" الفكر العلماني وتعدد الآلهة "
" الفكر العلماني وتعدد الآلهة "
قال صلى الله عليه وسلم: «ولا تقومُ الساعةُ حتى يلحقَ حَيّ من أمتي بالمشركينَ، وحتى يعبدَ فئامٌ من أمّتي الأوثانَ» الله أكبر ! إنه لا يكاد يمر زمن أو ينقضي زمن إلا ويحدث حدث يجسد صدق رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ حيث أخبر من قبل أربعة عشر قرنًا بأمور تطالعنا الحوادث بصدق الخبر وتجسيد وقوعها، وما ذاك إلا لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينطق عن الهوى، وإنما أَوْحَى إليه بها عالِمُ ما كان وما هو كائن.
روى أبو داود وابن ماجه حديثًا عن ثوبان، ومنه - وهو الشاهد هنا - قوله صلى الله عليه وسلم: «ولا تقوم الساعة حتى يلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى يعبد فئام من أمتي الأوثان». وأصل الحديث عند مسلم في صحيحه، وكأن هذا الحديث ينبئنا عن كتاب: " رب الأزمان " لمؤلفه العلماني العربي الدكتور سيد القمني ! وقد يكون هذا الكتاب من الآلهة التي ذكرت فيه ! حيث أسماه " رب الأزمان "، وما أدراك ما رب الأزمان؟ إنه يحمل في طياته الجهل كله ومعالم الكفر كله.
ومن الغريب أن أهل الفكر من غير العرب استعملوا عقولهم وفكرهم في كل نافع مفيد وأتوا بالعجائب، وسخَّروا مواهبهم العقلية والفكرية فيما يعود عليه وعلى غيرهم من البشر بمنافع جمة في حياتهم الدنيا من اختراعات تبهر العقول وتحير اللب؛ فقد غزوا الفضاء ووصلوا في تجاربهم العلمية إلى بعض أسراره، واكتشفوا الأرض وأخرجوا ما حَوَتْه من كنوزها إلى غير ذلك، أما المبدعون العرب من خريجي مدارس التغريب فإن البلاء بهم لشديد؛ إنهم كذلك أتوا بالعجائب العكسية لخدمة سادتهم التي أوكلوها إليهم ليزرعوها لتدمير مجتمعهم المنكوب بهم !
ومنهم المبدع المفكر والعالم المجتهد الذي لا يجارى كما يزعم، والذي لا يشق له غبار، سعادة الدكتور سيد القمني؛ فإنه أتى بمالم تستطعه الأوائل؛ حيث توصل في فنونه العلمية واختراعاته الجهنمية وإبداعاته الوهمية وبحوثه الفكرية واجتهاداته الشيطانية إلى اكتشافه آلهة مع الله أرضية وسماوية ! آلهة متعددة، خليطًا من الذكران والإناث !
إن مما تجدر الإشارة إليه أن تلك المواهب والتَّجَلِّيَّات بقيت وكأنها ألغاز غامضة تثير أكثر من سؤال أوجِّهُه لسعادة المفكر الموهوب الدكتور سيد القمني صاحب كتاب " رب الأزمان "، والذي أوجب ذلك التساؤل هو:
أن المفكر المبدع لا زال يتمسح بالإسلام عندما تدمغه الحقائق وتلجمه الأدلة.
ثانيًا: ما لمسته من معاني آيات من كتاب الله تعالى في قوله جل وعلا: " قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا " [فاطر: 40].
وقوله عز وجل: " قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ " [الأحقاف: 4-6] والمشكل هنا أن صاحب الفكر البديع لم يبين حصة تلك الآلهة من خلق السموات والأرض: هل تفردوا بعدد من القارات أو ببعضها؟! وما الذي صنعوه في السموات؟! لأن الكون ليس فيه علاماتٌ فارقة تلفت النظر إلى تعدد الآلهة والفرق بين مخلوقاتهم !
