اسم الله المؤمن 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( المؤمن ) :
أيها الإخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، والاسم اليوم هو (المؤمن) .
1 – ورودُ اسم ( المؤمن ) في القرآن الكريم :
وقد ورد هذا الاسم في القرآن الكريم في موضع واحد في الآية الكريمة : " هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ " [الحشر:23] .
2 – معنى ( المؤمن ) :
كلمة مؤمن اشتقاقاً هي اسم فاعل مِن آمَن ، يؤمن ، فهو مؤمن ، أما الثلاثي : أمِن يأمن ، آمن .
ماذا تعني بالضبط كلمة مؤمن ؟ تعني كلمة مؤمن المصدق ، آمن أي صدّق ، وتعني كلمة مؤمن الذي ينفذ الأمر بحذافيره ، صدق الآمر فأتمر ، صدق الآمر في أمره فأتمر ، هذا من أوجَه معاني كلمة مؤمن ، والدليل قوله تعالى : " وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ " [يوسف:17] أي ما أنت بمصدق " لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ " .
فالمؤمن هو المصدق ، والمؤمن المنفّذ ، والدليل الحديث الشريف في البخاري :
" أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ " [متفق عليه] .
أيها الإخوة ، المعاني كثيرة ، لكن أوجَه معنى لكلمة مؤمن أنه صدق وأطاع ، صدق عقيدة ، وأطاع عملاً ، المنطلق النظري صدق أن هذا حق ، والتطبيق العملي نفذ هذا الأمر .
من لوازم السماع التطبيق :
لكن في القرآن الكريم ملمح دقيق في قوله تعالى : " وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ " [الأنفال:21] .
فمن لوازم السماع عند الله التطبيق : " وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ " .
شاهد آخر : " إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا " [التحريم:4] .
علامة صحة السماع الحركة ، التطبيق :
" إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا "
" وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ "
قانون هام : إدراك ـ انفعال ـ سلوك :
للتوضيح : لو أنك قلت لواحد من الناس : على كتفك عقرب ، فبقي هادئاً ، والتفت نحوك ، وابتسم ، وقال لك : أشكرك على هذه الملاحظة ، وأسأل الله أن يمكنني أن أكافئك عليها ، هل سمع ما قلت له ؟ ما سمع إطلاقاً ، لو سمع ما قلت له لقفز ، وصرخ ، وخلع معطفه .
فلذلك بعض العلماء يرى أن علاقتك بالمحيط وفق هذا القانون ، إدراك ، انفعال سلوك ، فإن سمعت كلاماً ، ولم تدرك فحواه ثم لا تنفعل ، وإن لم تنفعل لا تتحرك ، هناك قانون دقيق جداً .
أوضح مثل لهذا : كنت تمشي في بستان فرأيت ثعباناً ، علامة صحة إدراكك انفعالك الشديد ، والخوف ، والصراخ ، علامة صحة إدراكك انفعالك ، وعلامة صحة انفعالك إما أن تقتله ، وإما أن تهرب منه ، فانفعال بلا حركة انفعال كاذب ، وإدراك بلا انفعال إدراك كاذب ، تدرك فتنفعل فتتحرك .
إذا أدرك أحدنا حقيقة يوم القيامة ، وأن كل عمل تعمله سوف تحاسب عليه لا يمكن إلا أن تطيع الله ، لكن فينا ضعف في الإدراك ، يلزمه ضعف انفعال ، يلزمه ضعف تطبيق :
" إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا "
" وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ "
التكذيب العملي أخطر من التكذيب بالقول :
أيها الإخوة ، مثل آخر : زرت طبيباً ، وعالجك ، كتب لك وصفة ، لك أن تقول له : شكراً لك على هذا الاهتمام ، وأنا معجب بعلمك ، وأرجو الله أن يمكنني أن أكافئك على هذا الاهتمام ، دقق ، لمجرد أنك لم تشترِ الدواء ، فأنت كذّبت علمه عملياً ، المجاملات ما لها قيمة ، إن لم تشترِ الدواء ، وإن لم تستعمل الدواء وفق تعليماته الدقيقة فأنت مشكك في علمه .
