اسم الله القهار 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى: ( القهار) :
أيها الأخوة الأكارم ، لازلنا في اسم " القهار " والقهر في اللغة يعني الغلبة قهره : أي غلبه ، أو صرف الشيء عن طبيعة قوية فجعله ضعيفاً مقهوراً ، قال تعالى : " فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ " [الضحى:9] .
واسم " القهار " له علاقة وشيجة بالتوحيد ، فما تعلمت العبيد كعلم التوحيد .
الحقيقة ينبغي أنه ما من شيء إلا وهو مقهور لله جلّ جلاله ، تحت أعلام عزته ، ذليلاً في ميادين صمديته .
المعاني الإيجابية لاسم " القهار " :
المعاني الإيجابية لاسم " القهار " : لو عرفت الله عز وجل لقهرك جماله ، ولقهرك كماله ، والقاهر هو الذي قهر نفوس العابدين ، فحبسها على طاعته .
والقاهر هو الذي قهر قلوب الطالبين فآنسها بلطف مشاهداته .
القاهر هو الذي حبس نفوس العابدين على طاعته ، العباد لما أقبلوا على الله وصلوا وسعدوا ، فحبسوا أنفسهم على طاعته ، فالله قهرهم بجماله ، وقهرهم بكماله ، وقهرهم بتجليه ، فالمحب لم يعد يريد من الدنيا شيئاً ، هذه المعاني التي يجب أن يتمثلها المؤمن من اسم " القهار " .
أيها الأخوة ، هناك أسماء كثيرة ، إذا تمثلها الإنسان يُذم ، إنسان متكبر مذموم ، إنسان قاهر مذموم ، أما إذا وصفت بها الذات العلية فهي أسماء حسنى ، وصفات فضلى .
القهر نوعان : قهر أداء وقهر منع :
الحقيقة القهر نوعان : قهر أداء ، وقهر منع ، كيف ؟ الآية الكريمة : " إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا " [فاطر:41] أمرها أن تكون على مسارها ، ومنعها من أن تخرج عن مسارها .
" اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا " [الرعد:2] .
" إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ " [فاطر:41] أي الأرض تدور حول الشمس في مسار إهليلجي (أي بيضوي) ولهذا المسار طبعاً مسار مغلق ، شكله بيضوي أو إهليلجي ، وهذا الشكل له قطر أصغر وقطر أطول ، فإذا اتجهت الأرض في مسارها حول الشمس إلى القطر الأصغر ضاقت المسافة بينها وبين الشمس ، وقانون الجاذبية متعلق بالكتلة والمسافة ، فكلما كبرت الكتلة ازدادت الجاذبية وكلما صغرت قلّت ، وكلما قلّت المسافة بين الكتلتين ازداد الجذب ، فإذا طالت المسافة قلّ الجذب ، هذا ملخص القانون .
الأرض حينما تقترب من القطر الأصغر المسافة بينها وبين الشمس تقل ، فإذا قلّت هناك احتمال أن تجذبها الشمس إليها ، فإذا جُذبت إليها تبخرت في ثانية واحدة ،
" إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا " قهر السماوات والأرض أن تميل ، وأن تنحرف عن مسارها ، قوة من ؟ علم من ؟ حكمة من ؟ .
الله تعالى قهر الأرض أن تبقى على مسارها و منعها أن تخرج من مسارها :
عندما تقترب الأرض من القطر الأصغر ، وتقلّ المسافة بينها وبين الشمس ، وهناك احتمال أن تنجذب الأرض إلى الشمس تتبخر في ثانية واحدة ، ترفع الأرض سرعتها ، يتأتى من رفع هذه السرعة أن تنشأ قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة ، فتبقى في مكانها .
