المسائل من 1 حتى 7
تعريف الصيام
1- الصوم لغة: الإمساك، وشرعا الإمساك عن المفطّرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس بالنية.
حكم الصيام
2- أجمعت الأمة على أن صوم شهر رمضان فرض، والدليل من الكتاب قول الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا كُتِب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون }، ومن السنة قول الرسول صلى الله عليه وسلم: بُني الإسلام على خمس: وذكر منها صوم رمضان رواه البخاري فتح 1/49 ومن أفطر شيئا من رمضان بغير عذر فقد أتى كبيرة عظيمة، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤيا التي رآها: " حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة، قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل النار، ثم انطلق بي، فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دما، قال: قلت: من هؤلاء؟ قال: الذين يُفطرون قبل تحلّة صومهم " أي قبل وقت الإفطار صحيح الترغيب 1/420. قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى: وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم رمضان من غير عذر أنه شرّ من الزاني ومدمن الخمر، بل يشكّون في إسلامه، ويظنّون به الزندقة والانحلال. وقال شيخ الإسلام رحمه الله: إذا أفطر في رمضان مستحلا لذلك وهو عالم بتحريمه استحلالا له وجب قتله، وإن كان فاسقا عوقب عن فطره في رمضان. مجموع الفتاوى 25/265
فضل الصيام
3- فضل الصيام عظيم ومما ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة: أن الصيام قد اختصه الله لنفسه وأنه يجزي به فيضاعف أجر صاحبه بلا حساب لحديث: " إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به " البخاري فتح رقم 1904 صحيح الترغيب 1/407، وأن الصوم لا عِدل له النسائي 4/165 وهو في صحيح الترغيب 1/413،وأن دعوة الصائم لا تُردّ رواه البيهقي 3/345 وهو في السلسلة الصحيحة 1797، وأن للصائم فرحتين إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربّه فرح بصومه رواه مسلم 2/807، وأن الصيام يشفع " للعبد يوم القيامة يقول: أي ربّ منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه " رواه أحمد 2/174 وحسّن الهيثمي إسناده: المجمع 3/181 وهو في صحيح الترغيب 1/411،وأن " خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " مسلم 2/807، وأن " الصوم جُنّة وحصن حصين من النار " رواه أحمد 2/402 وهو في صحيح الترغيب 1/411 وصحيح الجامع 3880، وأنّ " من صام يوما في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا " رواه مسلم 2/808،وأنّ " من صام يوما ابتغاء وجه الله خُتم له به دخل الجنّة " رواه أحمد 5/391 وهو في صحيح الترغيب 1/412. وأنّ في الجنة بابا " يُقال له الريان يدخل منه الصائمون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أُغلق فلم يدخل منه أحد " البخاري فتح رقم 1797.
وأما رمضان فإنه ركن الإسلام وقد أُنزل فيه القرآن، وفيه ليلة خير من ألف شهر،و " إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ " رواه البخاري الفتح رقم 3277، وصيامه يعدل صيام عشرة أشهر أنظر مسند أحمد 5/280 وصحيح الترغيب 1/421، و " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " رواه البخاري فتح رقم 37، و " لله عزّ وجلّ عند كلّ فطر عتقاء " رواه أحمد 5/256 وهو في صحيح الترغيب 1/419.
من فوائد الصيام
4- في الصيام حكم وفوائد كثيرة مدارها على التقوى التي ذكرها الله عز وجل في قوله:{ لعلكم تتقون }، وبيان ذلك: أن النفس إذا امتنعت عن الحلال طمعا في مرضاة الله تعالى وخوفا من عقابه فأولى أن تنقاد للامتناع عن الحرام.
وأن الإنسان إذا جاع بطنه اندفع جوع كثير من حواسه، فإذا شبع بطنه جاع لسانه وعينه ويده وفرجه، فالصيام يؤدي إلى قهر الشيطان وكسر الشهوة وحفظ الجوارح.
وأن الصائم إذا ذاق ألم الجوع أحس بحال الفقراء فرحمهم وأعطاهم ما يسدّ جوعتهم، إذ ليس الخبر كالمعاينة، ولا يعلم الراكب مشقة الراجل إلا إذا ترجّل.
