" التَّرغيب في حضور الفجر جماعةً والتَّرهيب من تركها "
" التَّرغيب في حضور الفجر جماعةً والتَّرهيب من تركها "
أخي المؤمن.. إنَّ من أعظم الأسباب المعينة على القيام لصلاة الفجر؛ معرفتك للأجر العظيم الذي يحظى به مُصلي الفجر شاهدًا - أي في أول الوقت.. وكذلك في الجماعة.
وقد جاءت النُّصوصُ بالحَثِّ على إقامة الصَّلوات في وقتها جماعة في المساجد، وتفضيل صلاة الجماعة على صلاة المنفرد، وفضل الخطى إلى المساجد.
ومن هذه النصوص:
- قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاةُ الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفًا؛ ذلك إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرجَ إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة؛ لم يَخْطُ خُطْوَةً إلا رُفعت له بها درجةٌ وحُطَّ عنه بها خطيئةٌ، فإذا صَلَّى لم تزل الملائكةُ تصلي عليه ما دام في مصلَّاه ما لم يحدث: اللهمَّ ارحمه. ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة» (متَّفَقٌ عليه).
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - يرفعه: «مَنْ سَرَّه أن يَلْقَى اللهَ غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادى بهنَّ؛ فإنَّ الله – تعالى - شرع لنبيِّكم - صلى الله عليه وسلم - سننَ الهدى وإنهنَّ من سنن الهدى» (رواه مسلم).
ومن كان شديدَ التَّعَلُّق بالمساجد لأداء الصَّلاة مع الجماعة فيها، فإن الله سَيُظلُّه بظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلّه؛ فعن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبعةٌ يُظلُّهم اللهُ بظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلّه...». وذكر منهم: «ورجلٌ قلبُه معلَّقٌ بالمساجد» (متَّفق عليه).
ويزيدُ فضلُ الجماعة بزيادة المصلِّين؛ فقد قال الرسولُ صلى الله عليه وسلم: «وإن صلاةَ الرجل مع الرَّجل أزكى من صلاته وحدَه، وصلاته مع الرَّجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما هو أكثرُ فهو أحبُّ إلى الله تعالى» (أخرجه أبو داود وحسَّنه الألبانيُّ).
وكان اهتمامُ النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة الجماعة اهتمامًا شديدًا؛ فلم يتركها حتى في ساحات القتال في أشدَّ الأحوال وأخطرها، ولكن كانت هيئةُ الصَّلاة وكيفيَّتُها تتكيَّفُ بحسب الأوضاع، وكان حريصًا عليها حتى مع شدَّة مرضه صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان يوصي بها ويسأل عنها، وقال: «مَنْ صَلَّى أربعين يومًا في جماعة يدركُ التكبيرةَ الأولى كَتَبَ اللهُ له براءتان؛ براءةً من النَّار وبراءةً من النِّفاق» (أخرجه التِّرمذيُّ وصحَّحه الألبانيُّ).
أما صلاةُ الفجر خاصةً فقد تميَّزَتْ بفضائلَ عديدة؛ زيادةً في التَّرغيب في حضورها؛ فمن كان عليها محافظًا كان لغيرها أحفظَ؛ قال تعالى: " أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الليْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا " [الإسراء: 78]؛ فأمر بإقامة الصَّلوات ثم خصَّ بالذِّكر صلاةَ الفجر بأنَّها مشهودةٌ تشهدها وتحضرها ملائكةُ اللَّيل وملائكةُ النَّهار؛ وذلك زيادة في فضلها وبركتها.
وقال سبحانه: " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلهِ قَانِتِينَ " [البقرة: 238]، والصَّلاةُ الوسطى اختُلف فيها على أقوال؛ منها أنَّها صلاةُ الفجر، ومنها أنَّها صلاةُ العصر، وهو رأيُ الجمهور؛ لما ثبت عند البخاريِّ ومسلم وأهل السُّنن وغيرهم من حديث عليٍّ - رضي الله عنه - قال: (كُنَّا نراها الفجر حتى سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يومَ الأحزاب: «شَغَلُونا عن الصَّلاة الوُسْطَى صلاة العصر ملأ اللهُ أجوافهم وقبورَهم نارًا».
وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فهو في ذمَّة الله، فلا يطلبنَّكم اللهُ من ذمَّته بشيء؛ فإنَّ مَنْ يَطْلُبُه من ذمَّته بشيء يدركه، ثم يكبُّه على وجهه في نار جهنمَ» (رواه مسلم)؛ أي: هو في أمان الله وجواره؛ فلا يَنْبغي لأحدٍ أن يتعرَّض له بضرٍّ أو أذى؛ فمن فعل ذلك فالله يطلبه بحقِّه؛ ومن يطلبُه لم يجد مفرًّا ولا ملجأ (المفهم لما أشكل من صحيح مسلم).
وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى العشاءَ في جماعة فكأنَّما قام نصفَ اللَّيْل، ومَنْ صَلَّى الصُّبْحَ في جماعة فَكَأنَّما قامَ الليلَ كلَّه» (رواه مسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى البَردين دخل الجنةَ»( متفق عليه) والبردان: الفجرُ والعصرُ، وقال: «لَنْ يَلجَ النَّارَ أحدٌ صلَّى قبلَ طلوع الشَّمس وقبل غروبها» (رواه مسلم)، وقال: «بَشِّر المشَّائين في الظُّلَم إلى المساجد بالنُّور التَّامِّ يومَ القيامة»(أخرجه أبو داود والتِّرمذيُّ وابنُ ماجه، وصحَّحه الألباني).
وعن عائشة - رضي اللهُ عنها - قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لو يَعْلم الناسُ ما في النِّداء والصَّفِّ الأَوَّل ثمَّ لم يَجدوا إلا أن يَسْتَهموا لاستهموا، ولو يَعْلمون ما في التَّهْجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العَتْمَة – صلاة العشاء – والصُّبْح – صلاة الفجر - لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا»(متَّفقٌ عليه).
كما أنَّ الحفاظَ على صلاة الفجر سببٌ معينٌ لرؤية الله – تعالى - يومَ القيامة؛ فعن جرير - رضي الله عنه - قال: كُنَّا جلوسًا عند النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إذ نظرَ إلى القمر ليلة القدر فقال: «أَمَا إنَّكم سَتَرَوْنَ ربكم كما ترون هذا لا تُضامون ولا تضاهون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تُغلَبوا على صلاة قبلَ طلوع الشمس وقبلَ غروبها فافعلوا» ثم قال: " وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ " (رواه البخاريُّ).
وقد أخبرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأنَّ سنةَ الفجر خيرٌ من الدُّنْيا وما فيها؛ فكيفَ بصلاة الفجر نفسها؟! قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «رَكْعَتا الفجر خيرٌ من الدُّنْيا وما فيها» (رواه مسلم).
ومن أراد التَّكَثُّرَ من الخيرات وزيادةَ الحسنات جلس بعد أن يُصَلِّي الفجرَ يذكر الله تعالى حتى تطلعَ الشمسُ وهو في مصلاه؛ فقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى الفجرَ في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمسُ ثم صلَّى ركعتين كانت له كأجر حجَّة وعمرة تامَّة تامَّة تامَّة» (رواه التِّرْمذيُّ وحسَّنَه الألبانيُّ) ونلحظ في هذا الحديث أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد نصَّ على أنَّ الصلاةَ تكون في جماعة ليتمَّ له الأجرُ المذكورُ.
كُلُّ هذه الأجور لمن أقام صلاتَه وأحسنها كما أراد اللهُ، واللهُ يضاعفُ لمن يشاء؛ أمَّا أصحابُ نوم اللَّيالي والكُسالى عن صلاة الفجر، فهؤلاء وصفهم القرآن بالنِّفاق؛ قال تعالى: " وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلًا " [النساء: 142]؛ وعليك أن تَنْظُرَ في عقوبة تارك حضور الجماعة وصلاة الفجر، وكيف رهَّب رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك ليَجلَ قلبُك وتخافَ من التَّفْريطِ، وقد جَمَعْتُ بعضَ النُّصوص المفيدة في ذلك؛ منها قولُه - تعالى: " فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا " [مريم: 59]، واختلف أهلُ العلم في المراد بإضاعتهم الصَّلاة؛ فقال بعضُهم: تأخيرُها عن وقتها. وقال بعضُهم: الإخلالُ بشروطها. وقيل: إضاعتُها في غير الجماعات. وكلُّ هذه الأقوال تدخل في الآية (أضواء البيان للشنقيطي، تفسير سورة مريم).
