اسم الله القدير 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( القدير ) :
أيها الإخوة الكرام ، لا زلنا مع اسم ( القدير ) :
1 ـ الإنسان ضعيف :
الله جل جلاله قدير ، والإنسان ضعيف ، وشأن الإنسان أن يكون مفتقرا إلى الله ، وشأن الله أن يقوي الإنسان الذي افتقر إليه ، وهذا من خصائص الإنسان ، الله سبحانه وتعالى جعل في أصل خلق الإنسان ضعفاً لصالحه ، لأن الإنسان لو خلق قويا لاستغنى بقوته ، فشقي باستغنائه ، خُلق ضعيفا ليفتقر في ضعفه فيسعد بافتقاره ، شأن الإنسان أن يكون ضعيفاً ، لكنه يقوى بالله عز وجل .
" إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19)إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا " [المعارج:19-21] .
" إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا " والهلوع شديد الجزع ، فشأن الإنسان أنه جزوع هلوع ومنوع ، وشأن الإنسان أنه ضعيف ، لكن الإنسان إذا افتقر إلى الله يقوى ، إذا افتقر إلى الله يصبح عالماً ، إذا افتقر إلى الله يصبح غنياً .
يا أيها الإخوة الكرام ، العبد عبد ، والرب رب ، ما مِنْ إنسان افتقر إلى الله عز وجل كرسول الله ، ومع ذلك رفع الله شأنه ، وأعلى قدره ، قال الله تعالى : " أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ " [الشرح:1-4] .
درسان بليغان من غزوة بدرٍ وحنين :
فكلما افتقرت إلى الله تولاك الله ، وكلما اعتدت بنفسك تخلى عنك ، ودرس بليغ من غزوة بدر .
" وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ " [آل عمران: 123] .
في بدر الصحابة الكرام افتقروا إلى الله فانتصروا ، أما في حنين : " وقد أعجبتهم كثرتهم قالوا : لن نغلب من قلة " [أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم عن ابن عباس] .
نحن كثيرون ، قال تعالى : " وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَم تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ " [التوبة:25] .
وهذان درسان بليغان في حياتنا ، إذا قلت الله تولاك ، ونصرك ، وأيدك ، وحفظك ، ووفقك ، إذا قلت : أنا ، خبراتي ، ثقافتي ، أسرتي ، جماعتي ، حينما تعتد بغير الله يتخلى عنك ، هذا درس بليغ .
لذلك ورد في بعض الآثار : " ما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي فتكيده أهل السماوات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا ، وما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني أعرف له ذلك من نيته إلا جعلت الأرض تحت قدميه ، وقطعت أسباب السماء بين يديه " [رواه ابن عساكر عن كعب بن مالك] .
إذاً : الله عز وجل قدير ، الله عز وجل عليم ، الله عز وجل غني ، المؤمن يفتقر إلى الله .
وما لي سوى فقري إليك وسيلة فبالافتقار إليك فقري أدفع
وما لي سوى قرعي لبابك حيلـة فإذا رددت فـأي بــاب أقـرع
***
الافتقار إلى الله يرفه شأن العبدَ :
افتقر يرفع الله شأنك ، افتقر ينصرك ، افتقر يؤيدك ، افتقر يعزك ، قل أنا ، يتخلى الله عنك .
مَن نحن أمام أصحاب رسول الله ؟ في حنين أصحاب النبي وهم صفوة الخلق ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : " إن الله اختارني واختار لي أصحابي " [الجامع الصغير عن أنس بسند ضعيف] .
ومع ذلك هم نخبة الخلق ، وفيهم سيد الخلق ، لما اعتدوا بأنفسهم ، وقالوا : " لن نغلب من قلة " تخلى الله عنهم ، فمَن نحن ؟ .
لذلك أيها الإخوة : " وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " [الأعراف:180] .
هو ( القدير ) هو القوي ، هو الغني ، شأن العبد أن يكون مفتقرا إلى غنى الله عز وجل ، شأن العبد أن يعترف بضعفه أمام الله عز وجل ، شأن العبد أن يكون مفتقرا إلى رب العالمين .
لذلك ما لم يفتقر العبد إلى الله ، ما لم يمرغ جبهته في أعتاب الله ، ما لم يتذلل إلى الله فيما بينه وبين الله فلن يستطيع أن يأخذ من كمالات الله .
أيها الإخوة ، ضعف العبد باعث إلى الإقبال على الله ، ضعفه هو الذي يدفعه إلى الله ، والنقطة الدقيقة جداً بقدر افتقارك إلى الله تكون قوياً وغنياً وعالماً ، والشيء الذي ينبغي أن يقال بوضوح : الله عز وجل يرفع قدر العبد بين الخلق ، إذا أحب الله عبداً ألقى محبته في قلوب الخلق .
