اسم الله المؤمن 2
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى صاحبته الغر الميامين .
معاني اسم ( المؤمن ) :
المعنى الأول :
أيها الإخوة الكرام لا زلنا في اسم ( المؤمن ) وفي اللقاء السابق بينت بفضل الله عز وجل أحد معاني هذا الاسم .
المعنى الثاني :
وأن ( المؤمن ) الذي يؤمن عباده من أن يُظلموا ، وأن ( المؤمن ) هو الذي يجير المظلومين من ظلم الظالم .
المعنى الثالث :
واليوم نتحدث عن معنًى ثالث ، المعنى الثالث كما قلنا في لقاء سابق : الإيمان هو التصديق وأن اسم الله (المؤمن) يعني أن الله يصدق وعده ؛ أي يحقِّقه .
وقوع وعود الله للمؤمنين الدنيوية والأخروية من لازم اسم ( المؤمن ) :
فإذا عاش المؤمن حياة طيبة معنى ذلك أن الله مؤمن ، وقد صدق وعده، قال الله عز وجل : " فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى " [طه:123] .فالمؤمن حينما لا يضل عقله ، ولا تشقى نفسه ، ولا يخشى مما هو آت ، ولا يندم على ما فات ، هذا الذي حصل له بفضل اسم ( المؤمن ) لأن الله صدّق وعده ، والله عز وجل قال : " فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ " [إبراهيم:47] إذا وعد المؤمنين بالنصر لزوال الكون أهون على الله من ألاّ يحقق وعوده للمؤمنين .
وعدهم بالاستخلاف ، وعدهم بالتمكين ، وعدهم بالاطمئنان ، وزوال الكون أهون على الله من ألاّ يحقق وعوده للمؤمنين . وعد نبيه ومن آمن معه بالجنة ، فإذا دخل المؤمنون الجنة يقولون : " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ " كما في الدنيا ، وفعلنا في الدنيا أسباب دخول الجنة : " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ "أيها الإخوة ، في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن الصحابة الكرام كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " يَا رَسُولَ اللَّهِ ، صَدَّقَ اللَّهُ حَدِيثَكَ " [متفق عليه]أحياناً المؤمن في الدنيا يصف لإنسان ما ينتظره لو تاب إلى الله، بعد حين يقول له : والله صدقت ، والله أنا في جنة ، والله كانت هموم كالجبال تجثم على صدري ، فلما تبت إلى الله أزيحت عني .
القضية قضية التصديق ، يوم الأحزاب قال عليه الصلاة والسلام : " صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ " [متفق عليه] .
تخلُّفُ تحقُّقِ بعضِ وعود الله سببُه عدمُ دفعِ ثمنِها :
فأصغى إلي إصغاء يفوق حد الخيال ، قال : ما معنى هذا الكلام ؟ قلت : مستحيل وألف ألف مستحيل أن يسوق الله لعبد شيئاً يزعجه ، أو يؤلمه ، ما دام مستقيماً على أمره ، والدليل هذه الآية : " مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ "لذلك بعد هذا الكلام اهتم اهتماماً كبيراً ، وأخرج من جيبه ورقة ، وبدأ يكتب ، قال لي : ماذا تأمرني أن أفعل ؟ ذكرت له أداء الصلوات بأوقاتها ، غض البصر ، ضبط اللسان ، ضبط العين ، ضبط الأذن ، ذكرت له فيما أذكر قريبا من أربعين بندا ، كتبها كلها ، من شدة ألمه من هذا المرض ، هذا المرض كاد يحطمه ، والله بعد أن خرج شعرت أنني تورطت ، كيف تورطت ؟ لعلها أذية لا تُشفى ، أنا وعدته أنه إذا استقام على أمر الله تزول هذه الأذية ، وكان لي درس يوم الجمعة ، وفي أول جمعة له يأتي ويقول لي : الحمد لله ، هذا أول أسبوع في حياتي لم أُصَب بأية نوبة ، والله كأنني ملكت الدنيا ، قلت : يا رب إن شاء تسلم منه ، جاء الأسبوع الثاني وقال لي : أيضاً هذا الأسبوع لم أصب بأية نوبة ، أذكر أنه جاء في أسبوع رابع ، وأنا لا أصدق ذلك من الفرح ؛ أن الذي ذكرته له مؤيد بكلام الله ، الله عز وجل صدق هذا الكلام ، وأبعد عنه هذه النوبات ، في الأسبوع السادس لم يأتِ إلى الدرس ، قلت : لعله جاءته نوبة ، والله قلقت أشد القلق ، لكن في الأسبوع السابع جاء ، قال لي بالضبط : لا تقلق على مبدئك ، أنا أخطأت مع الله ، في هذا الأسبوع أخطأت ، فجائي نوبة في الطريق .معنى ( المؤمن ) أن تأتي وعوده محققة ، وتأتي أفعاله مصدقة لوعوده ، فإذا وعدك الله بحياة طيبة ، وعدك برزق وفير ، وعدك بحياة آمنة ، وعدك بالسكينة ، وعدك بالحكمة ، هذه الوعود لزوال الكون أهون على الله من ألاّ تحقق هذه الوعود ، لكن إن لم تُحقَّق فنحن السبب ، يجب أن نتهم أنفسنا ، الله غني عن تعذيبنا ، والآية واضحة : " مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً " [النساء:147] .
