القُوت القلبي
لم يكن قيام من يقوم من السلف، ولا إطالته الصلاة، ولا ما أُثِرَ بالأسانيد الصحيحة من جدهم في العبادة=عن قوة جسد وبسطةٍ في الجسم، وإنما كان هذا بإقبال القلب الذي يحمل الجسد بين يدي الله تبارك وتعالى.
فمن هجم بنفسه على تلك المنازل غير ملتفتٍ لهذا " القُوت القلبي " =سيُقبل يومًا ثم تنكسر همته، ويجلس في قعر الفتور بعد ذلك؛ لأنه لم يلتمس ما يدعم قلبه ويقيمه بين يدي ربه.
وإنما يتسنى الظفر بهذه المعالي بديمومة الذكر، لاسيما أذكار الصباح والمساء، والأذكار الموظفة= مع إجلاس القلب بين يدي الآيات والأحاديث، وعرضه عليها، يتشرب من أنوارها، ويصلها بروحه= فإن هذا هو أصل الخير والبركة والفلاح.
وليس الشأن في هيئة العمل، كثرةً في العدد، ولا إطالةً في الزمن، وإنما الشأن بما قام بالقلب عند ملابسة هذا العمل، وثمرة هذا العمل في حركة حياة الإنسان، وقد قال رب العالمين لنبيه صلى الله عليه وسلم في صدر ما نزل عليه " ولا تمنن تستكثر ".
ولذلك قال بعض السلف: لأن أبيت نائما وأصبح نادمًا=خيرٌ لي من أن أبيت قائمًا وأصبحَ مُعجَبا. وكما قيل لبعض الزهاد: ما تقول في صلاة الليل؟
قال: خف الله بالنهار ونمِ الليلَ!
وهذا هو فقه هذا الأمر، وهذا هو ما ارتفع به أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. والله أعلم.
فاللهم أعني على ذكرك وشُكرك وحُسن عبادتك.
مختارات