اسم الله الحميد 1
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( الحميد ) :
أيها الأخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، والاسم اليوم " الحميد " .
ورود اسم الحميد في القرآن الكريم :
هذا الاسم " الحميد " ورد في القرآن الكريم في كثير من الآيات ، ورد مفرداً كما في قوله تعالى : " وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ " [الحج:24] .
وكأن الطيب من القول طريق إلى " الحميد " : " وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً " [البقرة:83] .
" إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً " [الترمذي] .
" لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه " [الإمام أحمد] .
" وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ " .
اقتران اسم الحميد بعدد من أسماء الله الحسنى منها :
1 ـ العزيز : ورد هذا الاسم مقترناً باسم العزيز في قوله تعالى : " كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ " [إبراهيم:1] الظلمات جاءت جمعاً ، والنور جاء مفرداً ، لأن الحق لا يتعدد ، بينما الباطل لا يعد ولا يحصى .
بين نقطتين لا يرسم إلا خط مستقيم واحد ، لكن بين هاتين النقطتين يرسم ملايين الخطوط المنكسرة ، أو المنحنية ، فالباطل لا يعد ولا يحصى .
لذلك عمر الإنسان أقل بكثير من أن يستوعب الباطل ، من أجل أن تستوعب فرقة ضالة تحتاج إلى سنوات طويلة ، هناك آلاف الفرق الضالة ، أما هذا العمر يكفي لاستيعاب الحق ، البطولة أن تستوعب الحق ، وان يكون الحق مقياساً ، أما أن تبذل الجهود المضنية والوقت الطويل لاستيعاب الباطل ، الاستيعاب شبه مستحيل .
" وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ " جاء مفرداً .
بطولة الإنسان أن يكون مستغنياً عن الناس والناس يحمدونه :
أما المقترن بالعزيز : " كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ " [إبراهيم:1] .
هو عزيز يحتاجه كل شيء في كل شيء ، ومع ذلك هو حميد ، أحياناً الإنسان إذا كان غنياً لا يعبأ بسمعته ، معه مال ، تحل به كل المشكلات ، لكن البطولة أن تكون مستغنياً عن الناس والناس يحمدونك .
الإنسان أحياناً يكون لطيف ، يكون متواضعاً لأن له حاجات عند الناس ، أما إذا كان مستغنياً عنهم قد لا يكون كاملاً ، أما ربنا جل جلاله عزيز حميد .
2 ـ الغني : وقد اقترن هذا الاسم باسم الغني ، كما قي قوله تعالى : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ " [فاطر:15] .
" الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ " ، " الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ " .
في أخلاق البشر ، من شأن القوي أن لا يعبأ بسمعته ، من شأن الغني ألا يعبأ بسمعته ، من شأن القوي ألا يكون كاملاً ، من شأن الغني ألا يكون كاملاً ، لكن الله جل في علاه ذات كاملة له الأسماء الحسنى ، والصفات الفضلى .
3 ـ الولي : واقترن هذا الاسم باسم الولي ، كما في قوله تعالى : " وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ " [الشورى:28] .
يتولى أمرك لكن هذا التولي تحمده عليه ، أحياناً تولي محامياً ، يهمل في كتابة المذكرات ، أو ينحاز إلى خصمك ، مقابل مبلغ كبير ، أنت وليته لكن لا تحمده على هذه التولية ، لكنك إذا وليت الله ، إذا جعلت الله وليك ، والله عز وجل نقلك من حال إلى حال ، من مستوى إلى مستوى ، من مقام إلى مقام ، من أعماق أعماق قلبك تحمده على أنه وليك .
" اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا " [الحج:38] .
