تابع " الصلاة صلة حقيقية ومدرسة خلقية "
تابع " الصلاة صلة حقيقية ومدرسة خلقية "
3- قال الله عز وجل: " قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُآبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَلَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ " (هود:87).
أمر شعيب عليه الصلاة والسلام قومه بالتوحيد، ونهاهم عما اعتادوه من البخس المنافي للعدل، ثم أمرهم كذلك بالإيفاء بعد النهي عن ضده مبالغة وتنبيها على أنه لا يكفيهم الكف عن تعمدهم التطفيف، بل يلزمهم السعي في الإيفاء، ثم نهاهم عن الفساد في الأرض (انوار التنزيل وأسرار التأويل).
وكان شعيب عليه الصلاة والسلام كثير الصلوات، مواظبًا عليها، فلما أمر قومه ونهاهم عيروه بما رأوه يستمر عليه من كثرة الصلاة، وقالوا له على سبيل الإنكار والتهكم: " قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُآبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ " أي: أصلواتك التي تداوم عليها في ليلك ونهارك تأمرك بأن نترك عبادة الأوثان، وأن نترك فعل ما نشاء في أموالنا، فدل ذلك على أنهم أدركوا أن الصلاة تأمر بالجميل والمعروف، وتبعث عليه، وتنهى عن ضده (الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، ومفاتيح الغيب، والجامع لأحكام القرآن).
قال ابن جرير – رحمه الله تعالى – معناه: يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك عبادة ما يعبد آباؤنا من الأوثان والأصنام، أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء من كسر الدراهم وقطعها، وبخس الناس في الكيل والوزن (تفسير الطبري).
4- عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: « إنَّ فلانًا يصلي بالليل، فإذا أصبح سرق، قال: (إنه سينهاه ما تقول) وفي رواية: (ستمنعه صلاته)» (قال الشيخ الألباني: رواه احمد والبزار والطحاوي بإسناد صحيح، ينظر سلسلة الأحاديث الصحيحة).
معناه: أنه ما دام محافظًا على الصلاة، فإن صلاته لا محالة ستنهاه فيتوب عن السرقة قريبًا؛ لأن الصلاة تذكر بالله وتورث النفس خشيته، فبمزوالتها والاستمرار على أدائها سيجد منها حالة في قلبه تمنعه عن ارتكاب الإثم (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح).
قال الطحاوي – رحمه الله تعالى -: فتأملنا هذا الحديث فوجدنا أن الله سبحانه قد قال في كتابه: " إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ " أي: أنها تنهى عن أضدادها إذا كان أهلها يأتونها على الأحوال التي أمروا أن يأتوا بها عليها، من الطهارة لها، ومن ستر العورة عندها، ومن الخشوع لها، وتوفيتها ما يجب أن توفاه،... وفي ذلك ما يدل على أنه عز وجل بمنه ولطفه وسعة رحمته يبرئ ذلك السارق مما كان سرق، ويرده إلى أهله حتى يلقاه يوم يلقاه، لا تبعة عليه تمنعه من دخول جنته (شرح مشكل الآثار).
فهذه النصوص صحيحة وصريحة في أن الصلاة مدرسة خلقية، تأمر المصلين بالمعروف، وتحثهم على الطاعات والتخلق بمكارم الأخلاق، وتنهاهم عن المنكر، وتصرفهم عن المعاصي، والأخلاق الدنيئة، فهي آمرة ناهية لمن يؤديها على الصفة التي أمر الله تعالى بها.
مختارات