فالله قهر الأرض على أن تبقى في مسارها ، لا تحيد لا يمنة ولا يسرة ، لو تابعت الأرض سيرها ، ووصلت إلى القطر الأطول ، المسافة زادت ، والجذب قلّ ، هناك احتمال أن تتفلت من جاذبية الشمس ، فإذا تفلتت سارت في الفضاء الكوني وعندئذٍ تصبح الحرارة في الأرض 270 تحت الصفر ، هذا الصفر المطلق تنتهي الحياة فيه .
فالأرض معرضة إلى أن تتبخر في ثانية واحدة لو انجذبت إلى الشمس ، وإلى أن تدخل في الصفر المطلق إذا تفلتت من جاذبية الشمس ، ماذا يحدث في القطر الأطول ؟ .
يخفض الله سرعة الأرض ، فإذا خفضت السرعة ظهرت قوة نابذة أقل تكافئ القوة الجاذبة الأقل فتبقى في مكانها " إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا " إذاً الله عز وجل قهر الأرض أن تبقى على مسارها حول الشمس ، هذا قهر أداء ومنع الأرض أن تخرج من مسارها حول الشمس ، فالقهر قهران ، قهر أداء وقهر منع .
الله سبحانه وتعالى واجب الوجوب وما سواه ممكن الوجود :
شيء آخر : السماوات والأرض مصطلح قرآني ، يعني ما سوى الله ، فعند بعض علماء العقيدة أن الله سبحانه وتعالى واجب الوجوب ، لكن ما سوى الله يمكن الوجود ، معنى يمكن الوجود يعني سبقه عدم ، وينتهي إلى عدم ، فممكن أن يكون ، وممكن ألا يكون ، ممكن أن يكون على ما هو كائن ، ممكن أن يكون على خلاف ما هو كائن ، فالله سبحانه وتعالى قهر العدم ، العدم ما سوى الله ، لأنه سبقه عدم ، وسيؤول إلى عدم ، وأي شيء ما سوى الله قائم وموجود بإناب الله له ، فإذا قطع الله إمداده عن هذا الشيء تلاشى .
تماماً كمصباح الكهرباء تأتيه قوة كهربائية ، تمده فيتألق ، فلو انقطع عنه التيار الكهربائي لانطفأ ، وانتهت وظيفته .
ما سوى الله هو السماوات والأرض ، هو الكون ، ما سوى الله بكلمة موجزة هو العدم ، لأن كل شيء ما سوى الله سبقه عدم ، وهو موجود وقائم بإمداد الله له ، هذا معنى قوله تعالى : " اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ " [البقرة:255] مصدر الحياة الكون وقيامه ، حي قيوم .
إمداد الله تعالى الشمس بالطاقة الهائلة :
أيها الأخوة : " قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ " [طه:49-50] .
" اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ " مثلاً : الشمس عمرها خمسة آلاف مليون عام، وعلماء الفلك يقدرون أنها ستبقى خمسة آلاف مليون عام قادم ، من أمدها بهذه القوة ؟ نحن في الأرض تضع صفيحة بنزين في مركبة بعد مئتي كم ينتهي ، تملأ خزان الوقود السائل في البيت بعد شهرين ينتهي ، الطاقة تنتهي ، من أمدّ الشمس بهذه القوة ؟ الشمس ألسنة اللهب يزيد طولها عن مليون كم ، والحرارة في سطح الشمس ستة آلاف درجة ، أما في مركزها تصل إلى عشرين مليون درجة ، من أمدّ الشمس بهذه الطاقة ؟ الله جلّ جلاله .
من دلائل اسم القهار :
1 ـ تلاؤم المواد المتنافرة بقدرة الله عز وجل :
الآن عندنا معنى آخر من معاني " القهار " بعض العلماء يقولون : في الأرض أربع مواد أساسية ، هي الماء ، والهواء ، والنار ، والتراب ، هذه كلها متنافرة ، يعني الماء مثلاً مؤلف من أوكسجين ، وهيدروجين ، الأوكسجين غاز يعين على الاشتعال ، أكبر غاز يعين على الاشتعال هو الأوكسجين ، والدليل أنت حين تشوي اللحم تحرك الهواء فيتألق الفحم والهدروجين غاز مشتعل ، غازان الأول يعين على الاشتعال ، والثاني يشتعل ، كلاهما يشكل الماء ، وبالماء تطفأ النار ، والماء فيه غاز شديد الاشتعال ، وغاز يعين على الاشتعال .