لذلك الله عز وجل ( قدير ) والله عز وجل قادر ، والله عز وجل مقتدر ، قادر اسم فاعل ، قدير اسم مبالغة من اسم الفاعل ، مقتدر من فعل اقتدر ، وفي صحيح الإمام البخاري يقول عليه الصلاة والسلام : " لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ " هناك من يملك ولا يحمد، هناك من يحمد ولا يملك ، لكن الله جل جلاله له الملك وله الحمد ، ذو الجلال والإكرام ، بقدر ما تعظمه بقدر ما تحبه ، مالك الملك بيده كل شيء لكن كماله مطلق ، يملك ويُحمد .
" لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ ، وَلَهُ الحَمْدُ ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " .
2 ـ قدرةُ الله متعلقة بكل شيء ممكنٍ :
قوة الله عز وجل مطلقة ، تعلقت بكل ممكن .
لذلك لو أن الإنسان أصيب بمرض عضال يقين المؤمن أن الله على كل شيء قدير ، لو كان وحيداً وأعداؤه كثر إن الله على كل شيء قدير .
" قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ " [الشعراء:61-62] .
" فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ " [الأنبياء:87] .
إنسان دخل إلى بطن الحوت ، وفي البحر ، وفي الليل ، وفي ظلمة بطن الحوت ، سيدنا يونس : " فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ " [الأنبياء:87-88] .
هل من مصيبة أكبر من أن يجد الإنسان نفسه فجأة في بطن حوت ؟ وحينما عقب على هذه القصة بقوله : " وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ " قلبها إلى قانون ، لئلا تتوهم أن هذه قصة قد وقعت ولن تتكرر ، لئلا يغدو كتاب الله تاريخاً ، أراده قوانين : " وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ " أيها الإخوة، القنوط من رحمة الله ، واليأس ، والشعور بالإحباط والاستسلام للقدر ، وأن تقول : انتهى المسلمون ، هذا من ضعف الإيمان .
" وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ " [آل عمران:139] .
3 ـ العلمُ من لوازم قدرةِ الله :
بالمناسبة أكثر الآيات التي ورد فيها اسم ( القدير ) ورد مع القدير العليم ، لأن العلم من لوازم القدرة .
جراح بيده مقطع ، الشيء الدقيق جداً علمه ، هنا فيه عصب ، هنا فيه وريد هنا فيه شريان ، الجراح علمه بدقائق خلق الإنسان يجعله قديراً على إنجاح العملية .
قدير فعلمه من لوازم قدرته ، القدرة قد تكون عشوائية ، لكنه إذا رافقها علمٌ تغدو قدرة واعية ، هذا في الإنسان ، فكيف بالواحد الديان ؟ ففي صحيح البخاري : " لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحمد " .
إخواننا الكرام ، ليس مع الإيمان مرض نفسي ، وليس مع الإيمان إحباط ، وليس مع الإيمان شعور بالإخفاق ، وليس مع الإيمان يأس، ليس مع الإيمان انكماش ، هذه كلها أعراض الإعراض عن الله عز وجل ، أما المؤمن لأنه يعلم علم اليقين أن أمره كله بيد الله ، وأن الخير كله من عند الله ، وأنه لا رافع ، ولا خافض ، ولا معز ، ولا مذل إلا الله ، وأنه لا معطي ، ولا مانع إلا الله ، فهذا اليقين عند المؤمن يرفعه عن أن ييأس ، أو عن أن يتطامن ، أو عن أن يستسلم ، معنوياته المرتفعة بسبب يقينه أن الأمر بيد الله ، الله عز وجل قبل أن يأمرك أن تعبده طمأنك ، وقال لك : " وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ " [هود:123] .
التوحيد يملأ القلب أمنا وطمأنينةً :
إخواننا الكرام ، لا تحل مشكلاتنا بأن الله خلق السموات والأرض ، لا تحل مشكلاتنا إلا بالإيمان بأن الأمر بيد الله .
" وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ ِلَهٌ " [الزخرف:84] .
" مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا " [الكهف:26] .
" وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ " [هود:123] .
آيات التوحيد تملأ النفس طمأنينة ، هو قدير ، وأنت ضعيف ، هو أقوى من أعدائك ، أقوى من كل قوة في الكون ، هو خالق السماوات والأرض .
" لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ" [الأعراف:54] .
إنسان يصنع طائرة ، ويبيع الطائرة ، الطائرة قوة مخيفة ، لكن بيد غير الصانع ، صنعت ، وبيعت ، الدولة التي اشترتها قد تقصف بها بلاداً صديقة للبلاد الصانعة لها .
أما الآية دقيقة جداً : " لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ " [الأعراف:54] .
أيّ شيء خلقه أمره بيد الله .
الآية الثانية : " اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ " [الزمر:62] .
