اسم الله المليك 1
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( المليك ) :
أيها الإخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، واليوم مع اسم ( المليك ) .
1 ـ ورودُ اسم ( المليك ) في القرآن الكريم والسنة النبوية :
هذا الاسم ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى : " إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ " [القمر:54-55] .
العلم والعمل مقياسان شرعيان لتقييم الناس :
أيها الإخوة ، البشر لهم مقاييس ، يكبرون الغني ، يكبرون القوي ، يكبرون الوسيم ، يكبرون الذكي ، لكن خالق البشر من خلال القرآن الكريم يتعمد قيمة العلم ، وقيمة العمل ، قال تعالى : " هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ " [الزمر:9] .
" يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ " [المجادلة:11] .
" وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ " [الأنعام:123] .
فالقرآن الكريم من عند الخالق العظيم ، اعتمد قيمة العلم والعمل ، بينما أهل الدنيا اعتمدوا القوة والمال ، والوسامة والذكاء ، والبطولة أن تأتي مقاييسك وفق مقاييس القرآن ، لا وفق مقاييس البشر ، لذلك : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ " [رواه مسلم] .وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ " [رواه الترمذي] .
فالبطولة أن تكون صاحبَ : " مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ " .
لا أن تكون لك مكانة عند أهل الأرض وأنت لا ترضي الله ، البطولة أن تكون لك مكانة عند ( المليك ) المقتدر .
مَن هو الوليُّ : فلذلك من أدق تعريفات الولي في القرآن الكريم تعريف بسيط .
بالمناسبة ، ليس الولي الذي يمشي على وجه الماء ، ولا الذي يطير في الهواء ، الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام ، أن يراك حيث أمرك ، وأن يفتقدك حيث نهاك ، تعريف الولي في القرآن الكريم : " أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ " [يونس:62-63] فقط .
سيدنا سعد بن أبي وقاص كان خال النبي ، وكان عليه الصلاة والسلام يحبه كثيراً ويداعبه ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : أَقْبَلَ سَعْدٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَذَا خَالِي، فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ " [الترمذي] .وما فدى أحداً من أصحابه كما فدى سعد ابن أبي وقاص فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ أَبَوَيْهِ لِأَحَدٍ إِلَّا لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ: " يَا سَعْدُ ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي " [متفق عليه] .
ومع ذلك قال له سيدنا عمر بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام : " يا سعد ، لا يغرنك أنه قد قيل : خال رسول الله ، فالخَلق كلهم عند الله سواسية ، ليس بينه وبينهم قرابة إلا طاعتهم له .
" إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ " [الحجرات:13] .
فالمعنى الأول من اسم ( المليك ) أن يكون لك عند هذا الإله العظيم ( المليك ) مقعد صدق : " إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ" .وقد ورد أيضاً في السنة الصحيحة حيث أن أبا بكر رضي الله عنه ، قال : يا رسول الله مُرني بشيء أقوله إذا أصبحت ، قال : " قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ، عالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ ، أشْهَدُ أن لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ ، أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ نَفْسِي وَشَرِّ الشَّيْطانِ وَشِرْكِهِ ، قالَ : قُلْها إذَا أصْبَحْتَ ، وَإذَا أمْسَيْتَ ، وَإذَا أخَذْتَ مَضْجَعَكَ " [رواه الترمذي] إذاً : ورد هذا الاسم في القرآن وفي السنة .
كتعليق على هذا الحديث ، ورد من بعض أقول العلماء : لا بد للمؤمن من مؤمن يحسده أحياناً ، مؤمن لكنه يحسده ، ومن منافق يبغضه ، ومن كافر يقاتله ، ومن شيطان يغويه ، ومن نفس ترديه ، هذه حقيقة ، ومعركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية ووطن نفسك أنه لا بد من أن يكون للحق من يعارضه هذا شيء طبيعي جداً .
