فقه الإيمان بالله (٦)
والفطرة الإنسانية التي فطر الله عليها العباد تكملها الفطرة الشرعية التي جاء بها الأنبياء، فإن الفطرة تعلم الأمر مجملاً، والشرعية تفصله وتبينه، وتشهد بما لا تستقل الفطرة به.
والإسلام والإيمان متلازمان كالروح والبدن، فكما لا يوجد روح إلا مع البدن، ولا يوجد بدن حي إلا مع الروح، فكذلك لا يوجد إيمان بلا إسلام.
فالإيمان كالروح، فإنه قائم بالروح ومتصل بالبدن، والإسلام كالبدن، ولا يكون البدن حياً إلا مع الروح، وإسلام المنافقين كبدن الميت جسد بلا روح.
وما من بدن حي إلا وفيه روح، ولكن الأرواح مختلفة متنوعة كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الأرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ» متفق عليه (١).
وهكذا الإسلام الظاهر بمنزلة الصلاة الظاهرة، والإيمان بمنزلة ما يكون في القلب حين الصلاة من المعرفة بالله والخشوع والانكسار.
ومن فعل ما أمره الله به، وانتهى عما نهاه عنه ظاهراً وباطناً فقد استكمل الإسلام والإيمان الواجب عليه.
ومن ترك شيئاً من ذلك نقص من إسلامه وإيمانه بقدر ذلك، فمن نقص من الصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج، فقد نقص من إسلامه بحسب ذلك.
والنقصان في الإيمان يكون في الإيمان الذي في القلوب من المعرفة بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، ووعده ووعيده، والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
والأنبياء في ذلك درجات.
والمؤمنون درجات.
فالإيمان له مبدأ وكمال.
وظاهر وباطن.
وقوة وضعف.
وطعم وحلاوة.
وصورة وحقيقة، والإسلام كذلك.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الإِسْلامُ أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ، إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا» متفق عليه (٢).
وسئل - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان فقال: «أنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الاخِرِ.
وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» متفق عليه (٣).
وسئل - صلى الله عليه وسلم - عن الإحسان فقال: «أنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» متفق عليه (٤).
والإسلام والإيمان المذكوران في هذا الحديث لم يكونا واجبين أول الإسلام، ثم إنه زاد الإسلام والإيمان، وكملت أركانهما، ونزل في حجة الوداع البيان التام بكمال الدين في قوله سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣].
ومن أسلم وآمن قبل كمالهما فهو في الجنة.
فالإسلام هو الاستسلام لله وحده، والخضوع والانقياد له، وفعل الطاعات الظاهرة.
والإيمان هو التصديق بالغيب والطمأنينة، وفعل الطاعات الباطنة مع الظاهرة، وهذا قدر زائد على الإسلام.
والإسلام يتناول من أتى بالإسلام الواجب، وما يلزم من الإيمان، ولم يأت بتمام الإيمان الواجب.
ويتناول من أظهر الإسلام مع التصديق المجمل في الباطن، لكن لم يفعل الواجب كله، لا من هذا ولا من هذا، وهم الفساق يكون في أحدهم شعبة نفاق أو أكثر.
ويتناول من أظهر الإسلام وليس معه شيء من الإيمان وهو المنافق المحض، فهذا تثبت له أحكام الإسلام في الدنيا، لعدم معرفة ما في قلبه، لكنه في الآخرة في الدرك الأسفل من النار.
والإسلام هو الدين الحق الذي لا تنفك فيه العقيدة الإيمانية.
عن الشعائر التعبدية.
عن الشرائع التنظيمية.
عن القيم الأخلاقية، وهذا هو الدين الكامل الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٨٥)} [آل عمران:: ٨٥].
أما النصرانية فقد حرفت، فقد انفصل فيها الجانب التشريعي التنظيمي عن الجانب الروحي التعبدي الأخلاقي، حيث قامت العداوة بين اليهود والنصارى، فأنشأ هذا انفصالاً بين التوراة المتضمنة للشريعة، والإنجيل المتضمن للإحياء الروحي، والتهذيب الأخلاقي، وبقيت النصرانية نحلة بغير شريعة، فعجزت عن القيادة، فأرسل الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - بالدين الكامل إلى يوم القيامة.
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٣٣٣٦)، ومسلم برقم (٢٦٣٨).
(٢) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٥٠)، ومسلم برقم (٨) واللفظ له.
(٣) متقق عليه، أخرجه البخاري برقم (٥٠)، ومسلم برقم (٨) واللفظ له.
(٤) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٥٠)، ومسلم برقم (٨) واللفظ له.
مختارات

