اسم الله القدير 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: (القدير):
أيها الإخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم هو (القدير) ونحن حينما ونقرأ الآية الكريمة: " وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " [الأعراف:180].
1 – الإنسان ضعيف عاجز:
إذاً: أسماء الله كلها حسنى، وصفاته كلها فضلى، والإنسان في أصل فطرته، مفطور على حب القدير، هناك ضَعف في أصل خلق الإنسان، هذا الضعف لصالحه، هذا الضعف الذي في أصل خلق الإنسان أحد أسباب تدينه، حتى الذين يؤمنون بديانات أرضيه ليس عندها أصل عند الله سبحانه وتعالى هم يلبون حاجه في نفوسهم أتت من ضعفهم، فالضعيف يحتاج إلى قوي.
" وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا " [النساء:28].
" إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19)إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا " [المعارج:19-21].
فالإنسان دون أن يشعر يتجه إلى قوي يلوذ به، إلى قوي يحميه، إلى قوي يدافع عنه، إلى قوي يلجأ إليه.
فالإنسان حينما يتجه إلى الله الحقيقي خالق السموات والأرض، يكمل ضعفه الذي أراده الله باعثاً إلى معرفة الله وطاعته، وقطف ثمار عبوديته لله عز وجل.
فالإنسان ضعيف، وهذا الاسم: " إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " [فاطر:1].
2 – الإنسان مفطور إلى الاتجاه إلى قوي:
بالمناسبة أيها الأخوة، طبيعة النفس تقتضي أنها لا تتجه إلا لما توقن أنه يعلم، ويسمع، ويرى.
" يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ " [غافر:19].
الله عز وجل إن تكلمت فهو يسمع، وإن تحركت فهو يرى، وإن أضمرت فهو يعلم، يسمعك إذا دعوته، ويراك إذا توجهت إليه، ويعلم سرك وجهرك، وفضلا ًعن ذلك الإنسان لا يتجه إلى جهة إلا إذا أيقن أنها تسمعه، وأنها قادرة على أن تلبيه.
الإنسان بحاجه إلى مبلغ فلا يذهب إلى إنسان فقير، لأن هذا مضيعة للوقت، يذهب إلى من يتوهم عنده المبلغ.
إذاً: أنت تدعو من؟ تدعو من يسمعك، وتدعو من هو قادر على حل مشكلتك، وتدعو من يحبك، القوي الذي يعاديك لا تتجه إليه، تتجه إلى قوي يريد أن يرحمك، فلمجرد أن تدعو الله عز وجل ـ دقق ـ لمجرد أن تدعو الله عز وجل فأنت مؤمن بوجوده، ومؤمن بسمعه وبصره وعلمه، ومؤمن بقدرته ومؤمن برحمته.
لذلك قال تعالى: " قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ " [الفرقان:77].
عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: " وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ " قَالَ: " الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ " [الترمذي].
في رواية أخرى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ " [الترمذي].
الدعاء هو العبادة، فلمجرد أن تدعو الله من أعماق قلبك، وأنت موقن بأنه يعلم، ويسمع، ويرى، وهو قادر على أن يلبّيك، وهو يحب أن يلبيك، يحبك ويرحمك، فأنت مؤمن.
لذلك بعض الأسماء أحياناً أقرب إلى الإنسان من بعض الأسماء الأخرى، أنت إنسان ضعيف مفتقر: " إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعً ".
شديد الجذع، حريص على ما في يديه: " وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا " ضعفك وهلعك، وشدة خوفك، وحرصك على ما في يديك، هذه الصفات التي هي صفات ضعف في أصل خلقك هي لصالحك.
3 – كل شيء بيد الله القويّ:
مِن هنا يأتي اسم (القدير) إنك تعتز بقوي.
اجعــل لربــــك كل عـز ك يستقر ويثبــت
فإذا اعتززت بمن يمو ت فإن عزك مـيت
***
أنت كمؤمن حينما تعتز بالله فأنت أقوى الأقوياء.
ورد في بعض الآثار: " إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، وإذا أدرت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يد الله أوثق منك بما في يديك، إذا أردت أن تكون أكرم الناس فاَتق الله.
