العالقون.... والاعتكاف
غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لَا يتبعني رجل مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا، وَلَمَّا يَبْنِ.
وَلَا آخَرُ قَدْ بَنَى بُنْيَانًا، وَلَمَّا يَرْفَعْ سُقُفَهَا. وَلَا آخَرُ قَدِ اشترى غنما أو خلفات، وهو منتظر ولادها.....الحديث
هذا خبر من الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم...في صحيح مسلم
وفيه دروس كثيرة...
لم يكن الزواج ولا البناء ولا الزراعة محرمة في شرع ذلكم النبي ولا في شرعنا
وكان من الممكن أن ينضم أولئك الذين استثناهم النبي للركب الغازي ويتركوا دنياهم
لكن الدنيا مثل الوحل
الانخلاع منها لا يحصل بسهولة
وتركها لا يقع بمجرد بغضها أو الرغبة عنها
أو اتخاذ قرار شجاع بالذهاب للتعبد
كم من أناس زهدوا في الدنيا بقلوبهم ولكنهم عالقون فيها رغما عنهم
ليسوا سعداء ومع ذلك يواصلون البقاء
حين تراودهم رغبة للتجافي فكأنما هم مكبلون بشراكها
وكأنما هم في وسط الوحل والشاطيء بعيد
كلما ثارت فكرة الانخلاع منها
خاضوا فيها كالغريق يلتمس البر البعيد
كل رحلاتنا في طلب شهواتنا ودنيانا هي في الحقيقة انغماس في طبقات بعضها فوق البعض
عند التفكير في الخلاص
ينبغي أولا أن نتخلص من الأغلال التي وضعناها بأنفسنا
من رمضان الماضي ونحن نطلب دنيانا ونلف خيوطها حول أجسادنا
تجارة وعلاقات ومعارف وشهوات ومشاريع وأمنيات ومشكلات
حتى إذا كنا كالشرنقة المطوية
جئنا نريد الاعتكاف فإذا نسيج الشرنقة يخنق حركتنا
وتتعثر فيه خطواتنا ويكبل إرادتنا
تصيح بنا الأشغال والعلاقات والرغبات والقلب واهن لا يطيق الانعتاق من كل هؤلاء الممسكين به.
والحاصل أن طلب الآخرة رحلة لا بد لصاحبها من أن يتخفف مبكرا من المتاع وإلا فاتته القوافل.
مختارات