" السميع "
" السميع "
سمعه تعالى نوعان:
- أحدهما: سمعه لجميع الأصوات الظاهرة والباطنة، الخفية والجلية، وإحاطته التامة بها.
- والثاني: استجابة دعاء الدَّاعين وقبول العمل من العابدين؛ فيصيبهم ويثيبهم.
- وَوَرَدَ الاسمُ مَقْرونًا بغيره (سميع عليم، سميع بصير، سميع قريب) دلالةً على الإحاطة بالخَلْق؛ وفي ذلك تنبيهٌ للعاقل وتذكيرٌ؛ كي يراقبَ نفسَه وما يصدر عنها من أقوال وأفعال.
أثر الإيمان بالاسم:
- الله هو الذي يسمع المناجاة ويجيب الدُّعاءَ عند الاضطرار ويكشف السُّوءَ ويَقْبل الطَّاعة؛ فكيف تلجأ لغيره بالشكوى، وكيف يبلغ بك اليأس حدًّا قد تصرخ معه ثم تتباكى على جنبات هذه الصَّرْخة بأنها صارت صرخة في واد.
- السَّمعُ أعلى درجات الحواسِّ في الإنسان؛ حتى أنَّه قُدِّمَ على البصر؛ لكن مهما حاولتَ تَصَوُّرَ مدى سمع الله فسيقصر تَصَوُّرُك عن كُنْه هذا السَّمْع؛ " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " [الشورى: 11].
- الله تعالى سميع لدعاء خلقه على اختلاف ألسنتهم ولغاتهم، يعلم ما في قلب القائل قبل أن يقول، وإن عجز عن التعبير عنه فيعطيه اللهُ ما في قلبه وإن لم يتلفظ به؛ كما سمع دعاءَ زكريا - عليه السلام: " إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا " [مريم: 3].
- جاء اقترانُ (السميع) بـ (العليم) في أدعية الأنبياء الواردة في القرآن مناسبًا لأن يَختم الدعاءَ بالتَّوَسُّل إلى الله – سبحانه - باستجابة الدعاء بهذين الاسمين؛ فالسميع بمعنى السامع للدعاء أو مجيب الدعاء، والعليم بحال الداعي وحاجته؛ فإنَّ البشرَ لو سألَ بشرًا مثلَه لا بُدَّ له أن يُعْلمه بحاله وما فيه من العَوْز؛ أما الله - سبحانه وتعالى - لا يخفى عليه شيء من حال الدَّاعي؛ فهو السَّامع لدعائه العالم بحاله.
- أدرك الأقربون لله - وهم رسله - أنَّ ما من سميع لشكواهم وحاجتهم وأعمالهم إلا الله، فدعا زكريا - عليه السلام - ربَّه سائلًا إيَّاه الذُّرِّيَّةَ الصَّالحة وهو يتضرع؛ " إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ " [آل عمران: 38].
- وأَثْنَى إبراهيم - عليه السلام - على ربِّه باسم السَّميع؛ " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ " [إبراهيم: 39]، ثم سأل الله بهذا الاسم حين أنهى وابنه إسماعيل - عليه السلام - بناءَ الكعبة؛ " وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " [البقرة: 127].
- وسألت امرأةُ عمران قبولَ الله لعملها حين نذرت ما في بطنها تقرُّبًا وتضرُّعًا لله؛ " رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " [آل عمران: 35].
- ولما ضاقت على يوسف - عليه السلام - مكائدُ النساء حوله، دعا ربَّه؛ " فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " [يوسف: 34].
- وما الهمُّ والحزن وتداعياته من وسوسة وشَكٍّ وقَهْر وكآبة إلا من شيطان أَمَرَنا الله بالتَّحَرُّز منه؛ " وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " [فصلت: 36]؛ فالله سميع بجهل الجاهل عليك، عليم بما يذهب عنك نزغ الشيطان وأذى خلقه؛ " فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " [البقرة: 137].
- " قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا " [المجادلة: 1]، وعن الآية قالت عائشة - رضي الله عنها: «تبارك الذي وسع سمعُه الأصوات؛ لقد جاءت المجادلة تشتكي إلى رسول الله وأنا في جانب الحجرة، وإنَّه لَيَخْفَى عليَّ بعضُ كلامها»؛ فسبحانه: " يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " [الأنبياء: 4].
- وقد أنزل الله قرآنًا في ثلاثة رجال تحاوروا عند بيت الله مشكِّكين في قدرة الله؛ «أترون أن الله يسمع ما نقول؟» فأنزل اللهُ تعالى: " وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ " [فصلت: 22]، وبَيَّنَ – تعالى - قدرتَه في موضع آخر: " أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ " [الزخرف: 80].
- وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين رفعوا أصواتهم بالتكبير: «أَيُّها النَّاسُ، أَرْبعوا على أنفسكم؛ فإنَّكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا؛ ولكن تدعون سميعًا بصيرًا» " البخاري ومسلم ".
ومعنى قولنا: (سَمعَ الله لمن حمده): أي " قَبلَ الله حَمْدَ مَنْ حَمدَه ".
- إن احْتَجْتَ أن تُسمع هَمَّكَ لأحد فلا تَذْهَبْ بعيدًا عن الله السَّميع المجيب؛ إنَّه يسمع السِّرَّ والنَّجْوَى، ويَسْمَعُ الشَّكْوى؛ يَسْمَعُ ويُجيب إجابةً لا تجدها عند غيره، يرفع عنك الحزن ويطيح عنك الهمَّ؛ " وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " [يونس: 65].
مختارات