" النَّشَـــاط "
" النَّشَـــاط "
#### التَّرغيب في النَّشَاط:
- عن أنس رضي الله عنه: (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور، حين بلغه إقبال أبي سفيان، قال: فتكلَّم أبو بكر فأعرض عنه، ثمَّ تكلَّم عمر فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة، فقال: إيَّانا تريد، يا رسول الله؟ والذي نفسي بيده، لو أمرتنا أن نُخِيضَها البحرَ لأخَضْناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى بَرْكِ الغماد لفعلنا) [رواه مسلم].
قال ابن كثير: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الأمر إذا حدث، تطييبًا لقلوبهم؛ ليكونوا فيما يفعلونه أنشط لهم) [تفسير ابن كثير].
- وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لكلِّ عمل شِرَّة، ولكلِّ شِرَّة فَتْرة، فمن كانت فَتْرته إلى سنَّتي، فقد أفلح، ومن كانت إلى غير ذلك، فقد هلك) [صححه الألبانى فى صحيح الجامع].
قال الهيتمي: (شِرَّة: أي بكسر المعجمة، فشدَّة للرَّاء، فتاء تأنيث: نَشَاط وهمَّة) [الزواجر، للهيتمى].
- وعن عبادة بن الصَّامت رضي الله عنه قال: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السَّمع والطَّاعة في العسر واليسر، والمنْشَط والمكْرَه، وعلى أَثَـرَة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحقِّ أينما كنَّا، لا نخاف في الله لومة لائم) [رواه البخارى ومسلم].
قال أبو الوليد الباجي: (... (والمنْشَط والمكْرَه)، يريد: وقت النَّشَاط إلى امتثال أوامره، ووقت الكراهية لذلك، ولعلَّه أن يريد بالمنْشَط: وجود السَّبيل إلى ذلك، والتَّفرُّغ له، وطِيب الوقت، وضعف العدو) [المنتقى].
#### أقوال السلف والعلماء في النَّشَاط:
- قال علي رضي الله عنه: (أوصيكم بتقوى الله في الغيب والشَّهادة، وكلمة الحقِّ في الرِّضا والغضب، والقصد في الغِنَى والفقر، والعدل في الصَّديق والعدو، والعمل في النَّشَاط والكسل) [الإعجاز والإيجاز،للثعالبى].
- وقال ابن القيِّم: (الكسَالى أكثر النَّاس همًّا وغمًّا وحزنًا، ليس لهم فرح ولا سرور، بخلاف أرباب النَّشَاط والجِدِّ في العمل) [روضة المحبين].
- وقال آخر: (كلبٌ طوَّاف، خيرٌ من أسد رابض) [العقد الفريد،لابن عبد ربه].
- وقال آخر: (لا يفترس الأسد الظبي وهو رابض) [العقد الفريد،لابن عبد ربه].
- وقال آخر: (اجعل الاجتهاد غنيمة صحَّتك، والعمل فرصة فراغك) [أدب الدنيا والدين،للماوردى].
- وقال آخر: (العمل تُرْس يقي سهام البلاء، والجِدُّ سيف يقطع أعناق الشَّقاء) [جمال الخواطر،لمحمد الحسن السمان].
#### من فوائد النَّشَاط:
1- أنَّ النَّشَاط خُلُق من أخلاق المؤمنين.
2- النَّشَاط سبب صفاء الذِّهن، وصدق الحِسِّ، وكثرة الصَّواب.
قال ابن عبد ربِّه: (وبالنَّشَاط يصفو الذِّهن، ويصْدق الحِسُّ، ويكثر الصَّواب) [العقد الفريد،لابن عبد ربه].
3- علامة من علامات دحر الشيطان بذكر الله.
4- به تعمر الدنيا، وتفتح البلدان لنشر دين الله.
5- به يُذاد عن الأوطان، وتُحمى الأعراض وتُنشر الفضيلة، وتُدحر الرذيلة.
6- النشاط في عمل الخير يكسب المرء حبَّ الله ورضا الناس، ويرفع ذكره في العالمين.