ثالثا: القضية عندنا نحن المسلمين أننا نعتقد حسب ما فهمنا من كتاب الله سبحانه أن من زعم بوجود آلهة مع الله فإنه مشرك بالله كافر به خارج عن دين الإسلام، والمفكر العربي الموهوب حين اكتشف آلهة متعددة في الأرض وفي السماء ذكرانا وإناثًا لم يبيِّن كم هم الذكور من الآلهة وكم هن الإناث؟!! وكم يسكن في السماء منهم وكم يسكن في الأرض؟! وهل يعبد مفكر العصر الذكران أم يعشق عبادة الإناث من تلك الآلهة؟! وهل تلك الآلهة متساو عدد الذكران والإناث في الأرض وفي السماء؟! وهل لكل إله خلق يختص به في السموات والأرض؟
أما كانوا متفقين على دمج مخلوقاتهم في هيكل واحد وإطار واحد؟! وما هو الحل فيما لو حصل بين الآلهة تنافس في الهيئة والشكل وفي الهيمنة والتسلط من أجل تمييز مخلوقات كل إله منهم؟! بحيث من الممكن أن يخطر على بال أحدهم أن يأتي بإبداع في مخلوقاته يعجز نظيره أن يوجِدَ مثلها، ويدب الحسد والغيرة في قلوب بعض الآلهة ويتأصل العداء وتتسع شقة الخلاف، ثم ينتج من جراء ذلك حروب ومعارك بين الآلهة ينفرد كل إله بما خلق ثم تكون الخلاصة أن ينتج من جراء ذلك نهاية العالم؟! قال سبحانه وتعالى: " مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ " [المؤمنون: 91، 92] وقوله - جل عن الشريك والند: " لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا " ففي هاتين الآيتين من كتاب الله العزيز إشارة واضحة بحصول الفساد مع تعدد الآلهة، وأن كل إله سيغار على خلقه وينافس على كمال ذاته وسلطانه، ولذلك ضرب الله مثلا بالعبد المملوك لمالك واحد والعبد المملوك لعدد من الشركاء فقال جل شأنه: " ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " [الزمر: 29] ففي هذه الآية توضيح وبيان لحادثة الشركاء: رجل فيه شركاء وليس بين الشركاء اتفاق؛ فالمشاكسة والخلاف مستمران، وهذا المملوك كلما يأتي عند واحد من الأسياد يكلفه من الأعمال ما لا يطيق، وإذا تضجر من كثرة ما يكلف من الأعمال الشاقة ضرب، وقيل له: إنك تعمل لفلان وفلان أكثر مما عملت لي! فيضرب ويهان ويكلَّف فوق طاقته، ثم يذهب للشريك الثاني ويعامله بأكثر مما عامله الأول؛ فهو في شقاء وشقاق، وعذاب مستمر، وأعمال شاقة متواصلة بلا رحمة، فهل يستوي هذا المسكين مثلا برجل مملوك لرجل واحد لا يكلفه من الأعمال إلا ما يطيق، ويتلقى الأوامر من مصدر واحد ومن رجل واحد، فهو يجد الراحة والسعادة والشفقة والرحمة والعناية؛ فهل يستويان مثلًا؟! " سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ ".
إن تعدد الآلهة قد يكون سببًا في ضعف الاتباع حين تصدر من كل إله أوامر يناقض بعضها بعضًا، إن المجتمع الذي تصدر إليه الأوامر من جهات متعددة ومتضاربة يبقى في حيرة من أمره لا يدري من يطيع وأوامر من ينفذ، ولذلك قال يوسف عليه السلام: " يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " [يوسف: 39، 40] وقال زيد بن عمر بن نفيل:
أربا واحدا أم ألف رب أدين إذا تقسمت الأمور
إن كل شيء سوى الله خاضع لإرادته وقهره، ومستسلم لسلطانه ومذلل لقضائه وقدره؛ إن نزل به خير فهو من الله، وإن نزل به ضر فلا يكشفه إلا الله، والله وحده هو المحيط بخلقه، وهو النافع الضار؛ قال جل جلاله: " وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ " [الزمر: 38].
إن العبادة والإلحاح في الدعاء والتضرع لا يكون إلا لله وحده؛ قال جل شأنه: " وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ " [الأحقاف: 5، 6] وإذا نزل بعبد من عباد الله كارثة، أو حلَّت به مصيبة، أو مسَّه ضر، فلا يزيل الكارثة ويَجبر المصيبة ويكشف الضرر إلا الله؛ قال عز وجل: " وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " [يونس: 107] ومن هنا يتبيَّن سقم عقل من يدعو مع الله غيره كائنًا من كان، وإن من السقم المضاعف والكارثة المزدوجة المؤلمة المدمرة القاتلة أن ينتصب من يوهم نفسه أنه مفكر ومبدع ليظهر على الأمور بهذا الجهل الفاضح.
والغريب أنه يحمل أعلى لقب الشهادات العالمية، ثم يدس عقله في التراب ويزعم أن مع الله آلهة أخرى، وأكبر كارثة و جائحة لا تبقي ولا تذر - أن يعيَّن مثل هذا يعلم أولاد المسلمين مبادئ الوثنية الجاهلية والإلحاد السافر في جامعات المسلمين، ثم يستتر بوثنية حرية الفكر؛ إن مثل هذا الجهل في الحقيقة وصمة عار على البلد الذي يأوي مثل ذلك المسكين، وإذا كان الفكر بهذه المثابة من الركاكة، فسلام ومليون سلام ومليار تحية على جهل العجائز !.
مختارات