لذلك حينما فهم بعض العلماء قوله تعالى : " وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ " [الطور:6] يمكن بأمر من الله عز وجل أن تكون البحار كتلاً من اللهب " وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ " .
معنى " القهار " أي قهر المواد المتنافرة ، فتلاءمت ، أوكسجين وهدروجين ، الأول غاز يعين على الاشتعال ، بل هو الغاز الأول ، والثاني غاز شديد الاشتعال منهما يتشكل الماء ، وبالماء تطفأ النار .
2 ـ توافق النفس مع الجسم :
الآن النفس جوهر لطيف ، والبدن جوهر كثيف ، يوجد هيكل عظمي ، في عضلات ، في وزن ، في حركة ، في حيز ، أما النفس جوهر لطيف ، فكيف وفق الله بينهما ؟ كيف جعل هذا الجسم في داخله النفس ، فتوافق النفس مع الجسم أيضاً من دلائل اسم " القهار " .
3 ـ الله عز وجل يسري إمداده في كل الخلائق فتقوم بمهمتها :
هناك معنى آخر : أن الخلق جميعاً مقهورون في مشيئته ، والدليل : " وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ " [البقرة:255] .
أي اكتشاف يظهر سمح الله له أن يظهر " وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ " [البقرة:255] .
للتقريب : يوجد بالبيت عشرون جهازاً كهربائياً ، من ثلاجة ، إلى مكيف ، إلى مروحة ، إلى مكواة ، إلى مكبر ، إلى جهاز راديو ، كل هذه الأجهزة من دون كهرباء لا معنى لها إطلاقاً ، كتل تعد عبئاً عليك ، فإذا سرت الكهرباء فيها المسجلة صدحت بالقرآن الكريم ، والثلاجة بردت ، والمكيف قدم لك الهواء البارد ، والمكواة سخنت وحميت واستخدمتها .
إذاً " القهار " يسري إمداده في كل الخلائق فتقوم بمهمتها .
أصل الجمال في الكون هو الله :
لذلك القهر قهر أداء وقهر منع ، فكل ما سوى الإنسان مقهور بمشيئة الله ، ما سوى الإنسان ، أهل الأرض جميعاً الكائنات ، الجماد ، النبات ، الحيوان ، الإنسان مقهورون بمشيئة الله .
فما في الكون مسير إلا أن الإنس والجن وحدهما مخيران ، الآن هناك مثل آخر : أحياناً يوجد لعبة السيارات الكهربائية في مدينة الألعاب ، تجد مئة سيارة يركبها الصغار ، يصطدمون ، يصيحون ، يتحركون ، صاحب هذا المكان عنده قاطع إذا قطع التيار عن هذه الساحة كله جمد ، فكل هذه المركبات وحركتها مقهورة بضغطة من زر صاحب هذا المكان .
الآن حينما قال الله عز وجل : " وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا " [البقرة:165] يعني إنسان ظلم نفسه ، وأحبّ ما سوى الله ، أحبّ امرأة ساقطة ، أحبّ بيتاً فخماً ، كسب المال الغير مشروع ، قال : " وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً " [البقرة:165] .
أصل الجمال هو الله ، أصل الكمال هو الله ، أصل النوال هو الله ، فالإنسان من أجل شيء جميل طارئ فانٍ عصى ربه ؟ من أجل عطاء قليل ينتهي بالموت عصى ربه ؟ يوم القيامة يكتشف أن أصل الجمال في الكون هو الله ، وأن أصل النوال هو الله ، وأن أصل الكمال هو الله ، تعلق بالفرع ونسي الأصل ، فضيع الأمل " وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً " لذلك قيل : إذا أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك .
على الإنسان أن يشتق كمالاً من كمال الله يتقرب به إليه :
الآن المؤمن ما حظه من اسم " القهار " الله قهار ، قهر أداء ، وقهر منع " وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ " أنت كمؤمن ما علاقتك بهذا الاسم ؟ نحن قلنا سابقاً : أن الإنسان ينبغي أن يشتق كمالاً من كمال الله ، يتقرب به إلى الله ، ما علاقتك أنت بهذا الاسم ، أنت حينما تعرف الواحد " القهار " تتحجم ، تتواضع ، تتطامن ، تكون مفتقراً إلى الله عز وجل ، ودائماً وأبداً عندنا حالتان إذا قلت الله تولاك ، فإذا قلت أنا تخلى عنك فأصحاب النبي الكريم في بدر قالوا الله : " وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ " [آل عمران:123] .
وفي حنين تخلى الله عنهم لأنهم قالوا : " ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ " [أخرجه أبو داود والترمذي] .
هذا درس بليغ ، في أي لحظة تقول أنا ، أنا ابن فلان ، خبراتي متراكمة ، معي شهادة عليا ، أحتل منصباً حساساً جداً ، حينما تقول أنا وتنسى الله عز وجل يتخلى الله عنك أما إذا قلت الله هو أكرمني ، هو أعطاني ، هو مكنني ، هو وفقني ، يتولاك الله عز وجل .
ورود اسم القهار في القرآن الكريم صريحاً أو ضمنياً :
الآن اسم " القهار " قد يرد مباشرة ، صريحاً ، والدليل : " وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ " [الأنعام:18] .
" لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ " [غافر:16] .
ورد هذا الاسم صريحاً في آيات كثيرة ، وقد يأتي هذا الاسم ضمنياً في آيات مثلاً : " صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ " [الشورى:53] .
الأمور بيد الله كانت ولا تزال وستبقى إلى أبد الآبدين :
هناك سؤال كبير : بيد من كانت ثم صارت إليه ؟ الحقيقة أن الأمور بيد الله كانت ولا تزال ، وستبقى إلى أبد الآبدين ، لكن أهل الأرض حينما شردوا عن الله عز وجل توهموا أن الأمر بيد زيد ، أو عبيد، أو بيد فلان ، أو علان ، فعبدوا الأشخاص من دون الله والآن العالم الإسلامي يتوهم الأمر بيد هذه القوة ، فإذا رضيت عنك سلمت ، وإذا غضبت عليك دمرتك ، هذا شرك ، شرك كبير جداً ، الله عز وجل قال : " أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ " كانت ولا تزال وسوف تبقى هكذا عند أهل الإيمان ، أما عند أهل الشرك والكفران كانت بيد الأقوياء ، أما يوم القيامة رأى كل الناس مؤمنهم وكافرهم أن الأمر بيد الله " أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ " عند من شردوا عن الله عز وجل ، أما المؤمن وهو في الدنيا يرى أن الأمر بيد الله ، كان ولا يزال ، وسيبقى .
ورود اسم القهار في القرآن الكريم بشكل غير مباشر :
هذا الاسم أيضاً ورد بشكل غير مباشر مثلاً والله : " وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " [يوسف:21] ماذا أراد إخوة يوسف ؟ أن يضعوه في الجب ليموت ، ويستريحوا منه ، ويبقى لهم أبوهم وحدهم ، ما الذي حصل ؟ أن هذا الذي وضعوه في الجب جعله الله عزيز مصر ، ماذا أراد فرعون حينما قتل بني إسرائيل؟أراد أن يرتاح من هذه الرؤيا،أن طفلاً من بني إسرائيل سوف يقضي على ملكه،لكن " وَالله غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " فالطفل الذي سيقضي على ملكه رباه في قصره ، مع الله لا يوجد ذكي أبداً ، يؤتى الحذر من مأمنه .
