت عندك - يعني تعلم منها عدم الصدق .
وقال رحمه الله :
احذر هذا الوعيد ، وخذ بالمحاسبة ، واعقل درجتك ، ولا تزهو عند الخلائق بكثرة تَقِيَّاتِك، وجوهرك جوهر الفضائح، وسيماك سيما الأبرار، واستح من الله - عز وجل - من تضييعك من قبل أن لا تستح الخزنة من المبالغة في عذابك، وليكن لك في الحق حظ ونصيب بإقرارك لله عليها بكذبها، وكن سخين العين على ما ظهر لك منها، ولتكن عندك في عداد المستدرجين، وأجرها في ميزان الكذابين .
حكمــــــة
وقال أحمد بن عاصم الأنطاكي - رحمه الله -:
أنفع الخوف ما حجزك عن المعاصي ، وأطال منك الحزن على ما قد فات ، وألزمك الفكر في بقية عمرك ، وخاتمة أمرك ، وأنفع الرجاء ما سهل عليك العمل ؛ لإدراك ما ترجو، وأنفع الإخلاص ما نفى عنك الرياء والتزين للناس ، وأنفع الشكر أن تعرف منه ما ستر عليك من مساويك ؛ فلم يطلع أحداً من المخلوقين عليك ، وأضر الكلام ما كان الصمت خيراً لك منه ، وألزم الحق أن تلزم نفسك بأداء ما ألزمها الله تعالى من حقه وإن كان في ذلك خلاف هواك، وتلزم والديك وولدك ثم الأقرب فالأقرب فألزمهم من الحق وإن كان في ذلك خلاف هواك وخلاف أهوائهم، وأنفع العلم ما ردك عن الجهل والسفه .
حكمــــــة
قال الكرابيسي :
مثل الذين يذكرون أحمد بن حنبل مثل قومٍ يجيئون إلى أبي قبيس يريدون أن يهدموه بنعالهم .
وقال يحيى بن الجلا:
رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني في المنام - وأشار إلى ابن أبي دؤاد، فقال: ﴿ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ﴾ [الأنعام: 89]، وأشار إلى أحمد بن حنبل .
حكمــــــة
وقال سهل بن سعد التستري - رحمه الله - :
من أخلاق الصديقين: ... لا يغتابون، ولا يغتاب عندهم، ولا يشبعون بطونهم، وإذا وعدوا لم يخلفوا، ولا يتكلمون إلا والاستثناء في كلامهم، ولا يمزحون أصلاً .
ويقول : المؤمن أكرم على الله أن يجعل رزقه من حيث يحتسب يطمع المؤمن في موضع فيمنع من ذلك ويأتيه من حيث لا يحتسب .
حكمــــــة
وقال التستري :
أيما عبد لم يتورع ولم يستعمل الورع في عمله ؛ انتشرت جوارحه في المعاصي وصار قلبه بيد الشيطان ؛ فإذا عمل بالعلم دله على الورع فإذا تورع صار القلب مع الله، وإنما سموا ملوك لأنهم ملكوا أنفسهم وقهروها فالعارفون مالكون لأنفسهم مستظهرون عليها، والغافلون ملكتهم أنفسهم واستظهرت عليهم بتلوين أهوائها وبلوغ محابها ومناها في الأقوال والأحوال وسائر الأفعال .
حكمــــــة
أذن معاوية - رضي الله عنه - للناس يومًا ، فدخلوا عليه ، فاحتفل المجلس وهو على سريره ، فأجال بصره فيهم فقال :
أنشدوني لقدماء العرب ثلاثة أبيات جامعة من أجمع ما قالتها العرب ، ثم قال : يا أبا خبيب. فقال: مهيم، قال أنشد ذلك، فقال: نعم يا أمير المؤمنين بثلاثمائة ألف كل بيت بمائة ألف ، قال: نعم إن ساوت، قال: أنت بالخيار، وأنت واف كاف، فأنشده للأفوه الأزدي :
بلوت الناس قرنًا بعد قرن
فلم أر غير ختال وقال
فقال معاوية: صدق .
ولم أر في الخطوب أشد وقعًا
وكيدًا من معادات الرجال
فقال معاوية: صدق.
وذقت مرارة الأشياء طرًّا
فما شيء أمر من السؤال
فقال: صدق .
حكمــــــة
قال عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - :
كنا مواقفي العدوَّ يوم بدر، وابنا عفراء الأنصاريان مكتنفاي، وليس قربي أحد غيرهما، فقلت في نفسي: ما يوقفني ها هنا؟! فلو كان شيء لأجلي هذان الغلامان عني، وتركاني. فبينا أنا أحدث نفسي أن أنصرف إذ التفت إلي أحدهما فقال: أي عم، هل تعرف أبا جهل؟ فقلت: نعم، وما تريد منه يا ابن أخي؟ فقال: أرنيه، فإني أعطيت الله عهدًا إن عاينته أن أضربه بسيفي حتى أقتله أو يحال بيني وبينه. فالتفت إلى الآخر فسألني عن مثل ما سألني عنه أخوه، وقال مثل مقالته، فبينا أنا كذلك إذا برز أبو جهل على فرس ذنوب يقوم الصف. فقالت: هذا أبو جهل. فضرب أحدهما فرسه، حتى إذا اجتمع له حمله عليه، فضربه بسيفه فأندر فخذه، ووقع أبو جهل، وتحمل عضروط كان مع أبي جهل - على ابن عفراء فقتله، فحمل ابن عفراء الآخر على الذي قتل أخاه فقتله. وكانت هزيمة المشركين .
حكمــــــة
قيل لسهل بن عبد الله : كيف يقوى إيمانه - يعني العبد - ؟
قال: بعلمه أنه عبد الله وأن الله مولاه وشاهده، عالم به وبضمائره، قائم عليه.
قال الله - عز وجل -: ﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ﴾ [الرعد: 33]، ويعلم أن مضرته ومنفعته بيده، قادر على فرحه وسروره، قادر على غمه وأنه به رءوف رحيم. ولابد أن يلزم قلبه مشاهدة الله إياه، وقيامه عليه وأنه مطلع على ضميره، قال الله - عز وجل -: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ﴾ [البقرة: 235]، فيراه بقلبه قريبًا منه فيستحي منه ويخافه ويرجوه ويحبه ويؤثره ويلتجئ إليه ويظهر فقره وفاقته له، وينقطع إليه في جميع أحواله. فهذه ما لابد للخلق أجمعين منها أن يعملوا بها، بعث الله تعالى أنبياءه عليهم الصلاة والسلام بهذا ولهذا وفي هذا، وأنزل الكتاب لهذا، وجاءت الآثار عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- على هذا، وعن أصحابه والتابعين وعملوا به حتى فارقوا الدنيا، وكانوا على هذا، لا ينكر إلا جاهل[2].
