فقه الإيمان بالله (٢)
وللإيمان علامات.
وللكفر علامات.
وللنفاق علامات.
وعلامة الإيمان:
أن نتوجه دائماً إلى الله في جميع أحوالنا، وفي حل مشاكلنا، ولا نتوجه إلى غيره مهما كان، فهو وحده خالق كل شيء، ومالك كل شيء، والقادر على كل شيء، وخزائنه مملوءة بكل شيء: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦)} [البقرة: ١٨٦].
وبقدر المجاهدة من أجل الدين، الله يرزق العبد الإيمان واليقين.
وإذا نزل بنا حال من جوع، أو مرض، أو خوف، أو غيرها نتوجه إلى الله، ونعمل ما عمله النبي - صلى الله عليه وسلم - في تلك الحال، وبذلك يكشف الله ما نزل بنا من سوء أو بلاء، ويبدل ما نكره بما يحب، وما يسوؤنا بما يسرنا.
فعند الخسوف نتوجه إلى الله ونصلي.
وعند الجدب والقحط نتوجه إلى الله، ونطلب السقيا منه، ونصلي.
وكذلك عند المرض نتوجه إلى الله، ونسأله الشفاء، ثم نتناول الدواء.
فنتوجه إلى الله دائماً في طلب الخير، ودفع الشر في جميع الأحوال الصغيرة والكبيرة، ولا نتوجه إلى المخلوق أبداً: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (٦٢)} [النمل: ٦٢].
ومن علامات الإيمان:
كثرة ذكر الله.
ولزوم الطاعات.
والنفرة من المعاصي.
ولذة مناجاة الرب.
والأنس بالله.
ومحبته.
ومحبة كلامه ورسله وأوليائه.
ومحبة دينه وشرعه.
وأن تسر المؤمن الحسنات.
وتؤلمه السيئات.
وأن تكون عبادته في الخفاء أقوى منها في العلانية.
وأن يقوي يقينه وتوكله على ربه.
فيستوي عنده التراب والذهب.
ويستوي عنده مدح الناس وذمهم، ولا يفرح بما أوتي.
ولا يأسى على ما فات.
وأن يرى أن ما عند الله هو القريب، وما عنده وعند الناس هو البعيد.
وأن يعبد الله ويدعوه ويسأله كأنه يراه.
وأن يتوجه إلى ربه الذي بيده كل شيء.
ولا يلتفت لأحد سواه.
فيكون أمامه الملك الأعظم والميت سواء.
ليس بأيديهم شيء.
بل الأمر بيد الله وحده لا شريك له.
وبذلك تنمو شجرة الإيمان، فتورق، ثم تزهر، ثم تثمر، وتملأ العالم بالخيرات والبركات والثمرات كما قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥)} [إبراهيم: ٢٤، ٢٥].
فشجرة الإيمان أصلها ثابت في قلب المؤمن علماً واعتقاداً، وفرعها من الكلم الطيب، والعمل الصالح، والأخلاق الطيبة، والآداب الحسنة، في السماء دائماً، فيصعد إلى الله جميع الأقوال والأعمال التي تخرجها شجرة الإيمان.
وشجرة الإيمان تحتاج إلى تعهدها بالسقي.
وهو المحافظة على أعمال اليوم والليلة من الطاعات والعبادات.
وإلى إزالة ما يضرها من الصخور والنوابت الضارة وهو العفة عن المحرمات قولاً وفعلاً.
وإذا تم هذا نما البستان وزها، وأخرج الثمار المتنوعة.
ولرؤية الأشياء في هذا العالم، خلق الله لنا نورين نميز بهما بين المخلوقات والأشياء، ونستفيد منها.
وهذان النوران هما:
النور الداخلي وهو نور العين.
والنور الخارجي كالشمس والسراج ونحوهما، ولا تتم الرؤية إلا بهما معاً، وإذا فقد أحد النورين، لا نستطيع الاستفادة الكاملة من هذا العالم.
ولكن بهذين النورين لا نستطيع أن نميز بين الكفر والإيمان، والطاعات والمعاصي، فالإيمان والأعمال والصفات كالتقوى والتوكل، لا تظهر بهذين النورين.
فجعل الله لمعرفة ذلك نورين آخرين هما:
نور أنزله الله من السماء وهو القرآن الكريم هدى ونور.
والنور الآخر أمرنا الله أن نجتهد حتى يأتي في قلوبنا وهو نور الإيمان، ومن ليس عنده نور الإيمان لا يستفيد من نور القرآن.
ولمعرفة الحق، والاستفادة منه، والعمل به، والدعوة إليه، لا بد من النور الخارجي وهو القرآن، والنور الداخلي وهو الإيمان، ومحله القلب، وباجتماع هذين النورين تحصل الهداية: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣٥)} [النور: ٣٥].
والإيمان بالله يأتي في حياتنا بمعرفة أسماء الله وصفاته وأفعاله، ويأتي بطريق الدعوة والمجاهدة كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (٦٩)} [العنكبوت: ٦٩].
فالدعوة تزيد الهدى، والهدى يزيد الإيمان، والإيمان يحرك الجوارح للأعمال الصالحة، والأعمال الصالحة توجه العبد إلى الصفات الحميدة من التقوى والإيثار، وحب الله ورسوله، وحسن الخلق، وبذلك يرضى الله سبحانه، ويدخل أهل الإيمان الجنة.
وخزائن الغني الكريم مملوءة بالأرزاق والنعم، وأغلى شيء في خزائن الله هو الإيمان، وللحصول عليه لا بد من الجهد كما اجتهد الصحابة رضي الله عنهم.
فقد اجتهدوا أولاً على تحصيل الإيمان ببذل كل شيء من أجله، وترك كل شيء من أجله، فلما بذلوا وتركوا أعطاهم الله الإيمان والرضوان.
ثم اجتهدوا على حفظ الإيمان، بلزوم حلق الذكر، وبيئات الإيمان، والقيام بالأعمال الصالحة التي تجلب البركات.
وترفع العقوبات.
ثم اجتهدوا للاستفادة من الإيمان في حياتهم، بالتوجه إلى الله دائما في قضاء حاجاتهم، فإذا دعوا استجاب الله لهم، كما دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - في بدر، فأنزل الله الملائكة مدداً لهم، وكما دعا نوح - صلى الله عليه وسلم - على من كفر من قومه، فأغرقهم الله بالماء، وبذلك يزيد إيمانهم، وتقضى حاجاتهم.
ثم اجتهدوا لنشر الإيمان في العالم، وبذلك تحصل لهم الهداية، وزيادة الإيمان، ويحصل لغيرهم الإيمان.
مختارات