2 ـ معنى ( المليك ) :
أيها الإخوة ، الملك الذي يحكم ولا يملك ، والمالك هو الذي يملك ولا يحكم ، إنسان مالك لأرضٍ ، وإنسان ملِك ، هذه الأرض لا يملكها الملك ، لكن يحكمها ، ومالك هذه الأرض لا يحكم ، لكن الله جل جلاله ملك ومالك ، يملك ويحكم ، والمُلك في الدنيا والملكوت في الآخرة ، المُلك في عالم الشهادة ، والملكوت في عالم الغيب ، والله جل جلاله مالك المُلك والملكوت .
3 ـ الله مالك كل شيء خَلقًا وتصرُّفًا ومصيرًا :
و( المليك ) ملِك ومالك ، وصاحب الملك والملكوت ، و( المليك ) ـ دققوا الآن ـ يملك كل شيء ، خلقاً ، وتصرفاً ، ومصيراً .
للتوضيح : قد تملك المنفعة ، ولا تملك الرقبة ، وقد تملك الرقبة ، ولا تملك المنفعة ، وقد تملكهما معاً ، ولا تملك المصير ، لكن : " وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " [الأعراف:180] .
معمل طائرات حربية يصنع طائرة ، صنعها وباعها ، الآن أمرها بيد مَن ؟ بيد من اشتراها ، فقد تقصف بلاداً لا يرضى صانع الطائرة أن تُقصف ، لكنها خرجت من يديه .
لكن ولله المثل الأعلى : " اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ " [الزمر:62] يملك ويحكم .
" لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ " [الأعراف:54] .
قد تصنع طائرة ، وقد تأتمر بأمرك ، ولكن قد تفاجَأ بأنها سقطت ، لا تملك مصيرها ، هذا للتوضيح .الله عز وجل مالك المُلك والملكوت ، ملك ومالك ، مالك كل شيء خَلقاً وتصرفاً ومصيراً .
( المليك ) أيها الإخوة ، صيغة مبالغة ، والقاعدة الثابتة أن الأسماء الحسنى إذا وردت بصيغة المبالغة تعني الكم والنوع معاً ، أعلى درجات الملك ، ويملك الله كل شيء ، إن الله يرى دبيب النملة السمراء ، على الصخرة الصماء ، في الليلة الظلماء .
هذه الصيغة ( المليك ) تدل على كمال الملكية ، كمال الملكية ودوامها أزلاً وأبداً .
الآن الله عز وجل مليك بمعنى أنه مالك لكل شيء يُملّك ، يملك الحياة ، فهو الذي يهب الحياة وهو الذي يأخذها .
هناك قصة : طائرة على ارتفاع 43 ألف قدم ، تطير فوق جبال الألب ، حصل فيها انفجار فانشطرت شطرين ، وقع أحد ركابها من مكان الشطر ، وقع من ارتفاع 43 ألف قدم نزل فوق غابة كبيرة من غابات جبال الألب ، فوق هذه الغابة خمسة أمتار من الثلج وأغصان الأشجار كانت ماصة للصدمة ، فنزل واقفاً ، لأن الله يملك الحياة ، بالمقاييس الأرضية مستحيل لإنسان يقع من ارتفاع 43 ألف قدم أن يبقى حياً .
وهناك قصة أخرى قبل عشر سنوات تقريباً : تحطمت نافذة طائرة ، وكان إلى جانب هذه النافذة امرأة من باكستان معها ولدان صغيران ، فخرجا من نافذة الطائرة ، والطائرة مضغوطة 8 أمثال حاجتها من الهواء ، طبعاً الموت محقق على ارتفاع خمسين ألف قدم ، الطائرة تتجه إلى باكستان من السعودية ، الشيء الذي لا يصدق أن الطفلين بقيا حيّين ، لأنهما سقطا إلى جانب صياد ، فرأى شيئاً من السماء يسقط ، تتبع الشيء فإذ هما طفلان ، أخذهما إلى القارب وأبلغ السلطات ، وبلغت السفارة في باكستان ، وجاءت الأم وأخذت ولديها .
