" عقبة الهوى والشهوات "
" عقبة الهوى والشهوات "
هذه عقبة كؤود لا ينجو منها سوى أهل المروءة والهمة العالية؛ وقد حذَّر الله – تعالى - عبادَه من اتِّباع الهوى والشَّهوات، فقال - سبحانه: " فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا " [مريم: 59].
وقال تعالى: " وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا " [الكهف: 28].
وقال تعالى: " بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ " [الروم: 29].
وقال تعالى: " يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ " [ص: 26].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «حُفَّت الجنَّةُ بالمكاره، وحُفَّت النار بالشَّهوات»(متفق عليه).
وقال صلى الله عليه وسلم: «أخوف ما أخاف عليكم: شهواتُ الغَيِّ في بطونكم وفروجكم، ومضلَّاتُ الهوى» (رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح).
أقوال السَّلَف في ذَمِّ الهوى والشَّهوات
قال سليمان بن داود: الغالب لهواه أشدُّ من الذي يفتح المدينةَ وحدَه!!
وقال مالك بن دينار: مَنْ غَلَبَ شهوات الدُّنيا فذلك الذي يفرق - أي يخاف - الشَّيطان من ظلِّه.
وقال رجل للحسن: يا أبا سعيد ! أي الجهاد أفضل؟ قال: جهادك هواك.
وقال الفضيل: من استحوذت عليه شهوات الدنيا انقطعت عنه مواد التوفيق.
وقال أبو سليمان الدارني في قوله - عز وجل: " وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا " [الإنسان: 12] - قال: «صبروا عن الشهوات».
علاجُ الهَوَى
قال ابن الجوزيّ: اعلم أنَّ مطلقَ الهوى يدعو إلى اللَّذَّة الحاضرة، من غير فكر في عاقبة، ويَحُثُّ على نيل الشَّهوات عاجلاً؛ وإن كانت سببًا للألم والأذى في العاجل، ومنع لذات في الآجل؛ فأما العاقل فإنه ينهى نفسَه عن لذَّة تُعْقب ألمًا وشهوة تورث ندمًا، وينبغي للعاقل أن يتمرَّن على دفع الهوى المأمون العواقب؛ ليستمر بذلك على ترك ما تؤذي غايته.
فإن قال قائلٌ: فكيف يتخلَّص من هذا مَنْ قد وَقَعَ فيه؟ قيل له: بالعزم القويِّ في هجران ما يؤذي، والتدرج في ترك ما لا يؤمن أذاه؛ وهذا يَفْتقر إلى صبر ومجاهَدة يُهَوِّنهما سبعة أشياء:
أحدُها: التَّفَكُّرُ في أن الإنسان لم يُخلق للهوى؛ وإنما هُيِّئ للنَّظَر في العواقب والعمل للآجل.
والثاني: أن يفكر في عواقب الهوى.
والثالث: أن يتصوَّر العاقل انقضاء غرضه من هواه ثم يتصور الأذى الحاصل عقيب اللَّذَّة.
والرابع: أن يتصور ذلك في حقِّ غيره، ثم يتلمح عاقبته بفكره؛ فإنَّه سيرى ما يَعْلَم به عيبَه إذا وقف في ذلك المقام.
والخامس: أن يتفكر فيما يطلبه من اللَّذَّات؛ فإنه سيخبره العقل أنه ليس بشيء؛ وإنما عين الهوى عمياء.
والسادس: أن يتدبَّر عزَّ الغلبة وذُلَّ القهر؛ فإنَّه ما من أحد غَلَبَ هواه إلا أَحَسَّ بقوة عز.
والسابع: أن يتفكَّر في فائدة المخالفة للهوى من اكتساب الذِّكر الجميل في الدنيا، وسلامة النفس والعرض، والأجر في الآخرة.
مختارات