أيها الإخوة ، هذا معنًى من معاني اسم ( المؤمن ) .
المعنى الرابع :
عندنا معنى آخر : من الأمن ، أي أن الله عز وجل يهبك الأمن ، كيف ؟ هذا بحث طويل :
تثبيتُ الله لقوانين الكون يعطي الأمن والاطمئنان :
يكفي أن خصائص المواد ثابتة لتعطينا الأمن ، أنت ساكن في بيت في الطابق العاشر ، والبناء من الإسمنت والحديد ، لو أن الحديد غيّر صفاته لانهار البناء ، ما الذي يهبك الأمن ؟ لأن الحديد خصائصه ثابتة ، لأن الإسمنت السنتمتر المكعب يتحمل من قوى الضغط 550 كغ ، أما على قوى الشد فلا يتحمل خمسة كغ ، فلا بد من إسمنت مسلح بالحديد ، لو أن الحديد يبدل خصائصه لانهار البناء .
تشتري سبيكة ذهب فتدخرها لأيام العوز ، لو أن الذهب يبدل خصائصه لفقدتَ 500 ألف ليرة ، أو مليون ، وهو ثمن السبيكة تقريباً .
ثبات الخصائص شيء رائع جداً ، ثبات قوانين الكون يعطي الاطمئنان ، فهناك شروق يومياً ، والشمس ثابتة ، وكذا دورة الأفلاك ، والقمر ، والشمس ، والليل ، والنهار ، خصائص المواد ، كلها ثابتة ، خصائص البذور ، تزرع مادة فتنتج مادة أخرى ! هذا مستحيل ! لثبات القوانين ، قوانين التمدد ، قوانين السقوط ، قوانين الانحلال الفيزيائي ، كل القوانين ثابتة ، لماذا هي قوانين ؟ لأنها مطَّردة وشاملة ، ثبات حركة الأرض والأفلاك ، ومن الممكن أن تقول : في عام 2080 الشمس تشرق في 17 من آذار الساعة 5 و3 دقائق ، ما هذه الدقة ؟ ما هذا الثبات في حركة الأرض والشمس ؟ .
الأرض تسير حول الشمس بمسار إهليلجي ، ما الذي يبقيها على مسارها ؟ المسار إهليلجي ، هناك قطر أكبر ، وقطر أصغر ، من معلوماتكم البديهية أن قانون الجاذبية كلما قلَّت المسافة ازداد الجذب ، فإذا وصلت الأرض إلى القطر الأصغر قلَّت المسافة ، إذاً هناك احتمال أن تنجذب الأرض إلى الشمس ، وإذا انجذبت إلى الشمس تبخرت في ثانية واحدة ، وانتهت حياتنا ، ما الذي يبقي الأرض على مسارها ؟ أن الله يرفع سرعتها ، في هذا المكان ترفع السرعة ، فينشأ من رفع السرعة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة فتبقى على مسارها .
رفعها بعمد لا ترونها ، قوى التجاذب أعمدة ، لكن لا نراها ، بل نمشي خلالها .
لذلك أيها الإخوة ، الله عز وجل من أسمائه ( المؤمن ) أي وهَبَ الأمن ، أمنك بحركة الأفلاك ، أمنك بثبات خصائص المواد ، أمنك بالنظم الثابتة ، أمنك بثبات القوانين هذا كله يهب الأمن .
