" من أساليب الشيطان فى غواية الإنسان : الاستحواذ على اللسان والأذن "
" من أساليب الشيطان فى غواية الإنسان: الاستحواذ على اللسان والأذن "
من أخطر وسائل الشيطان في إضلال الإنسان: الاستحواذ على اللسان والأُذن وتسخيرهما لكل ضلالة ومعصية.
فأمَّا اللسان فإنه الثغر الأعظم الذي يُسخر له جنده، ويترصد عنده، ويحيط به بمسلكين:
الأول - إجراء الباطل والبهتان عليه.
الثاني - منع إجراء النفع عليه.
فأما إجراء الباطل على اللسان فيتمثل في تزيينه للكلام الباطل كالغيبة والنميمة وشهادة الزور والكذب والفحش والبذاءة والغناء والشتيمة، وكل ما يضر به ويُرديه في مهاوي الهلاك.. فعدو الله يُدرك ما للِّسان من أضرار وما له من العواقب والأخطار، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ العبد ليتكلَّم بالكلمة ما يتبين فيها،يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب»(متفق عليه).
وعدوُّ الله يدرك أنَّ النجاة كلَّ النجاة في إمساك اللسان وحفظ الجوارح والأركان، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا سأله عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، ما النجاة؟ قال: «أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك وابكِ على خطيئتك» (رواه الترمذي).
ولذلك فالشيطان يحرص كلَّ الحرص على إفساد هذا الثغر، ويزيِّن لصاحبه تسخيره في الباطل والاشتغال باللغو الحرام؛ لأنه إذا تمَّ له الاستحواذ عليه ضمن ما بعده من الجوارح جميعًا كما قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أصبح ابن آدم، فإنَّ الأعضاء كلَّها تكفِّر اللسان تقول: اتقِ الله فينا؛ فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا» (رواه الترمذي).
وأما منع إجراء النفع عليه، فيتمثل في حدِّه عن ذِكر الله تعالى، واستغفاره، وتلاوة كتابه ونُصحه لعباده والتكلُّم بالعلم النافع والكلام الطيب، فإنَّ عدوَّ الله يُدرك أنَّ في الذِكر مصرعه؛ فيحرص كلَّ الحرص لمنع العبد من الاشتغال بالأذكار، ويظلُّ يوسوس ويُغرِّر ويُزيِّن ويُضلل حتى يصرف الذاكر عن ذكره والشاكر عن شكره، والتالي للقرآن عن تلاوته، والناصح للعباد عن نصحه وجهاده، فينبغي للمسلم أن يصون لسانه عن كلِّ باطلٍ وفحشاء، وأن ينـزِّهه عن الكذب وما يجلب لإخوانه الضَّراء.
ولقد نبَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خطر اللسان وضرره، وأنه من أعظم موجبات الجنة أو النار، ففي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبرك برأس الأمر، وعموده وذروة سنامه؟ » قلت: بلى يا رسول الله، قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد»..ثم قال: «ألا أخبرك بِمِلاكَ كلِّهِ ذلك كلِّه؟» قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه وقال: «كفَّ عليك هذا» قلت: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلَّم به؟فقال: «ثكلتك أمك ! وهل يكبُّ الناس في النار على وجوههم إلاَّ حصائد ألسنتهم؟» (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح).
وأمَّا استحواذه على الأذُن فيتمثَّل في إحكام الصَّدِّ عن الكلام النافع، وتزيين وزخرفة كلِّ كلامٍ باطل كما قال تعالى: " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا " [الأنعام: 112].
قال ابن القيم الجوزية:
فسمَّاه «زخرفًا» وهو باطل، لأنَّ صاحبه يُزخرفه ويُزيِّنه ما استطاع، ويلقيه إلى سمع المغرور فيغترُّ به.
والمقصود أنَّ الشيطان قد لَزِم ثغر الأذن: أن يُدخِلَ فيها ما يضرُّ العبد ولا ينفعه، ويمنع أن يدخل إليها ما ينفعهنَّ، وإن دخل بغير اختياره أفسد عليه (الجواب الكافي).
ومن مكائده في هذا الباب إيقاع العبد في درن التجسُّس وتزيينه له بدعوى الحرص على نفعه وكشف ضرّ غيره والأمن من مكره، وقد نهى الله جلَّ وعلا عن ذلك نهيًا قاطعًا فقال: «ولا تجسَّسوا»، وقال صلى الله عليه وسلم: «ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تجسَّسوا ولا تحسَّسوا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخوانًا»
وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنك إن تتبَّعت عورات المسلمين أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم» (رواه أبو داود بإسناد صحيح).
وكذلك التحريض على النجوى كما قال تعالى: " إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا ".
ومن أخطر ما يستحوذ به الشيطان على ثغر الأذن: الغناء.
قال تعالى: " وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا " قال ابن كثير رحمه الله: قيل «الغناء».
وقال مجاهد: باللهو والغناء، أي استخفَّهم بذلك (تفسير ابن كثير).
مختارات