فقه الإيمان بالله (٣)
فبالدعوة يزيد الإيمان، وتزيد الأعمال، ويزيد دخول الناس في الإسلام.
ويقوى الإيمان ويزداد.
كلما زادت المعرفة بالله وبأسمائه وصفاته وأفعاله.
وعظمته وكبريائه.
ومعرفة نعم الله وآلائه.
ومعرفة وعده ووعيده.
ومعرفة نعيم الجنة ومتاعها.
ومعرفة عذاب النار وأهوالها.
ويتم ذلك بالنظر في الآيات الكونية، والنظر في الآيات الشرعية، وكثرة ذكر الله، وبذلك يحصل اليقين على الله، وتطمئن القلوب بذكره كما قال سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨)} [الرعد: ٢٨].
وبذلك يتأثر القلب، ثم تتأثر الجوارح، ثم تأتي الرغبة في الطاعات، والنفور من المعاصي، ويشتاق الإنسان إلى ربه، وإلى نعيم الجنة، ويتلذذ بالعبادة وذكر الله، ومجالسة الصالحين والمصلحين.
وبذلك تتكون بيئة الإيمان، وبيئة العبادة، وبيئة الدعوة، ويأتي فكر الآخرة.
وكما أن النبات والحيوان لا بد له من بيئة حتى يكبر ويزيد، فكذلك الإنسان لا بد له من بيئة صالحة حتى يزيد إيمانه، وتقوى أعماله، وتحسن أخلاقه.
وبيئة الإيمان والأعمال الصالحة هي التي تقام فيها الأعمال الانفرادية، والأعمال الاجتماعية.
فالانفرادية كتلاوة القرآن بالتدبر، والأذكار، والأدعية، والاستغفار، ونوافل الطاعات، وتذكر الموت، ومحاسبة النفس ونحو ذلك.
والأعمال الاجتماعية كالدعوة إلى الله، والتعليم، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، وصلاة الجماعة، وإكرام الناس، والإحسان إليهم، ليرغبوا في الدين والطاعات، وكسب الحسنات.
وبيئة الإيمان تتكون من ثلاثة أشياء:
المكان كالمسجد.
والجماعة.
والأعمال الانفرادية والاجتماعية مع التقوى، فلحفاظة الإيمان لا بد من التقوى، فهي سور الإيمان.
وهذه الأعمال اليومية، هي أوامر الله على الإنسان الذي خلقه الله وهداه واشتراه، ووعده الجنة، تحفظه وتزكيه وتطهره، فضلاً عمن يهتدي ويصلح بسببه.
وفي البيئة التي فيها الإيمان، والأعمال، والصفات، يسهل الحصول على أمور أربعة:
فهم الدين.
العمل بالدين.
الترقي في الدين.
نشر الدين.
ولذلك أمرنا الله عزَّ وجلَّ بلزوم هذه البيئة لنظفر بذلك كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩)} [التوبة: ١١٩].
وإذا دخل الإيمان في القلب، سهل على الإنسان امتثال أوامر الله، فالإيمان كالصحة، كلما قوي زاد العمل.
فالمريض لا يستطيع أن يأكل ولا يمشي ولا يعمل، فإذا عالج بدنه حصلت له الصحة بإذن الله عزَّ وجلَّ، فإذا أراد أن يأكل أو يمشي أو يعمل سهل عليه ذلك.
وهكذا إذا حصلت للإنسان حقيقة الإيمان، ورسخ في قلبه ذلك، سهل عليه قبول أوامر الله، وامتثالها، وحبها والمسارعة إليها، واجتناب ما حرم الله.
وكلما زاد الإيمان زاد العمل، وكلما أقبل على الله أعانه الله ووفقه وهداه، ولا يتم ذلك إلا بالتضحية بالشهوات، وتقديم أوامر الله عليها، وبذل الجهد لإعلاء كلمة الله.
فأداء العبادات كالصلات مثلاً يتطلب التضحية بالشهوات التي يحبها الإنسان، وتصور تلك الشهوات.
فالمسلم في الصلاة يترك شهوة الأكل والنوم، وشهوة التجارة، وشهوات الدنيا، ويترك تصور تلك الشهوات بالإقبال على الله، فيعبد الله كأنه يراه، ولا ينشغل بما سواه.
وإذا طلب الله منا تكميل شيء كالعبادات مثلا، نسينا وتركنا جميع الأشياء لتكميل هذه العبادة، فمن أكمل العبادات، وأخر الشهوات أكمل الله شهواته يوم القيامة، ووفقه في الدنيا لما فيه سعادته.
ومن ضحى بشهواته في الدنيا أكملها الله له يوم القيامة.
ومن أكمل لله ما يحب في الدنيا من الإيمان والأعمال الصالحة أكمل الله له ما يحب يوم القيامة من الشهوات والمسرات: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)} [السجدة: ١٧].
والإيمان درجات متفاوتة لا يحصيها إلا الله.
والعباد بالنسبة للإيمان ثلاثة أقسام:
الأول: مَن إيمانهم ثابت لا يزيد ولا ينقص وهم الملائكة.
الثاني: من إيمانهم يزيد ولا ينقص وهم الأنبياء والرسل، الذين رباهم الله واصطنعهم لنفسه من البشر.
الثالث: مَن إيمانهم يزيد وينقص، وهو إيمان بقية البشر، وهؤلاء إيمانهم يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
فإذا زاد الإيمان جاء الإقبال على الطاعات، والنفرة من المعاصي.
وإذا نقص الإيمان ضعف الإقبال على الطاعات وجاءت الرغبة في المعاصي.
فكل طاعة تزيد الإيمان.
وكل معصية تنقص الإيمان.
وكل طاعة تزيد نور القلب.
وكل معصية تملأ القلب ظلمة.
والإنسان كالبذرة فيها شجرة كاملة، فإذا بذرناها واجتهدنا عليها، ظهرت جذورها وأغصانها وأوراقها وأزهارها وثمارها.
وكذلك الإنسان فيه طاقات واستعدادات للخير والشر.
فإذا اجتهدنا عليه، ودخل الإيمان في قلبه، ظهرت طاقاته المحمودة من العلم والعبادة والدعوة، وحسن المعاملات والمعاشرات والأخلاق، وظهرت زينته على بدنه، كما تظهر الأوراق والزهور والثمار على الشجرة.
فكما أنه إذا دخل الماء إلى الشجرة تفتحت بالأوراق والأزهار والثمار، فكذلك إذا دخل الإيمان في القلب أثمر الأعمال الصالحة، وتفتحت الجوارح بالأعمال والعبادات والدعوة، وطلب الأعمال كما يطلب العطشان الماء.
مختارات

