(سورة الفلق)
﴿قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلۡفَلَقِ ١
يعلّم الله نبيه صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده كيف يستعيذون به، كيف يطلبون منه الحماية،
يلقنهم تبارك وتعالى نصا بحروفه للاستعاذة والالتجاء وطلب العصمة والنجاة والكفاية.
وحين خلق الله الإنسان ضعيفا في كون مملوء بالمخاوف التي لا يمكن للعبد حماية نفسه منها إلا بالافتقار إلى ربه. والفرار إليه شرع له عبودية الاستعاذة.
ومن رحمة الله أن جعل طلب الحماية هذا سهلا يسيرا يمكن لكل أحد من صغير أو كبير أن يناله
كلمات يسيرة في سورة قليلة الآيات يمكن لكل أحد من أمي وقارئ حفظها.
بعدها يدخل في حرم الأمن الكلي الرباني العاصم حيث يمشي العبد في حراسة ربه وحفظه وأمانه الشامل التام.
الأمن الذي يغني العبد عن الحراس والدروع والحيطان والجنود.
برب الفلق
افتتتحت السورة بالاستعاذة بربوبية الفلق أي أعوذ بالملك المدبر المتصرف الخالق الذي بقبضته كل الخلائق وكل الأشياء والأقدار العالم بها القدير عليها.
برب الفلق
والفلق أصح ما قيل فيها (واختاره الطبري) أنها كل ما خلقه الله وشق فيه الوجود
أعوذ برب كل شيء حيث يحضر في قلب المستعيذ ملك ربه وكمال تصرفه ونفوذ مشيئته وتسييره لكل ذرة في الوجود
فإذا استعاذ برب كل مخلوق (وكل ماسوى الله مخلوق) نزلت في قلبه الطمأنينة والسكينة وذهب القلق والوحشة.
فهو يسير في كل مكان وأي زمان في ملك ربه الذي يحميه ويحفظه ويعتصم به.
ولو تدبر العبد ذلك لأمن أعظم من أمنه حين يسير في بيت أبيه أو غرفة نومه.
وفي (الفلق) للتعبير عن جميع الخلق معنى لطيف أبلغ من أي كلمة أخرى(والله أعلم) وذلك لما في كلمة الفلق من الشق والانبثاق والظهور بعد الكمون والسكون وهي الأحوال التي يخاف العبد فيها من مفاجأة العوارض والحوادث والتغيرات.
حيث تنبثق العوارض من باطن الجسد أو ظاهره من الأقارب أو الأباعد من الدواب أو الكائنات
تأتي كلمة (الفلق) لتحيط بذلك كله الأشياء والحوادث والسكون والحركة في تأمين كلي لا يستثني شيئا
.(من شر ما خلق)
وحين علّم الله تعالى عباده التوسل بربوبيته للفلق شرع في تفصيل أنواع الشرور التي يستعيذون منها فعم وخص.
وبين سبحانه أن فيما خلق شرورا خلقها لحكمة عظيمة لعل من أعظمها تحقيق العبودية لله تعالى.
لأن العبودية هي كمال الحب وكمال الافتقار والذل.
فوجود الشر في المخلوقات ينزل في قلب العبد الفاقة المطلقة لربه والاضطرار الكلي لحمايته سبحانه.
ولولا ذلك لا ستغنى العبد وهلك وتعاظم في نفسه.
(من شر ما خلق)
(وما) هنا تفيد العموم
وليس في العالم نص حماية يحصن العبد أعم ولا أشمل من هذا.
فإنه عم كل المخلوقات حتى الأحبة والأقارب والأبناء والأنفس.
فإن الله يحميك بهذه السورة من شرور نفسك وولدك وزوجك ومتاعك ورفاقك فإنه لا تنفك نفس ( إلا من عصم الله) من شر. بل ربما يأتيك الشر ممن أراد أن يحسن إليك أو مما تتوهم أنه خير محض.
فإذا قلت
( من شر ما خلق)
فأحضر كل ما يخطر على بالك من شرور المخلوقات من الجن والإنس والجماد والحيوان والأقربين والأبعدين والكائنات الكبرى والدقيقة والأقوياء،والضعفاء من أبعد نجم إلى حبل الوريد.
هذا صك الحصانة الرباني والأمان الذي لا يجاوزه بر ولا فاجر. (ومن شر غاسق إذا وقب)
ومع أن الآية السابقة فيها الاستعاذة من شر كل شيء من شرور الدنيا والبرزخ والآخرة.
لكن الله تعالى خص بعد العموم أحوالا خاصة ومن آثار ذلك إيقاظ قلب المؤمن ليعرف هذه الشرور والمخاطر وكثرتها فإذا علم بذلك اشتدت فاقته واضطراره للاستعاذة والاحتماء بربه فكان أقرب لإجابة ربه من قلب غافل.
فإن من فطرة الإنسان أن يعظم حذره من الخطر عند تفصيله وبيانه.
ومنها أن يعلم نعمة ربه عليه بحفظه له مع كثرة العوارض التي يمكن أن تنهشه من كل اتجاه.
فقوله تعالى
(من شر غاسق إذا وقب)
فأكثر أقوال المفسرين أنه الليل إذا دخل وبعضهم قال إنه القمر أو النجم أو الثريا إذا ظهر وهما من علامات الليل.
والمعاني متقاربة وتتضمن الاستعاذة بالله في أشد أوقات الخوف وأكثرها خطرا حيث تنبعث الشرور المستترة بسدفة الليل وجنح الظلام المتسللة في هدأة الخلق وغفلتهم.
حين تجتمع وحشة الليل وسواده مع انتشار شياطين الجن والإنس فيه.
وكلما استدعى العبد صور المخاطر كأنما يرى السراق والقتلة واللصوص ومردة الجن يخرجون بصورهم المرعبة ونواياهم الخبيثة في ظلمة الليل حينها يقبل على التعوذ بقلب مضطر مفتقر لائذ بربه فار إليه يستغيثه ويعتصم به.
وقد وصف الله الليل بالصفة التي تثير فاقة العبد لربه فسماه الغاسق والغسق هو الظلام والظلام محل الوجل والوحشة والخوف.
بل اختير من مفردات اللغة ما يلقي بمعاني الاستيحاش في القلب فكم بين كلمتي ( الليل إذا دخل) و ( غاسق إذا وقب) من الفرق العظيم في وصف مخاوف الليل والظلام.
وهكذا عند إدبار الأوقات وإقبالها وتغيراتها فإن من معاني الآية التعوذ من لحظات الانتقال والتغيير الزماني حيث ينتقل الإنسان من سكونه وركونه إلى حال جديدة يدل عليه قوله تعالى ( إذا وقب) والظرفية التي تدل عليها (إذا) الشرطية، التي تدل على وقت دخول الليل بعينها تشعر بذلك فلحظات التحول تنقل الإنسان إلى حال جديدة يفوته أخذ الحذر من مستجدتها
وفيه إشارة لمواطن خاصة للاستعاذة عندما تتجدد علينا الأماكن أو الأوقات أو الأحوال والظروف.
وفي الآية دلالة على أن قراءة المعوذات من أذكار الصباح والمساء أيضا.
وفيها إشارة لحاجة العبد للإلحاح في التعوذ في مظان الأخطار والشرور في الأمكان والأزمان المخوفة.
مختارات