ما من شيء مخيف إلا بيد الله، بالضبط لو أنك رأيت وحوشاً كاسرة جائعة مفترسة مخيفة، لكنها مربوطة بأزمة محكمة بيد جهة قوية حكيمة رحيمة عادلة، علاقتك مع من مع ؟ الوحوش أم مع الذي يملكها ؟ مع الذي يملكها ، والآية الدقيقة : " مِن دُونِهِ ۖ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ " [هود:55-56] .
إخواننا الكرام ، عندما يوحد الإنسان يمتلئ قلبه أمنا ، وأماناً ، وتفاؤلاً ، وبشراً ، الأمر بيد الله ، ولا يعقل ولا يقبل أن يسلمك الله إلى غيره ثم يأمرك أن تعبده طمأنك وقال : " وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ " هو القدير .
لذلك في صحيح البخاري : " لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " .
اللهم لا مانع لما أعطيت ، إذا أعطاك ما يمنعه ؟ لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، هذا التوحيد .
" مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ " ([فاطر:2] .
" اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ " [رواه البخاري ومسلم، عن المغيرة بن شعبة رضي اللّه عنه] .
لا ينفع ذكاءُ العبد مع الله : الذكي ، والعاقل ، والذي يتقد حيوية ونشاطاً ، وامتلاكاً لحيلة ، هذا لا ينفعه مع الله شيء .
" إن الله تعالى إذا أحب إنفاذ أمر سلب كل ذي لب لبه " [أخرجه الخطيب في التاريخ عن ابن عباس] .
الذكاء لا ينفع مع الله عز وجل ، ينفع معه الاستقامة ، ينفع له أن تكون محسناً ، ينفع له أن تكون مستقيماً على أمره ، ينفع له أن تكون مفتقراً إليه ، ينفع له أن تكون محباً ، أما أن يكون ذكياً ، الله عز وجل : " إن الله تعالى إذا أحب إنفاذ أمر سلب كل ذي لب لبه " .
الأذكياء إذا اعتدوا بذكائهم يرتكبون حماقات لا أول لها ولا آخر .
" الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ " [محمد:1] .
النجاح بيد الله ، ثمن النجاح الاستقامة ، أما الذكي ، والذي يملك خبرات عالية جداً ، والذي يملك أساليب ناجحة جداً ، والقوي ، والمعتد بنفسه فهذا الله عز وجل يأخذ منه عقله ، فيقع عليه العقاب الأليم .
وحينما يشرك الإنسان يؤتى من مَأمَنِه ، وأحياناً يتفوق طبيب باختصاصه تفوقًا كبيرًا ، ويتوهم أحياناً أنه لن يصاب بالأمراض التي اختص فيها ، فلحكمة بالغة الطبيب الهضمي يصاب بقرحة ، لأنه اعتدّ بعلم ، وظن أن علمه يمنعه من أن يصاب بمرض من اختصاصه ، والقوي يعتد بقوته ، فيأتي أضعف منه فينتصر عليه .
التوحيد أخطر شيء في الدين ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
إذاً : " لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ " .
الذي أوتي حظاً من عقل : " وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ " .
لا ينجيك من الله أن تكون ذكياً ، لا ينجيك من الله أن تكون ذا خبرة عالية جداً ، لا ينجيك من الله أن تكون لك جماعة إسلامية ، لا ينجيك من الله خطة وضعتها بإحكام .
لذلك أنا أقول دائما : إن أمة قوية خططت لبناء مجدها على أنقاض الشعوب ، وبناء رخائها على إفقار الشعوب ، وبناء قوتها على إضعاف الشعوب ، وبناء غناها على إفقار الشعوب ، وبناء عزتها على إذلال الشعوب ، إن هذه القوة الغاشمة نجاح خططها على المدى البعيد يتناقض مع وجود الله : " وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ " .
لذلك : " الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني منهما شيئا أذقته عذابي ولا أبالي " [أخرجه أحمد، وأبو داود وابن ماجة عن أبي هريرة، ابن ماجة عن ابن عباس] .
لذلك ورد في بعض الأحاديث : " من علم منكم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي ما لم يشرك بي " [أخرجه الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك عن ابن عباس] .
إخواننا الكرام ، الأصل هو العلم ، أن تعلم أن أسماء الله كلها حسنى ، وأن صفاته كلها فضلى ، لذلك هناك من يقول : يا رب لا نسألك رد القضاء ، ولكن نسألك اللطف به ، لا يا رب اصرف عني هذا كله ، لمَ لا تتوقع أن يكون هذا الشيء غير محقق ، لا ، اطلب من الله كل شيء .
