الرب
الرب اسم من أسماء الله الحسنى ورد القرآن الكريم به كقوله تعالى في سورة الفاتحة (الحمد لله رب العالمين)
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب)رواه البخاري عن عائشة
أولا معنى الاسم في اللغة:
الرب في اللُغة: هو المالك، المصلح، المربِّي.
وهو من الألفاظ المشتركة لغويا أي يطلق على الله حقيقة وعلى العبد مجازا لكن إذا نسب إلى العبد فإنه يأتي مضافا لشئ كقولنا: ربُّ الدار أي صاحبها، وربة البيت ومنه قول يوسف للرجل (ارجع إلى ربك...) أي سيدك،وقول عبد المطلب (أما الإبل فأنا ربها وأما البيت فللبيت رب يحميه) والمعنى أنا صاحب الإبل ومالكها.
إذن فمعنى اسم الرب:هو المصلح أحوال خلقه القائم على أمورهم.
وتحمل هذه المعاني ما يسميه العلماء بتوحيد الربوبية ؛ وهو الاعتقاد أن الله هو الفاعل لكل شئ في الكون فهو الذي يخلق ويرزق ويعطي ويمنع ويقبض ويبسط....الخ
تأملات وإيمانيات في رحاب الكتاب والسنة:
لفظ الربّ مشتقٌ من التربية، فالله سبحانه وتعالى مربٍّ ومدبِّر لخلقه.
المربي له صفتان أساسيَّتان:
أنَّه مُمِدّ، وأنَّه يرعى.
الذي يمدِّنا بما نحتاج هو ربُّنا،والذي يهدينا إلى صراطه المستقيم هو ربُّنا.
كمثال الأب يوفِّر لأولاده حاجاتهم الماديَّة، طعام، شراب، كِساء، حاجات ثم يربِّيهم بمعنىً آخر يرعى أخلاقهم، يرعى دينهم، يرعى تعليمهم، يرعى مستقبلهم، ففي معنى الربوبيَّة المشتقَّة من التربية معنىً ماديّ ومعنىً روحيّ.
والرب من معانيه أنَّه خالقٌ ورازقٌ، وكلُّ ربٍ سواه غير خالقٍ وغير رازقٍ.
الأب يربِّي أولاده لكن لم يخلقهم ولم يرزقهم، فإذا قلنا فلان مُرَبٍّ، والأب مُرَبٍّ، والمعلِّم مُرَبٍّ أي يقدِّم توجيهات، يتابع، يحاسب، يكافيء، يعاقب أما إذا قلنا: الله ربُّ العالمين أي خلقنا وأمدَّنا ووجَّهنا.
لذلك أنت في نعمٍ ثلاث.. نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، أوجدك ولم تكن شيئاً مِن قبل، وأمدَّك بما تحتاج، ثم هداك إليه.
فهو الذي خلقك ورزقك ودلَّك عليه.. قال الله تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم:
(الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢) الشعراء
وكلمة (رب) ذات خصائص جمة:
أولاً من خصائص التربية العلم والرحمة، ومن خصائص التربية القدرة، يعلم، وهو على كل شيء قدير، وهو رحيمٌ بنا، أما معنى قول الله عزَّ وجلَّ في سورة الفاتحة " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " أيْ أنَّه خالق الأكوان وجميع العوالم التي خلقها، فالعلاقة بين خالق الأكوان وبين جميع العوالم التي خلقها - الأكوان - علاقة تربية أي خلق وإمداد (فهو الخالق وهو الرازق) وإكرام وعناية.
هل هناك عالم غير مرئي لنا؟
نعم فهذا الكون الفسيح بمجراته وأفلاكه لم يخلقه الله عبثا ولا سدى
يقول الدكتور حسني حمدان (وكوننا الذي نراه عظيماً في اتساعه واتساقه يمثل دائرة نصف قطرها 30 ألف مليون سنة ضوئية (بمعنى أننا لو بدأنا السفر من أقصى نقطة في الكون بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية وهى السرعة الكونية العظمى، فسنحتاج إلى 30 مليار سنة لنصل إلى أقصى نقطة في الطرف الآخر من الكون).