حكمــــــة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وقد تنازع العلماء في السنن الرواتب مع الفريضة. فمنهم من لم يوقت في ذلك شيئًا. ومنهم من وقت أشياء بأحاديث ضعيفة؛ بل أحاديث يعلم أهل العلم بالحديث أنها موضوعة كمن يوقت ستًا قبل الظهر وأربعًا بعدها وأربعًا قبل العصر وأربعًا قبل العشاء وأربعًا بعدها ونحو ذلك. والصواب في هذا الباب القول بما ثبت في الأحاديث الصحيحة دون ما عارضها وقد ثبت في الصحيح ثلاثة أحاديث: حديث ابن عمر قال: "حفظت عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر" وحديث عائشة "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي قبل الظهر أربعًا" وهو في الصحيح أيضًا وسائره في صحيح مسلم كحديث ابن عمر وهكذا في الصحيح وفي رواية صححها الترمذي صلى قبل الظهر ركعتين. وحديث أم حبيبة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من صلى في يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة تطوعًا غير فريضة بنى الله له بيتًا في الجنة " وقد جاء في السنن تفسيرها: (أربعًا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر فهذا الحديث الصحيح فيه أنه رغب بقوله في ثنتي عشرة ركعة. وفي الحديثين الصحيحين: أنه كان يصلي مع المكتوبة إما عشر ركعات وإما اثنتي عشرة ركعة وكان يقوم من الليل إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة فكان مجموع صلاة الفريضة والنافلة في اليوم والليلة نحو أربعين ركعة كان يوتر صلاة النهار بالمغرب ويوتر صلاة الليل بوتر الليل .
حكمــــــة
بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الزبير إمساك "فأخذ بعمامته فجذبها إليه وقال : يا ابن العوام أنا رسول الله إليك وإلى الخاص والعام ، يقول الله - عز وجل -: أَنفِق أُنفِق عليك، ولا ترد فيشتد عليك الطلب، إن في هذه السماء بابًا مفتوحًا ينزل منه رزق كل امرئ بقدر نفقته أو صدقته ونيته ، " فمن قلل قلل عليه، ومن كثر كثر عليه " فكان الزبير بعد ذلك يعطي يمينًا وشمالاً .
الحديث أصله في البخاري والقصة بزياداتها في حلية الأولياء لأبي نعيم ..
حكمــــــة
قال أبو عبد الله - يعني البخاري رحمه الله :
خمسة أدعوا لهم في دبر كل صلاة ؛ أبواي، والشافعي، وأبو زرعة، وآخر ذهب عني اسمه.
قال أبو عثمان الحيري :
موافقة الإخوان خير من الشفقة عليهم . وكان يقول الخوف من الله يوصلك إلى الله. والكبر والعجب في نفسك ؛ يقطعك عن الله، واحتقار الناس في نفسك مرض لا يداوى .
حكمــــــة
قال الجنيد بن محمد رحمه الله :
علمنا مضبوط بالكتاب والسنة، من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث ولم يتفقه ؛ لا يقتدى به .
وكان يقول:
الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول واتبع سنته، ولزم طريقته صلى الله عليه وآله وسلم .
وقال علي بن حبيش رحمه الله :
سمعت محمد الجنيد يقول :
سئلت عن المعرفة ؟ .
كيف تحيط المعرفة بمن لا تلحقه الفكرة ، ولا تحيط به العقول ولا تتوهمه الأذهان، وأعلم خلقه به ، أشدهم إقرارًا بالعجز عن إدراك عظمته سبحانه الله وتعالى .
[والمعرفة على ثلاث الدرجات ] ..
حكمــــــة
وقال الجنيد رحمه الله :
إن لله عبادًا صحبوا الدنيا بأبدانهم، وفارقوها بعقود إيمانهم، أشرف بهم على اليقين على ما هم إليه صائرون، وفيه مقيمون وإليه راجعون، فهربوا من مطالبة نفوسهم الأمارة بالسوء، الداعية إلى المهالك، المعينة للأعداء المتبعة للهوى، المنغمسة في البلاء إلى قبول داعي التنزيل، المحكم الذي لا يحتمل التأويل، إذ سمعوه يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [لأنفال: 24]، فأسرعوا إلى حذف العلائق المشغلة قلوبهم، وصدقوا الله في معاملته، وأحسنوا الأدب فيما توجهوا إليه، وهانت عليهم المصائب، وعرفوا قدر ما يطلبون، فاغتنموا سلامة الأوقات وسلامة الجوارح، وأماتوا شهوات النفوس، وسجنوا همومهم عن التلفت إلى مذكور سوى وليهم! وحرسوا قلوبهم عن التطلع في مراقي الغفلة، وأقاموا عليها رقيبًا من علم من لا يخفى عليه مثقال ذرة في بر ولا بحر، فانقادت تلك النفوس بعد اعتياصها، واستبقت منافسة لأبناء جنسها، فصار شغلها بالله متصل وعن غيره منفصل، نظروا بقلوبهم قوله تعال: ﴿ لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ﴾ [الأنبياء: 103]، وقوله تعالى﴿ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴾ [فصلت: 31][4] .
حكمــــــة
قال سعيد بن حامد:
قلت لأبي عبد الله - يعني البخاري: كيف كان بدء أمرك ؟
قال : ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب.
قلت: كم كان سنك ؟
قال: عشر سنين أو أقل .
وقال قبل موته بشهر: كتبت عن ألف وثمانين رجلاً ليس فيهم إلا صاحب حديث، كانوا يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
وقال: حججت ورجع أخي بأمي وتخلفت في طلب الحديث، فلما طعنت في ثماني عشرة ؛ جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم .
وقال رحمه الله:
ما وضعت في كتابي - الصحيح - حديثًا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين.
حكمــــــة
قال محمد بن يوسف رحمه الله:
سمعت النجم بن الفضيل يقول :
رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم، كأنه يمشي، ومحمد بن إسماعيل البخاري يمشي خلفه، فكلما رفع النبي - صلى الله عليه وسلم - قدمه، وضع محمد بن إسماعيل قدمه في المكان الذي رفع النبي - صلى الله عليه وسلم - قدمه.
وسمعت إبراهيم الخواص يقول :
رأيت أبا زرعة كالصبي بين يدي محمد بن إسماعيل يسأله عن علل الحديث .