أخطر شيء في حياة المسلمين التكذيب العملي ، ولا تجد في العالم الإسلامي مسلماً واحداً يقول لك : ليس هناك آخرة ، لكن هناك التكذيب العملي ، تلاحظ كسب الإنسان ، كسب ماله ، إنفاق ماله ، بيته ، عمله ، علاقاته ، حله ، ترحاله ، سفره ، أفراحه ، أتراحه ، لا يلتزم بها بمنهج الله ، ولأنه لا يلتزم فهو مكذب عملياً بالآخرة .
الإيمان بالآخرة إن صح ينبغي أن تنعكس مقاييسك 180 درجة ، إن لم تنعكس مقاييسك 180 درجة فالإيمان بالآخرة غير صحيح ، إيمان شكلي ، إيمان تصديقي ، تصديق بغير تحقيق .
أيها الإخوة ، أخطر شيء في حياة المسلمين التكذيب العملي ، على اللسان لن تقال كلمة خلاف القرآن ، الآخرة حق ، الجنة حق ، النار حق ، لكن الكسب حرام ! والبضاعة محرمة ! والعلاقة ربوية ! والاختلاط محرم ! فكيف يستسيغ الإنسان أن يرتكب كل هذه المعاصي وهو يقول : هناك حساب ، وهناك جنة ، وهناك نار .
أخطر شيء في حياة المسلمين لا أن يكذبوا بألسنتهم اليوم الآخر ، بل أن يكذبوا بأفعالهم .
أيها الإخوة ، ما إن تستقر حقيقة الإيمان في نفس المؤمن إلا وتعبر عن ذاتها بحركة ، المؤمن حركي ، الإيمان السكوني غير صحيح ، مؤمن لا يقدم ، ولا يؤخر ، ولا يفعل ولا يلتزم ، ولا يَصِل ، ما لم تصل لله ، وتقطع لله ، وترضى لله ، وتغضب لله ، وتعطي لله ، وتمنع لله ، ما لم يجدك الله في مكان أمرك أن تكون فيه ، ما لم يفتقدك في مكان نهاك الله عنه ، ما لم تتحرك ، ما لم تعطِ ، ما لم تلتزم ، ما لم تطبق ، ما لم تجعل من حركتك وفق منهج الله ، فالإيمان غير صحيح ، وهذا يسمى التكذيب العملي .
لذلك كلمة مؤمن تعني مؤمنًا صادقًا ما جاء به القرآن الكريم ، وطبق أوامر القرآن الكريم ، وصدق ما جاء به النبي الكريم ، وطبق سنة النبي الكريم ، الإيمان تصديق وتطبيق ، الإيمان اعتقاد وسلوك ، الإيمان ما أقره اللسان ، وصدقه العمل ، وآمن به القلب هذا عن كلمة معنى مؤمن ، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن تتحقق فينا معاني كلمة مؤمن ، لأن الإيمان مرتبة عالية جداً .
الإيمان مرتبة عالية :
كيف أن الإنسان إذا قيل : له دكتور ؟ حقيقة معه ابتدائية ، وإعدادية ، وثانوية ، وليسانس ، ودبلوم عام ، ودبلوم خاص ، ماجستير ، دكتوراه ، حرف الدال قبل اسمه يعني كل هذا .
كلمة مؤمن أعلى مرتبة يبلغها مؤمن ، يعني آمن بما جاء به وحي السماء ، وطبق ما جاء به وحي السماء ، أما الإيمان بلا تطبيق فهو تكذيب عملي ، لكن ليس تكذيباً لفظياً ، بل هو تكذيب عملي ، هذا عن معنى كلمة مؤمن .