هناك طبيب يدرس في أمريكا ، عيِّن بعقد عملٍ في الخليج ، يأتيه مريض من الهند ، يستخدم دواء صنع في الصين ، كيف هذا ؟ لولا أن بنية الإنسان التشريحية واحدة ، من آدم إلى يوم القيامة ، مكان الشريان بالميليمتر ، مكان العصب ، لو أن إنسانًا له بنية تشريحية خاصة لم يكن ثمة طب أساساً ، فما أسباب وجود علم الطب ؟ وجود بنية تشريحية ثابتة ، وخصائص فيزيولوجية ثابتة في الإنسان ، ولولا ثبات خصائص الإنسان ، ثبات البنية التشريحية ، ثبات الوظائف الفيزيولوجية ما كان الطب أساساً .
ثبات حقائق القرآن على مدى العصور سببٌ للأمن العقدي :
أحياناً عندك أمن عقدي ، هذا شيء دقيق .
مرة في رئيس وزارة ببلد أوربي انتحر ، وهو مِن أعرقِ الأُسَر ، وما اتُّهِم لا بفضيحة أخلاقية ، ولا فضيحة مالية ، وانتحر ، أكثر من مئة صحفي بحثوا عن أسباب انتحاره ، ثم تبين لواحد منهم كان يؤمن بأنه لا إله ، أن الإله موجود ، فاحتقر نفسه كيف اعتقد عقيدة لسبعين عاماً لا أصل لها ، فانتحر .
أنت كمؤمن مسلم أيّة آية في كتاب الله لا يمكن أن يظهر حدث في الأرض ينقض هذه الآية ، عندك أمن عقدي ، لأنه كلام الله ، العلم تطورَ تطورا مذهلاً ، في الخمسين عامًا الأخيرة التطور يساوي ما كان من تطور من آدم إلى قبل خمسين عاما ، الآن يسمون التطور حركة انفجارية ، كنا بسلسلة حسابية ، بسلسلة رياضية ، الآن بسلسلة انفجارية ، تطور مذهل ، ومع ذلك هل ظهر شيء في هذا التطور ينقض القرآن الكريم ؟ هل رأيت آية لم تقع ؟ هل رأيت حديثاً صحيحاً لم يقع ؟ فأنت في عندك ما يسمى بالأمن العقدي .
أنت قرأت كتاب الله ، هو من عند خالق الأكوان ، وهذا الكتاب هو الذي أعطاك هذا الأمن ، ما في حياتك مفاجآت تزلزلك ، كل إنسان كان يعتقد مذهبًا ثم سقط هذا المذهب ، ينهار الإنسان معه ، مبدأ اعتنقته كل حياتك تكتشف أنه باطل ، لا أصل له ، هذه مشكلة كبيرة .
المؤمنون والفضل لله الكبير معافون من هذا الاضطراب ، وليس في كتابهم ما يمكن أن يُنقَض ، بل إن كل الأحداث التي تأتي تؤكّد ما في كتابهم .
الاتحاد السوفيتي قبل أن ينهار حرّم الخمر ، لماذا حرم الخمر ؟ لأنها تضر بالمجتمع ، الآن هناك اتجاه بأمريكا بفصل الطلاب عن الطالبات في الجامعات ، لا لأسباب دينية إطلاقاً ، بل لأسباب اجتماعية ، وأسباب علمية .
الآن العالم يقترب من الدين لا عن عبادة ، ولكن عن مصلحة ، لذلك أيها الإخوة ، معنى أن الله ( المؤمن ) منحك أمناً عقدياً .
عندنا شيء آخر ، أن الله ( المؤمن ) بذاته العلية ( المؤمن ) بصفاته المطلقة ( المؤمن ) بأفعاله الحكيمة ، لذلك يسوق الشدائد لعباده كي يحملها على التوبة والصلح معهم ، كي يسلموا ويسعدوا .
أحيانا يقول لك إنسان : أنا حسب كلامك أبقى معك ، أنت تخاف ألاّ يكون عندك إمكانيات لتلبي له طموحاته ، فتقول له : لا ، ابحث عن عمل آخر ، لست مؤمنا بذاتك أنك تستطيع أن تحقق طموحات هذا الإنسان ، تقول : لا ، ابحث عن عمل آخر ، أنا عندي هذا الراتب وليس أكثر منه ، لكن إذا كانت أمواله فلكية ، ورآه أهلا لأن يكون معه ، قال له : كل طموحاتك عندي .
