درجات الأخلاق (٤)
وأصول الأخلاق:
الإخلاص لله في السر والعلانية.. والعدل في الغضب والرضا.. والقصد في الفقر والغنى.وأن يكون صمتي فكراً.. ونطقي ذكراً.. ونظري عِبراً.
هذا بالنسبة للنفس أما بالنسبة للغير فأصول الأخلاق أربعة:
أن أعفو عمن ظلمني.. وأعطي من حرمني.. وأصل من قطعني.. وأحسن إلى من أساء إلي.
ومكانة المسلم عند الله عظيمة، وحقه كبير، فإن في قلبه لا إله إلا الله التي لو وضعت السموات والأرض ومن فيهن في كفة، ولا إله إلا الله في كفة لمالت بهن، ومن بدنه وجوارحه تصدر الأقوال والأعمال التي جاء بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكم وزنه عند الله؟.. وكم قيمته عند مولاه؟
فلهذا المسلم حقوق على أخيه المسلم لا بدَّ من معرفتها أولاً، وأدائها ثانياً كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ». قِيلَ: مَا هُنَّ؟ يَا رَسُولَ اللهِ! قال: «إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَسَمِّتْهُ. وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ» أخرجه مسلم (١).
فيجب على كل مسلم إكرام كل مسلم، ولإكرام المسلم أربع درجات:
الأولى: أداء الحقوق حسب ما أمر الله ورسوله به، وكيفية أدائها بإعطاء كل ذي حق حقه حسب مكانته:
فمنها حقوق الوالدين والأقربين والجيران.. وحقوق الزوج على زوجته، والزوجة على زوجها، وحقوق الحكام على الرعية.. وحقوق الرعية على الحكام.. وحقوق الفقراء على الأغنياء.. وحقوق الأغنياء على الفقراء.. وحقوق العلماء على المؤمنين.. وحقوق المؤمنين على العلماء.. وحقوق الكبار على الصغار.. وحقوق الصغار على الكبار.. وهكذا.
الثانية: حسن الخلق، فعلى المسلم أن يتخلق بالأخلاق التي تخلق بها النبي - صلى الله عليه وسلم - سواء كانت لأداء الواجب نحو خالقه بالإيمان به وطاعته وعبادته، أو كانت تتعلق بالمخلوق نفسه، أو تتعلق بغيره؛ لتكون هذه الأخلاق سبباً لمحبة الله له، ومحبة الناس له.
الثالثة: الإيثار، وهو درجة الكمال للأخلاق، وهو أن يفضل الإنسان غيره، ويقدم حاجة أخيه على حاجته، وأن يحسن إلى من لا يحسن إليه.
فالله عزَّ وجلَّ مع كونه غنياً قادراً يغفر للعاصين، ويرزق المؤمنين والعاصين والكافرين على حد سواء؛ لأنه لا رازق غيره، ولا رب سواه، ولا أكرم منه.
فعلى الإنسان أن يقضي حوائج الآخرين قبل أن يقضي حوائجه، ويخدم خلق الله قبل أن يخدم نفسه؛ لينال الأجر، ويكسب محبة الله ومحبة خلق الله، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يحبون كل مؤمن: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩)} [الحشر: ٩].
الرابعة: الإكرام، ودرجة الإكرام درجة خاصة لا يستحقها غير أهل التقوى من المسلمين.
فالدرجات الثلاث الأُوَل لجميع الناس، أما الدرجة الرابعة فهي تخص المؤمنين فقط.
فالمسلم مهما بلغ من الضعف والتقصير لا يمكن إهماله وتركه، بل نبذل الجهود في إرشاده وتعليمه بالرفق واللين، والترغيب والترهيب.
فهو كالمريض تجب مداواته، والعناية به، حتى يعود إلى صحته.
فالله قد اختاره وزينه بالإيمان، وأكرمه بالإسلام، وأدخله إلى بيته:
فإذا تغيرت أحواله وساءت أخلاقه لزم إكرامه ونصحه، وترغيبه وإرشاده حتى يعود إلى ربه، وبالإكرام والتذكير تتغير القلوب، ثم يتغير عمل الجوارح كما يحي الله بالماء الأرض بعد موتها كما قال سبحانه: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (١٦) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧)} [الحديد: ١٦،١٧].
وقال سبحانه: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥)} [الذاريات: ٥٥].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. متفق عليه (٢).
(١) أخرجه مسلم برقم (٢١٦٢).(٢) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٦)، واللفظ له، ومسلم برقم (٢٣٠٨).
مختارات