وقال محمد بن أبي حاتم الوراق : سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان :
كان أبو عبد الله البخاري يختلف معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلام، فلا يكتب، حتى أتى على ذلك أيام، فكنا نقول له: إنك تختلف معنا ولا تكتب، فما تصنع ؟ فقال لنا يومًا بعد ستة عشر يوما: إنكما قد أكثرتما علي وألححتما ، فاعرضا علي ما كتبتما .
فأخرجنا إليه ما كان عندنا، فزاد على خمسة عشر ألف حديث، فقرأها كلها عن ظهر قلب، حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه.
ثم قال: أترون أني أختلف هدرًا، وأضيع أيامي ؟! فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد .
قال : وسمعتهما يقولان : كان أهل المعرفة من البصريين يعدون خلفه في طلب الحديث وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه، ويجلسوه في بعض الطريق، فيجتمع عليه ألوف، أكثرهم ممن يكتب عنه .
وكان شابًا لم يخرج وجهه.
وقال أبو أحمد عبدالله بن عدي الحافظ:
سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد، فسمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا وعمدوا إلى مئة حديث، فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا لإسناد هذا، وإسناد هذا لمتن هذا، ودفعوا إلى كل واحد عشرة أحاديث ليلقوها على البخاري في المجلس، فاجتمع الناس، وانتدب أحدهم، فسأل البخاري عن حديث من عشرته، فقال: لا أعرفه.
وسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه . وكذلك حتى فرغ من عشرته .
فكان الفقهاء يلتفت بعضهم إلى بعض ، ويقولون : الرجل فهم .
ومن كان لا يدري قضى على البخاري بالعجز ، ثم انتدب آخر، ففعل كما فعل الأول. والبخاري يقول: لا أعرفه. ثم الثالث وإلى تمام العشرة أنفس، وهو لا يزيدهم على: لا أعرفه .
فلما علم أنهم قد فرغوا ، التفت إلى الأول منهم ، فقال: أما حديثك الأول فكذا، والثاني كذا، والثالث كذا إلى العشرة، فرد كل متن إلى إسناده. وفعل بالآخرين مثل ذلك. فأقر له الناس بالحفظ .
وكان رحمه الله يقول : أحفظ مئة ألف حديث صحيح ، ومئتي ألف غير صحيح .
وكان رحمه الله يختم في رمضان كل يومٍ ختمة ، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليال بختمة .
ويقول:
أرجوا أن ألقى الله ، ولا يحاسبني أني اغتبت أحدًا .
ويقول:
ما اغتبت أحدًا قط منذ علمت أن الغيبة تضر أهلها .
وعن الفربري:
قال رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم فقال لي: أين تريد ؟ فقلت: أريد محمد بن إسماعيل البخاري. فقال : أقرئه مني السلام .
مسلم بن الحجاج :
مسلم بن الحجاج :
كان يقول صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثة مئة ألف حديث .
وقال ابن منده : سمعت أبا علي النيسابوري الحافظ يقول :
ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم .
وقال مسلم رحمه الله:
عرضت كتابي هذا على أبي زرعة ؛ فكل ما أشار علي في هذا الكتاب المسند أن له علة وسببًا تركته، وكل ما قال إنه صحيح ليس له علة ؛ فهو الذي أخرجت .
أبو زرعة الرازي رحمه الله
قال ابن وارة رحمه الله :
حضرت أنا وأبو حاتم عند وفاة أبي زرعة ،
فقلنا : كيف نلقن مثل أبي زرعة ؟
فقلت : حدثنا أبو عاصم، حدثنا عبد الحميد بن جعفر.
وقال أبو حاتم : حدثنا بندار في آخرين، حدثنا أبو عاصم، حدثنا عبدالحميد، ففتح عينيه، وقال: حدثنا بندار، حدثنا أبو عاصم، أخبرنا عبد الحميد، حدثنا صالح بن أبي عريب، عن كثير بن مرة، عن معاذ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
«من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله » وخرج روحه معه.
ورئي أبو زرعة يؤم الملائكة في السماء الرابعة ؛ فقيل بم نلت هذه المنزلة قال برفع اليدين في الصلاة عند الركوع وعند الرفع منه.
ورئي في المنام : ألحقوا أبا عبيد الله بأصحابه - يعني أبا زرعة - وهم: أبو عبد الله، وأبو عبد الله، وأبو عبد الله سفيان ومالك وأحمد بن حنبل .
أبو داوود السجستاني رحمه الله
أبو داوود رحمه الله :
قال إبراهيم الحربي :
لما صنف أبو داوود كتاب السنن : أُلِين لأبي داوود الحديث كما ألين لداود الحديد .
وجاء إليه سهل بن عبد الله التستري ؛ فرحب به أبو داوود، وأجلسه إلى جنبه، فقال سهل: لي إليك حاجة . قال: وما هي ؟ قال سهل : حتى تقول قضيتها إن أمكن. قال: نعم . قال سهل: أخرج إلي لسانك الذي تحدث به أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أقبله ، فأخرج إليه لسانه فقبله.
قال أبو داوود في سننه : شبرت قثاةً بمصر ثلاثة عشر شبرًا، ورأيت أترجةً على بعيرٍ وقد قطعت قطعتين، وعملت مثل عدلين . اهـ.
كان أبو داوود رحمه الله على مذهب السلف في اتباع السنة، والتسليم لها، وترك الخوض في الكلام ، وهو من نجباء أصحاب الإمام أحمد رحمه الله، ولازم مجلسه مدة وسأله عن دقائق المسائل في الفروع والأصول، وكان يشبه بأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى ز
الأوزاعي رحمه الله
كتب الأوزاعي إلى أخٍ له :
أما بعد فإنه قد أحيط بك من كل جانب، واعلم أنه يسار بك في كل يومٍ وليلة ؛ فاحذر الله والمقام بين يديه، وأن يكون آخر عهدك به، والسلام .
وعن الأوزاعي :
كنا نمزح ونضحك ، فأما إذ صرنا يقتدى بنا ؛ فما أرى يسعنا التبسم ،
وقال رحمه الله :
من أكثر ذكر الموت ؛ كفاه اليسير، ومن علم أن منطقه من عمله قل كلامه .
وقال بعض السلف :
ما جاء الأوزاعي بشيء أعجب إلينا من هذا .
قال بشر بن الوليد :
رأيت الأوزاعي كأنه أعمى من الخشوع ، وكان لا يكلم أحدًا بعد صلاة الفجر ؛ حتى يذكر الله تعالى فإن كلمه أحد أجابه.
وقال رحمه الله : اصبر نفسك على السنة ، وقف حيث وقف القوم ، وقل بما قالوا ، وكف عما كفوا عنه ، واسلك سبيل سلفك الصالح ؛ فإنه يسعك ما وسعهم ؛ فمن آمن بلسانه وعرف بقلبه وصدق ذلك بعمله فتلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن قال بلسانه ولم يعرف بقلبه ولم يصدقه بعمله لم يقبل منه، وكان من الخاسرين .