الله عز وجل واهب الحياة ، وهو الذي يأخذ الحياة بأقلّ سبب ، وهناك قصص لا تعد ولا تحصى في مثل هذا .
قد يتمتع الرجل بأعلى درجات الصحة ، ولا يشكو من شيء ، في ثانية واحدة يصبح خبراً على الجدران ، فلذلك الله مالك الحياة ، ومالك الرزق .
وَلَو كانَتِ الأَرزاقُ تَجري عَلى الحِجا هَلَكنَ إِذَن مِن جَهلِهِنَّ البَهائِــــمُ
***
من تكريم الله للإنسان أن يمتعه بسمعه وبصره ، وعقله وقوته ما دام حياً ، من يملك نمو الخلايا ؟ إذا نَمت الخلايا نمواً عشوائياً ينتهي الإنسان ، ورم الخبيث يصيب كل الأعمار ، ويصيب كل أجزاء الجسم ، في الدماغ ، في الجلد ، في الجهاز الهضمي ، في الغدد الليمفاوية ، مَن يملك نمو الخلايا ؟ الله جل جلاله ، من يملك الشرايين ؟ من يملك مرونتها ؟ الله جل جلاله ، مَن يملك سيولة الدم ؟ الله جل جلاله ، مَن يملك من حولك ؟ الله جل جلاله ، مَن يملك مَن فوقك ؟ الله جل جلاله ، مَن يملك مَن دونك ؟ الله جل جلاله ، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ يا رب ، ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ .
الإنسان لضعف إيمانه ولجهله يتوهم أنه يفعل ما يشاء ، لكن الله سبحانه وتعالى يقول : " وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ " [الأعراف:183] يعني أنت في قبضة الله ، ولو كنت قوياً ، ولو كنت غنياً .
إن أخًا أظنه صالحاً ، ولا أزكي على الله أحداً ، قال كلمة خطيرة ، قال : الدراهم مراهم ، تحل بها كل المشكلات ، فأدّبه الله بأن أدخله السجن المنفرد ، وبقي فيها 67 يوماً ، وفي كل يوم يقول : الدراهم مراهم ؟! لن تحل هذه المشكلة بالمال .
فلذلك الإنسان إذا عرف من اسم ( المليك ) أن بيده كل شيء ، بيده حواسك ، بيده نشاطك وقدرتك ، بيده زوجتك ، بيده أولادك ، إذا رضي الله عنك خدمك عدوك ، وإذا غضب عليك تطاول أقرب الناس إليك .
بالمناسبة ، المكانة صفة في الأجسام عبر عنها العلماء بأنها مقاومة قوى الشدة ، والفولاذ المضفور أمتن عنصر في الأرض ، لذلك الجسور المعلقة ، و( التلفريك ) والمصاعد تستخدم الفولاذ المضفور ، أما القساوة ومقاومة قوى الضغط فأقسى عنصر هو الماس ، لذلك الحفارات تستخدم رؤوس من الماس .
الآن لماذا جاءت هذه الآية " وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ " ؟ .
الإنسان مربوط بحبل مهما كان قوياً لا ينقطع ، مهما كان غنياً لا ينقطع ، في أية لحظة هو في قبضة الله ، هذا شعور المؤمن .
" قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ " [آل عمران:26] .
القوة بيده ، السمع بيده ، البصر بيده ، العقل بيده ، الشريان التاجي بيده ، سيولة الدم بيده ، نمو الخلايا بيده ، الكبد ، القلب ، الكليتان ، فشل كلوي ، تشمع كبد ، هناك أمراض تجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق : " قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ " [آل عمران:26] .وهو ( المليك ) .