4 ـ المجيد : هذا الاسم أيضاً اقترن باسم المجيد ، كما في قول الله عز وجل : " قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ " [هود:73] يعني إنسان له سلطة قوية يعطي أمراً بلا تعليل ، افعل وانتهى الأمر ، لا تحاور ، لا تناقش ، لكن الله سبحانه وتعالى هو الآمر ، هو المجيد ، هو القوي ، كن فيكون ، زل فيزول ، ومع ذلك يقول لك : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " [البقرة:183] أعطاك التعليل .
" خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ " [التوبة:103] .
مجيد ، آمر ، ناهي ، عظيم ، كن فيكون ، زل فيزول ، ومع ذلك ، مع أنه مجيد هو حميد " الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ " ، " الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ " ، " حَمِيدٌ مَجِيدٌ " ، " الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ " .
5 ـ الحكيم : أيضاً هذا الاسم اقترن باسم الحكيم ، في قوله تعالى : " لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ " [فصلت:42] أي أنك إذا تأملت في أفعاله تحمد حكمته ، فكل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، كل شيء وقع أراده الله ، لأنه لا يليق أن يقع في ملك الله ما لا يريد ، وكل شيء أراده الله وقع ، هذه الإرادة بمعنى السماح متعلقة بالحكمة المطلقة ، أي أن الذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً ، أو أن الذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله ، هذه الحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق .
ففي العالم المادي الشيء الذي وقع قد يكون شراً نسبياً لكن لأن الله سمح به ورآه خيراً ، علمه من علمه وجهله من جهله ، قال تعالى : " وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " [السجدة:21] .
ورود اسم الحميد في السنة الشريفة :
أما هذا الاسم في السنة الصحيحة فقد ورد عند البخاري من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه أنه قال : " سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت ؟ قال : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيب ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد " .
هذا القسم من هذا الدرس أين ورد هذا الاسم في القرآن مفرداً ومقترناً في الكتاب وفي السنة .
معاني الحميد في اللغة :
أما في اللغة " الحميد " أيها الأخوة ، صيغة مبالغة لاسم الفاعل ، هذه الصيغة على وزن فعيل ، حميد ، فعيل ، كريم ، جريح ، على وزن فعيل ، هذا الوزن بمعنى اسم المفعول جريح أي مجروح ، حميد أي محمود ، المعنى الدقيق لهذا الاسم محمود ، وزن فعيل يعني معنى اسم المفعول ، كأن تقول جريح مجروح ، حميد محمود ، الفعل حمد يحمد حمداً الحمد نقيض الذم ، يحمد ويذم ، والحمد بمعنى الشكر ، هناك معنى آخر هو المكافأة على العطاء ، الشكر والثناء والمكافأة على العطاء .
لكن أيها الأخوة ، الحمد والشكر متقاربان ، لكن الحمد أعم من الشكر ، إنك تحمد في الإنسان صفاته الذاتية ، ما شاء الله ! طويل القامة ، صبوح الوجه ، لكن لا تشكره على ذلك ، الشكر مقابل عمل صالح ، هناك فرق بين الحمد والشكر مع أنهما مقترنان ومتقاربان لكن الحمد أعمّ من الشكر ، تحمد الإنسان على صفاته الذاتية ، وعلى عطائه ، ولا تشكره على صفاته .
الآن يقال : فلان محمود إذا حُمد ، ومحمد إذا كثرت خصاله المحمودة ، هي بالأساس حميد اسم مبالغة ، صيغة مبالغة لكن محمد مبالغة المبالغة ، يقال للإنسان حميد إذا حمدته على أفعاله ، أما إذا كثرت خصاله الحميدة فهو محمد ، والنبي عليه الصلاة والسلام محمد ، هذا في اللغة .
الحميد المستحق للحمد والثناء وليس أحد إلا الله يستحق الحمد والثناء الحقيقيين :
كيف نفهم اسم " الحميد " في شأن الله عز وجل ؟ أولاً " الحميد " المستحق للحمد والثناء ، وليس أحد إلا الله يستحق الحمد والثناء الحقيقيين .
