" القيام بالفرائض والواجبات "
" القيام بالفرائض والواجبات "
أخي الكريم: إن أولَ ما ينبغي أن تفني عمرَك فيه هو طاعة الله - جل وعلا، وأولى ما يجب عليك من الطاعات أداءُ الفرائض والواجبات؛ لأن الله - جل وعلا - إنما خلقك لعبادته وحدَه وطاعته بما أمرك؛ قال - تعالى: " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ "، وقال - سبحانه: " وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ".
ولمَّا كان الهدفُ الأسمى من وجودك على هذه البسيطة هو عبادة الله بما أمر؛ فإنه لا يحل لك بأي حال أن تقدم على الفرائض والواجبات الشرعية شيئًا من الأعمال مهما كان نتاجها الدنيوي، ومن هنا كان الفقه بتوقيت العبادات وأداؤها في وقتها هو الفهم السليم للحفاظ على الأوقات واستثمارها على الوجه الذي يرضي الله سبحانه.
وقد جعل الله - جل وعلا - للفرائض وقتًا معلومًا لا يقبلها في غيره؛ قال تعالى: " إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا "، وقال تعالى: " الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ "، وقال تعالى: " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ".
ولما كانت العبادات الواجبة موقوتةً بوقت معلوم، كان على المسلم أن يحفظ كل شعيرة من الشعائر في وقتها؛ فلا يقدم عليها أيَّ عمل مهما كانت غايته وثمرته، والقيام بالفرائض والواجبات ليس وسيلة لحفظ الوقت؛ وإنما هي عبادات جليلة تعبَّدَنا اللهُ بها، وأمرنا أن نصرف أوقاتنا فيها قبل أي عمل آخر؛ وإنما جعلناها هنا وسيلة لحفظ الوقت؛ لأن ذلك يحصل بالإلزام والضرورة؛ فإن القائم بأوامر الله يحفظه الله في دينه وروحه وجسمه ووقته؛ فهو يحفظ وقته في صلاته، والله يحفظه في أوقاته.
وأهم فرض يجب القيام به الصلاة؛ فقد تعبَّدَنا الله - جل وعلا - بها في خمسة أوقات معلومة في اليوم والليلة، وجعل لكل صلاة وقتًا لا تُقْبَلُ إلَّا فيه ما عدا في حالات خاصة؛ كالمرض والسفر والمطر.
وهذه الأوقات علَّمها جبريل - عليه السلام – النبي؛ حيث نزل فَصَلَّى بالرسول صلى الله عليه وسلم حول الكعبة صلاة الصبح عندما طلع الفجر، ثم نزل فصلى به صلاة العصر بعدما صار ظل كل شيء مثليه، ثم نزل فصلى به صلاة المغرب بعد غروب الشمس، ثم نزل فصلى العشاءَ بعد ذهاب الشَّفَق الأحمر، ثم جاءه من الغد حين أسفر جدًا فقال: قم فصل، ثم جاءه الظهر حين صار ظل كل شيء مثله، فقال: قم فصل، ثم جاء العصر حين صار ظل كل شيء مثليه فقال: قم فصل، ثم جاء المغرب وقتًا واحدًا ولم يزل عنه، ثم جاءه العشاء حين ذهب ثلث الليل أو نصفه، قال: قم فصل، فصلى العشاء، ثم قال له: " ما بين هذين وقت ". يريد بقوله " ما بين هذين وقت ": أي أن للصلاة وقتين: اختياريًّا وهو الأول، وضروريًّا وهو الثاني (رواه مسلم ).
أخي الكريم: لقد تعمدتُ أن أسوقَ لك حديث مواقيت الصلاة؛ لتتصور بنفسك حرمة أوقاتها عند الله جل وعلا، ولو لم تكن حرمتها عظيمة لما نزل جبريل عليه السلام بنفسه يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أوقات الصلاة، ويبين له وقت دخولها وخروجها، وليعلم المسلمون طوال التاريخ أن حفظ وقت الصلاة هو رأس الفلاح وعموده؛ فمن حفظ وقته فيها فقد حفظ وقته حقًا، ومن ضيَّع أوقاتها فقد ضيع نفسه وأوقاته كلها ولو أنجز فيها عظائم الإنجازات والأعمال، فتأمل.
فإن رمت اغتنام الوقت فعلاً فخير الوقت حي على الفلاح
فاحرص حفظك الله على أوقات الصلوات، واجعلها نصب عينيك لحظة بلحظة يبارك الله لك في أوقاتك ويحفظك في الدنيا والآخرة.
واعلم - أخي الكريم - أن الأعمال على درجات متفاوتة من حيث وجوبها واستحبابها وإباحتها، لذلك فعليك أن تستهل يومك بأداء واجباتك اليومية أولاً ! وهذا يستلزم منك تحديد أعمالك المهمة قبل الشروع فيها حتى لا تختلط عليك الأعمال والأوقات، وحتى لا تقدم مستحبًّا على واجب، ولا مباحًا على مستحب.
وبعد أداء ما عليك من الفرائض والواجبات لا بأس أن تنظم وقتك في الطاعات والقربات وغيرها مما ينفع في الدنيا والآخرة، أوَّلاً بأوَّل.
حياتك أنفاس تعد وكلما مضى نفس انقضت به جزءًا
مختارات