(يا أسفى على يوسف)
أقرب الأقوال أن يعقوب عليه السلام قال ذلك دعاء واستغاثة بالله وشكوى إليه تعالى.
وذلك لوجوه منها:
أن الله تعالى قال قبل ذلك ( وتولى عنهم)
فدل على أن هذا القول كان بعد توليه وإعراضه عنهم وإقباله على ربه.
ومنها:
أن الله وصفه بأنه كظيم وأكثر المفسرين على أن معناه كظمه للحزن وكتمه له
قال قتادة:
تردَّدَ حُزْنُه في جوفه، ولم يتكلّم بسوء.
وقال الطبري:
، يعني أنه مملوء منه، مُمْسِك عليه لا يُبينه.
ومنها إخبار الله تعالى عن قول يعقوب عليه السلام
(قَالَ إِنَّمَاۤ أَشۡكُوا۟ بَثِّی وَحُزۡنِیۤ إِلَى ٱللَّهِ وَأَعۡلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ)
ومنها
إخبار الله عنه بقوله
(فصبر جميل) في موضعين.
ومنها
ما نقله الطبري
عن سعيد بن جبير قال: لم يُعْطَ أحدٌ غيرَ هذه الأمة الاسترجاع، ألا تسمعون إلى قول يعقوب: ﴿يا أسفَا على يوسف﴾ ؟
فكأنه كالاسترجاع في شرعهم.
ومنها
أن الله لم يعاتب يعقوب عليه السلام في قول عامة أهل العلم.
قال الماوردي:
وَفِي هَذا القَوْلِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ أرادَ بِهِ الشَّكْوى إلى اللَّهِ تَعالى ولَمْ يُرِدْ بِهِ الشَّكْوى مِنهُ رَغَبًا إلى اللَّهِ تَعالى في كَشْفِ بَلائِهِ.
الثّانِي: أنَّهُ أرادَ بِهِ الدُّعاءَ، وفِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: مُضْمَرٌ وتَقْدِيرُهُ يا رَبِّ ارْحَمْ أسَفِي عَلى يُوسُفَ.
والخلاصة:
أن ( يا أسفى) وإن كان معناها الندبة ونداء الأسف يعنى يا أسفي تعال فهذا وقتك.
لكن المقصود إظهار غاية الشكوى والمسكنة لله تعالى.
وهذا فيه دلالة أن هناك فرقا بين شكوى العبد للناس أو أمامهم وبين شكواه عندما يخلو بربه ويناديه
فله وهو ينادي ربه أن يبدي غاية حزنه وضعفه وشكواه وأن يبث همومه كالثكلى المفجوعة.
وأن تحزنه وبكاءه في مقام الدعاء لا يساوي تشكيه وبكاءه وهو غائب عن هذا المعنى.
وبيانه
أن الإنسان قد يقول ياحزني يا عظم مصيبتي فيكون تبرما وضجرا
وقد يقوله لكنه في ثنايا دعائه فيقوب
(يارب قد طال وجعي فياطول بلائي ويا شدة حزني يا عظم وجعي....فهذا دعاء ممدوح.)
مختارات