يعني الإنسان أحياناً له أم تحبه ، يحبها ، يحمدها ، لكن لولا أن الله أودع في قلب الأم محبة ابنها ما أكرمته ، فهذا الحمد الموجه إلى الأم هو في الحقيقة موجه إلى الله .
" الحميد " هو المستحق للحمد والثناء ، والله عز وجل حمد نفسه ، وقال في الفاتحة التي تقرأ في اليوم عشرات المرات : " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " [الفاتحة] .
المؤمن يرى النعم من الله تعالى وغير المؤمن يعزو النعم إلى غير الله :
هناك ملمح دقيق : الحمد معروف ، وكل إنسان يعرفه ، يعني إنسان يتمتع بصحة جيدة ، الصحة نعمة كبيرة ، يتمتع بدخل يغطي نفقاته نعمة كبيرة ، له بيت نعمة كبيرة ، له زوجة نعمة كبيرة ، له أولاد نعمة كبيرة ، في رأسه عقل تفوق باختصاص يدر عليه مبلغاً كبيراً نعمة كبيرة ، لكن الفرق بين المؤمن وبين غير المؤمن ، المؤمن : الحمد لله ، أما قارون قال : " إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي " [القصص:78] .
الفرق بين المؤمن وغير المؤمن ، المؤمن يقول : الحمد لله ، هذا شيء واقع وحقيقي وعلمي وموضوعي ، أما غير المؤمن يقــول لك بتعبي ، بكد يميني وعرق جبيني ، بأموالــي الطائلــة ، بأسرتي العريقــة ، بمنصبي الرفيــع " إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي " .
الفرق الدقيق بين المؤمن وبين غير المؤمن أن المؤمن يرى هذه النعم من الله ، بينما غير المؤمن يعزو هذه النعم إلى غير الله ، يعني المؤمن مع المنعم ، وغير المؤمن مع النعمة ، أما النعمة موجودة .
مرة حدثني أخ قال لي : دُعيت إلى حفل في فندق من أرقى الفنادق ، يعني دولة تقيم بعيدها الوطني حفل استقبال ، ومأدبة عشاء ، قال لي : المدعوون على اختلاف مللهم ، ونحلهم ، وانتماءاتهم ، وأفكارهم ، وأعراقهم ، وأنسابهم ، واتجاهاتهم ، وتياراتهم ، من كل أطياف المجتمع ، أما هذا الطعام النفيس الذي قدم لهم قاسم مشترك بينهم جميعاً ، يعني المؤمن يأكل طعاماً ويستمتع به ، والكافر يأكل طعاماً ويستمتع به ، والعاصي يأكل طعاماً ويستمتع به ، والفاجر يأكل طعاماً ويستمتع به ، النعمة موجودة .
بالعكس العالم الغربي استطاع أن يستغل النعم التي خلقها الله في أعلى مستوى ، لا يوجد مجتمع استفاد من نعم الله كما استفاد العالم الغربي ، فهو مع النعمة ، أما المؤمن مع المنعم ، هذا الفرق .
أنت معقول تُدعى لبيت مائدة فيها ما لذّ وطاب ، أثاث فخم ، مقبلات ، عصير ، ورود ، كل أنواع الإكرام معقول تأكل وتمشي ؟ لا تقول لصاحب هذه المأدُبة جزاك الله خيراً شكر على هذه الدعوة .
الله عز وجل يريد من كل إنسان أن يكون مع المنعم لا مع النعمة :
المؤمن كريم ، يشكر المنعم ، أما غير المؤمن لئيم يستمتع بالنعمة وكفى .