إخوتنا الكرام، لا يجتمع مرض نفسي مع الإيمان، لأن الله موجود، كل شيء بيده.
تصور شابا سيق إلى الخدمة الإلزامية، ووالده قائد الجيش، وفي الجيش عريف، ومساعد، وملازم، وملازم أول، ورائد، ومقدم، وعقيد، وعميد، كلها هذه الرتب مهما علت فهي تحت قبضة أبيه، فإذا هدده عريف وبكى فهو غبي جداً.
4 – الإيمان بأن الله قويٌّ يبعث على الطمأنينة والثبات والنصر:
حينما يؤمن الإنسان بالله فأيّ قوي هو في قبضة الله، كل ما حولك بيد الله، كل مَن حولك بيد الله، كل مَن فوقك بيد الله، كل مَن تحتك بيد الله، لا يمكن أن يقبل خوف وفزع، وهلع وانهيار مع الإيمان بالله، بل إن الإيمان بالله أصل في الصحة النفسية، التماسك والقوة والمعنويات المرتفعة، ومواجهة الأخطار بثبات، ورباط جأش يحتاج إلى إيمان.
القصص التي يرويها القرآن هي لمن؟ هي لنا:
" قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ " [الشعراء:61].
بل بالمنظور الأرضي احتمالات النجاة صفر، فرعون بجبروته، بقوته، بأسلحته، بحقده، بطغيانه، وراء فئة وشرذمة قليلة جداً مستضعفه خائفة، وصلت إلى البحر، وهو مِن ورائهم.
" قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ " [الشعراء:61-62].
الله عز وجل يريدك أن تثق به، يريدك أن تكون مطمئناً لقدرته ورعايته.
فلذلك من صفات المؤمن أنه واثق من نصر الله عز وجل، النبي صلى الله عليه وسلم حينما ذهب إلى الطائف وكذبه أهلها، واستخفوا به، واستهزؤوا به، وأغروا صبيانهم، أي نالوه بالأذى، وسال الدم من قدمه، الآن قفل راجعاً إلى مكة، يقول له زيد: يا رسول الله، كيف ترجع إلى مكة وقد أخرجتك؟ أنا أتصور إذا كان هناك خط بياني الدعوة قد وصل الخط إلى النهاية الصغرى، مكة أخرجته، وكذبته، وكفرت بدعوته، واستهزأت به، فلما لجأ إلى أهل الطائف فعلوا به أشنع مما فعل أهل مكة، ليس له أحد، فقال كلمة لا تنسى، قال: يا زيد إن الله ناصر نبيه، هذه ثقة الإنسان بالله مبعثها معرفته.
ولما انتقل من مكة إلى المدينة مهاجراً، ووضعت مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، مكافأة على من يقتله، أو من يقبض عليه، وهذا رقم فلكي في مقاييس ذلك العصر، تبعه سراقه ليلقي القبض عليه، أو ليقتله، ويأخذ المئة ناقة، فقال له النبي الكريم بكل بساطه: يا سراقة، كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟ ماذا يقول؟! أنت ملاحق مهدور دمك، تقول: كيف بك يا سراقه إذا لبست سواري كسرى؟ أي أنك سوف تصل إلى المدينة سالماً، وسوف تؤسس دولة، وسوف تنشئ جيشاً، وسوف تحارب أقوى دولة في العالم، وسوف تنتصر عليها، وسوف تأتيك غنائم كسرى إلى المدينة، ولك يا سراقه سوار كسرى.
أيها الإخوة، الآن العالم الإسلامي خطه البياني في النهاية الصغري، في الحضيض، اصطلح العالم كله على محاربته، وأي عمل عنيف على سطح الأرض ينسب إلى المسلمين، والعالم شرقاً وغرباً يحارب المسلمين، والإعلام بكل قوته يحارب المسلمين، والمؤمن الصادق لا تضعف معنوياته أبداً، إن الله ناصر هذا الدين، إن الله لا يتخلى عن المؤمنين، وأخطر شيء في حيات الأمة أن يهزم الإنسان من الداخل: " وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ " [آل عمران:139].
