" الحقـــد"
" الحقـــد "
ذم الحقد في الكتاب والسنة:
#### أولًا: في القرآن الكريم:
- قال تعالى: " وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ " [البقرة: 204-205].
- وقال سبحانه: " وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ " [الأعراف: 43].
- وقال عز وجل: " وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ " [الحجر: 47-48].
قال الطبري: (وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين وَصَف صفتهم، وأخبر أنهم أصحاب الجنة، ما فيها من حقد وغِمْرٍ وعداوة، كان من بعضهم في الدنيا على بعض، فجعلهم في الجنة إذا أدخلوها على سُرُر متقابلين، لا يحسد بعضهم بعضًا على شيء خصَّ الله به بعضهم، وفضله من كرامته عليه، تجري من تحتهم أنهار الجنة) [جامع البيان].
وقال القرطبي: (ذكر الله عز وجل فيما ينعم به على أهل الجنة؛ نزع الغل من صدورهم،والنزع: الاستخراج والغل: الحقد الكامن في الصدر. والجمع غلال) [الجامع لأحكام القرآن].
#### ثانيًا: في السنة النبوية:
- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: (قيل يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب صدوق اللسان، قيل صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل ولا حسد) [صححه الألبانى فى صحيح اين ماجه].
#### أقوال السلف والعلماء في الحقد:
- قال عثمان رضي الله عنه: (ما أسرَّ أحد سريرة إلا أظهرها الله - عز وجل - على صفحات وجهه وفلتات لسانه) [الآداب الشرعية،لابن مفلح].
- وقال زيد بن أسلم رضي الله عنه: (دخل على أبي دجانة وهو مريض، وكان وجهه يتهلل، فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟ فقال: ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، أما الأخرى فكان قلبي للمسلمين سليمًا) [رواه ابن سعد فى الطبقات الكبرى].
- وقال ابن حجر الهيتمي: (الحسد من نتائج الحقد، والحقد من نتائج الغضب) [الزواجر عن اقتراف الكبائر].
#### من آثار الحقد:
- أنه (يثمر الحسد، وهو أن يحملك الحقد على أن تتمنى زوال النعمة عنه؛ فتغتم بنعمة إن أصابها، وتسر بمصيبة إن نزلت به.
2- الشماتة بما أصابه من البلاء.
3- الهجران والمقاطعة.
4- الإعراض عنه استصغارًا له.
5- التكلم فيه بما لا يحل من كذب، وغيبة، وإفشاء سر، وهتك ستر، وغيره.
6- محاكاته استهزاء به، وسخرية منه.
#### حكم الحقد:
ذكر العلماء أنَّ الحقد من الكبائر وأورد ابن حجر الهيتمي في كتابه (الزواجر) أن من الكبائر الغضب بالباطل والحقد والحسد، وذكر سبب جمعه لهذه الكبائر الثلاث بقوله: (لما كانت هذه الثلاثة بينها تلازم وترتب، إذ الحسد من نتائج الحقد، والحقد من نتائج الغضب كانت بمنزلة خصلة واحدة، وذم كل يستلزم ذم الآخر، لأن ذم الفرع وفرعه يستلزم ذم الأصل وأصله وبالعكس) [الزواجر عن اقتراف الكبائر،لابن حجر].
#### ما يباح من الحقد:
لا يجوز أن يحقد المسلم على أخيه المسلم، أما الحقد على اليهودي الذي يقتل المسلمين في فلسطين، والنصراني الحاقد، والشيوعي الملحد، والهندوسي الذين يحرق مساجد المسلمين ويقتلهم، فالحقد في حقهم محمود مطلوب، قال تعالى: " قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ " [التوبة: 14-15].
ولا يزول حقد المسلم على الكافر إلا أن يسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والله، لينزلن ابن مريم حكمًا عادلًا، فليكسرن الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية، ولتتركن القلاص، فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد، وليدعونَّ إلى المال فلا يقبله أحد) [رواه مسلم].
(قال الأشرف: إنما تذهب الشحناء والتباغض والتحاسد يومئذ؛ لأن جميع الخلق يكونون يومئذ على ملة واحدة، وهي الإسلام، وأعلى أسباب التباغض وأكثرها هو اختلاف الأديان) [مرقاة المفاتيح،لملا على القارى].