مرة كنا نقدم قطعة حلويات لكل طفل جاء مع أبيه للمسجد تشجيعاً له ، لاحظ الأطفال أنواع منوعة ، طفل يمتنع عن أخذها عفة ، لولا أن أباه يجبره على أخذها لما أخذها ، طفل آخر يأخذها بسهولة ، لكن يشكر المعطي عليها ، هذا مستوى أرقى ، الأول أرقى ، العفيف أرقى شخص ، الأقل منه يأخذها بسهولة لكنه يشكر المعطي ، الثالث عينه على هذه القطعة يأخذها ويمشي دون أن يقول كلمة ، الرابع يحتال يأتي مرتين أو ثلاثة .
أنت كمؤمن علاقتك مع المنعم ، هناك إنسان يشكر الله ، دخل إلى بيته الحمد لله الذي آواني وكم من لا مأوى له ، أمامه زوجة تعتني به ، أي معتنية بهندامه ، الطعام جاهز ، عنده أولاد أبرار ، يرى نعم الله عليه كثيرة ، وما دمت تشكر هذه النعم لا تتوقف ، تستمر ، وبالشكر تدوم النعم .
المخلص في قوله تعالى : " الْحَمْدُ لِلَّهِ " أي أن الله يريدك أن تكون مع المنعم لا مع النعمة ، مع النعمة لؤم ، لكن مع المنعم كرم .
الله عز وجل محمود على ما خلق وشرع ووهب ونزع :
لذلك قال بعض العلماء : الله جلّ جلاله المحمود ، وحميد ، حميد يعني محمود ، محمود على ما خلق وشرع ، خلق الإنسان ، خلق له زوجة ، أولاداً ، شمساً ، قمراً ، ليلاً ، نهاراً ، نجوماً ، أطياراً ، أسماكاً ، سماء زرقاء ، أرضاً خضراء ، بحاراً ، بحيرات ، مياهاً عذبة ، أنهاراً ، ينابيع ، يحمد الله على ما خلق ، وشرع الصيام ، وشرع غض البصر ، وشرع الصدق والأمانة ، وشرع الزواج ، وحرم الزنا ، أي شرع التجارة وحرم السرقة ، يحمده على ما خلق وشرع ، ووهب ونزع .
" قُـلِ اللَّهُـمَّ مَـالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْـكَ مَنْ تَشَـاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِـزُّ مَنْ تَشَــاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَــاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ " [آل عمران:26] وضر ونفع ، يضر لينفع ، يأخذ ليعطي ، يبتلي ليجزي ، يخفض ليرفع ، يذل ليعز .
إذاً محمود على ما خلق وشرع ، ووهب ونزع ، وضر ونفع ، وأعطى ومنع .
إحدى بنات النبي توفي ابنها ، فأرسلت تخبره ، فكان يقول : " إن للهِ ما أَخذَ ، وله ما أعطى " [البخاري ومسلم] أخذ وأعطى ، وعلا بذاته وشأنه فارتفع ، وأمسك السماء عن الأرض أن تقع ، وفرش الأرض فانبسط سهلها واتسق ، حمد نفسه ، وحمده الموحدون ، فله الحمد كله ، هذا معنى اسم " الحميد " .
الله عز وجل محمود على طاعات العباد ومعاصيهم وإيمانهم وكفرهم :
أحد العلماء الكبار شرح هذا الاسم شرحاً لطيفاً من المناسب أن أنقله إليكم ، قال ابن القيم : الحمد كله لله رب العالمين ، فإنه المحمود على ما خلق ، والمحمود على ما أمر به ، والمحمود على ما نهى عنه ، فهو المحمود أيضاً على طاعات العباد ومعاصيهم ، كيف على معاصيهم ؟ يعني هناك شهوة مستحكمة ، هذه الشهوة أصبحت حجاباً بين العبد وربه ، فالله عز وجل يسمح له أن يطلقها كي يرتاح ثم يؤدبه .