حكمــــــة
ذكر ابن القيم في الفوائد:
من ترك الاختيار والتدبير في رجاء زيادة أو خوف نقصان أو طلب صحة أو فرار من سقم وعلم أن الله على كلٍ شيءٍ قدير، وأنه المتفرد بالاختيار والتدبير، وأن تدبيره لعبده خير من تدبير العبد لنفسه، وأنه أعلم بمصلحته من العبد، وأقد على جلبها وتحصيلها، وعلم مع ذلك أنه لا يستطيع أن يتقدم بين يدي تدبيره خطوة واحدة ولا يتأخر، فألقى نفسه بين يديه، وسلم الأمر كله إليه فاستراح حينئذٍ من الهموم والغموم والأنكاد، فتولى سبحانه أمره وأراه لطفه وبره ورحمته وإحسانه من غير تعبٍ من العبد ولا نصب؛ لأنه قد صرف اهتمامه كله إليه وجعله وحده همه؛ فما أطيب عيشه، وما أنعم قلبه، وأعظم سروره.
وإن أبى العبد إلا تدبيره هو لنفسه واختياره لها دون ربه خلاه وما اختاره، وولاه ما تولى، فحظره الهم والغم والحزن والنكد وسوء الحال؛ فلا قلب يصفو ولا عمل يزكو ولا راحة يفوز بها؛ فهو يكدح في الدنيا كدح الوحش ولا يظفر منها بأمل.
حكمــــــة
ذكر ابن النحاس في التنبيه قال:
وفي صحيح ابن خزيمة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
"ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة ولا تصعد إلى السماء ولا تجاوز رؤوسهم؛ رجل أم قومًا وهم له كارهون، رجل صلى على جنازة ولم يؤمر، وامرأة دعاها زوجها من الليل فأبت عليه"
[وحسنه الترمذي والنووي والألباني والأرناؤوط والوادعي ].
حكمــــــة
قال ابن القيم في الفوائد :
إذا دفعت الخاطر الوارد عليك؛ اندفع عنك ما بعده، وإن قبلته صار فكرًا جوالاً، ومن المعلوم أن إصلاح الخاطر أسهل من إصلاح الأفكار؛ فالفكر فيما لا يعني باب كل شر.
وقال رحمه الله :
العمر بآخره، والعمل بخاتمته، من أحدث قبل السلام بطل ما مضى من صلاته، ومن أساء في آخر عمره لقي ربه بذلك الوجه.
حكمــــــة
ذكر الحافظ ابن حجر على حديث أبي لما قال - صلى الله عليه وسلم - إن الله أمرني أن أقرأ عليك ﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [البينة: 1]،
فبكى أُبيّ عند ذلك . أنه إنما بكى من الفرح، أو خشية ألا يقوم بشكر هذه النعمة التي حصلت له .
يؤخذ من هذا:
أن العبد إذا حدث له نعمة أن يظهر من نفسه الشكر لله خشية السلب .
حكمــــــة
ذكر ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية قصة مرض النبي - صلى الله عليه وسلم -:
عن عروة أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات ومسح عنه بيده، فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه - صلى الله عليه وسلم - طفقت أنفث عليه بالمعوذات التي كان ينفث بها وأمسح بيد النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه. رواه مسلم والسياق للبخاري
حكمــــــة
حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أنه كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة حين يسلم :
"لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون"
قال:
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهلل بهن دبر كل صلاةٍ . رواه أحمد ومسلم.
وفي المتفق عليه عن المغيرة رضي الله عنه :
"لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد " .
حكمــــــة
قال محمد بن الحسين الآجري رحمه الله :
ينبغي لمن علمه الله القرآن وفضله على غيره أن يحرص كل الحرص على تلاوته وتفهمه والعمل به ، فيتأدب بآدابه فيستعمل تقوى الله في السر والعلانية باستعمال الورع في مطعمه ومشربه وملبسه ومسكنه ومعاملته وبيعه وشرائه، وأن يكون بصيرًا بزمانه وأهل زمانه فيحذرهم على دينه، وأن يكون مقبلاً على شأنه مهتمًا بإصلاح ما فسد من أمره، وأن يكون حافظًا للسانه ؛ إن تكلم تكلم بعلم، وأن يكون قليل الضحك ؛ إن سر بشيءٍ مما يوافق الحق تبسم، ويجتنب كثرة المزاح وأن يكون رفيقًا في أموره صبورًا على تعليم الخير - القرآن والسنة مؤدبان له - يحزن بعلم ويبكي بعلم ويتصدق بعلم ويصوم بعلم ويحج بعلم ويجاهد بعلم ويكتسب بعلم وينفق بعلم وينبسط في الأمور بعلم وينقبض عنها بعلم . اهـ
حكمــــــة
قال ابن القيم - رحمه الله - في المدارج :
إذا عرف هذا فمصحوب العبد من الحق سبحانه هو معرفته ومحبته وإرادة وجهه الكريم وما يستعين به على الوصول إليه وما هو محتاج إليه في سلوكه . إلى أن قال : فصاحب مقام التحقيق لا يقف مع العوارض المحبوبة فإنها تقطعه عن محبوبه ، ولا مع العوارض المكروهة أيضًا فإنها قواطع ويتغافل عنها ما أمكنه فإنها تمرّ بالمكاثرة والتغافل مرًّا سريعًا ، لا يوسع دوائرها ؛ فإنها كلما وسعها اتسعت ووجدت مجالاً فسيحًا فصالت به وجالت ولو ضيقها بالإعراض عنها والتغافل لاضمحلت وتلاشت . اهـ
حكمــــــة
وقال - رحمه الله - في مختصر المدارج :
فصل : فإن قيل ما تقولون في صلاة من عدم الخشوع فيها ؛ هل يعتد بها أم لا ؟
قيل : أما الاعتداد له بالثواب فلا ؛ إلا بما عقل منها وخشع فيه لربه ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها .
وساق - رحمه الله - الكلام إلى قوله :
فإن أردتم وجوب الإعادة لتحصل هذه الثمرات والفوائد ؛ فذاك إليه إن شاء أن يحصلها وإن شاء أن يفوتها على نفسه ، وإن أردتم وجوبها أنا نلزمه بإعادتها ونعاقبه على تركها ونرتب عليه أحكام تارك الصلاة فلا .