معنى (المؤمن ) مؤمن بذاته العلية ( المؤمن ) بصفاته الكاملة المطلقة ( المؤمن ) بأفعاله الحكيمة .
التطبيق العملي لاسم ( المؤمن ) :
أيها الإخوة ، لكن الذي يعنينا من هذا الدرس التطبيق العملي .
1 – مطابقة الأفعال للأقوال ، والسر بالعلن :
أيها الإخوة ، إن أردت أن تتخلق بهذا الكمال فيجب أن تأتي أقوالك مصدقة لواقعك ، قال لك : اكذب ، الكذب يعطي الناس القلق منك ، لكن ينبغي أن تأتي أقولك مصدقة لواقعك ، وينبغي أن تأتي أفعالك مصدقة لأقوالك ، حينما لا يجد من حولك مسافة بين أقوالك وأفعالك ، وبين أقوالك وأفعالك يطمئنون إليك ، فلان لا يكذب ، شيء مهم جداً ، لمجرد أن يكذب الإنسان فقد أفقد مَن حوله الأمن ، يقولون عنه : غدّار ، له موقف معلن وموقف مبطن ، له ظاهر وله باطن ، له شيء يقوله ، وهو غير صادق به ، وشيء يخطط له ، أما حينما تستوي أقوالك مع أفعالك ، وتأتي أفعالك مصدقة لأقوالك فقد منحت مَن حولك الأمن ، وتخلقت بكمال الله .
2 – أن تهَب الناس الأمن والاطمئنان :
شيء آخر : يجب أن تهب الأمن لمن حولك ، أنت طبيب ، أو محامٍ ، أو مدرس ، أو مهندس ، أو مدير جامعة ، أو مدير مستشفى ، يجب أن تكون واضحاً جداً ، لأن وضوحك يهب الأمن لمن حولك ، أما مَن له ظاهر وباطن ، فهو غدار ، له أساليب ملتوية .
يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب
***
أحيانا يقول لك إنسان : هل أنت متأثر مني ؟ لا ، إن كنت متأثراً منك أقول لك مباشرة ، أنا لا أسلك أساليب ملتوية ، ما دامت ساكتاً فأنا راضٍ عنك ، منحته الأمن ن عندك موظف ، عندك ابن ، عندك زوجة ، تقول لها : أريد أن أطلقك ، أعطِها الأمن ، لكن هو لا يعطيها الأمن ، دائماً يجعلها في حالة قلق ، فإذا كنت مؤمناً ، وتخلقت بكمال الله يجب أن تمنح مَن حولك الأمن .
لا تكِل بعدة مكاييل ، وما من عمل أحقر عند الله وعند الناس مِن أن تكيل بمكيالين ، اجعل المكيال واحداً ، لمجرد أن تتوهم أن لك ما ليس لزوجتك ، أو أن عليها ما ليس عليك ، فأنت عنصري ، و كِلت بمكيالين ، فتتحدث أنت عن أمها كما تشاء ، وإن تكلمت هي عن أمك كلمة تقيم عليها الدنيا ، هذا كيل بمكيالين ، لا تكل بمكيالين ، لا تحاسب قبل أن تبين ، لكن بيِّن ثم حاسب ، ولا محاسبة من دون تكليف ، إذا كان هناك شيء لم يعجب الرجلَ من زوجته أقام عليها الدنيا ، ما بيّن لها ، بيِّن لها ما تحب وما تكره ، بيّن لها أن هذا العمل لا يجوز ، لا أقبله منك .
ومِن أكمل هذا الموقف أشعِرْ مَن حولك ، أو أشعر كل واحد حولك أنه أقرب الناس إليك ، وهذا من صفات النبي عليه الصلاة والسلام ، ما من صحابي إلا كان يشعر أنه أقرب الناس إلى النبي .
أعطِ الأمن لمن حولك ، وشرُّ الخَلق مَن اتقاه الناس مخافة شره .
أيها الإخوة الكرام ، هذا اسم عظيم ، اسم ( المؤمن ) مؤمن بذاته ، منحك الأمن ، منحك المصداقية ، حقق كل وعوده لك ، عليك أنت أيضاً أن تتخلق بهذا الكمال العظيم ، فتكون واضحاً ، وتضع قواعد ثابتة للتعامل معك دون أن تكيل بمكيالين .