#### من صور النَّشَاط:
1- استثمار الوقت والاستفادة منه، وعدم تضييعه فيما لا يفيد.
2- الإقبال على كلِّ عمل جدِّي، مع الالتزام والانضباط.
3- الإتقان في العمل، وتنظيمه.
4- تحديد الأهداف، والسَّعي إلى تحقيقها.
5- الإقبال على فعل الطَّاعات بجدٍّ ونشاط:
قال تعالى: " وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى " [التَّوبة: 54].
قال السعدي: (ينبغي للعبد أن لا يأتي الصَّلاة إلَّا وهو نشيط البدن والقلب إليها) [تفسير السعدى].
#### من موانع اكتساب النَّشَاط:
1- عدم الذِّكر والوضوء والصَّلاة عند الاستيقاظ.
2- مخالفة أوامر الله، والبُعْد عن طاعته.
3- التَّشاؤم والطِّيرة، والبُعْد عن التَّفاؤل؛ حيث إنَّه بالتَّشاؤم يتكاسل الإنسان، ويحصل له الهمُّ والحزن.
4- العزلة وعدم الاختلاط بالصَّالحين.
5- مجالسة الكسالى والمثبِّطين.
6- عدم الشُّعور بالمسؤوليَّة.
7- النِّفاق يورث الكَسَل في العبادة لا محالة، كما قال تعالى: " إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً " [النَّساء: 142].
#### من الوسائل المعينة على اكتساب النَّشَاط وزيادته:
1- ذكر الله:
قال تعالى: " اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ " [المائدة: 20].
(فإنَّ ذكرها داعٍ إلى محبَّته تعالى، ومُنَشِّط على العبادة) [تفسير السعدى].
2- التَّذكير بآيات الله:
قال تعالى: " إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ " [السجدة: 15] قال السعدي: (يقابلونها بالقبول والافتقار إليها والانقياد والتَّسليم لها، وتجد عندهم آذانًا سامعةً، وقلوبًا واعيةً، فيزداد بها إيمانهم، ويتمُّ بها إيقانهم، وتُحدث لهم نشاطًا، ويفرحون بها سرورًا واغتباطًا) [تفسير السعدى].
وقال تعالى: " وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ " [الذاريات: 55].
(والتذكير نوعان: تذكير بما لم يعرف تفصيله... والنَّوع الثَّاني: تذكيرٌ بما هو معلومٌ للمؤمنين، ولكن انسحبت عليه الغفلة والذُّهول، فيُذَكَّرون بذلك، ويُكَرَّر عليهم؛ ليرسخ في أذهانهم، وينتبهوا، ويعملوا بما تذكَّروه من ذلك، وليحدث لهم نشاطًا وهمَّة، توجب لهم الانتفاع والارتفاع) [تفسير السعدى].
3- الفَرَح بفضل الله ورحمته:
قال تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ " [يونس: 57-58].
(وإنَّما أمر الله تعالى بالفرح بفضله ورحمته؛ لأنَّ ذلك ممَّا يوجب انبساط النَّفس ونشاطها) [تفسير السعدى].
4- التَّأمُّل في قصص السَّابقين:
قال تعالى: " وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ " [هود: 120].
فؤادك (أي: قلبك؛ ليطمئن ويَثْبُت، ويصبر كما صبر أولو العزم من الرُّسل، فإنَّ النُّفوس تأنس بالاقتداء، وتنشط على الأعمال، وتريد المنافسة لغيرها، ويتأيَّد الحقُّ بذكر شواهده، وكثرة من قام به) [تفسير السعدى].
5 -الشُّعور بالمسؤولية، وعدم التَّهاون بما كُلِّف به.
