" رسالة إلهية إلى نبي مرسل "
" رسالة إلهية إلى نبي مرسل "
يُعْرَضُ الملكُ على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة بمكة فلم يقبله، فماذا يقول خليل عبد الكريم؛ قال: " إن الإسلام ليس إلا تجربة فجَّرها محمد، وساهم الصحابة معه في تجسيدها لإقامة دولة قرشية ! "
ويقول الوثني صاحب الآلهة المتعددة سيد القمني في كتاب " رب الأزمان ": " إن جد الرسول عبد المطلب كان يسعى للزعامة وإقامة دولة هاشمية، وذلك هو الذي دفع أولاد عبد المطلب إلى مساندة الإسلام؛ ليحققوا من خلاله حلم جدهم ".
وفَسَّرَ ذلك بقوله: وهذا وضع طبيعي لكي تبدو الرسالة النبوية طبيعية ومتوافقة مع ظروف الأوضاع العامة لمن نزلت فيهم ".
وهذا هذيان باطل لا يقل ركاكة عن فرية الآلهة المتعددة، وافتراءات يتبيَّن بطلانها من عدة وجوه:
أولا: إن الجهل والكذب هو خلق المهزومين ا لذين يتلقون أفكارهم من عدو ملتهم؛ فلو كان محمد صلى الله عليه وسلم يقصد تأسيس دولة ويريد الملك كان قبل ذلك من قريش حين عرضوا عليه الملك بدون عناء.
حيث أورد ابن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي، قال: حدثت عن عتبة بن ربيعة وكان سيدا أنه قال يومًا وهو جالس في نادي قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده - فقال: يا معشر قريش، ألا أقوم إلى محمد وأكلمه وأعرض عليه أمورًا لعله يقبل بعضها فنعطيه إياها شاء ويكف عنا؟ وذلك حين أسلم حمزة رضي الله عنه ورأوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون، فقالوا: بلى يا أبا الوليد، فقم إليه فكلِّمه، فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا ابن أخي، إنك منا حيث علمت من السلطة في العشيرة والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم، وسفَّهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفَّرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني، أعرض عليك أمورًا انظر فيها لعلك تقبل منها بعضها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قل يا أبا الوليد أسمع» قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد شرفًا، سوَّدناك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد ملكًا، ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الأطباء وبذلنا فيه أموالنا حتى نبريك منه. فلما فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه قال: «أَفَرَغْتَ يا أبا الوليد؟» قال: نعم، قال: «فاسمع مني» قال: افعل، قال: «بسم الله الرحمن الرحيم، " حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ " » ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه، فلما سمع عتبة أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمدًا عليها يستمع منه، حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد، ثم قال: «قد سمعت أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك» فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك أبا الوليد؟ قال: ورائي أني سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالسحر ولا بالشعر ولا بالكهانة، يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها لي، خَلُّوا بين الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأٌ، فإن تُصِبْه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزُّه عزكم، وأنتم أسعد الناس به، قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه ! قال: هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم.
ثانيا: أورد ابن هشام أن صناديد قريش وأشرافهم من كل قبيلة وهم عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو سفيان بن حرب والنضر بن الحارث وأبو البختري بن هشام والأسود بن المطلب وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام، وعبد الله بن أبي أمية، والعاص بن وائل، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وأمية بن خلف - ذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، إنا قد بعثنا إليك لنكلمك، وإنا والله ما نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه مثل ما أدخلت على قومك؛ لقد شتمت الآباء، وعبت الدين، وشتمت الآلهة وسفَّهْتَ الأحلام، وفرَّقْت الجماعة، فما بقي أمر قبيح إلا قد جئت به بيننا وبينك، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثر مالا، وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا فنحن نسوِّدك علينا، وإن كنت تريد مُلكًا ملَّكْناك علينا... إلى آخر ما قالوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بي ما تقولون، ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولاً، وأنزل علي كتابًا وأمرني أن أكون لكم بشيرًا ونذيرًا فبلَّغتكم رسالة ربي ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظُّكم في الدنيا والآخرة، وإن تردُّوه عليَّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم». ا.هـ. باختصار من سيرة ابن هشام.
ثالثًا: يتضح من هذه العروض المتكررة بالمال والسيادة والشرف والملك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان يهدف للمنصب وتأسيس دولة لقبل؛ حيث قد حصل له المطلوب، ولا حاجة بعد ذلك إلى النزاع والهجرة والتعذيب والمطاردة؛ ولكن الجهل بالإسلام والتَّبعيَّة والشُّبَه الباطلة التي ساقها العلمانيون قادهم إلى نسج الأكاذيب بلا علم ولا خوف ولا وجل.
مختارات