" من أساليب الشيطان فى غواية الإنسان : التزيين "
" من أساليب الشيطان فى غواية الإنسان: التزيين "
التزيين الذي يعمد إليه الشيطان لإغواء الإنسان نوعان:
الأول - تزيين القبيح.
والثاني - تقبيح الحسن.
فأما تزيين القبيح فمن قوله تعالى: " وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ "، وقوله تعالى: " وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ".
فإذا رأى الإنسان قد وقع في معصية زيَّنها وحسَّنها وأوجد لها من أدوات التحسين ما يُشجِّع العاصي على الإصرار على معاودتها، وذلك بإظهار منافعها وإخفاء مغباتها وحسراتها، فتجده يُحسِّن جمع المال والحرص عليه ويُظهِر لصاحبه أنه الحكيم في تصرفه، الناظر لعواقب الأمور، ولا يزال به حتى يوقعه في الشحِّ والغشِّ والخداع، وكل ذلك بتصوير هذه المعاصي على أنها من الذكاء والفطنة والحنكة والعقل !
يقول ابن القيم الجوزية:
ومن أنواع مكائده ومكره: أن يدعو العبد بحُسن خلقه وطلاقته إلى أنواع الآثام والفجور، فيلقاه من لا يُخلِّصه من شرِّه إلاَّ تجهُّمه والتعبيس في وجهه والإعراض عنه، فيُحسِّن له العدوُّ أن يلقاه ببِشره وطلاقة وجهه وحُسن كلامه، فيتعلَّق به، فيروم التخلص منه فيعجز، فلا يزال العدو يسعى بينهما حتى يصيب حاجته.
ومن مكائده:
أنه يأمرك أن تلقى المساكين وذوي الحاجات بوجهٍ عبوسٍ ولا تُريهم بِشرًا ولا طلاقة فيطمعوا فيك ويتجرَّءوا عليك، وتسقط هيبتك من قلوبهم، فيحرمك صالح أدعيتهم وميل قلوبهم إليك ومحبتهم لك، فيأمرك بسوء الخُلق، منع البشر والطلاقة مع هؤلاء، ويُحسِّن الخُلق والبِشر مع أولئك؛ ليفتح لك باب الشر ويُغلق عنك باب الخير (إغاثة اللهفان).
ومن صور تزيينه للقبيح:
تحسين الأفكار الباطلة والأهواء المخلة وإيجاد المسوِّغات لها وقذفها في القلوب المريضة، ومن ذلك تزيين الاستغاثة بالأموات ودعائهم والذبح لهم والنذر لهم وتعظيمهم، وكذلك تزيين التعبُّد بما لم يأذن به الله، سواء في الصلاة أو الصوم أو الحق؛ فتجده يحسن الصلاة في القبور، ويُزين الوصال في الصيام، ويُرغِّب في تأخير فريضة الحج، وفي كلِّ ذلك تجده يقذف في قلب الإنسان من الأفكار والخطرات ما يظهر الحقَّ في صورة الباطل تغريرًا كما قال تعالى: " يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا " ومعلوم أنَّ وحي الشيطان للإنسان إنما يكون بقذف الخطرات في قلبه ونفثها في نفسه.
وأمَّا تقبيح الحسن فيعمد به الشيطان إلى صرف الإنسان عن الفرائض والواجبات؛ فإن لم يظفر بذلك عمد إلى صرفه عن المستحبَّات وفضائل الأعمال، وأشدُّ ما يحرص الشيطان على فعله في هذا الباب تفويت الصلاة على العبد، فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يعقد الشيطان على رأس أحدكم ثلاث عقد إذا نام، بكلِّ عقدة يضرب عليك ليلاً طويلا، فإن استيقظ فذكر الله عز وجل انحلَّت عقدة، وإذا توضَّأ انحلت عقدتان، فإن صلَّى انحلت العقد، فأصبح نشيطًا طيِّب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان» (رواه مسلم).
فهكذا يصرف الشيطان النائم عن الصلاة، أمَّا المستيقظ فيزيِّن له البيع والتجارة ويخوِّفه الكساد والخسارة إن هو آثر الصلاة على العمل، كما يصرفه عنها بأنواع المغريات والملهيات والشهوات كالغناء والأفلام ونحوها.
وما قعد قاعدٌ عن الجهاد ولا أمسك غنيٌّ عن الإنفاق، ولا حُبس قادر عن الإحسان إلاَّ بتزيين الشيطان وتقبيحه لهذه الخصال الطيبة فتراه يخوف المجاهد بالموت وتشريد الأهل والعشيرة، ويخوف المنفق بالفقر وسقوط الهيبة والمكانة، ويخوف المحسن باستعلاء الناس ولؤمهم ونكرانهم للجميل.. وهكذا يجعل لكلِّ خصلة تقرِّب من الله حاجزًا يُخوِّف به المسلم ويجعله علَّةَ تقبيحه وتزيينه لنقيضه.
قال تعالى: " الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا " قيل: «يعدكم الفقر» يُخوِّفكم به، يقول: إن أنفقتم أموالكم افتقرتم.
«ويأمركم بالفحشاء» قالوا: هي البخل في هذا الموضع خاصة.
قالوا: يقول للإنسان: إذا تركت هذه الوظيفة فأين ستجد وظيفة أخرى؟! ستصير فقيرًا.. فيخشى الفقر فيعمل الحرام (مدخل الشيطان على الصالحين ).
ذلك مثل الذي يُحلِّل بيع الخمر وهو مسلم، ونحوه مِمَّن يكذب في تجارته، ومن يحنث في بيعه.
مختارات