أوهام لا أساس لها من الصحة تتناقض مع الإيمان بالله:
إخوتنا الكرام، إذا توهم الإنسان توهماً أن الله لا يعلم ما يجري فهذا يناقض إيمانه بالله، لأن الله عز وجل يقول: " وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا " [الأنعام:59].
وإذا توهم أن الله لا يقدر أن يدمر أعداءه هو واهم، وهذا يناقض إيمانه بالله عز وجل: " إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " وإذا توهم أن الله لا يعنيه ما يجري في الأرض فهو واهم، لأن الله عز وجل يقول: " فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ " [الزخرف:84].
وإذا توهم أن أعداء المسلمين يفعلون شيئاً ما أراده الله فهو واهم، لقول الله عز وجل: " وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ " [الأنفال:59].
يجب أن تؤمن أن الله يعلم، وهو قادر، ويعنيه ما يجري في الأرض، وهؤلاء أعداؤه لا يستطيعون أن يتحركوا إلا بإذنه، ولن يتفلتوا من قبضته.
إذاً: هناك حكمة بالغة فيما يجري، ولصالح المسلمين، ولكن هذه نعمة باطنة، وليست نعمة ظاهرة، قال تعالى: " وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً " [لقمان:20].
إذاً: كلمة (القدير) تملأ النفس طمأنينة، تملأ النفس ثقة بنصر الله عز وجل.
5 – ورودُ اسم (القدير) في الكتاب والسنة:
هذا الاسم أيها الإخوة ورد في القراَن وفي السنة معاً، في القرآن ورد في قوله تعالى في سورة الروم: " يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ " [الروم:54].
ورد أيضاً في ثلاثين موضعا في القرآن الكريم، كقوله تعالى: " قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " [آل عمران:26].
في ثلاثين آية في القراَن ورد فيها: " إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ".
وآية واحدة ورد فيها: " يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ".
وفي الحديث الشريف في قوله عليه الصلاة والسلام: " لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ؛ اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ " [رواه البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة رضي اللّه عنه].
وهذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد: " اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ ".
كن مع الله ترَ الله مـعك واترك لكل وحاذر طمعك
وإذا أعطاك من يمنـعه ثم من يعطي إذا ما منعـك
***
" مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ " [فاطر:2].
إذا كان الله معك فمن عليك؟! وإذا كان عليك فمن معك؟! ويا رب، ماذا فقَد من وجدك؟ وماذا وجد مَن فقدك؟
شيء آخر، في ثلاثين موضعا في القراَن الكريم ورد اسم (القدير) من هذه المواضع مثلاً: " عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " [الممتحنة:7].
إذاً: هذا الاسم (القدير) ورد في القراَن والسنة.
6 – اشتقاق اسم (القدير) في اللغة العربية:
من أي فعل اشتُق؟ إما من التقدير، وإما من القدرة، فالإنسان أحيانا يكون عالما، إذاً: عنده تقدير دقيق، وأحيانا يكون قويا عنده قدرة، وأحياناً تلتقي مع إنسان بأعلى درجات العلم، لكنه لا يملك أن ينفذ ما يطمح إليه، وقد تجد إنسانا آخر في أعلى درجات القوة ولكن لا يعلم ماذا يفعل فهو إمّا قوي لا يعلم وإما عالم لا يقدر.
تماماً كما ذكرت من قبل: أحياناً الإنسان يقدر إنساناً ولا يحبه، وقد يحب إنساناً ولا يقدره، يكون الأب، وتكون الأم أحياناً بأعلى درجات الحب، لكن لم يتح لها أن تكون مثقفة ثقافة عالية، لها ابن يحمل أعلى شهادة، يحب أمه حباً لا حدود له، لكن في ميزان العلم لا وزن لها، وقد يلتقي مع إنسان عالم كبير لكنه لئيم، فيقدّر علمه، ولا يحبه، لكن الذات الإلهية بقدر ما تعظمها بقدر ما تحبها.
" تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ " [الرحمن:78].
بالجلال تعظمه، وبالإكرام تحبه، هذه أسماء الله الحسنى.
الله عز وجل قدير، من التقدير، يعني أنه ذو علم دقيق جداً، وقدير من القدرة، فبقدر ما تطمئن إلى علمه تطمئن إلى قدرته، وبالعكس، وبقدر ما تطمئن إلى قدرته تطمئن إلى علمه.
