الطريق (بناء .. ابتلاء ..مواجهة ..تمكين )
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.. أما بعد..
أحبتي في الله..
من منَّا - كمسلمين محبين لربنا ولنبينا صلى الله عليه وسلم - لا يحلم بأن يُحكم فينا شرع الله تعالى؟
أن نجد مجتمعًا على نهج الحبيب صلى الله عليه وسلم ؟
أن يزول الظلم وتتحقق العدالة؟
أن تزول العنصرية وتتحقق المساواة؟
أن يقضى على الفساد وتسود الأخلاق والطهر؟
كثيرون من يحلمون هذا الحلم الجميل، وسلكوا في تحقيقه مسالك شتى، وباءت للأسف بعدم النجاح، وتشبث كلُ برايه وفق توصيفه للواقع وقراءته الخاصة، " ولكل وجهة هو موليها "
لكن هذا الحلم ظلت له عوامل وأسباب مفقودة نحتاج في هذه الوقفة مع النفس أن نحاول أن نصدق مع أنفسنا ونخلص ونتجرد بعيدا عن هياج الحماس وعن ضغوط اللحظة.
إن منهاج النبوة من مرحلة الاستضعاف إلى مرحلة التمكين قام على أسس واضحة.
البناء والابتلاء والمواجهة ثم التمكين.
ودائما كان القفز على هذه الأسس يؤدي للفشل الذريع.
ولو تأملتم سورة آل عمران وسورة القصص لوجدتم هذه المعاني واضحة جلية.
سورة آل عمران لماذا سميت هكذا؟ وتأتي السورة الثالثة بعد سورة الفاتحة ( ام الكتاب ) أو سمها المقدمة، ثم سورة البقرة التي محورها (هدي للمتقين) أو سمها معالم ومنارات الطريق، من الذي سيهتدي؟ من الذي على صراط مستقيم؟ ومن هم الغاوين.
ثم تأتي سورة آل عمران لتحدثنا على أمر (التمكين) كيف يسود الإسلام؟ كيف يتحقق الحلم؟
أولا: تسمى ( آل عمران) هذه الأسرة العابدة الفاضلة، أم متعلقة بالله، تنذر حملها لله، وأب يذكر اسمه دون وصفه يبدو صلاحه، ونبتة طاهرة تخرج لتكون من أكمل النساء، إنها مريم التي تعني في لغتهم (العابدة القانتة)، لتكون على موعد مع الابتلاء، تنجب طفلا بغير نكاح، لكن من الابتلاء والمحنة تأتي النصرة والمنحة، إنه المسيح عيسى عليه السلام وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين.
فهي نفس المعادلة، ابدأ بالإصلاح الذاتي، ثم أنذر عشيرتك الأقربين اجعلهم يتحملون رسالتك " الحلم " ليكون " واقعا " واصبر على البلاء والمحنة وسيأتي الفتح والنصرة.
ثانيا: تمضي السورة تشرح هذه المعادلة، حتى الآية المائة والعشرين التي تحكي خلاصة مرحلة الابتلاء " وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ "
ثم انظر في قوله تعالى: " وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " لاحظ " من أهلك " فبداية النصرة " من أهلك " يوم يتحملون معك " الحلم " بعد أن عاشوه داخل بيوتهم " واقعا " ثم تأتي " المواجهة " مع قوى الشر والظلم ليتحقق في نهاية الأمر " وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ "
ثالثا: لاحظ نفس المعادلة في سورة القصص، فبعد أن ذكر صراع الحق والباطل، بين موسى وفرعون، كانت أول لقطة في القصة " وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ "
البداية من هنا، من البناء التربوي، من أم صالحة يلهمها الله.
إن الحلم لن يتحقق إلا بإقامة العبودية في الأرض بمعنى الكلمة " يعبدونني لا يشركون بي شيئا "
إقامة الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقا وسلوكا.
يوم يتحول كل مسلم لصاحب قضية اسمها الإسلام والشريعة، على منهاج المصطفى صلى الله عليه وسلم، بدون تبديل أو تحويل أو تزييف أو ترقيع أو تقديم تنازلات تحت مسمى المتاح أو الضرورة الملجئة.
وقفة مع النفس:
(1) ألم تظهر الأحداث زيف المسار السياسي حتى يصرح بعض المشايخ بأن السياسة لابد فيها من تنازلات؟
(2) ألم تظهر الأحداث أسوأ ما فينا: لا نحسن العمل في فريق، بسبب التعصب الأعمى أو إعجاب كل ذي رأي برأيه؟
(3) أليست أخلاقنا - حتى في المحنة - دليلا واضحا على عدم التأهل لأن نكون جيل التمكين بحق؟
ألا ترون سوء الظن بالمسلمين؟
ألا ترون قبيح الاتهام على النوايا دون تثبت؟!
ألا ترون لغة التخوين، ولغة السباب والشتائم بألفاظ نابية، لغة الحدة لدرجة الاتهامات القبيحة إذا اختلف في توصيف الواقع
هل هذه أخلاااااااااااااااااااااااق للتمكين؟!!!
نبدا من هنا، ولا يشغب بعضنا على بعض، ونسير في مسارات متآلفة، ونعيد البناء، ونواجه الابتلاء، فيتحقق " الحلم "
مختارات