#### من أسباب الحقد:
1- المماراة والمنافسة:
قال الغزالي: (وأشدُّ الأسباب لإثارة نار الحقد بين الإخوان المماراة والمنافسة، فإنها عين التدابر والتقاطع، فإن التقاطع يقع أولًا بالآراء، ثم بالأقوال ثم بالأبدان) [إحياء علوم الدين].
2- كثرة المزاح:
المزاح الذي يخرج عن حدِّه يغرس الحقد في القلوب، قال الأبشيهي: (المزاح يخرق الهيبة، ويذهب بماء الوجه، ويعقب الحقد، ويذهب بحلاوة الإيمان والود) [المستطرف].
3- الخصومة:
قال النووي: (والخصومة توغر الصدور، وتهيج الغضب، وإذا هاج الغضب حصل الحقد بينهما، حتى يفرح كل واحد بمساءة الآخر، ويحزن بمسرته، ويطلق اللسان في عرضه) [الأذكار للنووى].
4- الكراهية الشديدة.
#### من وسائل علاج الحقد:
1- الدعاء:
المسلم يدعو الله أن يجعل قلبه طاهرًا نقيًّا من الحقد والغل قال تعالى: " وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ " [الحشر: 10].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول: (رب أعني ولا تعن عليَّ، وانصرني ولا تنصر عليَّ، وامكر لي ولا تمكر عليَّ، واهدني ويسر الهدي لي، وانصرني على من بغى عليَّ، رب اجعلني لك شاكرًا، لك ذاكرًا، لك راهبًا، لك مطواعًا، إليك مخبتًا أو منيبًا، تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، واهد قلبي، وسدد لساني، واسلل سخيمة قلبي) [صححه الألبانى فى صحيح الجامع] والسخيمة هي الحقْدُ في النفسِ [شرح سنن أبى داود،للعينى].
2- ترك الغضب الذي هو سبب للأحقاد:
الغضب يعتبر من الأسباب التي تؤدي إلى الحقد، فإذا اختلف شخص مع آخر في أمر ما غضب عليه، ثم الغضب يتحول إلى الحقد وإرادة الانتقام.
3- ملء القلب بالمحبة وإرادة الخير للآخرين.
6- اعتذار المرء لأخيه:
قال أبو حاتم: (الاعتذار يذهب الهموم، ويجلي الأحزان، ويدفع الحقد، ويذهب الصدَّ... فلو لم يكن في اعتذار المرء إلى أخيه خصلة تحمد إلا نفي التعجب عن النفس في الحال، لكان الواجب على العاقل أن لا يفارقه الاعتذار عند كل زلة) [روضة العقلاء].
#### نماذج في سلامة القلب من الحقد:
النبي صلى الله عليه وسلم القدوة في الأخلاق الحسنة، ومنها سلامة الصدر من الحقد والضغائن، وقد ذكر ابن القيم سلامة الصَّدر، من منازل إياك نعبد وإياك نستعين، فقال: (ومن أراد فهم هذه الدرجة كما ينبغي فلينظر إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس يجدها بعينها) [مدارج السالكين].
وهكذا كان أصحاب رسول لله قلوبهم سليمة من الأحقاد والضغائن، ومن تلك النماذج ما رواه أبو الدرداء رضي الله عنه، قال: (كنت جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أقبل أبو بكر آخذًا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما صاحبكم فقد غامر فسلم، وقال: إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعت إليه ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى عليَّ، فأقبلت إليك، فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثًا، ثم إن عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر، فسأل: أثم أبو بكر؟ فقالوا: لا فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم، فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر، حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه، فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم، مرتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله بعثني إليكم فقلتم كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟! مرتين، فما أُوذي بعدها) [رواه البخارى].
#### أحوال المحقود:
قال الغزالي: (للمحقود ثلاثة أحوال عند القدرة:
أحدها: أن يستوفي حقه الذي يستحقه من غير زيادة أو نقصان، وهو العدل.
الثاني: أن يحسن إليه بالعفو والصلة، وذلك هو الفضل.
الثالث: أن يظلمه بما لا يستحقه وذلك هو الجور وهو اختيار الأراذل، والثاني هو اختيار الصديقين، والأول هو منتهى درجات الصالحين) [إحياء علوم الدين].
مختارات