وأن الصيام يربي الإرادة على اجتناب الهوى والبعد عن المعاصي، إذ فيه قهر للطبع وفطم للنفس عن مألوفاتها.وفيه كذلك اعتياد النظام ودقة المواعيد مما يعالج فوضى الكثيرين لو عقلوا.
وفي الصيام إعلان لمبدأ وحدة المسلمين، فتصوم الأمة وتُفطر في شهر واحد.
وفيه فرصة عظيمة للدعاة إلى الله سبحانه فهذه أفئدة الناس تهوي إلى المساجد ومنهم من يدخله لأول مرة ومنهم من لم يدخله منذ زمن بعيد وهم في حال رقّة نادرة، فلا بدّ من انتهاز الفرصة بالمواعظ المرقِّقة والدروس المناسبة والكلمات النافعة مع التعاون على البرّ والتقوى. وعلى الداعية أن لا ينشغل بالآخرين كليّا وينسى نفسه فيكون كالفتيلة تضيء للناس وتُحرق نفسها.
5- آداب الصيام وسننه
ومنها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب، فمن ذلك:
الحرص على السحور وتأخيره، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " تسحروا فإن في السحور بركة " رواه البخاري فتح 4/139، فهو الغداء المبارك، وفيه مخالفة لأهل الكتاب، و " نِعمَ سحور المؤمن التمر " رواه أبو داود رقم 2345 وهو في صحيح الترغيب 1/448
تعجيل الفطر لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يزال الناس بخير ما عجّلوا الفطر رواه البخاري فتح 4/198، وأن يفطر على ما ورد في حديث أنس رضي الله عنه قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يُفطر قبل أن يصلي على رطبات،فإن لم تكن رطبات فتميرات، فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء ".رواه الترمذي 3/79وغيره وقال حديث حسن غريب وصححه في الإرواء برقم922، ويقول بعد إفطاره ما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال: ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله " رواه أبو داود 2/765 وحسن الدارقطني إسناده 2/185 البعد عن الرفث لقوله صلى الله عليه وسلم ".. إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفُث.. " رواه البخاري الفتح رقم 1904 والرفث هو الوقوع في المعاصي، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه. " البخاري الفتح رقم 1903، وينبغي أن يجتنب الصائم جميع المحرمات كالغيبة والفحش والكذب، فربما ذهبت بأجر صيامه كله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " رُبّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع. " رواه ابن ماجه 1/539 وهو في صحيح الترغيب 1/453
ومما أذهب الحسنات وجلب السيئات الانشغال بالفوازير والمسلسلات، والأفلام والمباريات، والجلسات الفارغات، والتسكع في الطرقات، مع الأشرار ومضيعي الأوقات، وكثرة اللهو بالسيارات، وازدحام الأرصفة والطرقات، حتى صار شهر التهجد والذكر والعبادة ـ عند كثير من الناس -شهر نوم بالنهار لئلا يحصل الإحساس بالجوع،ويضيع من جرّاء ذلك ما يضيع من الصلوات،ويفوت ما يفوت من الجماعات،ثم لهو بالليل وانغماس في الشهوات،وبعضهم يستقبل الشهر بالضجر لما سيفوته من الملذات، وبعضهم يسافر في رمضان إلى بلاد الكفار للتمتع بالأجازات!!وحتى المساجد لم تخل من المنكرات من خروج النساء متبرجات متعطرات، وحتى بيت الله الحرام لم يسلم من كثير من هذه الآفات،وبعضهم يجعل الشهر موسما للتسول وهو غير محتاج،وبعضهم يلهو فيه بما يضرّ كالألعاب النارية والمفرقعات، وبعضهم ينشغل بالصفق في الأسواق والتطواف على المحلات،وبعضهن بالخياطة وتتبع الموضات، وتنزل البضائع الجديدة والأزياء الحديثة في العشر الأواخر الفاضلات لتشغل الناس عن تحصيل الأجور والحسنات.
