" لا تقوموا لي "
" لا تقوموا لي "
كان الصحابة يتفانون في حب النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث لم يحب زعيمًا أصحابُه مثل ما كان يحب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا مع حبهم الشديد له وتفانيهم في إكرامه وإجلاله لا يقومون له عند قدومه؛ لما يعلمون من كراهيته للقيام له، وقد ورد في قوله: «لا تقوموا لي كما تقوم الأعاجم لأمرائها».
وكان يجلس صلى الله عليه وسلم حيث ينتهي به المجلس، لا يقيم أحدًا من مجلسه، ولا يخلِّف أحدًا في مقعده [رواه الطبراني والبيهقي] فهل يقاس هذا الخلق وهذا التواضع وتلك الآداب النبوية الكريمة بما يُفْعَلُ لملوك العالم وزعماء دولهم؛ حيث تُساق الجماهير لاستقبال الزعيم وتخرج المدن عن بكرة أبيها للتصفيق والهتاف المتصاعد وهو منتفخ الأوداج تكاد نفسه تطير بهجة وسرورًا وكبرياء وعظمة؛ لما يشاهد من الابتهاج ويسمع من الهتاف، ثم يجلس بالمنصَّة العالية الرفيعة، ويكون مجلسه مميَّزًا عن بقية المجالس كلها، ولا يستطيع أحد أن يجلس حتى يأخذ ذلك الزعيم مجلسَه المخصَّص له؟! فأين الفرق؟!
روى أبو داود بسند جيد عن عبد الله بن الشخير قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: أنت سيدنا وابن سيدنا، فقال: «السيد الله تبارك وتعالى» قلنا: وأفضلنا فضلًا وأعظمنا طَوْلًا، قال: «قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستهوينكم الشيطان».
وعند النسائي بسند جيد عن أنس أن أناسًا قالوا: يا رسول الله، يا خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، فقال صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس، قولوا بقولكم ولا يستهوينَّكم الشيطان، أنا محمد عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل».
وأورد الترمذي في الشمائل عن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغلي ثوبه، ويحلب الشاة، ويخدم نفسه، ويكون مع أهله في شغل المنزل.
مختارات