في بعض الآثار القدسية :
" عبدي خلقت لك السماوات والأرض ولم أعيَ بخلقهن ، أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين ، لي عليك فريضة ، ولك علي رزق ، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك ، وعزتي وجلالي إن لم ترضَ بما قسمته لك فلأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش في البرية ، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي ، وكنت عندي مذموماً ، أنت تريد وأنا أريد ، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد " [ورد في الأثر] هذا هو التوحيد ، وما تعلمت العبد أفضل من التوحيد .
أمر الله عز وجل هو النافذ في كل مكان وزمان :
" القهار " أمر الله هو النافذ ، الأمور تدور وتدور ، وفي النهاية أمر الله هو النافذ فعال لما يشاء " وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ " .
" وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " .
يعني من السلبيات التي ينبغي أن نجتنبها : هناك أناس يقرؤون في بعض كتب الأقوام القوية ، أنهم يخططون للبشرية كلها ، ينسون الله عز وجل ، يرون أن هذه الأمم القوية بيدها كل شيء ، بيدها مصائر الشعوب ، فهؤلاء ضعاف الإيمان يعبدونها من دون الله ، يقول لك كل شيء يخططونه يتحقق ، ينسى أن الله موجود ، أنا أقول دائماً : استمع إلى الأخبار لا يوجد مانع ، واقرأ التحليلات ، ولا تنسى للحظة واحدة أن الله موجود ، وأن الله قادر على أن يغير الموازين كلها ، وأن الله عز وجل كن فيكون ، وزل فيزول ، فأي بحث في موضوع خطير دون أن تدخل أن الله موجود ، وأن الله على كل شيء قدير ، وأن الله قادر على تغيير موازين القوى ، هذا بحث أعرج لا يستقيم ، الله قال : " وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً " [الأنعام:129] .
القوي أحياناً يخطط ويفعل ما خطط، لكن خطته استوعبتها خطة الله عز وجل أحياناً القوي يخطط ، ويبدو لك على الشبكية أن الذي خطط له نفذه ، وقهر الشعوب ، لكن يجب أن تعتقد اعتقاداً جازماً أن هذه الخطة التي وضعها هذا الطرف استوعبتها خطة الله عز وجل ، لا يليق بألوهية الإله أن يقع في ملكه ما لا يريد ، فكل شيء أراده الله وقع ، وكل شيء وقع أراده الله ، بمعنى سمح به ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق .
المؤمن الحق يقهر شهوته ومصلحته وطموحه إذا تناقضت مع منهج الله عز وجل :
الآن المؤمن ما عليه من هذا الاسم ؟ عليه أن يقهر شهوته .
" وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ " [النازعات:40-41] .
يجب أن تقهر شهوتك إذا تعارضت مع منهج الله ، يجب أن تقهر مصلحتك إذا بني عليها فساد للآخرين ، يجب أن تقهر طموحك إذا حملك على ظلم الناس ، يجب أن تقهر شهوتك ، أن تقهر مصلحتك ، أن تقهر طموحك إذا سار في طريق لا يرضي الله .
لذلك أقول:"المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كلّ خير" [مسلم] .
يعني إذا كان طريق القوة سالك وفق منهج الله لا مانع ، كن قوياً ، إذا كان طريق الغنى سالك وفق منهج الله لا مانع كن غنياً ، أما إذا كان طريق القوة ، أو طريق الغنى على حساب مبادئك ، وقيمك ، ضعفك وسام شرف لك ، وفقرك وسام شرف .
أي المؤمن يقهر شهوته ، يقهر مصلحته إذا خالفت منهج الله ، المؤمن يقهر طموحه إذا أدى به إلى معصية ، فالمؤمن كما أنه يعبد الواحد " القهار " يقهر هو شهوته ومصلحته وطموحه إذا تناقضت هذه كلها مع منهج الله عز وجل .
والحمد لله رب العالمين