فإذاً: اسم (القدير) مأخوذ من التقدير، أو من القدرة.
للتقريب: طبيب يتفقد مرضاه، وقف عند مريض، قرأ اللائحة الطبية، رأى الضغط مرتفعا، وهو طبيب، أعطى أمراً، وأمره نافذ، أن يوقفوا الملح في الطعام، الأمر سلطة، وقراءة التقرير علم، أن الضغط مرتفع، والضغط المرتفع خطر، فأعطى أمراً بمنعه من تناول الملح في وجباته الرئيسية.
7 – اسم (القدير) يدور مع الإنسان في جميع حياته:
الله عز وجل له قضاء وقدر، القضاء علم، والقدر تقدير، وهذا الاسم يدور مع الإنسان في كل شؤون حياته، الله عز وجل علم من هذا الإنسان كبراً، فهيأ له معالجة حكيمة، وضعه بموقف وقد أُهين به، حينما يهان يتألم أشد الألم، ثم يلقي في روعه أن هذه الإهانة بسبب الكبر الذي يظهر منك، فصار الله عز وجل قديرا يعلم بدقة، وقدير يملك القدرة كي يعيده إلى الصواب.
الله عز وجل قدير، وقدير صيغة مبالغة لقادر، قادر قدير، غافر غفور غفار، وصيغ المبالغة كثيرة جداً، فاعول فاروق، فعِل حذر، لو عدتم إلى كتب اللغة لرأيتم صيغ المبالغة صيغاً عديدة، منها فعِل، فلان حذر، فلان فاروق، يفرق بين المتناقضات.
لذلك قادر اسم فاعل، وقدير صيغة مبالغه لاسم الفاعل، مقتدر من اقتدر، والفعل خماسي فيه حروف زائدة، والزيادة في المبنى دليل على الزيادة في المعنى.
أيها الإخوة، الله عز وجل مع عباده يعلم أحوالهم ويعالجهم، وكما يقول العوام: العين بصيرة واليد قصيرة، هذا شأن الإنسان، وقد يكون الإنسان قديرا، لكنه جاهل، قدير جاهل، متعلم ضعيف، لكن الله قدير، قدير بعلمه، قدير بقوته.
إذا لُذت به فأنت في مأمن، وأنت في راحة، وأنت في طمأنينة، والله عز وجل قال: " أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ " [الرعد:28].
وبالمناسبة من باب التعليق اللغوي: لو أن الله قال: تطمئن القلوب بذكر الله، ما المعنى؟ أي أنها تطمئن بذكر الله وبغير ذكر الله، إما حين يقول: " أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ " [الرعد:28].
فيعني: لا تطمئن إلا بذكر الله، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تطمئن إلا إذا كنت مع الله، لأن الله يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال والقوة لكل الناس، لكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه من المؤمنين، والأمن نعمة يختص بها المؤمن: " فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ " [الأنعام:81-82].
إذاً: أيها الإخوة (القدير) من القدرة و(القدير) من العلم من التقدير، قدير من التقدير، قدير بالقدرة، هو يعلم، وقادر على أن يعطيك سؤلك.
لذلك عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ " [الترمذي].
خاتمة:
وهذا الاسم العظيم من أقرب الأسماء إلى الإنسان، فأنت ضعيف وهو قدير، أنت فقير وهو غني، أنت لا تعلم وهو يعلم، يا رب أنا لا أعلم، لكنك تعلم، أنا ضعيف، لكنك قوي، أنا فقير، ولكنك غني، والإنسان المؤمن يقوى بمن يعبده، فأنت ضعيف، لكنك مع القوي.
أيها الإخوة الكرام، معية الله لها نوعان: معية عامة، فهو معكم أينما كنتم، ومعية خاصة معية المؤمنين، فهو معكم بعلمه، لكنه الله مع المؤمنين، معهم ناصراً وحافظاً، ومؤيداً وموفقاً، إذا قال الله عز وجل: " وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ " [الأنفال:19].
أي معهم بحفظه وتأييده، ونصره وتوفيقه.
مختارات