وعلماء الكون يتساءلون بشدة هل يوجد عالم غير عالمنا المرئي، وما هي أبعاد الأكوان إن وجدت، إننا لا نراها ولكن ربما تكون موجودة، حقا إننا لا نرى كل موجود، ولا نبصر كل كائن، ورب العالمين يقول:
" فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ " الحاقة: 38-40
ويتنادى علماء الكون بأن كوننا قد يكون برمته مجرد غشاء رقيق في الفضاء الكامل الأبعاد.
وتثار في الأوساط العلمية اليوم كثير من الأسئلة المحيرة حول وجود عوالم أخرى في ذلك الخلق العظيم.
ومن عينة تلك الأسئلة هل توجد عوالم تحكمها قوانين غير متطابقة مع القوانين التي تسود عالمنا؟ أين يسافر الضوء بسرعة أكبر؟ أين تكون الجاذبية أقوى مما نعرف؟ وأين تكون الرابطة النووية ضعيفة؟ وأين توجد كهارب (إلكترونات) أقل في الشحنة؟ وأين توجد أكوان مختلفة عن كوننا؟ وأين تختفي العناصر الكيميائية فيما عدا الأيدروجين والهليوم؟ أين يوجد العالم الخالي من النجوم؟ وأين توجد الذرات التي تتكون من البروتونات المضادة والنيترونات المضادة التي تدور حولها البوزوترونات؟ وأين يرتد الزمن إلى الوراء؟ أين تتوحد القوى؟
ويعتقد كثير من العلماء بوجود عوالم أخرى غير عالمنا، ومنهم ماكس تجمارت وجون كريمر وسوزان ويلز ودافيد هويتاويس. ومن أبسط وأشهر النماذج الكونية ذلك الذي يتنبأ بوجود توأمة مجرتنا والتي تبعد عنها 10 28متر.
ويرى ماكس تجمارت أن الأكوان المتكافئة ليست مجرد خيال علمي، بل إن العوالم الأخرى ما هي إلا تطبيق مباشر لمشاهدات كونية.)
فهذا الكون كما قال بعض علماء الفلك كمكتبة فيها مليون مجلد الأرض بالنسبة للكون تمثل نقطة فوق حرف في كتاب من كتب هذه المكتبة !!!
وقال تعالي:وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (٢٩)الشورى
وقال (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) النحل
فهاتين الآيتين تدلان على أن هناك خلقا لا نراهم ولا نعلم عنهم شيئا غير الجن والإنس والملائكة والدليل على ذلك أن لفظة دابة ليس المراد بها الملائكة لأنها جاءت معطوفة عليها كما في الآية الثانية والعطف يفيد التغاير فمثلا نقول جاء محمد وأحمد فنحن نخبر عن شخصين متغايرين بخلاف لوقلت جاء محمد أحمد فأنت تخبر عن شخص واحد فالدواب التي تسجد في السموات لا شك أنها غير الملائكة
ونريد أن نصل بهذا إلى أن الله رب العالمين رب كل شئ نراه أو نؤمن به أو خفي عنا علمه وحقيقته وندرك مدى عظمة الله رب العالمين.
ألا له الخلق والأمر:
وقال تعالى (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٥٤) الأعراف
فهذه الآية أشارت إلى تعريف الربوبيَّة
بعض الدول تصنع طائرة وتبيعُها، بعد البيع أمرها بيد من اشتراها، قد يستخدمها لعدوان، أو يستخدمها لنقل، أو يستخدمها في أعمال الاستطلاع، أو يجعلها على أرض المطار ساكنة، أو يخفيها، الذي اشتراها هو الذي يملك أمرها، نحن صنعناها ثم بعناها، لكنَّ الله سبحانه وتعالى ولله المثل الأعلى أيُّ شيءٍ خلقه بيده، بملكوته.. " أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ".
فالمعنى الأول: " لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ " أمره بيده، تحت سيطرته، في قبضته.
المعنى الثاني: أنَّ هذا الشيء الذي خُلق لا يصلُح ولا يستقيم أمره إلا إن اتبع أمر الذي خلق
فأنت بشكل عام والجو برد قارص وابنك الذي تحبه بلا معطف، تذهب وتشتري له معطفاً، هذه تربية خَلْقِيَّة، يحتاج إلى غرفة خاصة، يحتاج إلى مال، يحتاج إلى كتب، يحتاج إلى أقساط، يحتاج إلى أشياء ثانوية.. فتعطيه إياها هذه كلها تربيةٌ خَلقيِة.. لكن أحياناً رأيته يكذب فتؤدبه، رأيته لا يصلي فتأمره بصلاة، رأيته يلهو بأشياء سخيفة تنهاه عنها، أنت الآن عملك شرعي.