وهذا القول - الثاني - أرجح القولين . اهـــ
[وهذا الأثر مشهور أنه من قول سفيان الثوري رحمه الله وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه بلفظ :
لا يكتب للرجل من صلاته ما سها عنه]
حكمــــــة
قال ابن القيم رحمه الله :
فصل : الأدب حفظ الحد بين الغلو والجفاء .
قال بعض السلف : دين الله بين الغالي والجافي . ثم ذكر من الأمثلة الوضوء والصلاة، وأنه لا عبرة بالموسوس ولا بصلاة النقارين ؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ليأمر بالتخفيف ويخالفه وصانه الله من ذلك فكان يؤمهم بالصافات ، ويذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ويأتي أهله فيتوضأ ويدرك الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الركعة الأولى . فهذا هو التخفيف الذي أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم .
[وفي حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه قال: قلت يا رسولَ اللَّهِ اجعَلني إمامَ قومي ؟
فقالَ: أنتَ إمامُهُم واقتدِ بأضعفِهِم واتَّخذ مؤذِّنًا لا يأخذُ علَى أذانِهِ أجرًا . وصححه الألباني كما في صحيح النسائي وغيره].
حكمــــــة
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله :
الإشارة بالأصبع تارةً تكون في الدعاء كما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يفعله في دعائه على المنبر ، وتارةً في الثناء على الله كما في التشهد ، وكما أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - بأصبعه بعرفة وقال : اللهم اشهد.
وروي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال : إذا دعا أحدكم فهكذا ورفع أصبعه المشيرة ، وهكذا ورفع يديه جميعًا.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما : قال الاستغفار أن يشير بأصبع واحدة .
وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن الله يحب أن يدعى هكذا وأشارت بالسبابة .
وروي عن ابن الزبير رضي الله عنهما قال: إنكم تدعون أفضل الدعاء هكذا، وأشار بأصبعه .
فتح الباري شرح البخاري لابن رجب (ج6/ص302) .
حكمــــــة
حكي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه سجد من غير سهوٍ ظهر منه ، وقال إني حدثت نفسي .
وروي عن أحمد أنه سجد للسهو في صلاته ؛ وقال : إني لحظت ذلك الكتاب .
ثم ذكر اختلاف العلماء في وجوب سجود السهو فذهب كثير من العلماء إلى وجوبه. ثم قال: وقال الشافعي : هو سنة بكل حال . وحكي رواية عن أحمد .
فتح الباري لابن رجب (ج6/ 516) .
حكمــــــة
فائدة : ما يباح من الغيبة :
وهو ستة أشياء :
الأول : التظلم .
الثاني : الاستعانة على تغيير المنكر .
الثالث : الاستفتاء .
الرابع : تحذير المسلمين من الشر مثل المجروحين من الرواة ، والمشاورة بمصاهرة إنسان أو مشاركته أو إيداعه
، أو غير ذلك على وجه طلب النصيحة .
الخامس : أن يكون مجاهرًا بفسقه ، أو بدعته فيجوز ذكره بذلك ، ويحرم بغيره من العيوب .
السادس : التعريف : إذا كان معروفًا بلقب مثل الأعمش، والأعرج ، والأحول ؛ لا على وجه التنقيص .
حكمــــــة
ذكر ابن القيم في مختصر المدارج :
أنه اجتمع الثوري ويوسف بن إسباط ووهيب بن الورد رحمهم الله ؛
فقال سفيان : كنت أكره موت الفجأة، أما اليوم فوددت أني ميت ؛ ذكر أنه يتخوف الفتنة ،
فقال يوسف : إني لا أكره طول البقاء ؛ ذكر أنه لعله يصادف يومًا يتوب فيه ويعمل صالحً ا.
فقيل لوهيب : ما تقول أنت ؟
فقال : أنا لا أختار شيئًا ؛ أحبه إليه، أحبه إلي .
فقبَّل الثوري بين عينيه وقال : روحانية ورب الكعبة .
حكمــــــة
قال عبدالله بن المبارك رحمه الله :
من تهاون بالأدب: عوقب بحرمان السنن ، ومن تهاون بالسنن : عوقب بحرمان الفرائض ، ومن تهاون بالفرائض : عوقب بحرمان المعرفة ؛ فإن الله سبحانه هيأ الإنسان لقبول الكمال بما أعطاه من الأهلية والاستعداد ، وأخبر عن قبول النفس للفجور والتقوى، ثم خص بالفلاح من زكاها فنماها وعلاها ورفعها بآدابه التي أدب بها رسله وأنبياءه وأولياءه ، وحكم بالشقاء على من دساها وحقرها ودنسها .
حكمــــــة
قال ابن القيم رحمه الله في مختصر المدارج :
اعلم أن القلب إذا خلا من الاهتمام بالدنيا والتعلق بما فيها من مالٍ أو رياسة أو صورة ، وتعلق بالآخرة وبالاهتمام بها من تحصيل العدة والتأهب للقدوم على الله - عز وجل - فذلك أول فتوحه وتباشير فَجْرِه ؛ فعند ذلك يتحرك قلبه لمعرفة ما يرضى به ربه منه فيفعله ويتقرب به إليه، وما يسخطه منه فيجتنبه وهذا عنوان صدق إرادته ؛ فإن كل من أيقن بلقاء الله وأنه سائله عن كلمتين:
ماذا كنتم تعبدون ؟ وماذا أجبتم المرسلين ؟
لابد أن ينتبه لمعرفة معبوده والطريق الموصلة إليه ؛ فإذا تمكن في ذلك فتح له باب الأنس بالخلوة والوحدة والأماكن الخالية التي تهدأ فيها الأصوات والحركات فإنه حينئذ تجتمع عليه قوى قلبه وتسد عنه الأبواب التي تفرق همه وتشتت قلبه ثم يفتح له باب حلاوة العبادة بحيث لا يكاد يشبع منها ؛ بحيث أنه إذا دخل في الصلاة ود أنه لا يخرج منها، ثم يفتح له باب حلاوة استماع كلام الله - عز وجل -، ثم يفتح له باب عظمة الله المتكلم به وشهود جلاله، ثم يفتح له باب الحياء من ربه ؛ وهو أول شواهد المعرفة وهو نور يقع في القلب يريه ذلك النور أنه واقف بين يدي ربه - عز وجل - فيستحي منه في خلواته وجلواته ، ويرزق عند ذلك دوام المراقبة للرقيب الأعظم ودوام التطلع إلى حضرة العلي الأعلى حتى كأنه يراه ويشاهده فوق سماواته مستويًا على عرشه ناظرًا إلى خلقه سامعًا لأصواتهم وشاهدًا لبواطنهم، ثم يفتح له باب الشعور بمشهد القيومية فيرى سائر التقلبات الكونية وتصاريف الوجود بيده سبحانه ؛ فعند ذلك إذا وقع نظره على شيءٍ من المخلوقات دله على خالقه وبارئه بل يناديه كل شيءٍ من المخلوقات بلسان حاله أنا صنع الله الذي أتقن كل شيءٍ خلقه ؛ فالسعيد كل السعيد والموفق كل الموفق من لم يلتفت عن ربه تبارك وتعالى يمينًا ولا شمالاً، ولا اتخذ سواه ربًا ولا وكيلاً ولا مدبرًا ولا ناصرًا ولا حبيبًا.. إلخ
حكمــــــة
قال الإمام الصبغي رحمه الله:
رأيت في منامي كأني في دار فيها عمر رضي الله عنه ، وقد اجتمع الناس عليه يسألونه المسائل ، فأشار إلي : أن أجيبهم، فمازلت أسأل وأجيب وهو يقول لي : أصبت، امض ، أصبت امض ،
فقلت : يا أمير المؤمنين، ما النجاة من الدنيا أو المخرج منها ؟ فقال لي بإصبعه: الدعاء ، فأعدت عليه السؤال فجمع نفسه كأنه ساجد لخضوعه .
