مشروعية الزينة وتطيب النبي-صلى الله عليه وسلم-
الزينة في اللغة:
الزَّين خلاف الشّين، وزانه زيناً أي جمله وحسنه، و الزينة: ما يُتزين به فهي اسم جامعٌ لكل شيء يُتزين به. انظر المفصل في أحكام المرأة: لزيدان (3/347).
الزينة في الاصطلاح الشرعي:
قال تعالى: { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } (سورة الأعراف:32)
قال الزمخشري والآلوسي: المراد بالزينة في الآية الكريمة اللباس وكل ما يُتجمل به. (المصدر السابق).
- من الأمور والأشياء التي لا ينكرها عقل أن الإسلام دينُ النظافة، والطهارة، والنزاهة، و الجمال، ورمزهما، ومن تأمل كتاب الله - عز وجل - وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - يجد ذلك جلياً وواضحاً فكان من هدية - عليه الصلاة والسلام - الاعتناء بتزيين نفسه وتهذيبها، وكذلك الاعتناء بنظافة جسمه، وملابسه وشعره، وغير ذلك.. بأبي هو وأمي طاب حياً وميتاً، وما ذلك إلا لأنه يعلم علم اليقين بأن الله جميلٌ يحبُ الجمال فكان صلوات ربي وسلامه عليه يحبُ الأعمال التي تقربه إلى الله عز وجل وترفعه درجات عند مولاه، ومن ضمنها الاهتمام بالزينة والتزين لإرضاء خالقه عز وجل ولتربية الأمة الإسلامية على هذا الخلق العظيم، وهذه السجايا والصفات الطيبة والرفيعة.
مشروعية الزينة:
يقول الدكتور عبد الكريم زيدان: الزينة في الأصل مباحة بجميع أنواعها إلا ما خصصه الشرع وأخرجه عن درجة الإباحة، فقد جاء في تفسير الرازي أن جميع أنواع الزينة مُباحٌ مأذونٌ في استعماله إلا ما خصصه الدليل.. أي منعة ونهى عنه. (المصدر السابق).
الطـيــــــب
في اللغة: كل ما تستلذه الحواس، أو النفس؛ والطيب كلُ ما يتطيب به من عطر وعودٍ ومسكٍ وغيره.1 كان النبي - عليه الصلاة والسلام - يحب الطيب ويحرص عليه أشدَّ الحرص بل كان ينبعث عرف الطيب من يده فإذا مس رأس طفل بيده استمرت الرائحة معه حتى ليُعرف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر فلمسه بيده مما يجدون من طيبة... حتى أنَّ رائحته طيبة من غير تطيب، وذلك أمرٌ جائزٌ في العقل فقد اختصه الله بخواصٍ ليست في كل الناس2
ويؤيدُ هذا ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن سمرة - رضي الله تعالى عنهما -: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح خده قال: فوجدت ليده برداً وريحاً كأنما أخرجها من جؤنة3 عطار. وكان - صلى الله عليه وسلم - يُعرف منه ريح الطيب إذا أقبل. رواه مسلم - كتاب الفضائل - باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم ولين مسه والتبرك بمسحه. (4/1814) برقم 2329
وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يسلك طريقاً فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرفه.4
قال إسحاق بن راهوية: أنّ تلك كانت رائحته بلا طيب - صلى الله عليه وسلم -.5
بل كان له - عليه الصلاة والسلام - سُكة يتطيب منها، فعن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه -: كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُكة يتطيب منها، ومعنى السُكة: طيب مجموعَ من أخلاطٍ، ويحتمل أن يكون وعاءً لذلك.6أنظر صحيح أبي داود 2 برقم 3508 الألباني
وكان - عليه الصلاة والسلام - يُحب التطيب بالعود، والمسك، والعنبر وغيرها. عن محمد بن علي قال: سألتُ عائشة - رضي الله عنها -: أكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتطيب ؛ قالت: نعم بذكارة الطيب7: المسك والعنبر.
وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم -: عدم رد الطيب إذا قُدِّم له أو أهدي إليه.
أخرج أبو داود والنسائي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من عُرض عليه طيبٌ فلا يرده فإنه طيب الريح خفيف المحمل، والحديث يدلُ على أن رد الطيب خلاف السُنة لأنه باعتبار ذاته خفيف لا يثقل حمله.8
أنظر صحيح أبي داود 2 برقم 3515
وكان الطيب من الأشياء المحببة جداً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن الأشياء التي كان يحضُ عليها.
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه قال -: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: حُبِّب إليَّ من دنياكم النساء والطيب، وجُعلت قرة عيني في الصلاة).9
والمتأمل لحال المسلمين في هذا الزمان يجد أن هذه السُنة قد غابت عند الكثير إلا من رحم الله - عز وجل – هناك من الناس من يأتي إلى المسجد أو إلى مقر عمله أو إلى أي مكان وإذا رائحته.. وشكله، وهيئته، وملبسه، يكاد ينفر منها الجميع، وهذه الظاهرة قد انتشرت وللأسف حتى على مستوى الملتزمين، والمثقفين، والمتعلمين، فأين نحن من أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - وآدابه عليه الصلاة والسلام.
والحقيقة أن الإنسان الحسن المظهر، وذا الرائحة الجميلة الطيبة يحبه الجميع ويألفونه، بل ويحبون مجالسته، والتحدث معه ولو لساعات طويلة بلا مللٍ ولا كللٍ والعامل هُنا نفسي، وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها.
وفي ختام هذا المبحث أوردُ لك أخي القارئ الكريم: بعضاً من الفوائد الصحية للطيب أشار إليها ابن القيم - رحمه الله تعالى – يقول:
لما كانت الرائحة الطيبة غذاء الروح، والروح مطية القوى، والقوى تزداد بالطيب، وهو ينفع الدِّماغ والقلب وسائر الأعضاء الباطنية، ويُفرح القلب، ويسر النفس، ويبسط الروح، وهو أصدق شيء للروح وأشده ملاءمة لها، وبينه وبين الروح الطيبة نسبة قريبة.
ويقول أيضاً:
وفي الطيب من الخاصية أن الملائكة تحبه، والشياطين تنفر منه، وأحب شيءٍ إلى الشياطين الرائحة المنتنة الكريهة، فالأرواح الطيبة تحب الرائحة الطيبة، والأرواح الخبيثة تحب الرائحة الخبيثة، وكل روح تميل إلى ما يُناسبها، فالخبيثات للخبيثين، والخبيثون للخبيثات، والطيبات للطيبين، والطيبون للطيبات. انظر زاد المعاد - ابن القيم - (4/279).
فـائـدة:
التطيب مستحب في أي وقت ويتأكد في الأوقات التالية:
- يوم الجمعة.
- في العيدين.
- عند الإحرام.
- عند حضور الجماعة.
- وحضور المحافل.
- عند قراءة القرآن.
- عند حضور مجالس العلم.
- عند الذكر.
(انظر كتاب – منتهى السول على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول – اللحجي (1/355).
1 - المفصل في أحكام المرأة – زيدان (3/365).ً
2- قبسات تربوية من السيرة النبوية- أبو غدة ص31.
3- منتهى السول إلى شمائل الرسول – اللحجي (1/349).
4- المصدر نفسه
5- المصدر السابق.
6- نفس المصدر ص 355-356.
7- المصدر السابق.
8- المفصل – زيدان (3/365).
9- تنبيه مهم: وقد اشتهر على ألسنة الناس حديث: (حبب إليّ من دنياكم ثلاث – النساء... إلخ). يقول شيخ الإسلام ابن حجر: إن لفظ ثلاث لم يقع في شيء من طرقه، وزيادته تفسد المعنى فإن الصلاة ليست من أمور الدنيا – ونقله الحافظ السخاوي في " المقاصد الحسنة " وأقره، أنظر المقاصد الحسنة – للسخاوي (293) دار الكتاب العربي.
مختارات