يوجد تربية خَلقيِة وتربية شرعية، فربنا عزَّ وجلَّ يربي أجسامنا بإمدادها بما تحتاج، ويربي نفوسنا بتزكيتها لتكون أهلاً لجنَّته، فتربية الله تربيتان، لذلك ليس لغير ربَّ الناس جهةٌ يمكن أن تشرِّع للعبادة أبداً، العبادة لربِّ العالمين.
معنى الربانية:
الرباني هو المنسوب إلى الرب وزيدت الألف والنون للمبالغة، ويقال عالمٌ ربَّانيِّ أي راسخٌ في العلم وكما يقول علي: الناس ثلاث.. عالمٌ ربَّانيّ، ومستمعٌ على سبيل نجاة، وهمجٌ رَعاع أتباع كلِّ ناعق، لم يستضيؤوا بنور العلم ولم يلجؤوا إلى ركنٍ وثيق.
،ورجل ربَّانيِّ: أيْ كلُّ حياته محصورةٌ في معرفة الله وذكره وخدمة عباده.
قال الغزالي: هو القريب من الرب وأكثر الناس ربانية أقربهم من الله عز وجل.
فالربَّاني هو الذي لا يتحرَّك إلا وفق منهج الله، لا يقف موقفاً، ولا يُعطي، ولا يمنع، ولا يغضب، ولا يرضى، ولا يصل، ولا يقطع، إلا وفق مرضاة الله.
فكلما تخلص الإنسان من جواذب الأرض بروحه وارتفع قلبه إلى السماء وازدادت صلته بالله كان ربانيا.
وفي هذا المعني يقول عبد القادر الكيلاني: العبد ملقى بين الله وبين نفسه إن نصر نفسه كان عبدا لها وإن نصر الله كان عبدا له.
لماذا نتخذ الوسائط بيننا وبين الله:
أتساءل دائما لماذا نفرغ عبادة الدعاء من روحها، ولماذا لا ندعو الله مباشرة بلا وسائط، لقد اختلف العلماء قديما وحديثا في قضية التوسل لكنهم اتفقوا جميعا على أن المسلم لا يحتاج إلى واسطة للدخول على الله فلماذا لا أقصد الباب مباشرة وأدعو دعاء خالصا لله؟!!
وأذكر أن الشيخ الغزالي في كتاب عقيدة المسلم ذكر أن بعضهم أرسل إليه رسالة وكان مما قاله فيها: جمهور الناس عصاة والله إنما يتقبل من المتقين فلو ذهب إنسان وهو مثقل بالسيئات لن يجبه الله !!!
فقال له: إن الله قد استجاب لإبليس لما قال (أنظرني إلى يوم يبعثون) واستجاب للمشركين لما كانوا في البحر ولعبت بهم الأمواج وظنوا أنهم أحيط بهم فدعوا الله مخلصين له الدين فأنجاهم الله منها (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢) يونس
فإذا استجاب الله لإبليس وللمشركين أفلا يستجيب لك؟!!
ثم إن الرجل إذا كان بحالة لا يقبل منه دعاء معها فلن يقبل منه دعاء غيره له ولو كان سيد الأنبياء، فقد رفض استغفار النبي لابن سلول.
وقال رحمه الله في كتابه: «دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين»:
قالوا: عندما احتل الانكليز القاهرة في القرن الماضي ذهب حشاش إلى قبر الإمام الشافعي يلومه كيف عجز عن رد هؤلاء المغيرين؟ فقال له حشاش آخر معتذراً: اذا كان الأكبر منه الإمام الحسين نفسه عجز عن ردهم فما يفعل هو؟!…
وقال الغزالي: «ان ناساً عندنا يرسلون شكاوى مكتوبة إلى ضريح الإمام الشافعي وآخرين يفزعون إلى بعض قبور الأولياء متذللين يطلبون منها مالا يقدر عليه إلا رب العالمين».