ثم قال : الدعاء .
حكمــــــة
قال ابن القيم رحمه الله في مختصر المدارج :
الدرجة الأولى/ أن تؤثر الخلق على نفسك في ما لا يخرم عليك دينًا ، ولا يقطع عليك طريقًا - يعني إلى الله - ، ولا يفسد عليك وقتًا مع الله. قوله "ولا يقطع عليك طريقًا" - أي : لا يقطع عليك طريق الطلب إلى الله تعالى مثل أن تؤثر جليسك على ذكر الله وتوجهك وجمعيتك على الله فتكون قد آثرت على الله بنصيبك من الله وهذا عين الغبن .
قال :
وكل سبب يعود عليك بصلاح قلبك ووقتك وحالك مع الله فلا تؤثر به أحدًا ؛ فإن آثرت به فإنما تؤثر الشيطان على الله وأنت لا تعلم .
حكمــــــة
قال ابن القيم رحمه الله :
قول صاحب المنازل - يعني الهروي:
لا يلح في الدعاء فإن ذلك يقدح في رضاه .
قال ابن القيم رحمه الله :
إذا كان الداعي يلح في الدعاء بأغراضه وحظوظه العاجلة ؛ أما إذا ألح على الله بما فيه سؤال رضاه والقرب منه فإن ذلك لا يقدح في مقام الرضا . وفي الأثر : إن الله يحب الملحين في الدعاء .
حكمــــــة
قال ابن القيم رحمه الله في مختصر المدارج :
حقيقة التوبة ثلاثة:
الندم على ما سلف منه في الماضي ، والإقلاع عنه في الحال ، والعزم على أن لا يعاوده .
وهذه شروط التوبة ، يندم ويقلع ويعزم .
قال: (وأما اتهام التوبة):
فلأنها حق عليه ولا يتيقن أنه أدى هذا الحق على الوجه المطلوب ؛ فيخاف أنه ما وفى التوبة حقها ، وأنها لم تقبل منه وأنها توبة علّة كتوبة أرباب الحوائج والمحافظين على منازلهم بين الناس ، أو أنه تاب محافظة على حاله فتاب للحال لا خوفًا من ذي الجلال ، أو أنه تاب طلبًا للراحة ، أو اتقاء ما يخافه على عرضه وماله ومنصبه ، أو لضعف داعي المعصية في قلبه وخمود نار شهوته ، ونحو ذلك من العلل التي تقدح في كون التوبة خوفًا من الله وتعظيمًا لحرماته وإجلالاً له وخوفًا من سقوط المنزلة عنده.
ومن اتهام التوبة أيضًا :
ضعف العزيمة والتفات القلب إلى الذنب الفينة بعد الفينة وتذكر حلاوة مواقعته فربما تنفس وربما هاج هائجه.
ومن اتهام التوبة :
طمأنينته ووثوقه من نفسه بأنه قد تاب حتى كأنه أعطي منشورًا بالأمان .
حكمــــــة
وقال ابن القيم رحمه الله :
وبالجملة فمن قرئ عليه القرآن فليقدر نفسه كأنما يسمعها من الله يخاطبه به فإذا حصل له مع ذلك السماع - له وبه وفيه - ازدحمت معاني المسموع ولطائفه وعجائبه على قلبه وازدلفت إليه بأيها يبدأ فما شئت من علمٍ وحكمةٍ وتعرفٍ وبصيرة وهداية وعبرة ، إلى غير ذلك ، وأما الوقوف على الغاية في كل حين فهو التطلب والسفر إلى الغاية المقصودة بالمسموع الذي جعل وسيلةً إليها ، وهو الحق سبحانه وتعالى؛ فإنه غاية كل مطلب وأن إلى ربك المنتهى ، وليس وراء الله مرمى، ولا دونه مستقر، ولا تقر العين بغيره البتة، وكل مطلوب سواه فظل زائل وخيال مفارق مائل وإن تمتع به صاحبه فمتاع الغرور . اهـ
حكمــــــة
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾ [البقرة: 255]، قال : علمه.
وعنه أيضا قال سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قوله تعالى ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾ [البقرة: 255]، قال ﴿ كُرْسِيُّهُ ﴾ : موضع قدميه والعرش لا يقدر قدره إلا الله - عز وجل.
وروى ابن جرير من طريق جويبر عن الحسن البصري رحمه الله أنه كان يقول :
الكرسي هو العرش .
والصحيح أن الكرسي غير العرش . اهـ
من تفسير ابن كثير رحمه الله .
حكمــــــة
قال ابن القيم رحمه الله :
فصل : منزلة الغيرة.
ثم قال بعد كلام سبق :
وغيرة العبد لربه نوعان : غيرة من نفسه أن لا يجعل شيئًا من أعماله وأقواله وأحواله وأوقاته وأنفاسه لغير ربه . وغيرةٌ من غيره ؛ وهي أن يغضب لمحارمه إذا انتهكت ولحقوقه إذا تهاون بها المتهاونون .. إلى أن قال : وأما تدارك قوته فيغار ببذلها في الطاعة قبل أن تتبدل بالضعف فهو يغار عليها أن تذهب في غير طاعة الله ويتدارك قوى العمل الذي لحقه الفتور بأن يكسوه قوة ونشاطا غيرة له عليه .