#### نماذج في النشاط من حياة النَّبي صلى الله عليه وسلم:
- عن أبي إسحاق قال: سألت الأسود بن يزيد عمَّا حدَّثته عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: (كان ينام أوَّل الليل، ويُحيي آخره، ثمَّ إن كانت له حاجة إلى أهله، قضى حاجته، ثمَّ ينام، فإذا كان عند النِّداء الأوَّل - قالت - وثب - ولا والله ما قالت قام - فأفاض عليه الماء - ولا والله ما قالت: اغتسل، وأنا أعلم ما تريد - وإن لم يكن جُنُبًا توضَّأ وضوء الرَّجل للصَّلاة، ثمَّ صلَّى الرَّكعتين) [رواه البخارى ومسلم].
#### نماذج في النشاط من حياة السَّلف:
- عن عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أشيروا عليَّ أيها النَّاس - وإنَّما يريد الأنصار-؛ وذلك أنَّهم كانوا عدد النَّاس، وذلك أنَّهم حين بايعوه بالعقبة، قالوا: يا رسول الله، إنَّا برآء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذممنا، نمنعك ممَّا نمنع منه أبناءنا ونساءنا، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوَّف ألَّا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلَّا ممَّن دَهَمه بالمدينة من عدوِّه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدوٍّ من بلادهم، فلمَّا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، قال له سعد بن معاذ: والله لكأنَّك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل، قال: فقد آمنَّا بك، وصدَّقناك، وشهدنا أنَّ ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السَّمع والطَّاعة، فامض يا رسول الله لما أمرك الله، فوالذي بعثك بالحقِّ، إن استعرضت بنا هذا البحر، فخضته لخضناه معك، ما يتخلَّف منَّا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوَّنا غدًا، إنَّا لصُبُرٌ في الحرب، صُدُقٌ عند اللِّقاء، ولعلَّ الله يريك منَّا ما تقرُّ به عينك، فسِر بنا على بركة الله، فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد، ونشَّطه ذلك، ثمَّ قال: سيروا على بركة الله وأبشروا، فإنَّ الله قد وعدني إحدى الطَّائفتين، والله لكأنِّي الآن أنظر إلى مصارع القوم) [رواه الطبرى فى تفسيره].
عبد الرَّحمن بن أبي حاتم:
ذكر الحافظ الذَّهبي في ترجمة أبي حاتم الرَّازي، أنَّ أبا حاتم قال: قال لي أبو زرعة (ما رأيت أحرص على طلب الحديث منك. فقلت له: إنَّ عبد الرَّحمن ابني لحريص. فقال: من أشبه أباه فما ظلم، قال الرَّقَّام: فسألت عبد الرَّحمن عن اتفاق كثرة السماع له، وسؤالاته لأبيه، فقال: ربَّما يأكل وأقرأ عليه، ويمشي وأقرأ عليه، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه، ويدخل البيت في طلب شيء وأقرأ عليه) [سير أعلام النبلاء].
وعن الخوارزمي قال: قال ابن أبي حاتم: (كنَّا بمصر سبعة أشهر لا نأكل فيها مرقة، نهارنا ندور على الشيوخ، وبالليل ننسخ ونقابل، فأتينا يومًا - أنا ورفيق لي - شيخنا، فقالوا: هو عليل، فرأيت سمكة أعجبتنا فاشتريناها، فلمَّا صرنا إلى البيت، حضر وقت مجلس بعض الشُّيوخ، فمضينا، فلم تزل السَّمكة ثلاثة أيام، وكادت أن تنتن، فأكلناها نيِّئةً، لم نتفرَّغ نشويها، ثم قال: لا يُسْتطاع العلم براحة الجسد) [سير أعلام النبلاء].
ابن حجر العسقلاني:
ذكر السَّخاوي: أنَّ شيخه الحافظ ابن حجر قرأ (سنن ابن ماجه) في أربعة مجالس، و(صحيح مسلم) في أربعة مجالس، وكتاب النَّسائي الكبير في عشرة مجالس، كلُّ مجلس نحو أربع ساعات، ومعجم الطَّبراني الصَّغير في مجلس واحد بين الظُّهر والعصر، وهذا أسرع ما وقع له [خلاصة الأثر،لمحمد أمين الحموى].
مختارات