مع حبيبي (4)
حتى من أخطأ أو زل أو جهل لم يحرم من حنانه ورفقه ﷺ
- ائذن لي في الزنا !!
يا لها من كلمة
كيف جرؤ الشاب أن يقدم على قولها بين يدى رسول الله صلى الله عليه و سلم؟!
أى شهوة مستعرة تلك التي تلظى لهيبها في قلبه اليافع وأدت به إلى ذلك المسلك العجيب ودفعته لذلك الجهر الرهيب؟
- مه مه يا هذا
تصاعدت أصوات تلك الهمهمات الغاضبة زاجرة الفتى عما يخوض فيه بين يدي إمام المتقين و سيد الأطهار المتبتلين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم
لكن صوتا حانيا قطع كل تلك الهمهمات الزاجرة داعيا الفتى المستأذن بالزنا لآخر ما يتصوره جافٍ أو قاسي القلب
لقد تكلم
ولقد قال كلمة تقاطر منها الحنو الحاسم
- ادنه
اقترب
ادن مني
تعالى إلى جوار من هو بالمؤمنين رؤوف رحيم
أقبِل على من قيل فيه " لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين "
ادن من صاحب الخلق العظيم و سيد ولد آدم أجمعين
هكذا عامله رسول رب العالمين
دعاه ليقترب
ناداه لينهل من حسن منطقه و عذوبة حديثككه و حكمة دعوته
- أَتُحبُّه لِأُمِّكَ؟
- لا واللهِ جعلني اللهُ فداءَك
قال: ولا الناسُ يُحبونَه لأُمهاتِهم
أفتُحبُّه لابنتِك
- لا واللهِ يا رسولَ اللهِ جعلني اللهُ فداءَك
لأختك؟ لعمتك؟ لخالتك؟
منطق هادىء سديد و حكمة دعوية رائقة و حسن معشر و لين جانب و خفض جناح
هكذا كان سيدى و قرة عيني بأبي هو و أمي
ها هو يكلل حسن دعوته بلمسة حانية و مودة عملية صافية
ها هو يمد يده ليمسح بها على صدر الفتى المستعر بالشهوة ويشفع مخاطبته الأولى لعقله بتربيت رحيم على محل عاطفته و مكمن مشاعره ليتكامل خطاب المنطق مع ملامسة الفطرة و ليخرج الغلام و قد زالت وساوس الشيطان من صدره و هدأ قلبه وارتاحت نفسه
هكذا تعامل حبيبنا مع المخطىء
كان أرأف معلم كما وصفه معاوية بن الحكم السلمي حين صلى خلفه بعد سفر غاب فيه ولم يعلم أن الكلام قد حرم أثناء الصلاة
عطس فلان فقال معاوية يرحمك الله
فرماه القوم بأبصارهم
- واثُكلَ أُمِّياه ! ما شأنُكم؟ تَنظُرونَ إليَّ
فجعل القوم يضربون على أرجلهم أي اسكت
وازدادت الهمهمات الزاجرة تنهاه ضمنا عما يفعله في الصلاة
سكت معاوية وقد فهم أنه قد تجاوز من حيث لا يعلم
وانتهت الصلاة
فالتفت الحبيب سائلا من المتكلم في الصلاة
فلما أعلن معاوية عن نفسه وتقدم بين يديه ما كهره ولا سبه ولا زجره
لقد كان بشهادته أحنى ناصح وأرأف معلم
وحين كادوا أن يفتكوا بالأعرابي الذي يبول في ناحية المسجد زجرهم عن ذلك مشفقا أن يقطعوا على رجل بولته
لكن الرجل سيلوث المكان ببوله!
وإنه المسجد النبوي..
أويعقل أن يكون ما يشغل الرسول ﷺ هو انقطاع بولته بشكل مفاجىء يؤذيه؟
الجواب نعم...
نعم يعقل
مع رسول الله الرؤوف الرحيم الشفوق الرفيق يعقل
ومادام الحل بسيطا وإصلاح الخطأ متاحا فلم الغلظة والشدة مع رجل جاهل لا يعلم؟!
- أهريقوا على بوله ذنوبا من ماء
هكذا كان الحل ببساطة وليعلم الرجل الحكم بعد ذلك برفق ولين
وحين أتاه معاوية بن قرة وهو الرجل الغريب حديث العهد بإسلام فرأى خاتم النبوة ناتئا على ظهره فزع وظنه عيبا أو مرضا وصاح: أنا أطبُّ الناس أطببها لك
فما كان منه إلا أن راعى غربته وحداثة إسلامه فلم يحرجه ولم يستخف به بل قدر مشاعره وامتن لنواياه الطيبة فبين له قائلا:
- الله الطبيب
ثم لم ينس الثناء عليه رغم خطأ تقييمه ولم يغفل عن تخفيف وطأة بيان عدم علمه وذلك بأن أرفقه بالكلمة الطيبة وبمدح رقيق في محله
- بل أنت رجلٌ رفيقٌ طبيبُها الَّذي خلقها
يالها من شهادة خصوصا حين تخرج من آية الرفق ونموذجه
رفق حتى مع المخطيء…
مختارات