" عقوبة المعاصي "
" عقوبة المعاصي "
يا أيها الغافل ! الغارق في المعاصي ! هل علمت أن للمعاصي عقوبات تحل بأهلها في الدنيا والآخرة؟
إن نيران المعاصي إذا اشتعلت أحرقت كل شيء ! ونيران المعاصي لا تطفئها إلا التوبة النصوح؛ التي يخلص العبد فيها الرجوع إلى الله تعالى فيا من أوبقتك المعاصي! انج بنفسك من عقوباتها قبل أن تنزل بك.
قال الله تعالى: " ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " [الروم: 41].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز منهم وأمنع لا يغيرون إلا عمهم الله بعقاب» (رواه ابن ماجه صحيح ابن ماجة ) .
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل يملي للظالم، فإذا أخذه لم يُفلته» ثم قرأ " وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ " (رواه البخاري ومسلم).
قال الإمام ابن القيم: «وكثير من الجهال اعتمدوا على رحمة الله وعفوه وكرمه وضيعوا أمره ونهيه، ونسوا أنه شديد العقاب، وأنه لا يُرد بأسه عن القوم المجرمين، ومن اعتمد على العفو مع الإصرار على الذنب فهو كالمعاند».
أخي المسلم: على العاقل أن يحذر من عقوبة المعاصي؛ ولا يغتر بالتأخير؛ فإن الله تعالى لا تضره معصية العاصي، كما أنه تعالى لا يفوته العاصي؛ لذلك فإنه تعالى يؤخر العقوبة، ولكن متى نزلت فلا نجاة للعاصي !
كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى بعضهم:
«أما بعد: فلا تغتر يا عبد الحميد بتأخير عقوبة الله تعالى عنك، وإنما يعجل من يخاف الفوت، والسلام».
فإن الغافل حقًا! هو الذي يغفل عن عقوبات المعاصي وجزائها النازل.
وكم من عاص لا يهمه عاقبة الذنب !
وكم من عاص نسي عواقب الذنوب الوخيمة !
قال ابن عباس رضي الله عنهما: «يا صاحب الذنب لا تأمن سوء عاقبته، ولما يتبع الذنب أعظم من الذنب إذا عملته: قلة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال وأنت على الذنب أعظم من الذنب !» وضحك وأنت لا تدري ما الله صانع بك أعظم من الذنب ! وفرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب ! وحزنك على الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب! وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك، وأنت على الذنب، ولا يضطرب فؤادك من نظر الله عليك أعظم من الذنب !
فيا من أسرفت في المعاصي لا تظنن أن الله غافل عنك ! ويا من أسرفت في المعاصي تذكر غضب الله وسخطه !
أخي المسلم: عقوبات المعاصي متعددة الأنواع؛ فالضنك والضيق بأنواعه، قد يكون من عقوبات المعاصي.. بل إن المعصية بعد المعصية من عقوبات المعاصي، وتسويف التوبة من عقوبات المعاصي.
قال بعض الحكماء: المعصية بعد المعصية عقاب المعصية، والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة.
قال الإمام ابن الجوزي: «وربما رأى العاصي سلامة بدنه وماله، فظن أن لا عقوبة وغفلته عما عوقب به عقوبة، وربما كان العقاب العاجل معنويًا كما قال بعض أحبار بني إسرائيل: يا رب كم أعصيك ولا تعاقبني ! فقيل له: كم أعاقبك وأنت لا تدري، أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي؟!».
أخي المسلم: لقد كان الصالحون من هذه الأمة يحاسبون أنفسهم حساب المؤمنين الصادقين، ولا يدعون حدث يمر عليهم دون أن يفكروا في أسبابه، فإذا نزل بأحدهم شيء ينكره رجع إلى نفسه فحاسبها، وهم الصالحون حقًا.. والعاملون بطاعة الله تعالى في ليلهم ونهارهم.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: «إني لأعصي الله عز وجل فأعرف ذلك في خُلُق دابتي وجاريتي».
وجاء عن أبي عثمان النيسابوري رحمه الله: أنه انقطع شسع نعله في مضيه إلى الجمعة، فتعوق لإصلاحه ساعة، ثم قال: «ما انقطع إلا لأني ما اغتسلت غسل الجمعة!».
يقول الإمام ابن الجوزي: «من تأمل عواقب المعاصي، رآها قبيحة، ولقد تفكرت في أقوام أعرفهم، يقرون بالزنا وغيره، فأرى تعثرهم في الدنيا مع جلادتهم ما لا يقف عند حد، وكأنهم ألبسوا ظلمة؛ فالقلوب تنفر عنهم؛ فإن اتسع لهم شيء؛ فأكثره من مال الغير، وإن ضاق بهم أمر؛ أخذوا يتسخطون على القدر هذا وقد شغلوا بهذه الأوساخ عن ذكر الآخرة، ثم عكست فتفكرت في أقوام صابروا الهوى، وتركوا ما لا يحل، فمنهم من قد أينعت له ثمرات الدنيا، من قوت مستلذ ومهاد مستطاب وعيش لذيذ وجاه عريض؛ فإن ضاق بهم أمر وسعه الصبر، وطيبه الرضى ففهمت بالحال معنى قوله تعالى: " إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ " [يوسف: 90]».
مختارات