إذاً محمود على طاعات العباد ، وعلى معاصيهم ، وعلى إيمانهم ، وعلى كفرهم ، أعطاهم حرية الاختيار ، المحمود على وجود الأبرار والفجار ، كان من الممكن أن يكون الفجار في كوكب آخر ، أو في قارة أخرى ، أو في حقبة أخرى ، لكن شاءت حكمة الله أن نجتمع معاً في كل العصور ، لماذا ؟ لأن الحق لا يقوى إلا بالتحدي ، ولأن أهل الحق لا يستحقون العطاء بالآخرة إلا بصمودهم أمام أهل الباطل ، الحق والباطل معهم معركة أزلية أبدية ، هذا قدرنا ، يوم القيامة نحمد الله على أننا كنا في الأرض مع أهل الباطل ، وقد تعبنا منهم ، وأتعبونا ، وضغطوا علينا ، واحتلوا ، واجتاحوا ، وأساؤوا ، وظلموا ، وقهروا وكانوا سبب عودتنا إلى الله .
" إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ " [القصص:4-6] إذاً وهو المحمود على وجود الأبرار والفجار ، والملائكة الأخيار ، والمحمود على إرسال الرسل ، ووجود أعدائهم .
الله عز وجل محمود على فضله وإنعامه على أوليائه :
يأتي إنسان يؤلف كتاباً فيه شبهات حول الإسلام ، الكتاب يثير ضجة كبيرة طلاب العلم يلجؤون إلى علمائهم ، هذا الكتاب على أنه ضلالات يعمل حركة بالبلد ، شدد من توثيق العلم ، دفع الطلاب إلى علمائهم ، اجتهد العلماء في الرد عليه ، هذا شأن إبليس نشاطه في إضلال الخلق لكن في المآل ، هذا النشاط يعود بالخلق إلى ازدياد إيمانهم وتعلقهم بربهم .
إذاً محمود أيضاً على عدله في أعدائه ، كما هو محمود على فضله وإنعامه على أوليائه ، كل ذرة من ذرات الكون شاهدة بحمده ، ولهذا : " تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ " [الإسراء:44] .
الله عز وجل حميد يحمده عباده الموحدون :
الآن الله عز وجل حميد ، يحمده عباده الموحدون ، لأنهم يعلمون أن الله خلق الدنيا للابتلاء ، إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء ، ومنزل ترح لا منزل فرح ، فمن عرفها لم يفرخ لرخاء ، ولم يحزن لشقاء ، قد جعلها الله دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عقبى ، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً ، فيأخذ ليعطي ، ويبتلي ليجزي .
إذاً حميد يحمده عباده الموحدون لأنه يعلمون أن الله خلق الدنيا للابتلاء ، وخلق الآخرة للجزاء ، يحمدونه على السراء والضراء .
الله تعالى خلق الدنيا للابتلاء والآخرة للجزاء فالعاقل من حمده في السراء والضراء :
" عَجَبا لأمر المؤمن ! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر ، فكان خيراً له ، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر ، فكان خيراً له ، وليس ذلك لغير المؤمن " [مسلم] .
يحمدونه ويوحدونه في العبادة والاستعانة والدعاء ، حتى يكرمهم بجنته عند اللقاء إن ابتلاهم صبروا ، إن أنعم عليهم شكــروا ، لذلـك قــال الله في وصفهـم : " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ " [الأعراف:43] شخص درس جامعة ، وأخذ شهادة عليا ، وجاءه دخل وفير مرّ بعد عشرين سنة أمام الجامعة قال : الفضل لهذه الجامعة التي تربيت فيها ، وتعلمت فيها ، وهذا الدخل الذي جاءني الآن بفضل هذا الاختصاص ، يعني مثلاً يذكر النعم ، وفي آية ثانية : " وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ " [فاطر:34] .
في الدنيا هناك كبر ، هناك مرض ، هناك هم ، هناك زوجة سيئة ، هناك ابن عاق ، هناك اجتياح ، هناك ضغوط ، هناك حصار ، هناك جفاف ، هناك غلاء أسعار ، أما في الآخرة " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ " [فاطر:34] .
والحمد لله رب العالمين