حكمــــــة
قال ابن القيم رحمه الله في المدارج :
ومنها أن كل قدرٍ يكرهه العبد لا يلائمه ؛ لا يخلو إما أن يكون عقوبة على ذنب فهو دواء لمرض لولا تدارك الحكيم إياه بالدواء لترامى به المرض إلى الهلاك أو يكون سببًا لنعمة لا تنال إلا بذلك المكروه ؛ فالمكروه ينقطع ويتلاشى وما يترتب عليه من النعمة دائمٌ لا ينقطع فإذا شهد العبد هذين الأمرين انفتح له باب الرضا عن ربه في كل ما يقضيه له ويقدره .
حكمــــــة
قال شيخ الإسلام في ذكر ما يعرض للعبد من الوساوس :
ولا بد لعامة الخلق من هذه الوساوس ؛ فمن الناس من يحييها فيصير كافرًا أو منافقًا ، ومنهم من قد غمر قلبه الشهوات والذنوب فلا يحس بها إلا إذا طلب الدين فإما أن يصير مؤمنًا وإما أن يصير منافقًا، ولهذا يعرض للناس من الوساوس في الصلاة ما لا يعرض لهم إذا لم يصلوا ؛ لأن الشيطان يكثر تعرضه للعبد إذا أراد الإنابة إلى ربه والتقرب إليه والاتصال به ؛ فلهذا يعرض للمصلين ما لا يعرض لغيرهم ويعرض لخاصة أهل العلم والدين أكثر مما يعرض للعامة ولهذا يوجد عند طلاب العلم والعبادة من الوساوس والشبهات ما ليس عند غيرهم ؛ لأنه لم يسلك شرع الله ومنهاجه، بل هو مقبل على هواه في غفلة عن ذكر ربه . وهذا مطلوب الشيطان بخلاف المتوجهين إلى ربهم بالعلم والعبادة فإنه عدوهم يطلب صدهم عن الله . قال تعالى : ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 6] ، ولهذا أمر قارئ القرآن أن يستعيد بالله من الشيطان الرجيم فإن قراءة القرآن على الوجه المأمور به تورث القلب الإيمان العظيم وتزيده يقينًا وطمأنينة وشفاء . وقال تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ . وهذا مما يجده كل مؤمن من نفسه ؛ فالشيطان يريد بوساوسه أن يشغل القلب عن الانتفاع بالقرآن ؛ فأمر الله إذا قرأ القرآن أن يستعيذ منه قال تعالى: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [النحل: 98]،.. إلخ من الفتاوى
فوائد من بستان من الفوائد العلمية والحكم الوعظية للشيخ صالح بن عبدالله الرشيد 1- 36
وقال شيخ الإسلام رحمه الله :
فصل ولا بد من التنبيه على قاعدة تحرك القلوب إلى الله تعالى فتعتصم به فتقل آفاتها أو تذهب عنها بالكلية بحول الله وقوته .
فنقول :
اعلم أن محركات القلوب إلى الله - عز وجل - ثلاثة : المحبة والخوف والرجاء .
وأقواها المحبة - وهي مقصودة ؛ تراد لذاتها لأنها تراد في الدنيا والآخرة بخلاف الخوف فإنه يزول في الآخرة قال الله تعالى ﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [يونس: 62]، والخوف المقصود منه الزجر والمنع من الخروج عن الطريق، والمحبة تلقي العبد في السير إلى محبوبه وعلى قدر ضعفها وقوتها يكون سيره إليه والخوف يمنعه أن يخرج عن طريق المحبوب والرجاء يقوده فهذا أصل عظيم يجب على كل عبد أن يتنبه له فإنه لا تحصل له العبودية بدونه .... =
حكمــــــة
وقال شيخ الإسلام رحمه الله :
= وكل أحد يجب أن يكون عبدًا لله لا لغيره. فإن قيل فالعبد في بعض الأحيان قد لا يكون عنده محبة تبعثه على طلب محبوبه ؛ فأي شيء يحرك القلوب؟
قلنا :
يحركها شيئان -:
أحدهما: كثرة الذكر للمحبوب لأن كثرة ذكره تعلق القلوب به ولهذا أمر الله - عز وجل - بالذكر الكثير فقال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 41]، الآية .
والثاني: مطالعة آلائه ونعمائه قال الله تعالى ﴿ فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 69]، وقال تعالى ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 53]، وقال تعالى ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ [لقمان: 20]، وقال تعالى ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا ﴾ [النحل: 18]، فإذا ذكر العبد ما أنعم الله به عليه من تسخير السماء والأرض وما فيها من الأشجار والحيوان وما أسبغ عليه من النعم الباطنة من الإيمان وغيره فلا بد أن يثير ذلك عنده باعثًا وكذلك الخوف تحركه مطالعة آيات الوعيد والزجر والعرض والحساب ونحوه وكذلك الرجاء يحركه مطالعة الكرم والحلم والعفو وما ورد في الرجاء والكلام في التوحيد واسع وإنما الغرض التنبيه على تضمنه الاستغناء بأدنى إشارة والله - سبحانه وتعالى - أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
حكمــــــة
عن يعلى بن عبيد قال سمعت سفيان الثوري رحمه الله يقول :
لو كان معكم من يرفع الحديث إلى السلطان أكنتم تتكلمون بشيءٍ ؟
قلنا: لا .
قال: فإن معكم من يرفع الحديث.
وقال سفيان رحمه الله :
خرجت أنا وشيبان الراعي مشاةً إلى الحج ؛ فلما صرنا ببعض الطريق إذا نحن بأسد قد عارضنا ، فقلت لشيبان : أما ترى هذا الكلب قد عرض لنا . فقال لي : لا تخف يا سفيان ، ثم صاح بالأسد فبصبص وضرب بذنبه مثل الكلب فأخذ شيبان بأذنه فعركها، فقلت له : ما هذه الشهرة . فقال لي : وأي شهرة ترى يا ثوري . لولا كراهية الشهرة ما حملت زادي إلى مكة إلا على ظهره .
حكمــــــة
عن أبي سلمان الداراني رحمه الله قال:
أصاب عبدالواحد بن زيد الفالج فسأل الله أن يطلقه في وقت الوضوء ؛ فإذا أراد أن يتوضأ انطلق، وإذا رجع إلى سريره عاد عليه الفالج.
وقال عبد الواحد بن زيد رحمه الله :
الرضا باب الله الأعظم وجنة الدنيا ومستراح العابدين .
والفالج : هو ضعف أو شلل في في طرف أو أكثر ويتراوح بين ضعف أو صعوبة بالحركة أو انعدامها في الطرف المصاب .