4 ـ مِن لوازم المليك أن كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع :
لكن الآن نحتاج إلى حقيقة خطيرة كي ينسجم الإيمان مع ما يحدث ، كي ينسجم الإيمان بأن الله مليك يملك كل شيء مع ما يحدث ، هناك مقولة رائعة : كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، لأنه لا يليق بمقام الألوهية أن يقع في ملكه ما لا يريد ، كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، بل لكل واقع حكمة ، ولو كان الموقِع مجرماً ، هذا الإيمان ، لكل واقع حكمة ، ولو كان الموقع مجرماً ، ما دام قد سمح الله بوقوعه فلابد من حكمة ، عرفها مَن عرفها ، وجهلها مَن جهلها .
ليس هناك شرٌّ مطلَق في الكون :
لذلك الشر المطلق لا وجود له في الكون ، اطمئنوا ، الشر من أجل الشر ، لا وجود له في الكون ، هناك شر نسبي موظف للخير المطلق ، الشر المطلق يتناقض مع وجود الله ، إما أن تؤمن بوجود إله عظيم حكيم عليم رحيم ، فعال لما يريد ، أو بشر مطلق ، والله عز وجل يوظف شر الإنسان للخير المطلق .
كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق .
إذاً : الآن النتيجة ، كل شيء وقع مع أنه على الشبكية نتوهم أن فلانا وقع هذا القرار ، وفلانا غزا هذه البلاد ، وفلانا اتخذ قراراً بإعلان الحرب ، كنتيجة توحيدية كل شيء وقع وقع ضمن خطة الله ، بل إن خطة الله استوعبت خطة القوي الظالم .
مرة سألوا تيمور لنك : من أنت ؟ سبحانك يا رب ! أجاب إجابة رائعة ، قال : أنا غضب الرب ، فحينما يغضب الإنسان قد يضرب ، وقد يكسر ، وقد يصيح ، وقد يشتم ، فإذا غضب الله عز وجل يبعث تيمور لنك ، سُئل : من أنت ؟ قال : غضب الرب ، الدليل القرآني : " إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ " [القصص:4] .
" وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ " [القصص:5-6] .
هذه سياسة الله ، وأسأل الله أن تكون هذه الهجمة الشرسة على من هذا القبيل : " وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ " .خاتمة :
إخوتنا الكرام ، ابتلي المسلمون برجل بطاش في العصور السابقة ، فجاء نفر من علية القوم إلى الإمام الحسن البصري ، والإمام الحسن البصري والله له كلمة تكتب بماء الذهب ، لما كان عند والي البصرة ، وجاء توجيه من يزيد إنْ نفذه أغضب الله ، وإن لم ينفذه أغضب يزيد فعزله ، قال له : ماذا أفعل ؟ فقال له الحسن البصري : " إن الله يمنعك من يزيد ، ولكن يزيد لا يمنعك من الله " هذه مقولة تكتب بماء الذهب " إن الله يمنعك من يزيد ، ولكن يزيد لا يمنعك من الله " فهذا النفر جاء إلى الحسن البصري يشكون له هذا الجبار القاسي العنيف ، ماذا ينبغي أن يفعل ، أو ماذا ينبغي أن يفعلوه معه ، فقال : " تعلمون رأيي فيه ؟ قالوا : لهذا أتيناك قال : لا تخرجوا عليه ، لأن ظلم القوي هي نقمة الرب ، وإن نقم الله عز وجل لا تدفع بالسيوف وحدها ، بل تدفع بالتوبة والإنابة أولاً ، ثم إعداد القوة ثانياً .
كما فعل صلاح الدين الأيوبي ، حينما أزال كل المنكرات ، وعلّم الأجيال العقيدة الصحيحة ، والاستقامة التامة ، وبعدها واجه الغرب ، فلابد من دولة وأوبة وعودة ، وإقبال وصلح مع الله أولاً ، ثم لا بد من إعداد العدة المتاحة ، والقوة المتاحة ، عندئذٍ يكون نصر الله عز وجل .
قال الحسن : " وإنها إن عولجت بالسيوف وحدها من دون إنابة إلى الله كانت الفتنة أقطع من السيوف " كما ترون فيما يجري حولنا .