أخرج الطاغوت من داخلك
فخرج على قومه في زينته
الذي لا يملك شيئاً من الحقيقة، أو من المصداقيّة يتزيّن بالبهرج الكاذب، ليلفت الأنظار ! ليفتن الناس ببريق الذهب !
قارون ممن نظن أنّه لم يعط سعة من العقل ! فلا يوجد في القرآن الكريم حوار عقلي دار بينه وبين أحد من الخلق، سواء موسى أو غيره ! بل إن أغبى كلمة قالتها العرب والعجم والبربر هي مقولته: " إنّما أوتيته على علم عندي " ! وهي من الأدلّة على ما حباه الله به من الغباء الفطري ! ولكنّه غنّي ! ثريّ، فيجعل من الدرهم والدينار أدلّة منطقيّة على كفره! فيخرج على قومه في زينته !يريد أن يثبت أن الكفر أفضل من الإيمان، وأن الإلحاد أقرب للعقل من التوحيد، فيعجز عن المنطق، يعجز عن الحجّة والبرهان، فيلبس أفضل ما عنده من الذهب والجواهر ليقنع الناس بها.. وهذا هو الغباء الذي ليس بعده غباء..
دائماً يتعلّق المفلسون إيمانيّاً بالقشور، بالمظاهر، لأن أقصى همّهم الدنيا، وخير ما في الدنيا المال - في نظرهم -، ولا يدرون أن الدنيا برمّتها تافهة عند الله تعالى، فلو وزنت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا فيها شربة ماء !
فرعون يحمل نفس المبدأ، بل كل فرعون على وجه الأرض سواء كان اسمه فرعون أو هامان أو قارون أو أبا جهل أو أبا لهب ! كلّهم يؤمنون بمبدأ البهرج الكاذب ! مبدأ " أو يلقى إليه كنز " يقول فرعون عن موسى الزكي الرضيّ " أم أنا خير من هذا الذي هو مهين.. " ! هو يرى أن موسى مهين ! لأن موسى لا يلبس الفاخر من الثياب إذن هو مهين، لأن موسى لا يطأ على ظهور الشعوب إذن هو مهين، فقد قال فرعون عنه: " فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب " هنا المحك ! الذهب هو أهم شيء في الوجود لدى الفراعنة ! المال ! الدنيا..
ومن عادة الله أن يأخذ أعداءه وهم في ذروة مجدهم الزائف ! ليكونوا عبرة لغيرهم ! وهو مبدأ أخذ الأمم من القمم ! يقول تعالى: " حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازّينت وظنّ أهلها أنّهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهارا "
وهذا قارون يخرج على قومه في زينته، في أبّهته، فيلفت الأنظار، ويتمنّى الذين يريدون الحياة الدنيا مثل ما أوتي ! ولكن الله يريد أن يعطيهم درساً لا ينسوه، وكان قارون هو الوسيلة التعليميّة التي ترسّخ المعلومة في أذهان الناس " فخسفنا به وبداره الأرض.. " لتنتهي أسطورة " على علم عندي " ! إنّ علمك بجمع الأموال لا يضمن لك الخلود !
نعم أنت خبير بشؤون الأموال، ولكنّك لست خبيراً بشؤون الخسوف والزلازل والفيضانات ! والعذاب الأليم.. الله وحده هو الذي يعلم هذا، ودع علمك بجمع الأموال يفيدك..
أحد أصحابي يحب ترداد الأمثال، وقد سمعته يردد مثلاً ذا معنى يقول: إذا انتفش الديك، سهل نتفه ! ولعل قارون قد انتفش في ذلك الصباح انتفاشاً جعل ريشه يتطاير معه، فلم يحتج إلى النتف أصلاً..
إن الله لا يحب الفرحين، لايحب المزهوّين، الذين يتباهون بالدنيا، ويتفاخرون بأموالهم وأنسابهم وأعراض الدنيا الزائلة، لقد حرّم الله الشرب في آنية الذهب حفاظاً على مشاعر الفقراء، الذين لايجدون ما يأكلونه ! فليس من السهل أن ترى غيرك يأكل في صحافالذهب وأنت لم تتعشّ البارحة ! إنّ هذا يخلق حقداً، وغيظاً، يلزم منه تفكك المجتمع الواحد ! والإسلام لا يعيش في مجتمعات متفككة.. لذلك يحرّم الإسلام كل مايقضي على الإسلام الحقيقي..
فالربا يفضي إلى الطبقيّة.. والطبقيّة تخلخل المجتمع.. إذن هو حرام..
والزنا يفضي إلى اختلاط الأنساب.. مما ينتج عنه نظرة تشككيّة بين الآباء والأبناء.. وهذا يدمّر المجتمع إذن هو حرام..
ويحث الإسلام على كل ما يرأب الصدع ويلم شعث المجتمع، من مثل صلاة الجماعة، والحج، والصدقة.. الخ
لذلك أحل لولي الأمر قتل من يسعى إلى تفرقة المسلمين، وأنا أظن أن حفظ جماعة المسلمين مما يستحق أن يدرج ضمن الضروريّات الدينيّة لتصبح ستّاً لا خمساً والله أعلم..
قمّة التغطرس والغرور أن تخرج على الفقراء بزيّ فخم فاخر، وهم عراياً وأشباه عرايا ! لذلك كان من المناسب أن يخسف الله بقارون في نفس اليوم الذي خسف هو بقلوب الفقراء، فجعلها تتضاءل أمامه !
لم يعد هناك أثر لقارون ولا لبيته،ليعلم المتكبّرون هوانهم على الملك المتكبّر سبحانه.. ليمر الضعفاء والفقراء والمساكين من المكان الذي كان فيه بيت ذلك المغرور ويقولون: كان هنا مغرور !.
إن الله يريد منك أن تكون عبداً له ! لا شيء آخر ! ينادي الله تعالى آدم وهو مستكين ذليل بعد معصيته فيقول يا آدم أنت أحبّ إلي اليوم منك بالأمس ! فيقول: لماذا يا ربي؟ فيقول الله: كنت تدخل عليّ دخول الملوك ! واليوم تدخل عليّ دخول العبيد !
محمّد صلى الله عليه وسلم يوم الفتح الأكبر يحني رأسه لله، حتى يلتصق ذقنه بعنق ناقته ! تواضعاً لله رب العالمين..
لذلك يقال: أنين المستغفرين التائبين، أحب إلى الله من زجل المسبّحين.. ويقال: لمعصيّة تذل بها، خير من طاعة تُدلّ بها..
الذي بقي قوله هو أنّه ينبغي عليك إن رأيت عدوّ الله يتجبّر ويتغطرس ويقول من أشد منّي قوّة أن تنتظرخسفاً أو مسخاً أو صاعقة تحل به ! والله شديد العقاب.
مختارات