فقه حسن الخلق (٥)
فمن اتصف بهذه الصفات أحبه الله، وكانت معه نصرة الله ومعيته، واستفاد من قدرة الله كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (١٢٨)} [النحل: ١٢٨].
فهنا نوعان:
الأول: الصفات الإيمانية، ومن اتصف بها حصلت له نصرة الله ومعيته ومحبته كالإيمان واليقين والتوكل ونحوها.
الثاني: الأعمال الإيمانية كالصلاة والصوم والحج ونحوها، فهذه على قسمين:
الأول: أعمال مقبولة، وهي المقرونة بالصفات الإيمانية كما قال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢)} [المؤمنون: ١،٢].
الثاني: أعمال غير مقبولة، وهي الخالية من الصفات الإيمانية كما قال سبحانه: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (٥)} [الماعون: ٤،٥].
والأعمال التي فيها شرك أو رياء، والرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ومن يجاهد ليقال جريء، أو يقرأ ليقال قارئ، أو ينفق ليقال جواد، كما قال سبحانه: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (٥٤)} [التوبة: ٥٤].
والصفات الإيمانية محلها القلب.. والأعمال محلها الجوارح.. وأعمال الجوارح مبنية على ما في القلوب من الإيمان أو عدمه.
وأصل الأخلاق المحمودة كلها الخشوع وعلو الهمة.
وأصل الأخلاق المذمومة كلها:
الكبر.. والمهانة.. والدناءة.
فالفخر والبطر والأشر، والظلم والبغي والتجبر، والعجب والخيلاء والحسد، وإباء قبول النصيحة، وطلب العلم، وحب الرئاسة والجاه، كلها أمراض قلبية ناشئة من الكبر.
والكذب والمكر، والخسة والخيانة، والرياء والحرص، والخديعة والطمع، والجبن والبخل، والعجز والكسل، والفزع والذل لغير الله، ونحوها، كلها أمراض قلبية ناشئة من المهانة والدناءة وصغر النفس.
فما أجمل مكارم الأخلاق.. وما أحسن التحلي بها.. وما أعظم أجرها وثوابها.. وما أخفها على نفوس الكرام.. وما أثقلها على نفوس اللئام.. وهي بحار مختلفة لا يقدر عليها كل أحد:
بحر الصبر.. وبحر التقوى.. وبحر الحلم.. وبحر العفو.. وبحر الإيثار.. وبحر الإحسان.. وبحر الصدق.. وبحر العلم.. وبحر العدل.
فلهذا قل واردها، وندر من أبحر فيها، وهي تقسم كما تقسم الأرزاق والآجال، ولها أهل، ولضدها أهل، والله أعلم حيث يجعل رسالته.
إن العاقل حقاً من أرضى ربه قبل أن يلقاه.. وبنى قبره قبل أن يدخله.. وترك الدنيا قبل أن تتركه.
ومن استطاع أن يتحلى بمكارم الأخلاق، ويترقى فيها حتى يكون إماماً لحيه، وإماماً للناس، فليفعل، فإن له من عمل كل مقتد به نصيب كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الأجْرِ مِثْلُ أجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا» أخرجه مسلم (١).
(١) أخرجه مسلم برقم (٢٦٧٤)
مختارات