حكمــــــة
قال ابن القيم رحمه الله في بدائع التفسير :
ولكن لا نزاع أن هذه الصلاة لا يثاب على شيءٍ منها إلا بقد حضور قلبه وخضوعه كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
إن العبد لينصرف من الصلاة ولم يكتب له إلا نصفها، ثلثها، ربعها، حتى بلغ عشرها، وقال ابن عباس - رضي الله عنه - ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها،
ثم قال رحمه الله :
والمقصود أن يكون ملك الأعضاء وهو القلب قائمًا بعبوديته لله سبحانه هو ورعيته. اهـ.
حكمــــــة
قال العلامة ابن القيم رحمه الله :
فصل : منزلة التهذيب والتصفية.
قال - يعني الهروي :
وهو على ثلاث درجات. الأولى / تهذيب الخدمة ؛ (ألا يخالج العبودية جهالة ولا عادة) كمن اعتاد الصيام وتمرن عليه حتى ألفته نفسه فيظنه محض العبودية. وتهذيب القصد وهو تصفيته من الإكراه بأن لا يسوق نفسه إلا الله كرهًا بل تكون دواعي نفسه منساقة إلى الله طوعًا ومحبة وإيثارًا كجريان الماء إلى منحدره ؛ وهذه حال المحبين الصادقين ؛ ففيها قرة عيونهم وسرور قلوبهم كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "جعلت قرة عيني في الصلاة" وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"يا بلال.. أرحنا بالصلاة" بخلاف المطيع كرهًا المتحمل للخدمة ثقلاً .
حكمــــــة
وعن سالم أبي بسطام رحمه الله قال :
كان عمر بن المنكدر لا ينام الليل يُكثر البكاء على نفسه ، فشق ذلك على أمه ؛
فقالت لأخيه محمد بن المنكدر:
إن الذي يصنع عمر يشقّ عليّ فلو كلّمته في ذلك.
فاستعان عليه بأبي حازم فقالا له: إن الذي تصنع يشق على أمك. قال: فكيف أصنع ؟ إن الليل إذا دخل عليَّ هالني فأستفتح القرآن وما تنقضي نهمتي فيه. قالا : فالبكاء ؟ قال : آية من كتاب الله أبكتني . قالا : وما هي ؟ قال: قوله - عز وجل - ﴿ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ [الزمر: 47] .
حكمــــــة
وعن عبد الرحمن بن حفص القرشي قال : بعث بعض الأمراء إلى عمر بن المنكدر بمال، فجاء به الرسول فوضعه بين يديه، فجعل عمر ينظر إليه ويبكي ثم جاء أبو بكر فلما رأى عمر يبكي جلس يبكي لبكائه ثم جاء محمد فجلس يبكي لبكائهما. فاشتد بكاؤهم جميعًا . فبكى الرسول أيضًا لبكائهم ثم أرسل إلى صاحبه فأخبره بذلك فأرسل ربيعة بن أبي عبدالرحمن ليستعلم علم ذلك البكاء فجاء ربيعة فذكر ذلك لمحمد ؛ فقال محمد: سله فهو أعلم ببكائه فاستأذن عليه ربيعة فقال: يا أخي ما الذي أبكاك من صلة الأمير ؟ قال : والله إني خشيت أن تغلب الدنيا على قلبي فلا يكون للآخرة فيه نصيب فذلك الذي أبكاني قال: وأمر بالمال فتصدق به على فقراء أهل المدينة، قال: فجاء ربيعة فأخبر الأمير بذلك فبكى وقال: هكذا يكون والله أهل الخير رحمه الله .
حكمــــــة
قال في الحلية ترجمة شريح بن يونس: قال أحمد الضحاك الخشاب يقول - وكان من البكائين -: رأيت فيما يرى النائم شريح بن يونس فقلت: ما فعل بك ربك يا أبا الحارث؟ فقال: غفر لي، ومع ذلك جعل قصري إلى جنب قصر محمد بن بشير بن عطاء الكندي، فقلت: يا أبا الحارث، أنت عندنا أكبر من محمد بن بشير. فقال: لا تقل ذاك فإن الله تعالى جعل لمحمد بن بشير حظًّا في عمل كل مؤمن ومؤمنة، لأنه كان إذا دعا الله قال: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، والأموات منهم والأحياء .
حكمــــــة
قال شيخ الإسلام وابن القيم وغيرهما في تزيين الصوت في القرآن :
هو التحسين والترنم بخشوعٍ وحضور قلب؛ لا صرف الهمة إلى ما حجب به أكثر الناس بالوسوسة في خروج مخارج الحروف وترقيقها وتفخيمها وإمالتها والنطق بالمد الطويل والقصير والمتوسط وشغله بالوصل والفضل والإرجاع مما هو مفضٍ إلى تغير كتاب الله والتلاعب به مما هو حائلٌ للقلوب قاطع لها عن فهم مراد الرب من كلامه، ومن تأمل هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك تبين له أن التنطع بالوسوسة في إخراج الحروف ليس من سنته ولا من هدي أصحابه - رضي الله عنهم -.
حاشية الروض المربع (ج2/ص209) .
حكمــــــة
عن حماد، وأبي عوانة ، قالا :
شهدنا حبيبًا الفارسي يومًا فجاءته امرأة ، كأنها تريد الصدقة ولها عيال ، فقام حبيب إلى وضوئه فتوضأ ثم جاء إلى الصلاة فصلى بخضوع وسكون ، فلما فرغ ، قال : يا رب إن الناس يحسنون ظنهم بي وذلك من سترك علي فلا تخلف ظنهم بي، ثم رفع حصيره فإذا بخمسين درهمًا فأعطاها إياها ، ثم قال: يا حماد اكتم ما رأيت حياتي .
حكمــــــة
قال حبيب : أتانا سائل وقد عجنت عمرة وذهبت تجيء بنار تخبزه ، فقلت للسائل : خذ العجين، قال: فاحتمله فجاءت عمرة ، فقالت : أين العجين ؟ فقلت : ذهبوا يخبزونه فلما أكثرت علي أخبرتها ، فقالت : سبحان الله لا بد لنا من شيء نأكله، قال : فإذا رجل قد جاء بجفنة عظيمة مملؤة خبزًا ولحمًا، فقالت عمرة: ما أسرع ما ردوه عليك، وقد خبزوه وجعلوا معه لحمًا .
حكمــــــة
يحيى بن معين رحمه الله
قال أحمد بن عقبة :
سألت يحيى بن معين: كم كتبت من الحديث ؟ قال: كتبت بيدي هذه ست مئة ألف حديث .
وقال يحيى بن معين:
كنت إذا دخلت منزلي بالليل أقرأ آية الكرسي على داري وعيالي خمس مرات ؛ فبينا أنا أقرأ إذا شيء يكلمني: كم تقرأ هذا.. كأن ليس إنسان يحسن يقرأ غيرك ؟! فقلت: أرى هذا يسوؤك، والله لأزيدنك .