" ليس للنبى صلى الله عليه وسلم حارس ولا يُعرف له حاجب "
" ليس للنبى صلى الله عليه وسلم حارس ولا يُعرف له حاجب "
من المعروف عن دول العالم في القديم والحديث وكل ملوك العالم وزعمائهم أنهم يخصصون عددًا من ألوية الجيش تعرف (بالحرس الملكي، أو الجمهوري، أو الأميري) مدجَّجين بأحدث الأسلحة، بين كل فرد من جنود وضباط صف وجميع أصناف الرتب مسافات متقاربة على مدار الأربع والعشرين الساعة، يتناوبون للحراسة المكثفة، وهذا جائز من باب الحذر وأخذ الحيطة.
إلا أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ما كان يُعرف له حراس ولا حُجَّاب، لا في إقامته ولا في وقت سفره، وما كان له حاجب يقف على باب داره بالسلاح ليحميه من كيد الأعداء، وكان بارزًا لكل الناس حتى في زمن الخوف واشتداد البأس، لا يُعرَف عنه أنه اتخذ حرَّاسًا يحرسونه، رغم كثرة أعدائه المتربصين به من المشركين واليهود والمنافقين في داخل المدينة وخارجها؛ ففي أحلك المواقف في غزوة ذات الرقاع التي شُرِّعت فيها صلاة الخوف ما كان عنده مَن يحرسه إلا الله، وهو القائل: " وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ " [المائدة: 67] ففي الصحيحين وغيرهما من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه غزى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نَجْد، وحين قَفَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مشى حتى أدركته القافلة في واد كثير العضاة، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق الناس في العضاة يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة سمرة فعلَّق سيفَه.
قال جابر: فنمنا نومة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، فجئناه فإذا عنده أعرابي جالس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتا ! فقال لي: من يمنعك مني؟ فقلت له: الله، فها هو ذا جالس» ولم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية غير الصحيحين: حين قال الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: من يحميك مني؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الله» وسقط السيف من يده، فأخذ السيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «وأنت من يحميك مني؟» فقال الأعرابي: لا أحد، فعفَى عنه، والرجل صاحب القصة اسمه غورث بن الحارث؛ فحين رجع إلى قومه قال: جئتكم من عند خير الناس، ذكره القرطبي في تفسير قوله تعالى: " وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ " [المائدة: 67].
وفي قصة عمير بن وهب التي ساقها ابن هشام في السيرة وغيره: أن عمير بن وهب ذهب ليقتل النبي صلى الله عليه وسلم بتحريض من صفوان بن أمية، فحين قدم عمير المدينة متوشحًا سيفه الذي وضع فيه السم ليقتل به النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله: «ما جاء بك يا عمير؟ وما بال السيف في عنقك؟» قال: جئت لفكاك أسيري، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلتَ: لولا دَينٌ عليَّ وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدًا، فتَحَمَّلَ لك صفوان بِدَيْنك وعيالِك على أن تقتلني، والله حائلٌ بينك وبين ذلك». فصدَّق عمير قولَ النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: أشهد أنك رسول الله، والله إن هذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان ! فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام وساقني هذا المساق.
والشاهد من هذين الخبرين أنه صلى الله عليه وسلم ليس له حارس ولا حاجب حتى في حضرة العدو ومواطن اللقاء، فهل مَنْ كانت هذه صفاتِه هو الذي يريد بناء دولة وتشييد مملكة؟!
أفلا يستحيي تلاميذ الخواجات وعملاء التبشير وأقزام الأقزام أن يَصِفُوا سيدَ الخَلْقِ بأنه ينتحل الكذب على الله وأنه يُزَوِّرُ دعوةَ الإسلام كحيلة لتوصله إلى الملك والسلطان، لا لأن القرآن وحي منزل من الرحمن ورسالة ربانية سامية، ومعجزة خالدة باقية، لا شك أن هذه الأفكار مستوحاة من عقد خصوم الإسلام الإفرنج، ومصبوغة بصبغ عملية غسيل الأدمغة التي صبغت بها عقول الأتباع، ونَفَثَها الأسيادُ في رَوْعِ العبيدِ المتفرنجين العملاء؟!.
مختارات