3 – كيف نفهم اسم ( المؤمن ) ؟
ولكن كيف نفهم أن الله هو ( المؤمن ) كيف نفهم أن ( المؤمن ) اسم من أسماء الله الحسنى ؟
لا يُظلَم عند الله أحد :
من معاني كلمة مؤمن حينما تنسب لله عز وجل ، وحينما تكون اسماً من أسماء الله الحسنى أنه أمن الناس أن لا يظلم أحد من خلقه ، والإنسان لا يطمئن إلا إذا وحّد ، وحينما ترى أن الأمر بيد الله وحده ، وأنه : " وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ " [هود:123] .
وأنه : " وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ " [الزخرف:84] .
وأنه : " مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً " [الكهف:26] .
وأنه : " ما شاءَ اللهُ كانَ ، وما لم يشأْ لم يكن " [أخرجه أبو داود عن بعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم] .
" مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ " [فاطر:2] .
ما لم تر أن يد الله تعمل وحدها ، ما لم تر أن الله بيده كل شيء ، ما لم تر أن الله هو الفعال ، هو المعطي وحده ، هو المانع ، هو الرافع ، هو الخافض ، هو المعز ، هو المذل ، ما لم توحد فلن تستطيع أن تطمئن إلى وعود الله ، ولن تخاف من إنذاراته .
لذلك ( المؤمن ) أمن الناس ألا يُظلم أحد في خلقه من ملكه ، الدليل ، دقق : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ " [النساء:40] .
آية ثانية : " وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً " [النساء:49] .
في نواة التمرة خيط بين فلقتي النواة ، هذا الخيط هو الفتيل ما قيمته ؟ ما قيمة مليون من هذا الخيط ، بلا سبب
" وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً " [النساء:49] .
" وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً " [النساء:124] .
النواة لها رأس مؤنف كرأس الدبوس ، هذا الرأس ما حجمه ؟
" وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً "
" وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً "
" مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ " [فاطر:13] القطمير غشاء يغلف النواة .
" لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ " [غافر:17] .
" فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ " [الأنبياء:47] .
عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ : " يَا عِبَادِي ، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي ، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا ، يَا عِبَادِي ، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ ، يَا عِبَادِي ، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ ، يَا عِبَادِي ، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ ، يَا عِبَادِي ، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ ، يَا عِبَادِي ، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي ، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي ، يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا ، يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا ، يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي ، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ، يَا عِبَادِي ، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ " [أخرجه مسلم] .
لا تتهم الأقدار ، لا تقل : لا حظ لي ، لا تقل : أضربها يمينا فتأتي شمالا ، لا تقال : قلَب لي الدهرُ ظهر المجن ، لا تقل : القدر يسخر مني ، هذا كله كلام شيطاني : " فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ " .
أيها الإخوة ، الله عز وجل صفاته مطلقة ، معنى مطلقة أن عصفورًا في ملك الله من آدم إلى يوم القيامة يُظلم فهذا الظلم يتناقض مع اسم العدل ، الله عز وجل مطلق ، والإنسان نسبي ، فالقاضي قد يحكم ألف حكم ، عشرة أحكام منها غير صحيحة ، يسمى عادلا عند الناس ، الخطأ محتمل عند الإنسان ، أما عند الله غير محتمل : " وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً " .
ولا من : " قِطْمِيرٍ "
ولا : " نَقِيراً "
ولا : " ظُلْمَ الْيَوْمَ "
ولا : " مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ "
" وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ " [العنكبوت:40] .
نفي شأن الظلم عن الله :
هذه آية دقيقة جداً ، هذه الصيغة أيها الإخوة ، تنفي أكثر من عشرة أفعال سماها علماء اللغة نفي الشأن ، لو سألت إنسانا ـ لا سمح الله ـ هل أنت سارق ؟ إن كان من عِلية القوم ، وقال لك : لا ، فالإجابة غير صحيحة ، يقول لك : ما كان لي أن أسرق ، أي مستحيل أن أفكر ، أو أن أدعم ، أو أن أرضى ، أو أن أفعل ، وقد عدَّ علماء اللغة عشرة أفعال تنفى بهذه الصيغة ، الله عز وجل قال : " وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ "
مستحيل !