4 ـ دعاء العبد ربَّه لأنه قدير على الإجابة :
عندما تدعو الله تكون عابدا لله ، كيف ؟ لمجرد أنك تدعو الله فأنت مؤمن بوجوده ، لأن الإنسان لا يدعو جهة لا يؤمن بها ، ولمجرد أنك إذا دعوت الله أنك مؤمن بسمعه ، يسمعك، لأن الإنسان في الأصل لا يدعو جهة لا تسمعه ، ولمجرد أنك دعوت الله فأنت مؤمن بقدرته .
إن إنساناً مفتقر إلى مبلغ كبير لا يسأل طفلاً صغيراً لا يملكه ، ولمجرد أنك تدعو الله فأنت مؤمن برحمته ، والذي يدعو الله مؤمن بوجود الله ، وبسمعه ، وبقدرته ، وبرحمته .
لذلك : " الدعاء هو العبادة " .
" الدعاء مخ العبادة " [أخرجه الترمذي عن أنس] .
لأن الله عز وجل يقول : " قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ " [الفرقان:77] .
علامة إيمانك الصحيح أن تدعو الله ، والدعاء سلاح المؤمن ، وأنت بالدعاء أقوى إنسان ، إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله ، وإذا أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك ، وإذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتق الله .
لذلك أيها الإخوة :
" وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا " [الأحزاب:38] .
القدر الفعل ، والمقدور العلم ، الله عز وجل عليم قدير ، القضاء والقدر ، القضاء هو الحكم ، والقدر تقدير فعل بحسب العلم .
الله عز وجل يطلع على إنسان مستقيم ، علم الله باستقامته يقدر له توفيقاً ، يطلع على إنسان كاذب علم الله بكذبه يقدر له علاجاً ، فمجمل القضاء والقدر أن الله يعلم ، ويقدر لهذا الإنسان ما يناسبه .
تماماً كالطبيب وقف أمام مريض ، أخذ ملفّه فوجد فيه أن الضغط مرتفع جداً ، علمه بضغطه المرتفع جعله يعطي أمراً بمنع الملح عنه ، ووصف دواء يخفض الضغط .
أنا أبّسط، لا تعقّد الأمور ، الله عز وجل يعلم ، وحينما يعلم يقدر لك الشيء المناسب ، فقضاؤه وقدره علمه وحكمته ، علمه ومعالجته ، وكل شيء بقضاء من الله وقدر ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، والقضاء والقدر يذهب الهم والحزن .
" ولكل شيء حقيقة ، وما بلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه " [أخرجه أحمد، والطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه] .
هذا هو التوحيد ، وهذا هو الإيمان بالله .
خاتمة :
فيا أيها الإخوة ، مرة ثانية شأن العبد أن يكون فقيراً ، وشأن العبد أن يكون جاهلاً ، وشأن العبد أن يكون ضعيفاً ، الضعيف إن أقبل على الله يقوى ضعفه ، والفقير إذا أقبل على الله يغتني بإقباله ، والجاهل إذا أقبل على الله يعلمه الله .
" وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا " [النساء:113] .
لذلك : يمكن أن تضيف إلى اللبن خمسة أضعاف حجمه ماء ، ويكون شراباً سائغاً ، لكن لا يحتمل اللبن قطرة واحدة من البترول ، عندئذٍ لا تشربه ، يعنى العبادة مما يناقضها الشرك .
" إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ " [النساء:48] .
مما يناقض العبادة الشرك بالله عز وجل ، لكن ما دام فيه توحيد ، ما دام فيه استغفار ما دام فيه إقبال ، ما دام فيه اعتراف بالذنب ، الله عز وجل غفور ، وما أمرنا أن نستغفره إلا ليغفر لنا ، وما أمرنا أن نتوب إليه إلا ليتوب علينا ، وما أمرنا أن ندعوه إلا ليجيبنا .
فشأن العبد أن يكون ضعيفاً ، مفتقراً ، وشأن الرب أن يكون معطياً ، جواداً كريماً ، فالقدير من أقرب الأسماء الحسنى إلى الإنسان ، لأنه ضعيف .
لذلك الباعث عن التدين في الإنسان ضعفه ، وعظمة الله عز وجل ، حتى الذين ضلوا سواء السبيل ، وعبدوا آلهة غير الله ، هم بهذا الباعث ، بباعث من ضعفهم عاشوا في الأوهام ، لكن المؤمن عاش مع الواحد الديان .
مختارات
-
وينشئ السحاب الثقال - معجزة علمية
-
" التَّرغيب في حضور الفجر جماعةً والتَّرهيب من تركها "
-
" لم يجدوا أثرا للمرض "
-
محطات بين الشبهة والشهوة (3)
-
من لوازم الفقر
-
" وجوب لزوم السنة في طريق إصلاح القلب "
-
الإعجاز التّأثيريّ للقرآن الكريم
-
أزمة غياب العقلانية بين الباحثين الغربيين
-
" نزول عيسى عليه السلام "
-
المأزق الدنيوي