حكى بعض الظرفاء أنه كان جالساً في مزار مشهور فجاء رجل يطلب من الولي الميت النجدة! لأن امرأته تلد والولادة متعسرة! وانصرف. واذا رجل يجيء بعده ليطلب مساعدة ابنه الذي دخل الامتحانات العامة! وهنا قال له الظريف الجالس ان الولي ليس هنا فقد ذهب لتوليد حامل تعسر وضعها!!
وقد يوسوس الشيطان للعبد فيقول له إنك تدعو ولا يستجاب لك فلا فائدة من الدعاء !!!
وهذا كلام باطل لأننا على يقين أننا إذا دعونا فإن الله يسمع كلامنا ويرى مكاننا ولا يخفى عليه شئ من أمرنا لكن عطاؤه رحمة ومنعه رحمة.
كما قال سفيان الثوري إن الله ليس ببخيل ولا فقير وإنما يعطي لحكمة ويمنع لحكمة.
وقال الفضيل بن عياض: تعلمت الرجاء في الله من طفل صغير!!
قالوا كيف ذلك؟!!
قال: كنت في طريقي إلى المسجد، فاذا بأم تفتح باب بيتها وتلقى منه طفلا صغيرا وأُغلق الباب، وبعدها وقف الصغير على الباب يبكي ويستعطف ويرجو، فرقت له أمه ففتحت له وضمته إليها.
فقلت سبحان الله، هذا طفل وقف بباب أمه يبكي ويستعتب (يعتذر) ففتحت له ولو وقف العبد بباب ربه يبكى ويستعتب لفتح له
تحريم الحلال، وتحريم الحرام يناقض توحيد الربوبية:
ومن معاني الربوبية: الأمر والنهي والتشريع، قال -سبحانه وتعالى-: (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) الأعراف.
فالرب: هو الذي له الخلق والأمر.
فكما يعتقد المؤمن أن الله - سبحانه وتعالى- منفرد بالخلق، فكذلك يعتقد أنه - سبحانه وتعالى- منفرد بالأمر، فيعتقد المؤمن أنه سبحانه له حق التشريع ؛ بمعنى أنه له حق الأمر والنهي.
ولذلك من مظاهر الشرك في الربوبية في هذا المعنى، اعتقاد أن مع الله -عز وجل- من له حق الأمر والنهي والتشريع، أو حق تبديل الشريعة فبهذا قد جعله رباً مع الله.
والدليل على ذلك:
قول الله -عز وجل- عن اليهود والنصارى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ)(التوبة: من الآية31)، فهم لم يعتقدوا أن الأحبار والرهبان خالِقون، أو رازقون أو يدبرون الأمر ! ليس كذلك.
فعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ في سورة براءة، فقرأ هذه الآية {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله}، قال: قلت: يا رسول الله، إنا لسنا نعبدهم! فقال صلى الله عليه وسلم: (أليس يحرّمون ما أحلّ الله فتحرّمونه، ويحلّون ما حرم الله فتحلونه؟!) قال: قلت: بلى. قال: (فتلك عبادتهم)
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " فقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن عبادتهم إياهم كانت في تحليل الحرام وتحريم الحلال، لا أنهم صلوا لهم، وصاموا لهم، ودعوهم من دون الله، فهذه عبادة للرجال " مجموع الفتاوى (7/67).
وقال أيضاً: " هؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله يكونون على وجهين:
أحدهما: أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله فيتبعونهم على التبديل فيعتقدون تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله اتباعاً لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل فهذا كفر وقد جعله الله ورسوله شركاً وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم. فكان من اتبع غيره في خلاف الدين مع علمه أنه خلاف الدين واعتقد ما قاله ذلك دون ما قاله الله ورسوله مشركاً مثل هؤلاء.
والثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحلال وتحليل الحرام ثابتاً، لكنهم أطاعوهم في معصية الله كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاصٍ، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما الطاعة في المعروف).
ثمار الإيمان بهذا الاسم:
1. الاعتقاد بأن الله هو الفاعل لكل شئ في الكون.
2. طمأنينة القلب وسكينته في الرضا بالقضاء والقدر، فكل ما يحدث في الكون بإرادة الله ووفق تدبيره.
3. الربانية وهي أن تكون الحياة كلها لله في التصورات والأقوال والأفعال (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦٢) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣) الأنعام
مختارات