أيها الإخوة ، الله عز وجل صفاته مطلقة ، لا تحتمل أي خطأ ، لكن قد يقول قائل : وهذه الحروب ؟ وهذه الاجتياحات ؟ وهذا الفقر ؟ وهذه المجاعات ؟ وهذا الزلزال ؟ وهذا الفيضان ؟ وهذا البركان ؟ كيف نفسر ذلك ؟ الجواب : لا يمكن أن تستطيع إثبات عدل الله بعقلك ، إلا في حالة مستحيلة ، أن يكون لك علم كعلم الله ، ولكن تستطيع أن تؤمن أشد الإيمان بعدل الله المطلق حينما تصدق ما جاء به القرآن : " وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً " .
ولا : " فَتِيلاً "
ولا من : " قِطْمِيرٍ "
" وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ "
ولا : " ظُلْمَ الْيَوْمَ "
" وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا "
هذا خبر عن الله ، فإن شككت في هذه الآيات فأعد إيمانك بالقرآن ، قف وراجع حساباتك ، لن تستطيع أن تؤمن بعدل الله بعقلك وحده ، لأن عقلك محدود المهمة ، أما إذا كان عندك علم الله عز وجل لأن هذا مستحيل يمكن .
أيها الإخوة ، الله عز وجل غني عن تعذيبنا ، وغني عن ظلمنا .
" مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ " [النساء:147] .
لكن إن صدقت خبر الله أنه لا يظلم هذا هو الإيمان ، يعني مثلاً : قال تعالى : " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ " [الفيل:1] .
بربكم هل شاهدتم هذه الحادثة ؟ من شاهدها ؟ ماذا قال علماء التفسير ؟ قال : ينبغي أن تأخذ إخبار الله وكأنك رأيته بعينك ، الحد الأدنى بالإيمان أن تأخذ خبر الله وكأنك رأيته بعينك ، وأن تأخذ وعيد الله وكأنه وقع .
" أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ " [النحل:1] .
معناها ما أتى " أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ "
" وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ " [المائدة:116] .
قال : فعل ماضٍ ، لم يقل : بعد ، فيجب أن تأخذ إخبار الله وكأنه وقع ، ويجب أن تأخذ أيضاً إخبار الله وكأنك تراه بعينك ، فالمؤمن الذي آمن أن هذا القرآن كلام الله ، وعشرات الآيات تنفي أدق أنواع الظلم : " فَتِيلاً " و : "نَقِيراً" و : " قِطْمِيرٍ " و : " ظُلْمَ الْيَوْمَ " و : " حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا " .
هذا هو الإيمان بالقرآن ، أما أن تملك علماً كعلم الله فهذا مستحيل !
شيء آخر ، هذه الدنيا أمام الآخرة لا شيء ، تصور الرقم واحد في دمشق وأصفار لا أقول : إلى حلب ، بل إلى الشمس ، واحد أمام 156 مليون كيلومتر أصفار ، لا كل ميليمتر صفر ، وواحد في دمشق ، وأصفار إلى الشمس ، وكل ميلي صفر ، كم هذا الرقم ؟ أول ثلاثة أصفار ألف ، 3 أخر مليون ، 3 أخر ألف مليون ، 3 رابعة مليون مَليون ، الآن كل ميلي صفر لـ156 مليون كم للشمس ، هذا الرقم ضعه صورة ، ومخرجه لا نهاية ، قيمته صفر ، فالدنيا لو عشت 130 عاما، ملكت مئة مليار دولار ، مليار مِليار ِ ، مليون مليار مِليار ، وعندك في كل مدينة قصر ، مهما فعلت فالدنيا أمام الآخر صفر ، فإذا وعد الله عز وجل المظلوم بالجنة ، فيلزم منه عدم الظلم : " لا ظُلْمَ الْيَوْمَ " .
