شرح دعاء "اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء، ومن ليلة السوء، ومن ساعة السوء، ومن صاحب السوء، ومن جار السوء في دار المقامة"
(اللَّهُمَّ إنّي أعُوذُ بِكَ مِنْ يَوْمِ السُّوءِ، وَمِنْ لَيْلَةِ السُّوءِ، وَمِنْ سَاعَةِ السُّوءِ، وَمِنْ صَاحِبِ السُّوءِ، وَمِنْ جَارِ السُّوءِ في دَارِ الْمُقامَةِ)([1]).
الشرح:
قوله: (اللَّهم إني أعوذ بك من يوم السوء): استعاذة باللَّه تعالى من يوم يكون فيه القبح والفحش، والشر، وتكون فيه المصائب، ونزول البلاء، والغفلة، فهذه استعاذة كاملة من كل سوء وشرٍّ يقع في اليوم([2]).
قوله: (ومن ليلة السوء): عطف الخاص على العام، ومن ليلة ينزل فيها شر، وسوء وبلاء.
قوله: (ومن ساعة السوء): تخصيص بعد تخصيص لشدة الافتقار إلى حفظ اللَّه تعالى للعبد في كل الأزمنة، وفيه بيان أن العاصم هو اللَّه جلَّ وعلا، لا أحد سواه، وأن العباد لا غنى لهم عنه تعالى طرفة عين في كل الأحوال والأوقات.
قوله: (ومن صاحب السوء): ومن صاحب الشرّ الذي ليس فيه صلاح؛ فإن مصاحبته فيها ضرّ وهلاك في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى"وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا *لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا"([3]).
قوله: (ومن جار السوء في دار المقامة): لأن شرّه دائم، وأذاه ملازم، الذي لا يأتمر بأوامر اللَّه تعالى، ولا ينتهي عن نواهيه، ومنها معرفة حق الجار، ويشمل جار المقام: الزوجة، والخادم، والصديق الملازم، وفيه إيماء إلى أنه ينبغي تجنب جار السوء، والتباعد بالانتقال عنه إن وجد إلى ذلك سبيلاً.
وجاء في رواية أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم (اللَّهم إني أعوذ بك من جار في دار المقامة فإن جار البادية يتحول)([4])، فيه بيان علّة الاستعاذة من جار السوء في دار المقام، فإنه ثابت ولا يتحول، عكس جار البادية، وفيه بيان تفصيل معاناة العبد حال الدعاء، وبث الشكوى، والهمّ، والحزن له تعالى، وإظهار العبد فاقته، وفقره، واحتياجه إلى ربه تعالى، الذي هو روح العبادة ولبُّها؛ فإن أحقّ من يلجأ إليه، ويشكو له الهم والحزن، وكلّ ما به هو الربّ عز وجل كما ذكر اللَّه عن يعقوب أنه قال: "إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ"[5]).
وفي الحديث بيان لأهمية الاستعاذة من كل الشرور، وإن التفصيل في الاستعاذة أمر مطلوبٌ ومُهمّ؛ لأن المقام مقام عبادة، فكلما أكثر فيه العبد من السؤال والدعاء، كان أكثر عبودية للَّه تعالى الذي يستوجب الخضوع له تعالى، والحبّ والتعلّق به، والتملُّق له، وفيه وعيد من أذى الجار، كائناً ما كان؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يخصّص جاراً دون جار.
([1]) أخرجه الطبراني في الكبير، 17/294، برقم 810، والديلمي، 1/461، برقم 1873. قال الهيثمي في الزوائد، 10/144: (ورجاله رجال الصحيح). وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم 1443، وصحيح الجامع، 1/ 278، برقم 1299.
([2]) فيض القدير، 2 / 139 بتصرف.
([3]) سورة الفرقان، الآيات: 27-29.
([4]) البخاري في الأدب المفرد، برقم 117، وأخرجه النسائي، برقم 5517، والحاكم، 1/532، وصححه ووافقه الذهبي، ومسند أبي يعلى، 11/ 411، برقم 6536، وابن أبي شيبة، 8/ 359، وشعب الإيمان للبيهقي، 7/ 81، والدعوات الكبير له، 1/ 458، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، برقم 1290، وفي صحيح النسائي، 3/1118.
([5]) سورة يوسف، آية: 86.
مختارات