فقه أحكام الأسماء والصفات (٧)
وإذا تأملت القرآن وتدبرته أشهدك ملكاً قيوماً، علياً عظيماً، قوياً عزيزاً، له العزة والكبرياء، وله الجبروت والملكوت، فوق سماواته على عرشه، يدبر أمر الخلائق كلها في العالم العلوي، وفي العالم السفلي:
يأمر وينهى.. ويقضي ويحكم.. ويرسل الرسل.. وينزل الكتب.. ويرضى ويغضب.. ويثيب ويعاقب.. ويعز ويذل.. ويخفض ويرفع.. ويعطي ويمنع.. ويرى ويسمع.. فعال لما يريد.. موصوف بكل كمال.. لا تتحرك ذرة فما فوقها إلا بإذنه.. ولا تسقط ورقة إلا بعلمه.. ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه.. بيده الملك وهو على كل شيء قدير:
يخلق ويرزق.. ويحيي ويميت.. ويكرم ويهين.. الخلق والأمر له.. والكون كله له.. والأمور كلها بيده.. ومصدرها منه.. ومردها إليه.. يثني على نفسه.. ويمجد نفسه.. ويحمد نفسه.. ويثني على عباده.. ويدلهم على ما فيه سعادتهم وفلاحهم.. ويرغبهم فيه.. ويحذرهم مما فيه هلاكهم.. ويتعرف إليهم بأسمائه وصفاته.. ويتحبب إليهم بنعمه وآلائه.. ويذكرهم بنعمه.. ويحذرهم من نقمه.. ويذكرهم بما أعد لهم من الكرامة إن أطاعوه.. وما أعده من العقوبة إن عصوه.. ويخبرهم بما فعله بأوليائه وأعدائه، وعاقبة هؤلاء وهؤلاء.
وإذا شهدت القلوب ملكاً هذا شأنه، وهذه عظمته، وهذه آلاؤه ونعمه، وهذا إحسانه، وهذا جماله، فكيف لا تحبه، ولا تنافس في القرب منه، وتنفق أنفاسها في التودد إليه، ويكون أحب إليها من كل ما سواه؟.وكيف لا تلهج بذكره، ويصير حبه والشوق إليه والأنس به هو غذاؤها وقوتها ودواؤها {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨)} [الرعد: ٢٨].
وقد خلق الله الإنسان في ظاهره وباطنه في أحسن تقويم، وجعله كالمرآة العاكسة لتجليات الأسماء الحسنى، فهو مرآة لها.
ويظهر ذلك كما يلي:
أولاً: كما أن الظلام سبب لرؤية النور، فكذلك الإنسان يعرف بجهله وضعفه، وعجزه وفقره، وحاجته وقصوره، يعرف بذلك قدرة القدير وقوته، وعلمه وغناه، ورحمته سبحانه.
ثانياً: أن ما وهب الله الإنسان من العلم والقدرة، والسمع والبصر، والملك والحكمة، وغيرها من الصفات الجزئية، يعرف منها الصفات المطلقة الكلية لله سبحانه، ويعلم أن لهذا الكون العظيم ملكاً عظيماً، يعلم ما فيه، ويدبره، ويسمع كل صوت فيه، ويبصر كل صغيرة فيه.
ثالثاً: وكذلك الإنسان مرآة عاكسة للأسماء الحسنى، من حيث ظهور نقوشها الظاهرة عليه، فيعرف من كونه مخلوقاً اسم الخالق، ويظهر من حسن تقويمه اسم الرحمن الرحيم، ومن حيث تربيته اسم اللطيف الكريم. وهكذا في بقية الأسماء.
والله سبحانه ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فصفاته سبحانه كاملة، وصفاتنا ناقصة، وهو منزه عن مماثلة المخلوقات في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.
فعلمه سبحانه ليس كعلم المخلوق، لأن علم المخلوق كله نقص، نقص في ابتدائه، لأنه مسبوق بجهل، ونقص في غايته، لأنه يلحقه النسيان، ونقص في شموله، لأنه قاصر لا يعلم كل شيء، وهكذا في بقية الصفات الذاتية.
مختارات