البطولة أن تربح الآخرة البطولة أن تضحك آخراً ، لا أن تضحك أولاً ، الموت ينهي كل شيء ، لا يليق بعطاء الله العظيم أن يكون في الدنيا فقط ، الموت ينهي قوة القوي ، ينهي ضعف الضعيف ، ينهي غنى الغني ، ينهي فقر الفقير ، ينهي وسامة الوسيم ، ينهي دمامة الدميم ، ينهي صحة الصحيح ، ينهي مرض المريض ، ينهي كل شيء ، لا يليق بعطائه أن يكون بالدنيا فقط ، فإذا ادخر واحد الله عز وجل للعبد عطاء في الآخرة فحينما يرى عطاء الله بعد الموت يذوب محبة لله .
ليس هناك ظلم مطلق في الكون :
أيها الإخوة ، لا يمكن لا أن تثبِت عدل الله بعقلك ، إلا أن تصدق خبر الله في القرآن ، وهذا شيء مستحيل ؛ أن يكون لك علم كعلم الله ، وفي النهاية الشر المطلق لا وجود له في الكون ، لكن هناك شر نسبي موظف للخير المطلق ، والظلم المطلق لا وجود له في الكون لكن هناك ظلم ظاهري يندرج تحت بند التربية ، الدليل : " وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ " [الأنعام:129] .
من أعان ظالماً سلطه الله عليه ، من أعان ظالماً كان أول ضحاياه ، في ظلم ظاهري ، أما حقيقي ما في ، ولو دققت كما أقول لك : في ظلم ظاهري صارخ ، لكن هذا الظلم موظف لتربية النفوس .
4 – ( المؤمن ) هو مَن يجير المظلوم :
أيها الإخوة الكرام ، المؤمن هو الذي يجير المظلوم من الظالم ، وتروَى في هذا قصة رمزية : أن ملِكًا في القديم توعد شيخ النجارين بوعيد لا يحتمل ، طلب منه مئة كيس نشارة خلال ساعات ، يعمل سنتين لا يخرج معه كيس نشارة ، وشيخ النجارين مثل نقيب الآن ، أيقن هذا الشيخ أنه مقتول لا محالة ، فودع أولاده ، ودع زوجته ، كتب وصيته ، أنهى كل شيء ، بعد الفجر جاء أتباع الملك ليأخذوه إن لم يؤدِ هذا العدد ، فقيل له : مات الملك تعال فاصنع لنا تابوتاً .
أحياناً يجير الله المظلوم من الظالم ، هذا معنى اسم ( مؤمن ) الدليل :
" قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ " [المؤمنون:88] .
من الذي يجير ؟ هذا الذي هدم 70 ألف بيت في غزة ، هذه السنة الثالثة ما مات ، والله يمد بعمره ، الله عز وجل إذا أخذَ كان أخذُه عزيز مقتدر ، وإذا أخذ الظالم لم يفلته .
" وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ " [هود:102] .
الخـاتمــة :
أيها الإخوة الكرام ، اسم ( المؤمن ) اسم دقيق جداً ، لكنه يتصل أشد الاتصال بالحياة الدنيا ، هو ( المؤمن ) الذي يؤمنك ، علاقتك معي يا عبدي : " وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ " .
لو أنه أسلمك إلى غيره كيف يأمرك أن تعبده ؟ مستحيل ! قال لك:"وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ" حياتك بيده ، والرزق بيده ، والأقوياء بيده ، والضعفاء بيده ، ومن فوقك بيده ، ومن تحتك بيده ، وزوجتك بيده ، وأولادك بيده ، وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب ماذا فقَد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء .
نحن في أمسّ الحاجة إلى هذا الاسم ، الناصر الذي يجيرنا من الظالم ، نحن في أمسَ الحاجة إلى أن نطمئن إلى وعد الله ، الله عز وجل أنشأ لنا حقاً عليه إن عبدناه كانت المكافأة ألاّ يعذبنا .
" وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ " [الأنفال:33] .
والحمد لله رب العالمين