الصيادون...
في أواخر عمر والدي (رحمه الله وجميع المسلمين)
ذهبنا لإحدى العيادات الخاصة في جدة وفي مواقف السيارات ونحن نحاول مساعدة الوالد في النزول ووضعه في عربة الركوب حيث لم يعد قادرا على المشي.
ومعي إخوتي وهم يشفقون من إيلامه بالحمل وبينما نشعر بالحيرة والتوتر مر شاب ذو جسد رياضي.
وقد سمعنا ورآنا ملتفين على الوالد
فتقدم بلطف وقال لي:
هل يمكنني مساعدتكم؟
قلت: تفضل.
فطلب منا أن نتأخر جميعا.
تأخرنا
فتقدم بهدوء وحمله برفق وسهولة بين يديه مع أن أبي تام الخلقة رحمه الله ممتلئ البدن ووضعه في كرسي المشي.
ومضى..
مر الآن أكثر من إحدى عشرة سنة ولدي في كل مرة هاتف يحثني على الدعاء له.
إنهم قناصة الأجور وصيادو الثواب الذين يلتقطون اللحظة السانحة ويتحسسونها في الطرق
إنهم كسلوك الصياد يراقب المشهد من بعيد ويخطط ثم يتقدم ويضع بصمته ويرحل...
روح الصياد متوثبة على الدوام لكنها هادئة وفطنة تلتقط المشهد كاملا ولا تدخل في الصورة حتى تعرف أين مفتاح الكنز
تأمل في قصة موسى عليه السلام
كيف راقب المشهد؛
1- وَجَدَ عَلَیۡهِ أُمَّةࣰ مِّنَ ٱلنَّاسِ یَسۡقُونَ
2- ووجد من دونهم امرأتين تذودان...
ولم يدخل بعد في المشهد حتى
سأل: ما خطبكما....
لقد أصبحت الصورة مكتملة
والحياة تنتظر قصة خالدة
﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاۤءَ مَدۡیَنَ وَجَدَ عَلَیۡهِ أُمَّةࣰ مِّنَ ٱلنَّاسِ یَسۡقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمۡرَأَتَیۡنِ تَذُودَانِۖ قَالَ مَا خَطۡبُكُمَاۖ قَالَتَا لَا نَسۡقِی حَتَّىٰ یُصۡدِرَ ٱلرِّعَاۤءُۖ وَأَبُونَا شَیۡخࣱ كَبِیرࣱ﴾
عش بروح الصياد راقب مظان الأجر في الطريق والمسجد
الكنوز منثورة في الحياة.
تنتظر القتاص وروحه الوثابة
حيث يضع بصمة الذكرى الخالدة في القلوب...
متأكد أنكم تعرفون مئات القصص عن هؤلاء الصيادين.....
في بلدتنا رجل صياد نفاع للخلق في كل باب
يجهز الموتى يساعد المرضى يخدم المساجد ينسق ويوصل الخير
صدوق اللسان مخموم القلب
ذكر صاحبنا في أحد المجالس فنسي المتحدث اسمه
فقال يريد التعريف بصفته
: (هو ذاك الرجل الذي يحب الأجر)
ياله من عنوان عفوي لكنه صادق مطابق للحقيقة على التمام.
إنه الشغف بالأجر
كم من الأجور على قارعة الطريق لكن المارين ليسوا كصاحبنا الصياد.
مختارات