* أن لا يصخب، لقوله صلى الله عليه وسلم: " وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم، إني صائم " رواه البخاري وغيره الفتح رقم 1894، فواحدة تذكيرا لنفسه،والأخرى تذكيرا لخصمه. والناظر في أخلاق عدد من الصائمين يجد خلاف هذا الخُلق الكريم فيجب ضبط النفس، وكذلك استعمال السكينة وهذا ما ترى عكسه في سرعات السائقين الجنونية عند أذان المغرب.
* عدم الإكثار من الطعام، لحديث " ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنٍ.. " رواه الترمذي رقم 2380 وقال هذا حديث حسن صحيح، والعاقل إنما يريد أن يأكل ليحيا لا أن يحيا ليأكل، وإن خير المطاعم ما استخدمت وشرها ما خُدمت. وقد انغمس الناس في صنع أنواع الطعام، وتفننوا في الأطباق حتى ذهب ذلك بوقت ربات البيوت والخادمات، وأشغلهن عن العبادة، وصار ما ينفق من الأموال في ثمن الأطعمة أضعاف ما يُنفق في العادة، وأصبح الشهر شهر التخمة والسمنة وأمراض المعدة. يأكلون أكل المنهومين، ويشربون شرب الهيم،فإذا قاموا إلى صلاة التراويح قاموا كسالى، وبعضهم يخرج بعد أول ركعتين.
* الجود بالعلم والمال والجاه والبدن والخُلُق، وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس { بالخير }، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ". رواه البخاري الفتح رقم 6 فكيف بأناس استبدلوا الجود بالبخل والنشاط في الطاعات بالكسل والخمول فلا يتقنون الأعمال ولا يحسنون المعاملة متذرعين بالصيام.
والجمع بين الصيام والإطعام من أسباب دخول الجنة كما قال صلى الله عليه وسلم: " إن في الجنة غرفا يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام،وصلى بالليل والناس نيام " رواه أحمد 5/343 وابن خزيمة رقم 2137 وقال الألباني في تعليقه: إسناده حسن لغيره،وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من فطّر صائما كان له مثل أجره،غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء ".رواه الترمذي 3/171 وهو في صحيح الترغيب 1/451 قال شيخ الإسلام رحمه الله: والمراد بتفطيره أن يُشبعه. الاختيارات الفقهية ص: 109
وقد آثر عدد من السلف ـ رحمهم الله ـ الفقراءَ على أنفسهم بطعام إفطارهم، منهم: عبد الله بن عمر، ومالك بن دينار، وأحمد بن حنبل وغيرهم. وكان عبد الله بن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين.
ومما ينبغي فعله في الشهر العظيم
* تهيئة الأجواء والنفوس للعبادة، والإسراع إلى التوبة والإنابة،والفرح بدخول الشهر، وإتقان الصيام، والخشوع في التراويح،وعدم الفتور في العشر الأواسط،وتحري ليلة القدر، ومواصلة ختمة بعد ختمة مع التباكي والتدبر، وعمرة في رمضان تعدل حجة، والصدقة في الزمان الفاضل مضاعفة، والاعتكاف في رمضان مؤكد.
* لا بأس بالتهنئة بدخول الشهر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشّر أصحابه بقدوم شهر رمضان ويحثّهم على الاعتناء به فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض الله عز وجلّ عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب السماء، وتُغلّق فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه مردة الشياطين، فيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم " رواه النسائي 4/129 وهو في صحيح الترغيب 1/490
من أحكام الصيام
6- من الصيام ما يجب التتابع فيه كصوم رمضان والصوم في كفارة القتل الخطأ وصوم كفارة الظهار وصوم كفارة الجماع في نهار رمضان وكذلك من نذر صوما متتابعا لزمه.
ومن الصيام ما لايلزم فيه التتابع كقضاء رمضان وصيام عشرة أيام لمن لم يجد الهدي والصوم في كفارة اليمين) عند الجمهور (وصوم الفدية في محظورات الإحرام) على الراجح) وكذلك صوم النذر المطلق لمن لم ينو التتابع.
7- صيام التطوع يجبر نقص صيام الفريضة، ومن أمثلته عاشوراء وعرفة وأيام البيض والاثنين والخميس وست من شوال والإكثار من الصيام في محرم وشعبان.
مختارات