" نبوَّة ورحمة لا ملك وبناء دولة "
" نبوَّة ورحمة لا ملك وبناء دولة "
إن ما زعمه القمني وخليل عبد الكريم تلميذا نصر أبو زيد أن محمدًا كان يهدف من شعار الإسلام للوصول إلى سدة الحكم ليحقق حلم جده عبد المطلب - يظهر أن أصحاب هذا المبدأ ما علموا شيئًا من هدي محمد صلى الله عليه وسلم ولا نظروا فصلاً واحدًا من فصول سيرته العطرة، وإلا فكيف يتمُّ الجمع بين هدي محمد صلى الله عليه وسلم في زهده وتواضعه وعزوفه عن الدنيا وبين ما يدار في بلاط الملوك ورؤساء الدول من بذخ وحب للظهور والترف والتمييز عن عامة مجتمعاتهم؟ وأين وجه الشبه بين هذا وذاك؟ أليس البون شاسعًا والفرق واضحًا وليس هناك نسبة للمقارنة ولا وجه للشبه؟
فمثلاً: نجد الملوك ورؤساء الدول يهتمون بجمع الثروات لأنفسهم وأسرهم وأبنائهم من بعدهم، وفي الوقت نفسه نجد النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم يحزم الحجر على بطنه، ومات ولم يشبع من خبز الشعير، أخرج البخاري والنسائي وأحمد عن الصحابي عمرو بن الحارث، قال: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشبع من خبز الشعير، وما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سلاحًا وبغلتَه وأرضًا جعلها صدقة.
وروى البخاري والترمذي عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهون عند يهودي فما وجد ما يفكُّها حتى مات، ومات وما شبع من خبز الشعير يومين متتالين؛ فهل هذه حياة من يقصد الملك والتَّرفُّه وحياة البذخ والتَّرف؟!
أخرج مسلم والترمذي وابن ماجه وأحمد وغيرهم عن عائشة قالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قُبِض رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى أصحاب الكتب الستة في خصومة العباس وعلي عند أبي بكر بشأن ما يخص كل واحد منهما مما تركه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر للجالسين بمجلسه: أُنشدكم الله، هل سمعتم ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نُوَرَّث، ما تركناه صدقة» قالوا: بلى والله.
فهل كان هدفُ النبي صلى الله عليه وسلم الملكَ وامتداد السلطان ثم يموت وهو على تلك الحالة من الفقر في المال والعدم من متاع الدنيا ! وعن أبي هريرة وعائشة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نورَّث ما تركناه صدقة» رواهما البخاري ومسلم ومالك وأحمد.
وعن عائشة قالت: " ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم درهمًا ولا دينارًا ولا شاة ولا بعيرًا ولا عبدًا ولا أمة " رواه مسلم وأحمد وأصحاب السنن.
فهل من يَرُدُّ الملك وتشييد السلطان يكون هذا حاله؟!
روى البخاري عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ؛ إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله» فهل هذه أخلاق وتواضع رؤساء الدولة والحكومات الذين ينفقون الملايين لمن يبالغ في مدحهم وإطرائهم بالحق وبالباطل؟! وينسب لهم ما فعلوه وما لم يفعلوا؟!.
مختارات