قوله تعالى: " فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ " [الماعون: 4، 5] ساهون؛ إمَّا عن وقتها الأَوَّل فيؤخرونها إلى آخره دائمًا أو غالبًا، وإمَّا عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به، وإمَّا عن الخشوع فيها والتَّدَبُّر لمعانيها؛ فاللَّفْظُ يشملُ ذلك كلَّه (ابن كثير، تفسير سورة الماعون).
عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد هَمَمْتُ أن آمرَ فتيتي فيجمعوا لي حزمًا من حطب، ثم آتي قَوْمًا يُصَلُّون في بيوتهم ليست بهم علَّةٌ فَأَحْرقها عليهم» (رواه مسلم).
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سمع النداءَ فلم يَمْنَعْه من اتِّباعه عذرٌ - قالوا: وما العذرُ؟ قال: خوفٌ أو مرضٌ - لم تُقْبَلْ منه صلاتُه التي صَلَّى» (رواه ابنُ داود وابنُ حبَّان في صحيحه وصحَّحَه الألبانيُّ).
وفي حديث لابن مسعود - رضي الله عنه – مرفوعًا: قولُه: «ولو أَنَّكم صَلَّيتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنةَ نبيِّكم، ولو تركتم سنةَ نبيِّكم لَضَلَلْتُم» (رواه مسلم).
وفي حديث الرؤيا التي رآها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وقال فيه: «... إنَّا أَتَيْنا على رجل مضطجع وإذا آخرُ قائمٌ عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصَّخْرَة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجرُ... أما الرجلُ الأولُ الذي أتيت يُثْلَغُ رَأْسُه بالحجر فإنَّه الرَّجلُ يأخذُ القرآنَ فيرفضه وينامُ عن الصَّلاة المكتوبة»(رواه البخاريُّ).
وعن أبي الدَّرداء - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصَّلاةُ إلا قد اسْتَحْوَذَ عليهم الشَّيطانُ، فعليك بالجماعة؛ فإنَّما يأكل الذِّئبُ القاصيةَ»(رواه أبو داود والنَّسائيُّ وحسَّنَه الألبانيُّ).
فاحذر يا عبدَ الله أن تَلحقَ بك هذه العقوباتُ وتبوءَ بالإثم والضَّلال، وإنَّ الخيرَ كلَّ الخير في متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشرّ كلّ الشر في مخالفة أمره؛ " فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " [النور: 63].
فإلى أَيِّ الفريقين تريد أن تنضمَّ، ومع أَيِّهم تريد أن تُحْشَر؟! هما فريقان لا ثالثَ لهما، ليسوا سواءً في العمل، وليسوا سواءً في الجزاء؛ قال تعالى: " أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " [السجدة: 18-21].
تنبَّهْ يا أخي لهذا؛ فإنَّه موعظةٌ لك، فإن لم تتذكر وتَعُدْ إلى ربَّك وتحافظْ على صلاتك وتتقربْ إليه بذلك، فاحْذَرْ أن تكونَ ممَّن قال الله فيه: " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ " [السجدة: 22].
ولو تأمَّلْنا حالَ السَّلف - رضوان الله عليهم - لرأينا شدةَ عنايتهم بحضور الجماعة؛ فلا تكاد تفوتُ أحدهم تكبيرة الإحرام، ثم نرى عنايتَهم كذلك بقيام الليل؛ فبعد أن أتمُّوا الفرائضَ جعلوا يتلمَّسون النوافلَ؛ بل ويُعاتبُ بعضُهم بعضًا على ترك قيام الليل؛ فضلاً عن صلاة الفجر، لذا كانت لهم قيادةُ العالم، والعزةُ والسيادةُ؛ فلو عادَ المسلمون اليومَ إلى سالف عهدهم، لعادت لهم السِّيادةُ؛ وذلك بعدَ أن تكتمل الصفوف في صلاة الفجر.
مختارات